مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

المراجعات الفقهية عند الإمام مالك نماذج تطبيقية

 (النموذج السادس): أقصى مدة لنفاس.

اختلف قول مالك في أقصى مدة الحمل، فمرة قال: أقصى مدة النفاس ستون يوما، وهو قوله الأول، ومرة قال:يسأل عن ذلك النساء، وهو قوله الذي رجع إليه.

قال ابن القاسم: “كان مالك يقول في النفساء: أقصى ما يمسكها الدم ستون يوما، ثم رجع عن ذلك آخر ما لقيناه، فقال: أرى أن يسأل عن ذلك النساء وأهل المعرفة، فتجلس بعد ذلك”[80].

وقال أيضا: “وقال مالك في النفساء: متى ما رأت الطهر بعد الولادة وإن قرب فإنها تغتسل وتصلي، فإن رأت بعد ذلك بيوم أو يومين أو ثلاثة أو نحو ذلك دما مما هو قريب من النفاس كان مضافا إلى دم النفاس وألغت مابين ذلك من الأيام التي لم تر فيها دما، فإن تباعد ما بين الدمين كان الدم المستقبل حيضا، وإن كانت رأت الدم قرب دم النفاس كانت نفساء، فإن تمادى بها الدم أقصى ما تقول النساء إنه دم نفاس وأهل المعرفة بذلك كانت إلى ذلك نفساء، وإن زادت على ذلك كانت مستحاضة”[81].

قال ابن القاسم: “وقد كان حد لنا قبل اليوم في النفساء ستين يوما، ثم رجع عن ذلك آخر ما لقيناه فقال: أكره أن أحد فيه حدا ولكن يسأل عن ذلك أهل المعرفة فتحمل على ذلك”.

وقال ابن وهب:”قال سألنا مالكا عن النفساء كم تمكث في نفاسها إذا طال بها الدم حتى تغتسل وتصلي؟ قال: ما أحد في ذلك حدا، وقد كنت أقول في المستحاضة قولا، وقد كان يقال لي: إن المرأة لا تقيم حائضا أكثر من خمسة عشر يوما، ثم نظرت في ذلك، ورأيت أن أحتاط لها فتصلي، وليس ذلك عليها أحب إلي من أن تترك الصلاة وهي عليها، فرأيت أن تستظهر بثلاث، فهذه المستحاضة أرى اجتهاد العالم لها في ذلك سعة، ويسأل أهل المعرفة بهذا فيحملها عليه، لأن النساء ليس حالهن في ذلك حالا واحدا، فاجتهاد العالم في ذلك يسعها. قال: وقال مالك في النفساء ترى الدم يومين وينقطع عنها يومين حتى يكثر ذلك عليها، قال تلغي الأيام التي لم تر فيها الدم وتحسب الأيام التي رأت فيها الدم حتى تستكمل أقصى ما تجلس له النساء من غير سقم ثم هي مستحاضة بعد ذلك، قال وترك قوله في النفاس: أقصاه ستون يوما، وقال تسأل النساء عن ذلك”[82].

والمشهور عند المالكية أن أقصى مدة النفاس ستون يوما، قال ابن عبدالبر: “كان مالك يقول: أقصى ذلك شهران، ثم رجع فقال: يسأل عن ذلك النساء، وأصحابه على أن أقصى مدة النفاس شهران: ستون يوما”[83].

 وقال ابن رشد:” وأما أكثره-أي النفاس- فقال مالك مرة: هو ستون يوما، ثم رجع عن ذلك فقال: يسأل النساء عن ذلك، وأصحابه ثابتون على القول الأول”[84].

وقال الشيخ خليل في التوضيح: “والذي رجع إليه مالك في النفاس: سؤال النساء، لكن نص ابن بزيزة على أن المشهور هنا الستون، وعليه عوّل ابن  أبي زيد”[85].

 وعليه اقتصر الشيخ خليل، قال الحطاب: “وأما أكثره –أي النفاس- فكما قال المصنف: ستون يوما، وهذا قول مالك المرجوع عنه”[86].

ووجه القول بأنه ستون يوما أن ذلك قد وجد عادة مستمرة في النساء، فيجب الحكم بكونه نفاسا[87]، كما أنهم عدوه بأربع حيض، لما كان عند مالك ستون[88]. ووجه القول الآخر العادة وهي في هذا الباب أصل يرجع إليه ويعول عليه، والنساء يعرفن ذلك، ويفرقن بين ما هو منه وما ليس منه، فيرجع فيه إليهن، ويدل على هذه الجملة قوله عز وجل: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)[سورة البقرة الآية226]، فجعلهن مؤتمنات على ما يخبرن به من ذلك، وقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش وقالت له: إن الدم قد غلبني فما أطهر أفأدع الصلاة؟- وذلك لخروجه عن عادتها وإنكارها دوامه بها- فقال عليه السلام: “إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلي[89]. فوكلها إلى علمها ومعرفتها ولم يعلقه بحد[90].

وسبب الخلاف عسر الوقوف على ذلك بالتجربة لاختلاف أحوال النساء في ذلك، ولأن كلما وجب تحديده في الشرع ولم يرد به نص لزم الرجوع فيه إلى العادة، ولأنه ليس هناك سنة يعمل عليها[91].

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11الصفحة التالية

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بوركتم، ولو كان هناك محاولة ترجيح في الموضوع لكان أفضل، أقصد من باب الخلاف العالي والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق