مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةقراءة في كتاب

دراسات في تاريخ الرياضيات العربية والإسلامية لفرانتس فوبكه

دراسات في تاريخ الرياضيات العربية والإسلامية

لفرانتس فوبكه  [1]

تقديم : عبد العزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

   جرى العُرف في الأوساط العلمية – الأكاديمية على أن يتم تقديم الكتب حديثة النشر كي يكون في مستطاع الباحثين معرفة ومواكبة جديد الإصدارات العلمية. يمكن القول إن عملية التقديم هذه تنبع من عدة اعتبارات، من بينها – مثلا – اقتناع الكاتب[2] بأهمية ذلك العمل الذي يقدمه للقراء. وإذا أخذنا هذا المعطى في الحُسبان، أي أهمية العمل الذي يتم تقديمه، فإننا نعتقد أنه لا ضير في أن يُقَدّم المرء، أحيانا، بعض الأعمال العلمية القديمة طالما أنه يرى فيها وجها من أوجه الأهمية العلمية.

   يكتسي الكتاب الذي سنقدمه هنا أهمية خاصة بالنسبة لتاريخ العلوم بصفة عامة، ولتاريخ العلوم العربية بصفة أخص. تتجلى هذه الأهمية في ثلاث نقط على الأقل : أ- تُعدّ الدراسات المنشورة في هذا العمل من بين الأعمال العلمية “الأولى” المخصصة لتاريخ الرياضيات العربية، إذ يرجع تاريخ نشر معظمها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ب- كشفت هذه الدراسات، للمرة الأولى، عن بعض الجوانب المهمة من تاريخ الرياضيات العربية، جوانب ظل جُلّها مجهولا من لدن عموم الباحثين إلى حدود تاريخ صدور تلك الأعمال. ج- أسهمت بشكل كبير في تغيير بعض الأحكام السلبية، أو على الأقل التقليل من حدتها، تجاه طبيعة وأهمية مساهمات علماء الحضارة العربية الإسلامية. كتب المرحوم فؤاد سيزكين في هذا السياق قائلا : “[…] بيّن [فوبكه] فيها كلها أن كثيرا من الإنتاجات الهامة التي لم تكن معروفة في تاريخ الرياضيات [هي] من إنجازات العرب والمسلمين. […] لقد استطاع أن يغير أحكام مؤرخي الرياضيات بالنسبة لمساهمات العرب والمسلمين تغييرا جذريا.”[3]

   إضافة إلى هذه الأسباب، فإننا لم نقف، لحد الآن، على أي عمل يُعنى بهذه الدراسات القيّمة، سواء عن طريق التعريف بها أو من خلال الوقوف عند حدودها أو مراجعتها ونقدها. كما لا توجد، حسب معرفتنا المتواضعة، أي ترجمة عربية لهذه الدراسات رغم أهميتها البالغة.[4] بالتالي، فقد بدا لنا أن هذا التقديم، على تواضعه الصريح وعلاّته المحتملة، قد لا يخلو من فائدة مرجوة !

   يمثل الكتاب تجميعا للعديد من الدراسات التي أنجزها فوبكه حول تاريخ الرياضيات العربية باللغة الفرنسية والألمانية. ويندرج هذا العمل – أي جمع هذه الدارسات وإعادة نشرها – في إطار مشروع أشرف عليه المرحوم فؤاد سيزكين، مؤسس ومدير معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بفرانكفورت. يهدف هذا المشروع إلى إعادة نشر مجموعة من الدراسات (بلغات مختلفة) المتعلقة بالتراث العربي – الإسلامي في شقيه الفلسفي والعلمي، مع العمل في نفس الوقت على نشر صور لعدد مهم من المخطوطات العربية التي لم تعرف طريقها بعدُ إلى الإخراج النقدي (التحقيق). وقد كان من ثمار هذا المشروع أن تم نشر مجموعة كبيرة من المجلدات بلغ عددها ألفا وأربعة عشر كتابا.

  • المؤلف : فرانتس فوبكه (1826م-1864م) :

   ولد فرانتس فوبكه بـ”دوساو” Dessau سنة 1826. تلقى تعليمه الجامعي بمدينة برلين، ثم عاد بعد ذلك إلى مدينة “بون”Bonn  قصد تعلم اللغة العربية على يدي أستاذه فرايتاجFreytag  اقتناعا منه أن دراساته وأبحاثه حول تاريخ العلوم العربية لا يمكن أن تقوم على أساس متين دون الاطلاع على المصادر في لغتها الأصلية (العربية). وبتشجيع من أستاذه العالِم الألماني الشهير ألكسندر فون همبولت Alexander von Humboldt، سيذهب سنة 1850 إلى باريس ليمكث بها خمس سنين مخصصا معظم وقته لدراسة المخطوطات العلمية الموجودة بالمكتبة الوطنية. يرجع اختياره لهذه المدينة دون غيرها إلى أنها كانت آنذاك من بين أهم المراكز العلمية التي تهتم بتاريخ العلوم العربية، يقول فؤاد سيزكين في هذا الصدد : “لقد كانت باريس في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي المقر الأساسي للدراسات في تاريخ العلوم العربية والإسلامية عامة والعلوم الطبيعية منها خاصة. ففي مجال الرياضيات وعلم الفلك كان يقوم بدور الريادة سيديو الأب والابن (Jean-Jacques et Louis-Amélie Sédillot) وكانا يكافحان لتبيين أهمية أعمال العرب والمسلمين فيها“.[5] ورغم أن فوبكه اضطر سنة 1956 إلى العودة إلى ألمانيا نظرا لبعض الأسباب العائلية، إلا أنه اختار الاستقالة (سنة 1858) من عمله في تدريس الرياضيات بإحدى ثانويات برلين مفضلا العودة إلى باريس لمواصلة أعماله البحثية وإنجاز دراساته العلمية حول تاريخ الرياضيات العربية.[6]

   كان أول عمل نشره فوبكه، حسب عبد الرحمن بدوي، هو كتاب الخوارزمي المعروف بكتاب “الجبر والمقابلة”، حيث حققه وترجمه (لم يشر بدوي إلى أي لغة !) مرفقا إياه بدراسة علمية.[7] في حقيقة الأمر، تستدعي هذه المعلومة بعض التحفظ، وذلك للدواعي التالية 1- لا يوجد هذا العمل – أي كتاب الخوارزمي “الجبر والمقابلة” – ضمن الأعمال المنشورة في هذين المجلدين اللذان نحن بصدد تقديم محتواهما هنا. ورغم أنه من الراجح جدا أنهما لا يتضمنان “كل” أعمال فوبكه، إلا أننا نعتقد أن سيزكين ما كان ليغفل عن نشر “عمل فوبكه عن الخوارزمي” نظرا لأهميته البالغة. 2- تبين لنا بعد إطلالة سريعة على كتاب الخوارزمي الذي حققه مؤرخ الرياضيات رشدي راشد أن هذا الأخير لم يشر إلى أي “تحقيق” أو “ترجمة” أنجزها فوبكه لهذا الكتاب. وبدل ذلك، نجد أن رشدي راشد يقول بوضوح : “لا بد من أن نتعجب، إذن، من كون هذا الكتاب (الجبر والمقابلة للخوارزمي) لم ينل حتى الآن، التحقيق النقديّ الذي يستحق، أو الترجمة إلى لغة أوربية تتناسب مع أهميته؛ […] وسنقدم فيما يلي، أوّل تحقيق نقديّ لجبر الخوارزمي، وأوّل ترجمة لنصه إلى الفرنسية، صارمة الدقة، […].[8] وإذا أخذنا في الاعتبار أن فوبكه أنجز أغلب دراساته (بما فيها تحقيقاته وترجماته) باللغة الفرنسية، فإن خطأ المعلومة الواردة لدى بدوي يصير أكثر احتمالا 3- لا يشير بدوي نفسه إلى أي معطى بيبليوغرافي بخصوص كتاب الخوارزمي، حيث يورد في الآخر مجموعة من الدراسات والتحقيقات التي أنجزها فوبكه دون ذكر لتلك الخاصة بالخوارزمي. 4- يقول بدوي : “وأكمل فبكه هذا البحث، ببحث آخر نشره بعد ذلك بعامين وهو نشر فصول من كتاب “الفخري” تأليف الكرجي”.[9] وحسب ما هو وارد في المجلد الأول، فإن تاريخ صدور عمله عن الكرجي هو سنة 1853، بينما صدر له قبل ذلك بسنتين عمله حول جبر الخيام (سنة 1851). بالتالي، فإننا نرجح، بناء على كل هذه المعطيات، أن الأمر لا يعدو كونه خلطا من طرف بدوي بين عمل فوبكه عن “جبر الخيام” وجبر الخوارزمي.

   لم يكن فوبكه مهتما بتاريخ الرياضيات العربية فقط، بل كان مهتما كذلك ببعض الأنشطة الرياضية لدى الهنود والصينيين. كما أنه اشتغل، في مناسبات أخرى، على أعمال لا تتصل بشكل مباشر بتاريخ الرياضيات. من ذلك مثلا اشتغاله على تحقيق كتاب البيروني الشهير “تحقيق ما للهند من مقالة مقبولة في العقل أو مرذولة“. لكنه لم يستطع، للأسف، إتمام هذا العمل، حيث إنه “كان قد نسخ النص العربي وحدد عددا كبيرا من الاصطلاحات السنسكريتية التي رسمها البيروني، بحروف عربية على نحو تقريبي ناقص. وشرع في الترجمة إلى الفرنسية وضبط البيانات الفلكية الواردة عند البيروني. لكن المَنِيَّة عاجلته وهو في الثامنة والثلاثين من عمره فتوفي في 1864.[10] بالتالي، يمكن القول بنوع من الأسف إن “وفاة فوبكه ولما يتجاوز سنه الثامنة والثلاثين بعدُ كانت خسارة لتاريخ الرياضيات […].[11]

  • المجلد الأول (723 صفحة):

   طُبعت مجمل هذه الأعمال في مجلدين. يحتوي الأول منها على ست عشرة دراسة، منها ما هو دراسة صرف (مونوغرافية)، ومنها ما هو دراسة وتحقيق وترجمة لبعض النصوص الرياضية العربية. يشكل عمله عن الخيام (ص. 47-257) وعمله الآخر عن الكرخي (ص. 267-426) أطول الأعمال المنشورة في هذا المجل. يتعلق الأمر في حالة الخيام بتحقيق وترجمة ودراسة مطولة لمصنفه في علم الجبر. أما عمله عن الكرخي، فيتعلق بترجمة ودراسة وتحقيق نصه الجبري المشهور باسم كتاب “الفخري” أو بـ”كتاب الجبر والمقابلة”. وفي كلا النصين، يلاحظ المرء تحليلا تاريخيا ورياضيا مكثفا يتوسل اللغة الرياضية (الرمزية) المعاصرة.

   لم يكن فوبكه هو أول من وقف على القيمة الحقيقية لكتاب عمر الخيام، حيث يشير هو نفسه، في سياق حديثه عن دواعي نشره لهذا العمل، إلى أن بعض مؤرخي الرياضيات (كـجيرار ميرمان Gérard Meerman ومونتكلاMontucla ) قد أشاروا سابقا إلى وجود مخطوط كتاب الخيام. كما أن شازل Chasles سبق أن أكد، اعتمادا على بعض تحليلات سيديو Sédillot، أن نشر عمل الخيام كاملا يمكن أن يكون ذا فائدة كبير لتاريخ الفكر الرياضي. هكذا، يصرح فوبكه قائلا : “إن إجماعا كهذا حول أهمية [كتاب] الجبر للخيام كان كافيا لجعلي أقرر نشر الكتاب“.[12] بناء على ذلك، سيعد تحقيقا نقديا للكتاب استنادا إلى ثلاث مخطوطات، اثنتان منها موجودة بالمكتبة الوطنية، بينما توجد الثالثة بمكتبة لييد  .Leyde

   لقد كان لإقدام فوبكه على نشر وترجمة أعمال الخيام الجبرية بعض النتائج الإيجابية على تاريخ الرياضيات العربية. من بين هذه النتائج إتاحة نص الخيام باللغة الفرنسية، كما أسهم عمله ذاك في حث بعض الباحثين الآخرين على الاهتمام بالخيام الرياضي في لغات أخرى. كتب رشدي راشد سنة 1999 : “[…] لم يكن من الممكن للقارئ الفرنسي أن يطّلِع على أعمال الخيام الجبرية قبل سنة 1850. ففي هذا العام، عمدَ العالم الألماني ف. وبكه، بتشجيع من مواطنه أ. فون هامبولت، ومن الرياضي الفرنسي م. شال، إلى نقل ‘جبر’ الخيام إلى الفرنسية بعد أن قام بتحقيق أولّي له استنادا إلى ثلاث مخطوطات. وقد شجعت هذه المبادرة العلمية القيّمة على القيام بأعمال مشابهة، فظهرت ترجمات مماثلة إلى الإنكليزية والفارسية والروسية”.[13] وعليه، فلئن كانت قيمة الأعمال العلمية تُقاس، في أحيان كثيرة، بما تقدمه من اكتشافات جديدة بخصوص المبحث الذي تُعنى به أو بمدى التأثير الذي تخلفه لدى اللاحقين، فلا ريب في أن بعض أعمال فوبكه خليقة حقا بصفة “الأهمية العلمية”.

   أما فيما يتعلق بتحقيقه لكتاب “الفخري” للرياضي للكرخي، فيأتي في سياق اقتناعه التام بأن الدراسات العلمية المنجزة حول الأنشطة الرياضية العربية، خصوصا مبحث الجبر، لم تحظ آنذاك باهتمام كاف قياسا إلى بعض الدراسات المنجزة حول تاريخ الأنشطة الفلكية العربية .[14] فضلا عن ذلك، فقد كان مقتنعا أن دراسة كتاب الكرخي وإخراجه محققا من شأنه أن يملأ فجوة كان لا يزال يعانيها تاريخ الجبر العربي، حيث ستسعف، حسب قوله، هذه المسألة في عملية التأريخ لمسار تطور الجبر العربي خلال أواخر القرن لعاشر الميلادي.[15]

   لم يقتصر فوبكه على تحقيق هذا النص وترجمته، بل إنه نشر معه دراسة تاريخية ورياضية عمل فيها على التدليل على بعض القضايا المهمة بالنسبة لتاريخ الأنشطة الرياضية داخل الحضارة العربية. هكذا، نُلفيه يؤكد على أن العرب سبق أن عرفوا الجبر غير المحدد، وذلك بالاستناد إلى كتاب الرياضي اليوناني ديوفانطس المعنون بـ”المسائل العددية”.[16] ولا يعني هذا، بطبيعة الحال، أنهم وقفوا عند حدود ما قدمه هذا الرياضي اليوناني، بل إنهم أضافوا بعض الأمور المهمة المتعلقة باقتراح “طرائق جديدة” أو اكتشاف ومناقشة “بعض المسائل الرياضية” ذات المستوى المتقدم (العالي).[17] كما عمل فوبكه على رصد امتدادات بعض هذه الإسهامات العربية لدى الرياضيين اللاحقين، خصوصا عند واحد من أوائل رياضيي أوربا، وهو الرياضي الإيطالي فيبوناتشي الذي اعتبر فوبكه أن أعماله ليست بتلك الأصالة التي دأب البعض على نسبتها إليه. وذلك نظرا لسبب بسيط هو أن جزءا كبيرا من أعماله الرياضية ليست، في الحقيقة، إلا امتدادا لرياضيي الحضارة العربية بصفة عامة، ولأعمال الكرخي بصفة أخص.[18]

   يتضمن المجلد الأول دراسات أخرى أفردها فوبكه للخيام، كتلك التي تحمل عنوان “الإنشاء الهندسي للمعادلات التكعيبية” (من الصفحة 1 إلى الصفحة 13). كما يحتوي هذا الجزء على تحقيق لرسالة مقتضبة لثابت بن قرة الحراني في مجال نظرية الأعداد (الأعداد المتحابة) les nombres amiables. ويكتسي هذا العمل المنجز من طرف فوبكه أهمية بالغة في عملية التأريخ لنظرية الأعداد لدى رياضيي الحضارة الإسلامية. لقد ساد، قبل ذلك، اعتقاد خاطئ مفاده أن رياضيي الإسلام لم يسهموا بتاتا في هذا المبحث (نظرية الأعداد)، ليأتي عمل فوبكه مثبتا خطأ هذا الرأي. يقول رشدي راشد هذا السياق : “فلو قورنت نظرية الأعداد بالعلوم الرياضية الأخرى فلن يكون نصيبها سوى خيبة الأمل، ولن يمكنها أن تدّعي بنصيب تاريخي لا بنتائجها ولا حتى بأخطائها، لدرجة أنه يمكن كتابة تاريخ نظرية الأعداد وتوفير ذكر مشاركة الرياضيات العربية فيه. ومع هذا ثمة واقعتان تبرزان ضد هذا الطرح كشفت عنهما في القرن الماضي أمال ويبك (Woepcke) وكان بإمكانهما تنبيه المؤرخين وهما : الحالة الأولى لمبرهنة فيرما (Fermat) ومبرهنة ثابت بن قرة عن الأعداد المتحابة. […] لقد بدأ كل شيء فعليا مع ثابت بن قرّة، وخلافا للأعداد التامة، فإن الأعداد المتحابة لم تجد النظرية التي تستحقها قبل أعمال هذا الرياضي (أي ثابت بن قرة).[19] هكذا، يظهر بوضوح، مرة أخرى، مدى القيمة التجديدية التي تسم بعض أعمال فوبكه حول تاريخ الرياضيات العربية.

   تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأول لا يتضمن دراسات تخص تاريخ الرياضيات العربية فحسب، بل إنه يضم كذلك بعض الدراسات المخصصة للرياضيات خلال الفترتين اللاتينية واليونانية. بخصوص الأولى، نجد دراسة تخص “عملية الضرب” تحمل عنوان “الطرائق القديمة لعملية الضرب (ص. 429-444)، يتعلق الأمر هنا بتحليل مفصل لبعض الطرائق التي تعتمد الجداول المسماة بـ”Arte de labbacho”. أما فيما يتعلق بالرياضيات اليونانية، فنجد تحقيقا يخص ترجمتين عربيتين لنصين من نصوص أقليدس كانا يُعدّان في عداد المفقود. ينتمي النص الأول إلى مجال علم الأثقال، وهو عبارة عن نص يتكون من خمس صفحات تحمل العنوان التالي : “مقالة لأُقليدس في الميزان” (نشره فوبكه هنا محققا مع ترجمة إلى الفرنسية). أما النص الثاني فينتمي لمجال الهندسة، وهو بعنوان “حول القسمة الأشكال المستوية”.

   من الملاحظ هنا أن فوبكه لم يورد النص العربي حيث اكتفى فقط بنشر الترجمة الفرنسية. لقد سبق أن تُرجم النص، حسب فوبكه، إلى اللغة الإنجليزية من طرف شخص يُدعى دي Dee، ولم يورد هذا المترجم اسم أوقليدس في ترجمته الإنجليزية. رغم ذلك، فقد ارتأى فوبكه أن إنجاز ترجمة فرنسية لهذا النص سيكون أمرا مفيدا نظرا للاعتبارين على الأقل : أ- وجود اختلافات جوهرية بين المخطوط العربي، الذي اعتمده فوبكه في عملية الترجمة، والنص الذي قدمه Dee سواء في صيغته الإنجليزية أو في صيغته الأصلية الموجودة ضمن مجموع أعمال أُقليدس بأوكسفورد. ب- لا تزال “أصالة” l’authenticité العمل المنشور ضمن تحقيق (طبعة) كريغوري l’édition Grégori أمرا مشكوكا فيه إلى حدود تلك اللحظة.[20]

   أما عن باقي الدراسات الأخرى الموجودة في هذا الجزء (الجزء الأول) فهي : “أبحاث حول تاريخ العلوم الرياضية عند المشارقة من خلال مصنفات عربية وفارسية غير منشورة”. يتوزع هذا العنوان العام على ثلاثة عناوين (دراسات) فرعية : 1- دراسة حول الترقيم الجبري المستعمل من لدن العرب (ص. 445-482). 2- تحليل واستخراج لبناءات هندسية لأبي الوفاء (ص. 483-572). 3. حول قياس الدائرة لدى الفلكيين العرب (استنادا إلى حساب أبي الوفاء) (ص. 573-613). هنالك أيضا مقالتان مخصصتان لحساب جيب الزاوية sin 1° (ص. 614-637 وص. 638-460). هذا بالإضافة إلى مقال مخصص لبعض المعطيات التاريخية المتعلقة باستخدام العرب للأرقام الهندية (ص. 645-647). وهناك مقال آخر سعى فيه المؤلف إلى “إعادة بناء” بعض أعمال أبولونيوس الضائعة (حول الكميات الصماء quantités irrationelles) بناء على بعض المخطوطات الرياضية العربية (ص. 648-710). أما آخر نص يضمه هذا الجزء فهو عبارة عن ترجمة – إلى اللغة الفرنسية – للقسم الخاص بالعلوم الرياضية ضمن مقدمة ابن خلدون (ص. 711-723).

  • المجلد الثاني (770 صفحة) :

   يحتوي الجزء الثاني، في بدايته، على ترجمة لثمانية أقسام من كتاب الرياضي المغاربي أبو الحسن علي بن محمد القلصادي المعنون بـ”كشف الأسرار عن علم حروف الغبار”.[21] ومن الملاحظ، بخصوص هذا العمل، أن فوبكه اكتفى فقط بنشر ترجمة لهذا النص دون إرفاقه بأي دراسة رياضية أو تاريخية. من المحتمل أن ذلك راجع إلى كونه قد نشر دراسات يتطرق لبعض المسائل المرتبطة بالكتاب، فعلى سبيل المثال، يناقش ويحلل في دراسته المتعلقة بالترقيم الجبري لدى الرياضيين العرب بعض هذه الجوانب (الخاصة بالترقيم الجبري) من خلال كتاب “كشف الأسرار” للقلصادي.

   يلي هذا النص ترجمة لنصين يتعلقان بإنشاء المثلثات القائمة الزاوية والأعداد الصحيحة. النص الأول لمؤلف مجهول، أما النص الثاني فيعود لأبي جعفر محمد بن الحسين. تعالج الدراسة الموالية (باللغة الألمانية) موضوعا من مواضيع علم الفلك العملي، إذ يقدم فيها فوبكه وصفا وتحليلا لإحدى الأسطرلابات التي أهداها شخص يُدعى أ. شبغرينغر A. Sprenger إلى المكتبة الملكية. تليها دراسة تحمل عنوان “حول دخول علم الحساب الهندي إلى الغرب وحول وثيقتين مهمتين”، ويدرس فيها الباحث، من بين أمور أخرى، عملين ينتميان للثقافة الأوربية في العصر الوسيط : يحمل العمل الأول عنوان “Algortmi de numero Indorum”، أما النص الثاني فعنوانه “Liber Abbaci”، وهو من تأليف الرياضي الإيطالي الشهير ليوناردو البيزي الملقب بفيوبانتشي (ص. 166-236).

   يمثل العمل الموالي جردا وتحليلا مقتضبا لبعض المخطوطات الرياضية العربية التي حصلت عليها “مؤخرا” – أي في تلك الفترة – المكتبة الوطنية (ص. 237-262). أما عن باقي العناوين المنشورة في هذا الجزء، فقد جاءت على الشكل التالي : “بحث حول انتشار الأرقام الهندية” (ص. 264-461)، “حول إنشاء معادلات الدرجة الرابعة من طرف علماء الهندسة العرب”، “مقاطع تتعلق بمجموع سلسلة من المكعبات، مقتطفة من ثلاث مخطوطات عربية (غير منشورة)ـ توجد بالمكتبة الوطنية” (ص. 476-510)، “مقاطع تتعلق بمجموع سلسة من المكعبات مقتطفة من مخطوطتين عربيتين غير منشورتين، توجد بالمتحف البريطاني بلندن” (ص. 511-534)، “حول الأسطرلاب العربي الموجود في المكتبة الوطنية بباريس” (ص. 535-540)، “مدخل إلى حساب الغبار والحساب الهوائي” (ص. 541-559)، “ثلاثة مصنفات حول البركار التام” (ص. 560-734)، و”أنظمة الأرقام المستخدمة لدى الشعوب المختلفة وأصل قيمة الموضع في الأرقام الهندية” (ص. 735-770).

   لقد حاولنا في ما تقدم من سطور تقديم وصف عام للأعمال العلمية – دراسات وتحقيقات وترجمات – التي أنجزها مؤرخ الرياضيات فرانتس فوبكه حول تاريخ الفكر الرياضي في الحضارة العربية الإسلامية. ولا شك في أن وصفا مقتضبا كهذا لا يمكن أن يبرز بوضوح أهمية تلك الدراسات، سواء من حيث قيمتها الفعلية أو من حيث تأثيراتها المحتملة. لهذا، نأمل أن تشهد هذه الأعمال في المستقبل القريب اهتماما صريحا من لدن الباحثين، وذلك قصد استثمار ما أنجزَتْهُ أو استكمال ما وقفَتْ عند حدوده أو التنبيه على ما قصرَّتْ أو غفلتْ عنه. كما نأمل أيضا أن تعرف هذه الدراسات، أو بعضها على الأقل، طريقها إلى الترجمة العربية.

[1] – Franz Woepcke, Etudes sur les mathématiques arabo-islamiques (Nachdruck von Schriften aus den Jahren 1842-1874), Herausgegeben von Fuat Sezgin, Institut fur Geschichte der Arabisch-Islamischen Wissenschaften an der Johann Wolfgan Goethe-Unversitat, Fra,kfurt am Main, 1986. (1468 Seiten/Pages)

[2] – المقصود هنا كاتب التقديم لا مؤلف الكتاب موضوع التقديم.

[3] – فرانتز فوبكه، دراسات في الرياضيات العربية والإسلامية، مرجع سابق، ص. 9 (من مقدمة الناشر).

[4] – نستثني هنا ترجمتنا لمقال مقتضب لفوبكه يحمل عنوان : “ملاحظة حول الترميز الجبري المستعمل من طرف [الرياضيين] العرب“. نُشرت الترجمة على الموقع الإلكتروني لمركز ابن البنا المراكشي على الرابط التالي :

https://www.arrabita.ma/blog/%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B8%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%85%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%85%D9%86/

[5] – فرانتز فوبكه، دراسات في الرياضيات العربية والإسلامية، مرجع سابق، ص. 9 (من مقدمة الناشر).

[6] – كل المعطيات البيوغرافية الواردة هنا مستقاة من مقدمة الناشر (ص. 9-11) ومن كتاب : عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، 1993. ص. 421-423.

[7] – يقول عبد الرحمن بدوي : “وأول بحث نشره في ذلك الوقت هو عن كتاب ‘الجبر والمقابلة’ للخوارزمي : فحقق النص العربي، وزوده بترجمة، ونشر معه عدة مستخرجات من كتب سائر علماء الجبر العرب والمسلمين، ابتغاء أن يبين ما أضافه العرب في ميدان علم الجبر إلى ما وصل إليه ذيوفنطس“. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، مرجع سابق، ص. 421.

[8] – رشدي راشد، رياضيات الخوارزمي : تأسيس علم الجبر، ترجمة نقولا فارس، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 2010. ص. 40-41.

[9] – عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، مرجع سابق. ص. 421.

[10] – نفس المرجع، ص. 422.

[11] – فرانتز فوبكه، دراسات في الرياضيات العربية والإسلامية، مرجع سابق، ص. 9 (من مقدمة الناشر).

[12] – Franz Woepcke, L’algèbre d’Omar Alkhayyâmî, in : Etudes sur les mathématiques arabo-islamqiues, Band 1,  op. cit., p. 54.

[13] – رشدي راشد، وبيجان وهاب زاده، رياضيات عمر الخيام، ترجمة نقولا فارس، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005. ص. 27-28.

[14] – يقول فوبكه :

Ces études n’ont encore été faites que très-partiellemnet, quoiqu’il ait paru récemment des travaux considérables, surtout sur l’astronomie arabe. Mais les mathématiques proprement dites, et notament l’algèbre des Arabes, laissent encore un vaste champs au recherches des savants

Franz Woepcke, Extrait du Fakhrî, in : Etudes sur les mathématiques arabo-islamqiues, Band 1,  op. cit., p. 275.

[15] – يقول فوبكه :

“Cependant, il restait une lacune importante à remplir ; on manquait absolument de données authentique sur l’Algèbre indéterminée des Arabes, au point qu’il paraissait douteux qu’ils se fusent jamais occupés de cette branche de la science. J’ai été assez heureux pour découvrir à la Bibliothèque impériale un manuscrit, dont le contenu me fournit le moyen de déterminer les progrès que les Arabes avaient faits à la fin Xe siècle, dans cette partie de l’algèbre. J’ai cru le sujet assez important pour me dédier à donner un extrait complet de l’ouvrage d’Alkarkhî.”

Franz Woepcke, Extrait du Fakhrî, op. cit., p. 276 –

[16] – سيؤكد بعض مؤرخي الرياضيات اللاحقين هذا الحكم، فهذا رشدي راشد يكتب : “هذا التطوير [أي ارتباط الجبر بالحساب] كان من عمل الرياضيين العرب أنفسهم وكانت وراءه أيضا ترجمة المسائل العددية لديوفنطس. ولتجديد هذا العلم استفاد الكرجي (أي الكرخي) ولاحقوه في آنٍ معا من التطوير ومن معرفتهم بالجبر والطريقة التي طُبق بها منذ الخوارزمي.” رشدي راشد، تاريخ الرياضيات العربية بين الجبر والحساب، ترجمة حسين زين الدين، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1989. ص. 48.

[17] – يقول فوبكه :

Qu’ils ont ajouté à l’algèbre de Diophante, tant en inventant de nouveaux procédés, qu’en se proposant des problèmes de degrés plus élevés.” Franz Woepcke, Extrait du Fakhrî, op. cit., p. 277

[18] – يُنظر :

 .Franz Woepcke, Extrait du Fakhrî, op. cit., p. 277 –

[19] – رشدي راشد، تاريخ الرياضيات العربية بين الجبر والحساب، مرجع سابق، ص. 300-301.

[20] – يُنظر :

Franz Woepcke, Notice sur des traductions arabes de deux ouvrages perdus d’euclide, in : Etudes sur les mathématiques arabo-islamqiues, Band 1, op. cit., p. 18-19

[21] – نشر المرحوم محمد سويسي تحقيقا كاملا لهذا النص سنة 1988. يتضمن النص المنشور من طرف سويسي الجزأين المتعلقين بـ”الجذور” و”في استخراج المجهولات”، وهما غير موجودين في ترجمة فوبكه. يُنظر :

– القلصادي، كسف الأسرار عن علم حروف الغبار، تحقيق محمد سويسي، الدار العربية للكتاب، 1988.

ذ. عبد العزيز النقر

حاصل على شهادة الماستر في الفلسفة

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق