مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

المراجعات الفقهية عند الإمام مالك نماذج تطبيقية

 (النموذج الخامس): رجوع الإمام مالك إلى القول باستظهار الحائض التي يتمادى بها الدم.

كان قول مالك الأول في الحائض التي يتمادى بها الدم بعد أيام حيضتها المعروفة أنها تقعد خمسة عشر يوما من أيام الدم، وما لم تر فيه دما ألغته، ثم رجع إلى القول بالاستظهار بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها، وترك قوله الأول خمسة عشر يوما[70].

قال ابن القاسم: “وكان مالك يوقِّت في دم الحيض أكثر دهره إذا تمادى بها الدّم أنها تقعد خمسة عشر يوما، فإن انقطع عنها فيما بين ذلك ألغت الأيام التي لم تر فيها الدّم، مثل ما فسرت لك، واحتسبت بأيام الدّم، فإذا استكملت خمس عشرة ليلة من أيام الدّم اغتسلت وصلت، وصنعت ما تصنع المستحاضة، ثم رجع فقال: أرى أن تستظهر بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها ثم تصلي، وترك قوله الأول: خمسة عشر”[71].

وقال ابن عبدالبر: “وكان أقصى الحيض عند مالك خمسة عشر يوما، فكان يقول في المبتدأة وفي التي أيامها معروفة فيزيد حيضها: إنهما تقعدان إلى كمال خمسة عشر يوما، فإذا زاد فهو استحاضة، ثم في التي لها أيام معروفة أن تستظهر بثلاثة أيام على عادتها ما لم تجاوز خمسة عشر يوما احتياطا للصلاة، ثم تغتسل بعد ذلك وتصلي، وكذلك تستظهر المبتدأة أيام لداتها[72] بثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوما، ثم تغتسل أيضا وتصلي، لأن ما زاد على ذلك دم استحاضة… ولا استظهار عند مالك إلا لهاتين المرأتين في هذين الموضعين”[73].

والاستظهار شيء تفرد به مالك وأصحابه، وخالفهم في ذلك جميع فقهاء الأمصار ما عدا الأوزاعي[74].

ومعنى الاستظهار أن المرأة الحائض التي أيامها اثنا عشر يوما فدون ذلك تستظهر بثلاثة أيام، أي تزيدها، والتي أيامها ثلاثة عشر تستظهر بيومين، والتي أيامها أربعة عشر بيوم واحد، وخمسة عشر لا تستظهر بشيء[75].

ووجه القول بالاستظهار ثلاثة أيام ليستبين فيها انفصال دم الحيض من دم الاستحاضة استدلالا بحديث المصراة، إذ حد فيه رسول الله ثلاثة أيام في انفصال اللبن: لبن التصرية، من اللبن الطاريء[76]، واحتجوا بحديث رواه حرام بن عثمان عن ابني جابر عن جابر أن أسماء بنت مرشد الحارثية كانت تستحاض، فسألت النبي –عليه السلام-عن ذلك، فقال لها  النبي –عليه السلام-: اقعدي أيامك التي كنت تقعدين، ثم استظهري بثلاث، ثم اغتسلي وصلي”[77].

قال ابن عبد البر: “وهذا حديث لا يوجد إلا بهذا الإسناد، وحرام بن عثمان المدني متروك الحديث مجتمع على طرحه لضعفه ونكارة حديثه، حتى لقد قال الشافعي: الحديث عن حرام بن عثمان حرام، وقال بشر بن عمر: سألت مالك بن أنس عن حرام بن عثمان، فقال:ليس بثقة”[78]. ولذلك قال ابن العربي: “والاستظهار مشهور في المذهب، ضعيف في الحديث”[79].

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11الصفحة التالية

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بوركتم، ولو كان هناك محاولة ترجيح في الموضوع لكان أفضل، أقصد من باب الخلاف العالي والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق