الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

– الحلقة السادسة –

شكلت السواحل الصحراوية المغربية مجال ثروة بحرية غنية ومتنوعة ^[88] أثارت أطماع الدول الاستعمارية، ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي^[89]. ومقابل ذلك، لم يهتم كثير من أهل الصحراء بالبحر المحيط ومنتجاته ^[90]، بالرغم من استعمالهم معجما بحريا حسانيا غنيا ^[91].

  ومن بين أهل الصحراء الذين كان معاشهم المنتجات البحرية مجموعات بشرية قليلة شبه مستقرة ^[92]، بالساحل الصحراوي ^[93]، مازجة بين ثقافة البحر وثقافة الصحراء ^[94]. سُميت قبائل الحوت أو أهل البحر وبدوه ^[95] الذين جاء استقرارهم “متأخرا في المناطق الساحلية من الصحراء” ^[96]. ومنها بعض خيام أيت لحسن، وإزركيين وأولاد تيدرارين الأنصار^[97]، ذوي الصلة بقبائل لفيكات الساحلية ^[98].

   ومن أهل البحر قبائل لميار، المنتسبة، بحسب الرواية الشفهية، إلى لفقير المير القادم من أيت مسعود، والمستقر بالساقية الحمراء. ومنها أهل سيدي سالم، وأهل لهبيل، وأهل براهيم. ومنها أُسَر أهل مانة، وأهل توازن، وخيام أهل أمبيريك ^[99].

   ومن أهل البحر قبائل لمناصر المنقسمة إلى أعراش أهل سالم- أهل العتروس، وأهل الكريفة، وأهل أصنيبة، وأهل سويلم- أهل ملوك ^[100]، والموزع غالب أفرادها في الساقية الحمراء، متمركزين، بمرسى العيون، ومرسى بوجدور، ونواحيهما ^[101]. وكانت هذه القبيلة تمتهن الصيد البحري التقليدي، بمنطقة المرسى الأخيرة، مثلها في ذلك مثل قبائل لفيكَات ^[102]، المنتسبة إلى موسى ولد فيكات، والمنقسمة إلى أعراش أهل علال الشيهب، وأهل عبداهو، ولعلهم أهل بهاهو، وأهل عيلا واسعيد، وأهل لكويض، ولعلهم أهل أكييد [^103]. ومن لفيكات أُسَر صيادين مثل خيام أهل فيكا الله، وأهل بلخير، وأهل إبراهيم ولد اللعبة ^[104].

   ويبدو أنهم كانوا يطعمون جياع الطرفاية. حيث حكى أحد سكانها، قال: “أتذكر في سنوات شبابي الأولى ولا زلت أتذكر صورة الجموع الغفيرة من قبائل متنوعة في الطرفاية، وهم جالسون قرب الشاطئ ينتظرون بحارة لفيكات الأقوياء، تصور معي مجموعات كبيرة من الرجال والنساء والأطفال عيونهم على البحر في انتظار عودة البحارة، الرجال يلبسون الدراريع (لباس محلي) على الجلد وعيونهم جاحظة من شدة الجوع، وعند عودة البحارة يتسابق الرجال والنساء نحوهم، ويقوم بحارة لفيكات بتوزيع الأسماك على مجموع البشر بدون تفرقة، فبحارة لفيكات كانوا في ذلك الزمن هم منقذي الناس من آفة الجوع“^[105]، فرحمهم الله، وجزاهم خيرا.

   ومن أهل البحر قبائل الشناكلة، “على ساحل وادي نون من جنوب واد أساكا حتى حدود مصب وادي درعة ويقل أفراد القبيلة كلما اتجهنا جنوبا نحو الطرفاية” ^[106]. ومنها أهل لفيداد، وأهل عباد، وأهل بوعسرية، وخيام أهل سويدي الشنكلي، وأهل الفاطر^[107]. ويبدو أنها كانت تستعمل “قوارب صغيرة وشباك من الأسل الأخضر والدوم“. وكانت تنقل فائضها إلى الداخل من أجل بيعه مملحا ^[108].

   ومن أهل البحر قبيلة مجاط المنقسمة إلى أفخاذ أهل علي بن سالم (أهل عبد الله- أهل الحميد)، والبيض (السراولة- الدويكات)، والكرونة (أهل الكيحل)، وأهل محمد بن إبراهيم (أهل عياد- أهل عبيدة)، وبيوت بحرية (أهل عبد الحي- أهل بيرة- أهل إبراهيم ولد بلال ومحمد الحسان ولد بلال- أهل عبد الباقي)^[109]؛ والمنتقلة من معاش الظعن والترحال إلى معاش البحر^[110]، والانتشار بـ “المجال الممتد من حدود واد الشبيكة شمالا حتى حدود مصب وادي الساكية“^[111].

   وخلال ذلك، تمتهن هذه القبيلة الصيد البحري بثلاثة ملاوح. أولها: ملوح أمكريو، شمال الطرفاية، في الفترة الممتدة من الصيف إلى نهاية الخريف. وثانيها: ملوح أخفنير، في الفترة الممتدة من شهر دجنبر إلى حدود شهر مارس. وثالثها: ملوح حجرة علوات، في الفترة الممتدة من بداية مارس إلى حدود فصل الصيف.

   وبذلك، شكل معاش البحر نشاطا أساسيا، خلال سيرة قبيلة مجاط. حيث يتم تجفيف السمك (تشطار) “ونقله أثناء تنقل فصائل القبيلة نحو مناطق الرعي شرق  الهضاب المطلة على النعيلة وأخفنير“^[112]. وخلال فترة جفاف، انتقلت قبيلة الركَيبات إلى منطقة مجاط التي استضافتهم بطعامها المحلي الذي هو السمك ^[113].

يتبع                                      

الإحالات:

^[88] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص91؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، محمد الغربي، مطبعة “الأنباء”، ص63؛ وكتاب الصحراء، محمد باهي، دار النشر المغربية، 2006 م، ص215؛ والمجتمع الصحراوي ومسألة تدبير الماء، زهرة فعراس، مطبعة طوب بريس، 2015 م، ص54؛ والإنسان والماء في الصحراء المغربية، زينب مبسوط، المطبعة والوراقة الوطنية، 2018 م، ص274؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن 19، ص341؛ والسواحل الصحراوية الأطلنتية، عبد العزيز فعراس، في: السواحل الجنوبية مجال ومجتمع، بيئة وتنمية، ص14- 15؛ والمجتمع والبحر من خلال منطقة الساقية الحمراء، مليخاف سالم، في: المرجع نفسه، ص71، وص72، وص74، وص78؛ وسواحل المغرب الجنوبي، عبد الرحيم وطفة- رشيدة نافع، في: الأقاليم الجنوبية المغربية، المطبعة والوراقة الوطنية، 2006 م، ص117- 118؛ والقيمة الحقيقية للثروات السمكية بالأقاليم الصحراوية المغربية، محمد الطيلسان، في: المرجع نفسه، ص158، وص175؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، محمد دحمان، في: مجلة كلية الآداب بالقنيطرة، ع.10، ص240، وص244، وص245، وص248، وص250؛ ومعلمة الصحراء، ص140؛ ومادة الصيد البحري، في: معلمة المغرب، ج27، ص410- 411.

^[89] المغرب في مواجهة الحملات الصليبية، ج1، محمد ابن عزوز حكيم، مطابع الشويخ، 2003 م، ص87- 88؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص91؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، ص63؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن 19، ص322، وص328، وص337، وص373، وص375؛ وواد نون خلال القرن 19، ص203؛ وإغلاق ميناء أكادير، ص147؛ وكرونولوجيا، في: مدخل إلى تاريخ الصحراء الأطلنتية، ص214؛ ولمحة تاريخية حول صحراء المغرب، عثمان بناني، في: الأقاليم الجنوبية المغربية، ص42؛ وأهمية ساحل الصحراء بين المجتمع القبلي والقوى المتهافتة، في: السواحل الجنوبية، ص49؛ والمجتمع والبحر من خلال منطقة الساقية الحمراء، ص71- 72؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص240، وص244، وص245، وص248، وص249؛ ومعلمة الصحراء، ص140- 141.

^[90] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص91؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، ص63؛ ودراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء الأطلسية، محمد بوزنكاض، المطبعة والوراقة الوطنية، 2012 م، ص99؛ وأهمية ساحل الصحراء، ص41، وص43، وص47، وص50، وص52؛ والمجتمع والبحر، ص72، وص74، وص78؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص248؛ ومعلمة الصحراء، ص140؛ ومادة الصيد البحري، في: معلمة المغرب، ج27، ص411.

^[91] المعجم الحساني، عبد العزيز فعراس، دار أبي رقراق، 2016 م، ص75- 111؛ وحياة موريتانيا: الجغرافيا، المختار ولد حامد، دار الغرب الإسلامي، 1994 م، ص115؛ والمجتمع والبحر من خلال منطقة الساقية الحمراء، ص72؛ وأدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين بالصحراء، عبد الحق البرغزي، في: دراسات حول الصحراء، مطابع الرباط نت، 2019 م، ص159- 160؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص242، وص243- 244، وص246، وص247؛ ومادة الصيد البحري، في: معلمة المغرب، ج27، ص411.

^[92] دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء الأطلسية، ص99؛ وأهمية ساحل الصحراء، ص41، وص45، وص47، وص49؛ والمجتمع والبحر من خلال منطقة الساقية الحمراء، ص71، وص72، وص75؛ ومعلمة الصحراء، ص76.

^[93] دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء الأطلسية، ص99؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص91؛ والتجارة في وادي نون، ص339؛ وأهمية ساحل الصحراء، ص42، وص43، وص47، وص49؛ والمجتمع والبحر، ص71، وص72، وص73، وص74، وص75، وص76- 77، وص78؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص239- 240، وص244، وص245، وص249؛ وأدوات الصيد البحري التقليدية، ص155؛ ومعلمة الصحراء، ص76، وص140؛ ومادة الصيد البحري، في: معلمة المغرب، ج27، ص411؛ ولعل تواجدهم بهذه السواحل الصحراوية رتبه بعض صلحاء هذا المجال. راجع: أهمية ساحل الصحراء، ص43؛ والمجتمع والبحر، ص78.

^[94] أهمية ساحل الصحراء، ص43، وص45، وص47، وص49؛ والمجتمع والبحر، ص75، وص77.

^[95] دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء الأطلسية، ص99؛ وأهمية ساحل الصحراء، ص41، وص42، وص43، وص49؛ والمجتمع والبحر، ص72، وص73، وص76، وص77؛ والمعجم الحساني، ص100.

^[96] أهمية ساحل الصحراء بين المجتمع القبلي والقوى المتهافتة، ص49.

^[97] دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء، ص100؛ وحياة موريتانيا: الجغرافيا، ص115؛ والمجتمع البيضاني في القرن التاسع عشر، محمدّ بن محمذن، مطبعة النجاح الجديدة، 2001 م، ص371؛ والمجتمع والبحر، ص74، وص75؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص245؛ ومادة الصيد البحري، في: معلمة المغرب، ج27، ص411.

^[98] أهمية ساحل الصحراء بين المجتمع القبلي والقوى المتهافتة، ص42.

^[99] المجتمع والبحر، ص75، وص76، وص78.

^[100] نفسه، ص76.

^[101] نفسه، ص78.

^[102] الإنسان والماء في الصحراء المغربية الأطلنتية، ص274. راجع: أهمية ساحل الصحراء، ص42؛ والمجتمع والبحر، ص75، وص77، وص78.

^[103] أهمية ساحل الصحراء، ص42؛ والمجتمع والبحر، ص75، وص76.

^[104] المجتمع والبحر من خلال منطقة الساقية الحمراء، ص75.

^[105] نفسه، ص77. استأنس بـ: أهمية ساحل الصحراء، ص42، وص45؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي بجهة وادي الذهب- الكويرة، ص242- 243.

^[106] أهمية ساحل الصحراء، ص42. راجع: الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص91؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، ص63؛ والمجتمع والبحر، ص75، وص78 والهامش رقم 2؛ ومعلمة الصحراء، ص140.

^[107] المجتمع والبحر من خلال منطقة الساقية الحمراء، ص75، وص76.

^[108] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ص63؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص91؛

^[109] أهمية ساحل الصحراء، ص43؛ والمجتمع والبحر، ص75، وص77.

^[110] أهمية ساحل الصحراء بين المجتمع القبلي والقوى المتهافتة، ص43.

^[111] نفسه، ص42. راجع: المجتمع والبحر، ص78.

^[112] أهمية ساحل الصحراء، ص45. استأنس بـ: المرجع نفسه، ص46.

^[113] أهمية ساحل الصحراء، ص45. استأنس بـ: المرجع نفسه، ص42؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي بجهة وادي الذهب- الكويرة، ص242- 243.