وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

أخبار حاضرة أنفا في كتاب الرحلة المغربية لإبراهيم بن عبد الله النميري

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

 

دأبت الرابطة المحمدية للعلماء، برئاسة أمينها العام فضيلة الدكتور أحمد العبادي، على نشر نفائس التراث المغربي التي من بينها كتاب الرحلة المغربية لصاحبها إبراهيم بن عبد الله النميري، بتقديم: العلامة المذكور، وتخريج وتعليق: عبد القادر سعود، ومراجعة: أحمد شوقي بنبين.

   وقد تضمنت الرحلة المشار إليها فوائد علمية وعمرانية غنية ومتنوعة. ومن بينها أخبار تهم حاضرة أنفا المرينية لم يرد بعضها في مصادر أخرى، بحسب ما اطلعنا عليه. حيث أشارت إلى مركزية جامعها الأعظم [1] الذي بنى به أمير المؤمنين أبو الحسن المريني مدرستها الشهيرة [2]. وهي بذلك تشكل جزءا من شبه مركب ديني انفرد إبراهيم النميري بالحديث عنه.

 وانفرد أيضا بالإشارة إلى جمالية المدرسة في قوله: “دخلت المدرسة التي بناها مولانا أيده الله بداخل آنفا، ورأيت فيها أبياتا جميلة، فمما رأيته مكتوبا هنالك:

مَتِّعْ لِحَاظَكَ في البِنَاءِ الأَحْفَلِ      وَأَطِلْ دُعَاءَكَ لِلْإِمَامِ المِفْضَلِ

المرْتَضَى المَوْلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا      قُطْبِ الهُدَى بَحْرِ النَّوَالِ الأَجْزَلِ

مُحْيِي عُلُومِ الدِّينِ بَعْدَ دُرُوسِهَا      كَافِي الأَنَامِ بِجُودِهِ المُتَكَفِّلِ

عَالِي الفَخَارِ الدَّهْر أَذْعَنَ أَمْرَهُ      أنْشِئْت في العَصْرِ السَّعِيدِ المُقْبِلِ

ومما قرأته أيضا هنالك:

يَا مَنْ يُطِيل تعَجُّبَا      فِي حُسْنِ مَنْظَرِيَ الْحَسَنْ

أَنا مِنْ مَآثِرِ موئِلِي      فَخْرِ المُلُوكِ أَبِي الحَسَنْ

إِبْنِ الإِمَامِ أَبِي سَعِيــــ      دِ المُرْتَضَى الأَرْضَى السَّنَنْ

فَلِيَ الفَخَارُ بِذِكْرِهِ      وَلِعَصْرِهِ طُولُ الزَّمَنْ [3].

 

   مثل ما انفرد بالحديث عن منزل علي بن إبراهيم الأموي، الشهير بأبي الحسن الرقاص [4]، الذي جعله محلا للتدريس الخاص. حيث قال صاحب الرحلة، في موطن أول عن المترجم: “قرأت عليه بأنفا الحديث المخرج عن ابن يَالَيْل […] عن ابن حبيب في الموطأ، وأجاز لي عامة وصح ذلك وثبت في يوم الخميس السادس عشر لشعبان المكرم من عام خمسة وأربعين وسبعمائة” [5].

  وقال عنه في موطن ثان: “قرأت على صاحبنا العالم المدرس أبي الحسن الرقاص المذكور آنفا بمنزله من داخل آنفا في يوم الجمعة السابع عشر لشعبان من عام خمسة وأربعين وسبعمائة بابين من كتاب الموطأ، وهو ما جاء في قراءة (قل هو الله أحد) [6]، (تبارك الذي بيده الملك) [7] والباب الثاني ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى” [8]، وأحاديث نبوية إسنادا بطرق مختلفة [9].

  وما زال صاحب الرحلة المغربية يتابع تعلمه على الرقاص المالقي ذاكرا أنه سمع من لفظه كلاما [10] قيده، “بالجامع الأعظم من “آنفا”، وهو يملى عليه عند انتظار صلاة الجمعة المذكور يومها” [11].

  ولا ينسى أنه أنشده بيتين قالهما وهو نازل بحاضرة أنفا:

 إذا كنت في شبر من الأرض مكرما      ونلت به عزا وكنت به صدرا

فعدِّ عن المثوى وإن كان مسقطا      فما أضيق المثوى وما أوسع الشبرا [12]

 

 ويبدو أنه درس عليه بمدرسة الحاضرة المذكورة حين قال: “لقيته بأنفا، وهو اليوم يقرئ بمدرستها التي بناها مولانا أيده الله بالجامع الأعظم منها.

ويقرئ اليوم تفسير الكتاب العزيز والموطأ وابن الحاجب الفرعي والرسالة، وتسهيل الفوائد، والجمل، والكراس للجزولي” [13].

  وإلى جانب انفراد إبراهيم بن عبد الله النميري ببعض أخبار أبي الحسن الرقاص، انفرد بالحديث عن قاضي آنفا سيدي عبد الله بن عبد الحق الخزرجي، المزداد بمراكش عام 674 هـ [14]، ممن أغفل ذكره العلامة سيدي العباس بن إبراهيم السملالي. قال عنه صاحب الرحلة: “لقيته وتبركت به” [15].

  وبذلك، أسهمت الرابطة المحمدية للعلماء، انطلاقا من أحد إصداراتها الثمينة، في التعريف بأخبار حاضرة أنفا المرينية التي لم يذكر بعضها في عدد من مصادر هذه المدينة الغراء.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[1] الرحلة المغربية (مجموع تقاييد وفوائد سنة 745 هـ)، إبراهيم النميري، استخراج وتبييض وضبط وتخريج وتعليق: عبد القادر سعود، إصدارات الرابطة المحمدية للعلماء، مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، سلسلة: نوادر التراث (41)، الرباط، دار الأمان للنشر والتوزيع، 2021 م، ص343، وص348. راجع: أنفا في عهد المرينيين، محمد المنوني، في: المدينة في تاريخ المغرب العربي، مطابع سلا، د. ت، ص253. واستأنس بـ: الدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان تاريخ وتطور، محمد السنوسي معنى، الدار البيضاء، دار النشر المغربية، 2017 م، ص26، وص30.

[2] الرحلة المغربية (مجموع تقاييد وفوائد سنة 745 هـ)، ص343، وص352. راجع: أنفا في عهد المرينيين، ص253. واستأنس بـ: المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن، محمد ابن مرزوق التلمساني، دراسة وتحقيق: ماريا خيسوس بيغيرا، تقديم: محمود بوعياد، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1981 م، ص406؛ ص406؛ وعبير الزهور في تاريخ الدار البيضاء وما أضيف إليها من أخبار آنفا والشاوية عبر العصور، ج1، هاشم المعروفي، مراجعة وتعليق وفهرسة: عبد الرحمن القباج، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2013 م، ص79؛ والمغرب عبر التاريخ، الجزء الثاني من بداية المرينيين إلى نهاية السعديين، إبراهيم حركات، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2000 م، ص136؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان تاريخ وتطور، ص29؛ وأنفا وما حولها في العصر الوسيط، إبراهيم حركات، في: أعمال ندوة الدار البيضاء، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، د. ت، ص22- 23.

[3] الرحلة المغربية (مجموع تقاييد وفوائد سنة 745 هـ)، ص352. راجع: أنفا في عهد المرينيين، ص253.

[4] استقر بحاضرة سلا مدرسا بها. وهو ممن غفل عنه العلامة مصطفى بوشعرة.

[5] الرحلة المغربية (مجموع تقاييد وفوائد سنة 745 هـ)، ص344. انظر: المصدر نفسه، ص347. وراجع: أنفا في عهد المرينيين، ص254، وص255. واستأنس بـ: الإحاطة في أخبار غرناطة، مج.4، لسان الدين ابن الخطيب، تحقيق: محمد عبد الله عنان، القاهرة، الشركة المصرية للطباعة والنشر، 1978 م، ص117؛ والمصدر نفسه، شرح وضبط وتقديم: يوسف علي طويل، بيروت، دار الكتب العلمية، 2003 م، ص92؛ وعبير الزهور، ج1، ص85؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص24.

[6] سورة الإخلاص، الآية 1.

[7] سورة الملك، الآية 1.

[8] الرحلة المغربية (مجموع تقاييد وفوائد سنة 745 هـ)، ص347.

[9] نفسه، ص347- 348.

[10] نفسه، ص349- 351.

[11] نفسه، ص348.

[12] نفسه، ص346. راجع: أنفا في عهد المرينيين، ص255.

[13] الرحلة المغربية (مجموع تقاييد وفوائد سنة 745 هـ)، ص343. راجع: أنفا في عهد المرينيين، ص253.

[14] الرحلة المغربية (مجموع تقاييد وفوائد سنة 745 هـ)، ص355.

[15] نفسه ص356.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق