وحدة المملكة المغربية علم وعمرانقراءة في كتاب

“هجرة اليهود إلى المغرب التمظهرات التاريخية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية”

لمؤلفه: عبد الجبار الغراز [1]

خالد الصبّابي

هو كتاب للمؤلف والباحث عبد الجبار الغراز صدر عن منشورات “أفريقيا الشرق” في طبعته الأولى 2023، تحت عنوان “هجرة اليهودإلى المغرب التمظهرات التاريخية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية”.

فقد جاء هذا الكتاب في حجم متوسط (15.5*23سم) وعدد صفحاته 254 صفحة.

تميز الكتاب بتخصصه وعمقه البحثي والتحليلي في تناول موضوع الهجرة حيث انصب وارتكز حول هجرة اليهود إلى أرض المغرب كما حاول البحث عن معرفة التأثيرات الخارجية الرئيسية التي أثرت على وجود الشعب العبري حسب قول المؤلف، إضافة إلى إثارته لهذه الإشكالية المطروحة برؤية موضوعية حاول التعبير عنها بطرحه عدة تساؤلات مهمة سهل له الأمر لأن يجيب عنها بكل روح علمية محضة من قبيل: ما اليهود؟ وما اليهودية؟ وما علاقة هؤلاء وتلك بالمغرب الأقصى؟…،فضلا عن تناوله للمعطيات التاريخية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية الهامة من تاريخ اليهود وهجرتهم للمغرب مشكلين بذلك مكونا جديدا مندمجا حيث انضاف إلى “المجتمع المغربي الذي قدم للعالم نموذج تعايش اجتماعي وثقافي بين مكوناته المتعددة والمختلفة”[2] وهاته المقاربات الثلاث (التاريخية، السوسيولوجية والأنثروبولوجية).

كما بين المؤلف بأنه منذ النزوح الأول لليهود إلى المغرب رغم أعدادهم الصغيرة استطاعوا “تثبيت أنفسهم في مراكز تجارية مهمة”[3]، وهكذا سهلوا الأمر لاستقبال موجات جديدة من مهاجرين يهود اخرين جالبين معهم تقنيات ومهارات وثقافة دينية جديدة.

على ضوئها قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول، الأول: تاريخي، والثاني: سوسيولوجي، والثالث: أنثروبولوجي مع مقدمة وخاتمة.

ولأهمية هذا الكتاب ارتأيت التعريف به وتحليل بعض محاوره ومضامينه وبيان الرؤيا التركيبية التي اعتمدها الكاتب.

*في المقدمة : حاول الكاتب تعريف الهجرة بشكل عام واعتبرها ظاهرة قديمة قدم الإنسان إلا أنه يؤكد بأن ما سيعالجه في هذا البحث منصب حول هجرة اليهود إلى أرض المغرب بشكل خاص، وتمكنهم من الاندماج في المجتمع المغربي وخاصة في الأوساط الأمازيغية، والقبول عليهم بهذا الشكل يعكس النموذج المغربي في التسامح وقبول الاخر.

*الفصل الأول: اليهود واليهودية وتاريخ الهجرة إلى المغرب.

تناول الكاتب في هذا الفصل موضوع الهجرة انطلاقا من مقاربة تاريخية باعتبار أن المجتمع اليهودي جزء لا يتجزأ من المجتمع المغربي حسب هذه المقاربة، متحدثا عن تاريخ اليهود المغاربة وعن عاداتهم وتقاليدهم التي نمارس جزءا منها اليوم بشكل اعتيادي كلنا كمجتمع مغربي دون الانتباه إلى أن أصلها آت من ثقافة المجتمع اليهودي الذي يعتبر مكونا أساسيا لراهننا الثقافي، فهم ليسوا عناصر دخيلة على الثقافة المغربية، بل كانوا في الأصل، ولا يزالون مغاربة في جوهرهم وعرضهم حسب قول الكاتب، إذ أنك تراهم حريصين على الولاء لأرض وشعب وحكومة المغرب بإخلاص نابع من إيمانهم العميق وبوطنيتهم المغربية. حيث تم تقسيم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث.

في المبحث الأول حدد وبين فيه الكاتب عدة مفاهيم حول اليهودية والتورات، ونشوء التلمود وتطوره، كما تطرق إلى الهجرة والثمثلات العقدية اليهودية.

في المبحث الثاني رصد فيه الكاتب أهم المحطات التاريخية المساهمة في بلورة الهوية اليهودية، حيث درس تاريخ اليهود في عهد الأنبياء، وفي عهد القضاة، وفي عهد الملكية الموحدة (الحاجة إلى ملك)، وكذلك في عهود ما بعد اندحار مملكة داود وسليمان.

وفي المبحث الثالث والأخير من الفصل الأول تطرق الكاتب إلى الوجود اليهودي في بلاد المغرب قبل ظهور الإسلام، خاصة في العهد الوندال (430م-539م)، وفي العهد البيزنطي (533م-642م)، وكذلك الوجود اليهودي بعد ظهور الإسلام، أو بعبارة أخرى في ظل الحكم الإسلامي (21هـ-609م-642م-1212م).

*الفصل الثاني: تجليات المكون الهوياتي اليهودي.

أما في الفصل الثاني من هذا الكتاب، فقد ارتأى الكاتب أن يتناول موضوع البحث في بعده السوسيولوجي للهجرة، حيث تمثل فيه ومن خلاله تيمة الهجرة مظهرة الدور الأساسي في تطوير أنماط الوجود الاجتماعي لليهود المغاربة المرتبط بالعادات والتقاليد المشتركة بين اليهود والأمازيغ من جهة، وبين اليهود والمسلمين من جهة أخرى، ويضيف الكاتب بأن ملامسة الأبعاد السوسيولوجية لتيمة هجرة اليهود المغاربة لأرض المغرب هي في حد ذاتها ملامسة للإنسان المغربي ذو الروافد المتعددة، حسب تعبير الكاتب. حيث قام بدراسة تجليات المكون الهوياتي اليهودي بعد تقسيمه إلى ثلاثة مباحث.

في المبحث الأول: تحدث فيه الكاتب عن تأسيس المركب الاجتماعي اليهودي المغربي الخاص، وذلك عبر مقاربته للخصائص الجوهرية للديانة اليهودية المحتفظ بها من قبل المهاجرين اليهود إلى أرض المغرب، كما تطرق إلى بعض الشعائر الدينية اليهودية من قبيل العبادة، والصلاة، والحج، والهيلولة، والصوم (تسوم بالعبرية)، والتصوف اليهودي.

وفي المبحث الثاني: تطرق فيه الكاتب إلى الاندماج الاجتماعي لليهود المغاربة واعتبارهم كأهل ذمة وكما تطرق إلى حياة الملاح[4].

أما في المبحث الثالث: فقد درس فيه الحياة الاجتماعية عند اليهود المغاربة كنظام الزواج والطلاق.

*الفصل الثالث: البنية الثقافية والواقع الثقافي عند اليهود المغاربة.

أما في الفصل الثالث فقد وضح فيه الكاتب غنى الروافد المشكلة للمجتمع المغربي، وأهم رافد تطرق إليه هو الرافد اليهودي الغني برموزه وأشكاله الثقافية والمتنوعة.

 ولهذا خصص موضوع هذا الفصل في البعد الأنثروبولوجي، وذلك بدراسة البنية الثقافية والواقع الثقافي للإنسان اليهودي المغربي، وجعل هذا الفصل في أربعة مباحث.

فنجده في المبحث الأول متحدثا عن عدة أصول وأساسيات ومفاهيم للهوية الثقافية اليهودية مثل مفهوم الختان، مفهوم الذبح الحلال (الشوحيط بالعبريى)، مفهوم نظام الأكل (كاشروط)، مفهوم الموت، وطرق الدفن.

وفي المبحث الثاني تناول فيه الأعياد الدينية اليهودية المقدسة. أما المبحث الثالث فقد تطرق فيه إلى دراسة اللباس والحلية وأدوات الزينة وصناعة المجوهرات عند اليهود المغاربة.

وفي المبحث الرابع والأخير من هذا الفصل فقد تطرق فيه الكاتب إلى الجوانب التربوية والفنية مثل التربية والتعليم، اللغات وإحياء اللغة العبرية والإبداع الأدبي العبري ومراميه.

 وبناء على ما تقدم فقد تم تقسيم اليهود المغاربة ثقافيا وأنثروبولوجيا إلى ثلاثة فئات وهي: الحاخامات، واليهود المتعلمون، واليهود الأميون.

*أما الخاتمة، فقد جعلها الكاتب على شكل خلاصات تركيبية لما جاء في مضامين فصول الكتاب الثلاثة، ومن جهة أخرى حاول شرح ما قدمه من دراسته للثقافة والهوية اليهودية معتمدا على ضروريات التجديد على مستوى الكتابة التاريخية حسب عبد الله العروي الذي خلق ما أسماه ب “الذهنية المعاصرة”. وهكذا استطاع الكاتب استلهام هذه الحقول المعرفية والدلالية المختلفة المشارب، كالتاريخ والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والفلسفة وعلم النفس والاقتصاد والقانون، كما ذكَّر بدور الملك الراحل محمد الخامس في حماية اليهود المغاربة فترة الحرب العالمية الثانية من بطش حكومة فيشي ودور العاهل الراحل الحسن الثاني في العناية والاهتمام بكل مجموعات اليهود المغاربة، وكذلك دور الملك محمد السادس، الذي جعل الثقافة آلية للتقارب والتعايش والعيش المشترك مع التذكير بإنشاء جلالته لمتاحف التراث اليهودي المغربي.

باحث في سلك الماستر  في مجال الدين والثقافة والهجرة.                            

 

[1]  هو: كاتب مغربي حاصل على الماجستير في التاريخ والحضارة باحث في سلك الدكتوراه في قضايا هجرة اليهود المغاربة، والثقافة اليهودية. شارك في ندوات وملتقيات علمية. نشر مقالات وبحوث بجراد ومجلات ومغربية وعربية. شارك في مؤلف جماعي موسوم ب: “واقع المرأة المغربية والإفريقية” صادر سنة 2020.

[2]  عبد الجبار الغراز، هجرة اليهود إلى المغرب، منشورات أفريقيا الشرق، ط1، 2023م. ص: 08.

[3]  عبد الجبار الغراز، هجرة اليهود إلى المغرب، ص: 08.

[4] الملاّح هو اللقب الذي كان يطلق أو بالأحرى ما زال يطلق على الحي اليهودي بالمدن المغربية العتيقة، مثل فاس، مكناس، مراكش، الدار البيضاء، الصويرة… ومايطلق عليه في بلاد الشام، مصر أو العراق حارة اليهود يسمى في المغرب حي الملاح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق