وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

مدرسة حاضرة أنفا المرينية

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

 

شكلت مدرسة أنفا المرينية [1] التي أسسها أمير المؤمنين سيدي أبو الحسن المريني [2] عمارة دينية حفيلة. حيث شاهد إبراهيم بن عبد الله النميري فيها أبياتا بخط جميل. منها :

مَتِّعْ لِحَاظَكَ في البِنَاءِ الأَحْفَلِ      وَأَطِلْ دُعَاءَكَ لِلْإِمَامِ المِفْضَلِ

المرْتَضَى المَوْلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا      قُطْبِ الهُدَى بَحْرِ النَّوَالِ الأَجْزَلِ

مُحْيِي عُلُومِ الدِّينِ بَعْدَ دُرُوسِهَا      كَافِي الأَنَامِ بِجُودِهِ المُتَكَفِّلِ

عَالِي الفَخَارِ الدَّهْر أَذْعَنَ أَمْرَهُ      أنْشِئْت في العَصْرِ السَّعِيدِ المُقْبِلِ

ومما رآه أيضا هناك :

يَا مَنْ يُطِيل تعَجُّبَا      فِي حُسْنِ مَنْظَرِيَ الْحَسَنْ

أَنا مِنْ مَآثِرِ موئِلِي      فَخْرِ المُلُوكِ أَبِي الحَسَنْ

إِبْنِ الإِمَامِ أَبِي سَعِيــــ      دِ المُرْتَضَى الأَرْضَى السَّنَنْ

فَلِيَ الفَخَارُ بِذِكْرِهِ      وَلِعَصْرِهِ طُولُ الزَّمَنْ [3] 

   ويبدو أنها مدرسة لا تخالف هندسيا مجمل مدارس السلطان المريني المذكور. وفي هذا الصدد، تحدث محمد ابن مرزوق عن هذه المدارس، بقوله: “وكلها قد اشتمل على المباني العجيبة والصنائع الغريبة والمصانع العديدة والاحتفال في البناء والنقش والجص والفرش على اختلاف أنواع من الزليجي البديع والرخام المجزع والخشب المحكم النقش والمياه النهيرة. مع ما ينضم إلى ذلك من الأحباس التي تقام بها ويحفظ بها الوضع، مما يصلح به ويبنى ويجرى في المرتبات على الطلبة والعونة والقيم والبواب والمؤذن والإمام والناظر والشهود والخدام ويوفر من ذلك. وهذا يرشدك إلى قدر ما يحتاج إليه في كل مدرسة من هذه المدارس، هذا مع ما حبس في جلها من أعلاق الكتب النفيسة والمصنفات المفيدة“[4].

   وبالرغم من عمومية هذه الوثيقة المرينية، سجلت بعض المصادر اسميْ فاعلَيْن مجاليين أسهما في تنمية المجال التعليمي، بمدرسة حاضرة أنفا المرينية. أولهما: سيدي علي بن إبراهيم الأنصاري، الشهير بابن الرقاص المالقي[5]، الذي “رحل عن بلده مالقة، بعد التبريز في العَدالة والشهرة بالطلب، واستقر بالمغرب، فأقرأ بمدينة أنفا، مُنَوَّهًا به“[6]،  في مدرستها، وجامعها الكبير معا[7]. حيث درّس بهما “تفسير القرآن العزيز، والموطأ، والمختصر الفقهي لابن الحاجب، والرسالة القيروانية“، ومن علوم اللسان “تسهيل الفوائد لابن مالك، والجمل للزجاجي، والكراس للجزولي“[8]. ولعله درس بهما علم المواريث، بوصفه جزءا من خطة العدالة التي من المحتمل أنه اشتغل بها، بسماط العدول أو بأحد حوانيتهم في أنفا[9].

   مثل ما درّس، بمدينة سلا، “واستوطن بها، رئيس المدرسة بها، مُجَمْرا  بكرسيها، فارعا بمنبرها، بالواردة السلطانية، يفسر كتاب الله بين العشاءين، شرحا  كثير العيون، محذوف الفضول، بالغاً أقصى مبالغ الفصاحة، مُسمعا على المحال  النّابية، ويدرس من الغَدَوات بالمدرسة، دولا في العربية، والفقه“[10].

  وسبق له أن قرأ، بمالقة، على القاضين سيدي أبي عبد الله إبن تِبر/ أبي بكر، وسيدي أبي عمرو بن منظور، تاليا القرآن على سيدي أبي محمد بن أيوب، دارسا العربية، بغرناطة، على سيدي أبي عبد الله بن الفخار، وسيدي أبي الحسن بن الجيّاب، متلقيا عن بعض أعلام المغرب، مثل سيدي أبي محمد الحَضْرمي، والقاضي سيدي أبي عبد الله المقري، وغيرهما، إلى أن أصبح قاضيا، بشرق مالقة [11].

 وإذ تحدثنا عن أحد الفاعلين المجاليين، بمدرسة أنفا، ننتقل الآن إلى الحديث عن سيدي أبي بكر عثمان بن صالح المسراتي المراكشي، بوصفه الفاعل المجالي الآخر. حيث أقرأ بها “كتاب أبي عمرو بن الحاجب” في الفقه [12]. وولي قضاء المدينة [13]، بمعلمة دينية لعلها قريبة من المدرسة نفسها، بمحيط جامع آنفا [14].

   وسبق له أن قرأ، بمراكش، على سيدي أبي الحسن المُرسي وسيدي أبي عبد الله العَبْدَري، وبحاحة، على سيدي يحيى بن سعيد، وسيدي أبي زيد بن عبد الله وأخيه سيدي أبي بكر، وبأغمات، على سيدي أبي العباس أيَّزْم. ثم ولي القضاء بقصر كتامة، وحصن القاهرة، وأزمور[15]. وبذلك، أسهمت مدرسة أنفا، من حيث عمارتها وبعض أعلامها، في تنمية المجال العلمي- التعليمي، بالحاضرة المذكورة.

الإحالات:

[1] الرحلة المغربية، إبراهيم النميري، تخريج وتعليق: عبد القادر سعود، الرابطة المحمدية للعلماء، 2021 م، ص343، وص344، وص352؛ والمسند الصحيح، محمد ابن مرزوق، دراسة وتحقيق: ماريا بيغيرا، الشركة الوطنية، 1981 م، ص406؛ ونفاضة الجراب1، ابن الخطيب، تعليق: أحمد العبادي، دار النشر المغربية، 1985 م، ص79- 80؛ وخطرة الطيف، المؤلف نفسه، تحقيق: المحقق نفسه، المؤسسة العربية، 2003 م، ص148؛ والإحاطة4، المؤلف نفسه، تحقيق: محمد عنان، الشركة المصرية، 1978 م، ص117؛ والمصدر نفسه، شرح وضبط: يوسف طويل، دار الكتب العلمية، 2003 م، ص92؛ والإعلام، ج1، العباس السملالي، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، 1993 م، ص208؛ وعبير الزهور، ج1، هاشم المعروفي، مطبعة النجاح الجديدة، 2013 م، ص79، وص80، وص85. وراجع: تاريخ المغرب تحيين وتركيب، مطبعة عكاظ الجديدة، 2011 م، ص263؛ وموجز تاريخ المغرب، مطبعة المعارف الجديدة، 2015 م، ص155؛ والمغرب عبر التاريخ2، إبراهيم حركات، مطبعة النجاح الجديدة، 2000 م، ص136؛ والدار البيضاء الإنسان..، محمد السنوسي معنى، دار النشر المغربية، 2017 م، ص24، وص26، وص29، وص30؛ وأنفا وما حولها، إبراهيم حركات، في: أعمال ندوة الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ص22- 23؛ و”أخبار أنفا والشاوية عبر العصور”، سعيد غصان، في: الشاوية التاريخ والمجال، مطبعة دار النشر المغربية، 1997 م، ص137؛ وأنفا في عهد المرينيين، محمد المنوني، في: المدينة في تاريخ المغرب العربي، مطابع سلا، ص253.

[2] الرحلة المغربية، ص343، وص352؛ والمسند الصحيح، ص406؛ وعبير الزهور1، ص79؛ والمغرب عبر التاريخ2، ص136؛ والدار البيضاء الإنسان..، ص29؛ وأنفا في عهد المرينيين، ص253؛ وأنفا وما حولها، ص22- 23.

[3] الرحلة المغربية، ص352.

[4] المسند الصحيح، ص406. انظر: عبير الزهور، ج1، ص79. وراجع: أنفا في عهد المرينيين، ص253.

[5] ممن أغفل ذكره العلامة مصطفى بوشعراء. انظر: الكتيبة الكامنة، لسان الدين ابن الخطيب، تحقيق: إحسان عباس، مطبعة عيتاني الجديدة، د. ت، ص94. وراجع: الإحاطة بأخبار غرناطة، مج4، 2003 م، ص92، الهامش رقم 2.

[6] الإحاطة4، 1978 م، ص117. قابل بـ: المصدر نفسه، 2003 م، ص92؛ وعبير الزهور1، ص85. وانظر: الرحلة المغربية، ص344، وص347. وراجع:  الدار البيضاء الإنسان..، ص24؛ وأنفا في عهد المرينيين، ص254، وص255.

[7] الرحلة المغربية، ص343، وص344، وص348؛ وأنفا في عهد المرينيين، ص253.

[8] أنفا في عهد المرينيين، ص253. انظر: الرحلة المغربية، ص343.

[9] الذيل والتكملة، السفر الثامن، القسم الأول، محمد ابن عبد الملك المراكشي، تحقيق: محمد بن شريفة، مطبعة المعارف الجديدة، 1984 م، ص243؛ ونفاضة الجراب، ج1، ص79، وص80؛ والإعلام بمن حل مراكش، ج1، ص208؛ وج9، تحقيق: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، 1980 م، ص307؛ وعبير الزهور، ج1، ص79، وص80، وص84، وص85؛ والدار البيضاء الإنسان.. والزمان، ص30؛ وأنفا في عهد المرينيين، ص252.

[10] الإحاطة بأخبار غرناطة، مج.4، 1978 م، ص117. قابل بـ: المصدر نفسه، 2003 م، ص92؛ وعبير الزهور، ج1، ص85.

[11] الإحاطة بأخبار غرناطة، مج.4، 1978 م، ص117- 118؛ والمصدر نفسه، 2003 م، ص92؛ والرحلة المغربية، ص341- 343؛ وعبير الزهور، ج1، ص85.

 [12] نفاضة الجراب، ج1، ص79- 80. قابل بـ: خطرة الطيف، ص148؛ والإعلام بمن حل مراكش، ج1، ص208؛ وعبير الزهور، ج1، ص80. وراجع: أنفا في عهد المرينيين، ص253.

[13] نفاضة الجراب1، ص79؛ وخطرة الطيف، ص148؛ والإعلام، ج1، ص208؛ وعبير الزهور، ج1، ص79، وص80؛ ومدينة أزمور، محمد الشوفاني، مطبعة الأمنية، 2012 م، ص59؛ وأنفا في عهد المرينيين، ص253.

[14] الذيل والتكملة، س8، ق1، ص243؛ والإعلام، ج9، ص307؛ وعبير الزهور، ج1، ص71، وص80، وص85؛ والدار البيضاء الإنسان..، ص30؛ وأنفا في عهد المرينيين، ص252، وص253.

[15] نفاضة الجراب1، ص79؛ وخطرة الطيف، ص148؛ والإعلام، ج1، ص208؛ وعبير الزهور، ج1، ص79- 80؛ ومدينة أزمور: تاريخ وأعلام، ص59.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق