مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

المراجعات الفقهية عند الإمام مالك نماذج تطبيقية

أولا: نماذج من المسائل التي حكي فيها رجوع الصحابة:

حصر بعض الباحثين في دراسته عدد المسائل التي حكي فيها رجوع الصحابة- رضي الله عنهم-  في إحدى وخمسين مسألة، وقد عزا الباحث أسباب رجوع الصحابة عن آرائهم وأقوالهم إما إلى سبب خفاء السنة الثابتة  عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عندهم في المسألة الواردة عليهم، وإما لقول الصحابي بحكم نسخ ولم يبلغه، فإذا بلغه الناسخ رجع إليه، وقد يكون سبب رجوع الصحابي مراعاة المصلحة التي راعتها الشريعة[18].

ومن المسائل التي حكي فيها رجوع الصحابة ما روي عن أبي بن كعب من أن المجامع إذا أكسل ولم ينزل فليس عليه الغسل، ثم رجع عن هذا القول بعد أن بلغه النسخ. روى مالك في الموطأ من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أنه سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ فقال زيد: لا يغتسل، فقال له محمود: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل فقال له زيد بن ثابت: إن أبي بن كعب نزع عن ذلك قبل أن يموت”[19]. قال ابن عبد البر: “و في رجوع أبي بن كعب عن القول بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عنه ما يدل على أنه كان منسوخا، ولولا ذلك ما رجع عنه”[20].

ومن المسائل التي حكي فيها رجوع الصحابة ما روي عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة من إنكار المسح على الخفين وكراهيته؛ قال ابن عبد البر: “ولم يرو عن أحد من الصحابة إنكار المسح على الخفين إلا ابن عباس وعائشة وأبي هريرة[21]. أما عائشة فقد روي عنها أنها قالت: “لأن أجزهما بالسكاكين أحب إلي من أمسح عليهما[22]. وفي رواية:” لأن أحزهما، أو أحز أصابعي بالسكين أحب إلي من أمسح عليهما[23]. وأما ابن عباس فقد حكى عنه جماعة من أهل العلم أنه كان يكره المسح على الخفين أول أمره[24]؛ فقد روى عنه عكرمة أنه قال: “سبق الكتاب الخفين”[25]. وأما أبو هريرة رضي الله عنه، فقد روى عنه بعض أهل العلم قوله: “ما أبالي على ظهر خفي مسحت أو على ظهر حمار”[26].

وقد ثبت عن هؤلاء الصحابة رجوعهم عن إنكار المسح وموافقتهم لجمهور الصحابة.

أما عائشة، فقد روى مسلم في صحيحه عن شريح بن هانئ قال: “أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم”[27]. فلما بلغها قول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم رجعت إليه.

وأما ابن عباس فقد روي عنه في ذلك روايات متعددة من قوله وفعله، منها ما رُوي عن عطاء أنه قال: “كان ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين فلم يمت حتى تابعهم”[28]. قال البيهقي في معرفة السنن والآثار: “وكان ابن عباس ممن ينكر المسح، ثم جاءه الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال به”[29].

وأما أبو هريرة فقد أورد ابن عبد البر عن أبي زرعة عن أبي هريره – رضي الله عنه- أنه كان يمسح على خفيه[30].

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11الصفحة التالية

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بوركتم، ولو كان هناك محاولة ترجيح في الموضوع لكان أفضل، أقصد من باب الخلاف العالي والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق