مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةقراءة في كتاب

التعريف بمضمون كتاب: حجة الوداع لابن حزم الظاهري (ت: 456هـ)

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تقديم:

      اعتنى العلماء قديما وحديثا بالتأليف في جوانب عدة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حجة الوداع، وما فيها من أحداث وفوائد فقهية ، ومن بين أولائك الأعلام؛ العلامة الفقيه المحدث المفسر  أبو محمد علي ابن حزم الظاهري (ت: 456هـ) ، في كتابه الموسوم: حجة الوداع،  وقبل الحديث والتعريف بمضمون هذا الكتاب، لابد من الإشارة اللطيفة إلى ترجمة المؤلف باختصار، وهذا أوان الشروع في المقصود ، فأقول وبالله أستعين:

أولا: ترجمة موجزة لعلي بن أحمد بن سعيد ابن حزم الظاهري ([1])

هو: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم  بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان، يكنى أبا محمد، ويلقب بابن حزم الأندلسي، أو ابن حزم الظاهري.

ولد سنة 384هـ بمدينة قرطبة، وتربى في بيت عز ،وشرف، وعلم، وكان أول طلبه للعلم في صغره من النساء، فتعلم القرآن وكان يقول: أنه تعلمه حفَّظَه إياه النساء قال في طوق الحمامة: “ولقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن ما لا  يكاد يعلمه غيري؛ لأني ربيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب، هن علمنني القرآن، ورويني كثيرا من الأشعار ، ودربنني في الخط”([2])، هذا ولم يشغله الجاه  والعز عن طلب العلم، وقد أفحم أبا الوليد الباجي عند مناظرته له بخصوص هذا الأمر ، قال المقري: “قال له الباجي: أنا أعظم منك همة في طلب العلم؛ لأنك طلبته وأنت معان عليه، تسهر بمشكاة الذهب، وطلبته وأنا أسهر بقنديل بائت السوق، فقال ابن حزم : هذا الكلام عليك لا لك؛ لأنك إنما طلبت العلم وأنت في تلك الحال، رجاء تبديلها بمثل حالي، وأنا طلبته في حين ما تعلمه، وما ذكرته، فلم أرج به إلا علو القدر العلمي في الدنيا والآخرة، فأفحمه”([3]) .

تلقى العلم على يد شيوخ عدة في الأندلس في مختلف العلوم والفنون من  الحديث ، والأدب ، والشعر ، والمنطق، والفلسفة، وغيرها، ومن هؤلاء أذكر: أبو  عمر أحمد بن محمد الحباب القرطبي المعروف بابن الجسور (ت: 401) ([4])،  ويحيى بن عبد الرحمن بن مسعود بن موسى القرطبي المعروف بابن وجه الجنة (ت: 402هـ) ([5])، وغيرهما، حدث عنه خلق منهم: ابنه أبو رافع الفضل بن علي ابن حزم الظاهري (ت: 479هـ) ([6])، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي الإشبيلي  (ت: 493هـ) ([7])، وغيرهما.

أثنى عليه المترجمون له بجميل الصفات ومن هؤلاء أذكر: العلامة الحميدي قال: “كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة، متفننا في علوم جمة، عاملا بعلمه، زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله من الوزارة وتدبير الممالك، متواضعا ذا فضائل جمة، وتواليف كثيرة…. “([8])، وقال الذهبي: “الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف .. الفقيه، الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير الظاهري، صاحب التصانيف”([9]).

له مصنفات عدة منها: المحلى في شرح المجلى (ط)، والإحكام في أصول الأحكام (ط)، والفصل في الملل والأهواء والنحل(ط)، وحجة الوداع (ط) وغيرها . مات رحمه الله ليلة الأحد لليلتين بقيتا من شهر شعبان سنة 456 هـ

ثانيا: التعريف الموجز بمضمون الكتاب:

    موضوع هذا الكتاب كما هو مبين من خلال عنوانه؛ في وصف لعمل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وما فيها من أحداث وفوائد فقهية؛ حيث قال في كتابه: “وقد بينا كل ما عمل به عليه السلام في تلك الحجة، وما بلغنا أنه أمر  به فيها، وإن كنا قد تركنا له عليه السلام أوامر في المناسك كثيرة ؛ لأنا لم نجد نصا على أنه عليه السلام أمر بها في تلك الحجة ، وإنما قصدنا تلك الحجة ، وما صح عندنا أنه كان فيها من أمر أو عمل ، وبالله تعالى التوفيق” ([10])” .

ابتدأ المؤلف كتابه هذا بمقدمة وجيزة  بين فيها سبب تأليفه للكتاب، مع بيان ملامح من منهجه فيه باختصار ، ثم قسمه إلى ثلاثة أقسام وهي:

القسم الأول: تحدث المؤلف فيه عن حجة الوداع منذ خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده بالمدينة المنورة إلى أن عاد إليه، معتمدا في ذلك على جملة من الأحاديث الصحيحة، وقد قدم أحداثها بأسلوب سهل ميسر ([11]).

والقسم الثاني: تحدث فيه عن الأدلة والشواهد على أعمال الحج، مفصلا قوله في ذلك لما ذكره في القسم الأول فيقول: وأما قولنا: .. فَلِما حدثنا … أو: يقول: وأما قولنا: …. فَلِما أخبرنا ، وساق هذه الأحاديث مسندة ([12]).

أما القسم الثالث: فقد بين فيه الجدال الفقهي الذي دار بينه وبين أهل هذا الفن؛ حيث عمد في هذا القسم إلى تفنيد كل الأدلة التي عارضه بها معارضوه ؛ وقسمه إلى أبواب شتى ، ونجد في أغلب بدايات هذه الأبواب كلمة الاختلاف أو التعارض، وهذه الأبواب هي  كالآتي: تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وطيبه صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، وفي موضع صلاته يوم خروجه من المدينة إلى حجة الوداع  وثاني ذلك اليوم، وفي أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بفسخ الحج، وما ورد من الأحاديث في التخيير  أو الإلزام بذلك، وفي أمره صلى الله عليه وسلم النفساء المحرمة ماذا تفعل، وموضع حيض عائشة رضي الله عنها ، وفي وقت دخوله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، وبقية من صفة طوافه وسعيه صلى الله عليه وسلم، وحديث طلحة أكان معه هدي أم لا؟ وعن لا اختلاف عن ما أمر به عليا وأبا موسى رضي الله عنهما عندما قالا في إهلالهما:  كل واحد منهما يهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث أمر عليا بالإبقاء على إحرامه وأمر أبا موسى بفسخ إحرامه، وعن مسألة تكفين المحرم، وعن تقديم الصلاة على الخطبة في عرفة، وعن خطبته صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، و الأذان والإقامة بعرفة وجمع صلاتي الظهر والعصر بها، وطوافه صلى الله عليه وسلم بالبيت بعد الإفاضة ، وعدد ما رمى به من الحصى، وعدد ما تم نحره من البدن بمنى، وموضع أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بالكبشين الأملحين، وعن إهدائه عن نسائه والرواية في ذلك في أمر عائشة رضي الله عنها، وكذا شأنها لما حاضت وهي معتمرة فأمرها بعمل الحج، والاختلاف في موضع طهرها رضي الله عنها، وكيفية حال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شرب من ماء زمزم، والاختلاف في قوله صلى الله عليه وسلم: “منزلنا غدا، بخيف بني كنانة”([13])، ومدة مقامه بمكة في حجة الوداع، وأحاديثه صلى الله عليه وسلم التي أمر فيها بفسخ الحج بعمرة في حجة الوداع، والأحاديث الموهمة بأنها معارضة لها أو ناسخة، وفي كيفية إهلاله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد أم بعمرة مفردة  تمتع بها ؟ أم بعمرة وحج معا؟ وموضع إهلاله، وما ادعاه المالكية في شأن التعارض في أمره صلى الله عليه وسلم الرجل بالحج عن أمه، والخثعمية عن أبيها، وفي مسألة تعارض الوقوف بعرفة، وفي يوم الحج الأكبر، وختم الكتاب باستدراكه عن ما ورد في تعارض ورد في أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قرانه وفي أمره من الهدي معه بالقران والمتعة ([14]).مستدلا في كل ذلك بأحاديث مسندة ، مع تقديم الصحيحين على غيرهما ، وقد حل التعارض أو الاختلاف بطريقة علمية تدل على مكانته في علم الحديث ومختلفه.

والكتاب مطبوع بتحقيق: أبي صهيب الكرمي. عن بيت الأفكار الدولية للنشر. الرياض. سنة 1418هـ- 1998مـ .

الخاتمة:

هذه نبذة وجيزة  في التعريف بالكتاب وبمؤلفه باختصار ، ومن خلال ذلك  أخلص إلى الآتي:

1-تربى المترجم له في بيت عز وشرف وعلم، ولم يمنعه الجاه والعز  من طلب العلم.

2-تلقى ابن حزم الأندلسي العلم  على شيوخه بالأندلس في مختلف العلوم والفنون.

3-صنف عدة مصنفات في مختلف الفنون ومنها مصنفه في حجة الوداع.

4-يعد كتابه من الكتب القيمة في موضوعها الذي تحدثت عنه وهو وصف لعمل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وما فيها من أحداث وفوائد فقهية.

5-قسم كتابه بعد المقدمة إلى أقسام ثلاثة وقد أشرنا إليها في المقال. 

6-ساق المؤلف الأحاديث المستدل بها في كل مسألة أشار إليها بأسانيدها مع تقديم الصحيحين على غيرهما.

7-في مسألة التعارض والاختلاف حله بطريقة علمية تدل على تمكنه في علم الحديث ومختلفه.

************************

هوامش المقال:

([1])  رمت إلى اختصار  ترجمته وذلك لشهرته وكثرة مترجميه؛ ومن مصادر ترجمته التي وقفت عليها واعتمدت عليها في صياغتها الآتي:  كتابه: طوق الحمامة، نفح الطيب (2/ 77-  212)، جذوة المقتبس (ص: 449-452)، سير أعلام النبلاء (18/ 184 فما بعدها)،

([2])  طوق الحمامة (ص: 50).

([3])  نفح الطيب (2 /77).

([4])  ترجمته في سير أعلام النبلاء  (17 /148-149).

([5])  ترجمته في سير أعلام النبلاء  (17 /204).

([6])  ترجمته في الوافي بالوفيات  (24 /41).

([7])  ترجمته في سير أعلام النبلاء  (19 /130-131).

([8])  جذوة المقتبس (ص: 449).

([9])  سير أعلام النبلاء  (18/ 184).

([10])  حجة الوداع (ص: 271).

([11])  حجة الوداع (من ص: 115إلى 126).

([12])  حجة الوداع (من ص: 127 إلى:  227).

([13])  أخرجه البخاري في صحيحه (1 /490)، كتاب: الحج، باب: نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة، برقم:  (1589 ).

([14])  حجة الوداع (من ص: 229 إلى:  488).

**********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ..

جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس. لأبي عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله الحميدي . حققه وعلق عليه: بشار عواد معروف- محمد بشار عواد. دار الغرب الإسلامي تونس . ط1/ 1429هـ- 2008مـ.

حجة الوداع لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم الأندلسي القرطبي. حققه وقدم له وعلق عليه: أبو صهيب الكرمي. بيت الأفكار الدولية للنشر. الرياض. ط 1418هـ- 1998مـ

سير أعلام النبلاء. لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد نعيم العرقسوسي. مؤسسة الرسالة  بيروت لبنان(ج 17) ط1/ 1403هـ- 1983مـ، (ج18 ) ط1/ 1405هـ- 1984مـ، (ج 19) ط1/ 1405هـ- 1984مـ

طوق الحمامة في الألفة والأُلاف. لأبي محمد علي بن سعيد بن حزم الظاهري.  طبع بالقاهرة عام 1369هـ- 1950مـ.

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب. لشهاب الدين المقري التلمساني. تحقيق: إحسان عباس . دار صادر  بيروت لبنان ط1/ 1388هـ- 1968مـ.

الوافي بالوفيات. لصلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي. تحقيق واعتناء: أحمد الأرناؤوط- تركي مصطفى. دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان. ط1/ 1420هـ- 2000مـ.

راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق