مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

مخلّع البسيط ما هو؟

من البحور التي أكثر منها الشعراء، والأوزان التي شاعت في دواوينهم البحر البسيط، فهو بحر ينخرط في سلك دائرة المختلف إلى البحرين المديد والطويل، كما يحتل هو والطويل حيزا كبيرا في دواوين الشعراء، يقول حازم القرطاجني رحمه الله: «ومن تتبع كلام الشعراء في جميع الأعاريض وجد الكلام الواقع فيها تختلف أنماطه بحسب اختلاف مجاريها من الأوزان، ووجد الافتنان في بعضها أعمّ من بعض، فأعلاها  درجة في ذلك الطويل والبسيط ويتلوهما الوافر والكامل، ومجال الشاعر في الكامل أفسح منه في غيره»(1).

وقد «سمي بسيطاً، لأن الأسباب انبسطت في أجزائه السباعية، فحصل في أول كلّ جزء من أجزائه السباعية سببان، وقيل: لانبساط الحركات في عروضه وضربه»(2)، ونص العروضيّون في كتبهم أن له ثلاث أعاريض وستة أضرب(3)، ومنها نمط اشتهر بـ«مخلّع البسيط»، وهو الضرب السادس؛ عني بالنظم عليه شعراء الأمصار، وذاع استعماله في جميع الأزمنة والأعصار.

والمخلَّع اسم مفعول من التخليع، «سمي بذلك، لِأَنَّهُ خلعت أوتادُه فِي ضربه وعروضه، لِأَنَّ أصله (مُسْتَفْعِلُنْ) فِي الْعرُوض وَالضَّرْب، فقد حذف مِنْهُ جزءان، لِأَن أصله ثَمَانِيَة. وَفِي الجزأين وتدان، وَقد حذفت من (مُستْفَعِلُنْ) نونُه، فَقُطِع هَذَانِ الوتدان، فَذهب من الْبَيْت وتدان، وَكَأنَّ الْبَيْت خلع، إِلَّا أَن اسْم التخليع لحقه، بِقطع نون (مُسْتَفْعِلُنْ) لِأَنَّهُمَا للبيت كاليدين، فكأنهما يدان خلعتا مِنْهُ»(4).

وإذا نظرنا في المصادر العروضية نجد اضطرابا في تحديد «المخلع»، واختلافا في صورته، ويمكن رجع ذلك إلى ثلاثة مذاهب وآراء: عامٍ، وخاصٍ، وأخصَّ:

1- أما العام فهو أن المخلع هو مجزوء البسيط ومسدّسه، ووزنهُ:

مستفعلن فاعلن مستفعلن               مستفعلن فاعلن مستفعلن

ويعضده ما وردَ في معجم «العين»: «المُخَلَّعُ من الشِّعْر: ضَرْبٌ من البسيط يُحْذفُ من أجزائه كما قال الأسودُ بن يَعْفَر:

ماذا وُقوفي على رَسْمٍ عفا            مُخْلَوْلِقٍ دَارِسٍ مُسْتَعْجِمِ

قُلْتُ للخليل: ماذا تَقُولُ في المُخَلَّعِ؟ قال: المُخَلَّعُ من العروض ضرب من البسيط وأورده»(5)، ونحوه في «تهذيب اللغة» للأزهري (ت:370هـ)، وكذلك يفهم ذلك من قول الزمخشري رحمه الله: « البسيط هو، في البناء، على نوعين: مثَّمن، ومسدّس، وهو المخلَّع الذي ذكرنا»(6) يعني أن مسدسه هو المراد بالمخلّع، وقال الدمنهوريّ رحمه الله: «…وعن جماعة منهم الزمخشري أنه [أي المخلع] مجزوءُ البسيط كيف كان. واتفق الكل على اختصاص التخليع بمجزوء البسيط فتنبه»(7).

2- أما الخاص فهو أن المخلَّع ما كان عروضه وضربه مقطوعين، أي على وزن «مستفْعِلْ=مفعولنْ»، قال الجوهري رحمه الله (ت:393هـ) عند حديثه عن البحر البسيط: «ويجوز فيه التخليع، وهو قطع (مستفعلُنْ) في العروض والضرب جميعا ، فينقلان إلى (مفعولنْ) فيسمّى البيت مخلّعًا، وبيته:

ما هيج الشوق من أطلال      أضحت قفارًا كَوَحْيِ الوَاحِي

ثم قال: «ويجوز في المخلَّع خبن (مفعولن) فيبقى (معولن) فينقل إلى (فعولن)» (8)، وذَكرَ نحو ذلك في صحاحه(9)، وقال ابن القطّاع رحمه الله (ت:515هـ): «الضرب السادس مجزوء مقطوع وعروضه مثله، ويسمى مخلَّعًا؛ لأنه نقص وتدا من عروضه وضربه، فصارا كأنهما يدان خلعتا»(10)، وقال السكاكي رحمه الله (ت:626هـ): «والعروض الثانية مقطوعة ولها واحد مقطوع، وهذا البيت الأخير المقطوع العروض والضرب يسمى مخلّعا»(11)، ويجوز عنده أن يأتي ضربه المقطوع مخبونًا.

وقال الدمنهوريّ رحمه الله: «ولحسن الخبن ذوقا في هذه العروض وضربها التزمه المولدون وهو من التزام ما لا يلزم. ونقل عن الخليل والزجاج أن المخلَّعَ المقطوعُ العروض والضرب ولو من غير خبن»(12).

3- أما الأخصّ فهو أن المخلَّع ما كان عروضه وضربه المقطوعان مخبونين، يعني لا يسمى مخلَّعاً إلا في حالة خبنهما، بأن يحذف الثاني الساكن من (مفعولن) فيصبح (مَعُولن=فَعُولن)، ويفهم هذا من كلام الخطيب التبريزي رحمه الله (ص:502هـ)، ونصُّه(13): «بيت الخبن من (مفعولن) وهو المخلَّع:

أصبحتُ والشَّيبُ قدْ عَلَانِي                     يَدعُو حَثيثاً، إلى الخِضابِ»

ومن كلام الزنجاني رحمه الله صاحب «المعيار في أوزان الأشعار»، إذ يقول(14): «بيت الكبل وهو الذي يسمى المخلّع:

أصبحتُ والشَّيبُ قدْ عَلَانِي                     يَدعُو حَثيثاً، إلى الخِضابِ

فقوله: (علاني) و(خضابي) فعولن مخلّع».

ومن كلام الدماميني (ت:827هـ)، يقول:«وبيت الخبن في العروض والضرب المقطوعين:

أصبحتُ والشَّيبُ قدْ عَلَانِي                     يَدعُو حَثيثاً، إلى الخِضابِ»

فقوله: (علاني) هو العروض وقوله (خضابي) هو الضرب، وزن كل منهما فعولن، وهذا هو المسمي عندهم بالمخلع. والمولدون التزموا الخبن في هذه العروض وضربها لحسن ذوقه، وهو من التزام ما لا يلزم»(15).

وللناقد البلاغي الكبير حازم القرطاجني رحمه الله (ت:684هـ) رأي آخر في هذا الوزن؛ إذ يرى أن ما كان من مجزوء البسيط على وزن: (مستفعلن فاعلن مستفعلانْ) أو (مستفعلن فاعلن مفعولنْ) «صالح أن ينسب إلى المجتث»(16)، وفق ما تقتضيه مقاييس البلاغة وقوانين الأوزان، وأما ما كان على وزن (مستفعلن فاعلن فعولنْ) بقطع العروض والضرب وخبنهما  فليس منخرطا في سلك الأوزان المألوفة، بل هو – حسب رأيه – وزنٌ برأسهِ، ونص كلامهِ: «فأما الوزن المضارع لهذا المخلع – وهو الذي اعتمد المحدثون إجراء نهاياته على مثال (فعولن) – فليس راجعا إلى واحد من هذه الأوزان؛ وإنما هو عروض قائم بنفسه مركب شطره من جزأين تساعيين على نحو تركيب الخبب وتقديره: (مستفعلاتن مستفعلاتن)، وكأنهم يلتزمون حذف السين من الجزء الثاني لأن السواكن في كل وزن إذا توالى منها أربعة ليس بين كل ساكن منها وساكن إلا حركة تأكد حذف الساكن الثالث وحسن الوزن بذلك حسنا كثيرا»(17). وقد استدل على رأيه بالمعقول والمنقول فيراجع(18).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع

(1) منهاج البلغاء (ص:268)

(2) الوافي (ص:54)

(3) انظر: عروض ابن الحصار (ص:64)، والوافي للتبريزي (ص:54)، والكافي للخواص (ص:58)

(4) المحكم (1/140) ولسان العرب (مادة:خلع)

(5) العين (1/119)

(6) القسطاس (ص:79)

(7) الحاشية الكبرى (ص:45)

(8) عروض الورقة (ص:28)، وانظر: مفتاح العلوم (:535و536)

(9) الصحاح (3/1205)

(10) البارع (ص:114)

(11) مفتاح العلوم (ص:533)

(12) الحاشية الكبرى (ص:45)

(13) الوافي (ص:63)

(14) المعيار (1/31)

(15) العيون الغامزة (ص:159)

(16) منهاج البلغاء (ص:238)

(17) منهاج البلغاء (ص:238)

(18) وانظر كلامه مبسوطاً ومشروحا في: مخلع البسيط ليس من البسيط – بحث عن الهوية الموسيقية لبحر فقد هويته من خلال ديوان مهيار الديلمي- للناقد الدكتور محمد الدناي، بحث منشور ضمن مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية/جامعة سيدي محمد بن عبد الله/فاس، (ع:10-1989م)، ص:15-30. وانظر أيضا: بحور لم يؤصلها الخليل – البحر المخلع – عمر خلوف، بحث منشور ضمن مجلة الدراسات اللغوية، (مجلد:7/ع:1، 1426هـ-2005م)، ص:177-254.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق