وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

أعلام وأدباء العدوتين الرباط و سلا

الحلقة الأولى: عبد الله بن خضراء

يعد الفقيه المحدث المدرس القاضي سيدي عبد الله بن محمد الهاشمي ابن خضراء السلاوي من أبرز علماء سلا وشيوخها الكبار، وينحدر من أسرة ابن خضراء التي تعود أصولها الاجتماعية والجغرافية إلى الساقية الحمراء، وهي إحدى العائلات الكبيرة والمشهورة بالعلم والفضل والدين،  ولد الشيخ ابن خضراء بسلا وفيها نشأ وتعلم، وألف عددا من الكتب في الفقه والأصول ومصطلح الحديث واللغة والأدب، و امتهن التدريس، وتخرج من مدرسته جمهرة من أبناء سلا فقهاء وأدباء وعلماء… وفي سنة 1297هـ، عين قاضيا بمراكش ثم قاضيا بفاس وكان ذلك سنة 1217هـ….

وهو كما سبق الذكر من عائلة سلا الشهيرة بالفضل والكرم والعلم والأدب، وحسن الأرومة، تنسب هذه الأسرة إلى قرية بالساقية الحمراء، من هذه القرية انتقل جد هذه العائلة الفقيه الجليل السيد علي، فسكن مدينة سلا وإليه تنتسب هذه الأسرة المجيدة، كما ارتحل آخرون من هذه القرية للإقامة والسكن ” بجبل العلم” جوار الشيخ الداعية الشهير ” مولاي عبد السلام ابن مشيش”  رحمه الله، وفريق ثالث من هذه الأسرة انتقل من أرض المغرب لأرض فلسطين الحبيبة، ثم منها لأرض الحجاز مهبط الوحي، ولا تزال منهم بقية هناك، ويلاحظ أن أفرادا من الذين أقاموا بمدينة سلا انتقلوا لسكنى فاس[1].

تصدى بعد أن تم تكوينه لنشر العلم بين ذويه وبني بلدته، وكانت دروسه متنوعة تبعا لمشاركته وسعة أفقه، في اللغة وقواعدها وآدابها، والفقه والتفسير والحديث، وكان يعتني بتحضير دروسه وتحريرها وترتيبها وإلقائها، فكان إذا ختم الكتاب جمع تلك الكراريس وأخرج منها شرحا أو حاشية أو تعليقا على الكتاب المقروء[2]..

سافر إلى الحجاز في ريعان شبابه، ودون ذلك في رحلة حجازية مازالت مخطوطة ضمن مؤلفاته، فأبحر من مرسى العدوتين في 23 رمضان عام 1293هـ، فزار الإسكندرية والقاهرة ولقى بالجامع الأزهر أكابر شيوخه فذاكرهم وأجازوه، ولقى بمكة المكرمة والمدينة المنورة أعلام الحرمين، وفي مقدمتهم الشيخ أحمد زيني دخلان، ثم رجع إلى وطنه فوصل إلى مرسى الدار البيضاء في 18 ربيع الأول عام 1294ه، والرحلة مليئة بوصف المشاهد والمآثر والتراجم والأشعار ونوادر الأخبار[3]..

اشتغل عبد الله بن خضراء بعد رجوعه من الحج بالتدريس والإفتاء والشهادة بمسقط رأسه، إلى أن استدعاه السلطان المولى الحسن سنة 1879م، إلى مراكش في جماعة من أعيان العدوتين وعلمائها… [4]

فكان الشيخ ابن خضراء يقوم إلى جانب مهام القضاء بالتدريس في جامع ابن يوسف، وأحذ عنه الجم الغفير من طلبة الجنوب، وفي نفس الوقت كان الحسن الأول يستشيره في النوازل وتولية الموظفين في الخطط الشرعية من قضاء وفتوى وعدالة وإمامة وخطابة، وقد طال مقامه بمراكش فحن إلى مسقط رأسه وأهله واستعفى فأعفاه السلطان بعد لأي، ورجع إلى سلا لكن السلطان كان يكلفه فيها بقضايا مهمة تخص بعض العمال والولاة، كما كلفه سنة 1885م، بالإشراف على إحصاء خزانته العلمية بالقصر الملكي بالرباط، فكتب تقديما مفيدا لكناش الإحصاء من إنشائه[5]..

فأعجب به السلطان وأنعم عليه بظهير التوقير والاحترام، وغينه مفتيا ومدرسا بجامع ابن يوسف بمراكش، ونفذ له راتبا من أحباسه، وكلفه بإحصاء صائر القصور السلطانية بحضرة مراكش، وبعد سنة عاد إلى مسقط رأسه، ولم يكد يستعيد سيرته الأولى في التدريس حتى ولاه السلطان خطة القضاء بمراكش وفوض إليه في الوكلاء والشهود والعرفاء والأوصياء بظهير خاص[6]..

تولي القضاء بمراكش، حمدت فيه سيرته وعدله، كما تولى نفس المهنة القضائية بفاس، فمثلها أحسن تمثيل، وكانت له بها دروس علمية، ومجالسات ومطارحات مع علمائها، برهن فيها عن كفاءة ومقدرة فائقة فاح عرفها بالأندية والمجالس[7]..

وجاء في كتاب الاستقصا “أخونا في الله العلامة الأستاذ أبو محمد عبد الله بن الهاشمي ابن خضراء السلاوي وهو اليوم قاضي حضرة مراكش كتب إلي ما نصه وأما حكم الكرنتينه فهو ما ذكرتم من الحظر وبه أقول لما فيه من الفرار من القضاء مع المفاسد العظيمة التي لا تفي بها مصلحتها على فرض تحققها أو غلبة ظن حصولها سيما وقد انتفيا بعد التجربة المتكررة في الجهات المتعددة ولا يخالف في هذا الحكم إلا مكابر متبع للهوى فماذا بعد الحق إلا الضلال ثم جلب حفظه الله من النصوص ما يشهد لذلك تركناها اختصارا والله تعالى الموفق بمنه”[8].

وله مؤلفات وتقاييد علمية، منها حاشيته على بنيس على الفرائض.

وله مصنفات وتقاييد غير ما ذكر ما بين مطول ومختصر في الفقه والأصول والاعراب نذكر منها:

  • الإتحاف بما يتعلق بالقاف.
  • تحذير عوام المسلمين من الاغترار بكل ما يتساهل في الدين.
  • شرح البيقونية في مصطلح الحديث.
  • مرآة الكفار والنظر في شرح فرائض المختصر.

ومن مخطوطاته نذكر:

  • رحلة حجازية.
  • تقييد في التعريف بالامام مالك.
  • تعليق على شرح لامية الزقاق.
  • كراسة موجهة إلى السلطان في حكم إقطاع المعادن.
  • تعليق على شرح بناني للسلم في المنطق وحاشية قصارة عليه .
  • تعليق على الاعراب على قواعد الاعراب لابن هشام بشرح الأزهري [9]..

وأما عن وفاته فجاء في كتاب إتحاف المطالع: “في الساعة الحادية عشرة من يوم الاثنين ثالث محرم توفي عبد الله بن الهاشمي ابن خضراء السلاوي، قاضي الجماعة بمقصورة السماط بفاس بعد قضاء مراكش، العلامة المشارك المطلع، له تآليف عديده، منها حاشية على شرح بنيس على فرائض مختصر خليل، وغير ذلك ، حج ودخل مصر والشام، وتوفي على القضاء بفاس، ودفن بزاوية الناصريين بالسياج”[10].

و جاء في كتاب من أعلام الفتوى بمراكش: “وفي أواخر سنة 1880م، عين قاضيا بمراكش، فكان بها محمود السيرة، حسن السريرة، كما شغل منصب وكيل الجمارك، ثم قلد قضاء فاس سنة 1899م، وبقي فيه إلى أن توفي بفاس سنة 1906م”  [11]..

وفي كتاب أعلام الفكر المعاصر بين العدوتين: ” توفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف هـ، موافق سنة ست وتسعمائة وألف، كانت ولادته سنة 1260هـ موافق 1844م”. [12].

[1] –  مجلة دعوة الحق- مقال العلامة الحاج محمد الهاشمي بن خضراء السلاوي- عدد 169.

[2] –   معلمة المغرب (11/3745)  طبعة 2000م مطابع سلا.

[3] –   معلمة المغرب (11/3745)  طبعة 2000م مطابع سلا.

[4] –   معلمة المغرب (11/3745)  طبعة 2000م مطابع سلا.

[5] –   معلمة المغرب (11/3745)  طبعة 2000م مطابع سلا.

[6] –   معلمة المغرب (11/3745)  طبعة 2000م مطابع سلا.

[7] –  أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا (2/327) لعبد الله الجيراري.

[8] –  كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (5/185) دار الكتاب للنشر الدار البيضاء.

[9] –   معلمة المغرب (11/3746)  طبعة 2000م مطابع سلا.

[10] –  إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع (1/368) الطبعة الأولى 1997م دار الغرب الإسلامي بيروت.

[11] –   من أعلام الفتوى بمراكش عبر العصور ص 59 الطبعة الأولى 2013م مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال.

[12] –  أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا (2/327) لعبد الله الجيراري.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق