مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات محكمة

التعريف بأربعة ألقاب أهل الحديث وبعض من وصف بها: “المسند- المحدث- الحافظ- أمير المؤمنين في الحديث”

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين

تقديم:

    كثيرا ما نصادف في كتب أهل العلم ألقابا علمية لبعض علماء الحديث؛ وهي متعددة، تختلف كل واحدة عن الأخرى من حيث درجتها، وهي ما يعرف بـ: “مراتب علماء الحديث”، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الألقاب لا علاقة لها  بالجرح والتعديل؛ إذ لا تلازم بينهما؛ حيث كثيرا ما نجد أن الراوي وصف بلقب “محدث”، أو “حافظ”؛ لكن قد يكون ضعيفا في ميزان النقد([1]). كما أنها مراتب مشهورة بين أهل العلم؛ لكنها غير مجمع عليها بينهم  ، ولأهمية هذا الموضوع جاء هذا المقال  الذي سأتناول فيه مطلبين:

المطلب الأول: التعريف بأربعة ألقاب أهل الحديث: المسند، والمحدث، والحافظ، وأمير المؤمنين في الحديث مع بيان أقوال العلماء في درجتها  

المطلب الثاني: بعض الموصوفين بهذه الألقاب  من أهل الحديث المسند، والمحدث، والحافظ، وأمير المؤمنين في الحديث.

وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

المطلب الأول:

التعريف بأربعة ألقاب أهل الحديث:  المسند ،والمحدث، والحافظ، وأمير المؤمنين في الحديث  مع بيان أقوال العلماء في درجتها :

 أولا:  لقب المسند

وهذا اللقب حسب بعض التعاريف يطلق على من يروي الحديث بسنده ، وله اعتناء بالأحاديث المسندة، قال السيوطي (911هـ): “المسند بكسر النون، وهو مَن يروي الحديث بإسناده، سواءٌ كان عنده علمٌ به، أو ليس له إلا مجرد رواية. “، وهو ما قاله كذلك العلامة جمال الدين القاسمي (1332هـ) في قواعد التحديث([2]).

وهو أقل درجة من المحدث قال  السيوطي: “اعلم أن أدنى درجات الثلاثة المسند” ([3]). ” وقال جمال الدين  القاسمي:  ” المحدث أرفع منه -أي: من المسند – ؛بحيث عرف الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال. وأكثر من حفظ المتون وسماع الكتب الستة والمسانيد والمعاجم والأجزاء الحديثية، وأما الحافظ فهو مرادف للمحدث عند السلف”.([4])

وهو ما جاء في مقدمة تذكرة الحفاظ للذهبي: “الدرجة الأولى المسند، الدرجة الثانية المحدث، الدرجة الثالثة الحافظ، الدرجة الرابعة الحجة، الدرجة الخامسة: الحاكم، الدرجة السادسة أمير المؤمنين في الحديث”([5]) . وذلك بحسب ترتيب الألقاب من الأدنى إلى الأعلى، والسادسة هي أعلى هذه الدرجات.

ثانيا: لقب المحدث

وقد حددت بعض التعاريف الحد الأدنى لمن يوصف بهذا اللقب  فقال ابن سيد الناس (734هـ): “من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه حفظه، واشتهر فيه ضبطه”([6]).

وقال الحافظ السبكي (771هـ) المحدث هو : ” من عرف الأسانيد، والعلل وأسماء الرجال، والعالي والنازل، وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة، وسمع الكتب الستة، ومسند أحمد بن حنبل ، وسنن البيهقي، ومعجم الطبراني، وضم إلى هذا القدر ألف جزء من الأجزاء الحديثية هذا أقل درجاته، فإذا سمع ما ذكرناه، وكتب  الطباق، ودار على الشيوخ، وتكلم في العلل والوفيات والأسانيد كان في أول درجات المحدثين، ثم يزيد الله من شاء ما شاء “([7]).

وقد جعله بعض العلماء في الرتبة.التي تلي رتبة لقب المسند  قال السيوطي: “وأما المحدث فهو أرفع منه –أي: من المسند-“([8]). وجاء في مقدمة تذكرة الحفاظ للذهبي “الدرجة الثانية المحدث..” ([9]).

ثالثا:  لقب الحافظ

اتفق أهل المصطلح على أن هذا اللقب في الغالب يختص به أهل الحديث، وإن اختلفوا في بيان معناه ، قال البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: “الوصف بالحفظ على الإطلاق ينصرف إلى أهل الحديث خاصة” ([10])،وقد بين الحافظ المزي الحد الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يُطلق عليه “الحافظ”، فقال: “أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم، ليكون الحكم للغالب”.([11])

وقال أبو الفتح بعد ذكر حد المحدث: ” فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله، فهذا هو الحافظ”.([12])

وقال العراقي لما سأله تلميذه ابن حجر  عن حد الحافظ قال: “كلام المزي فيه ضيق ..، وأما كلام أبي الفتح فهو أسهل، بأن ينشط بعد معرفة شيوخه إلى شيوخ شيوخه وما فوق، ولا شك أن جماعة من الحفاظ المتقدمين كان شيوخهم التابعون أو أتباع التابعين، وشيوخ شيوخهم الصحابة أو التابعين، فكان الأمر في هذا الزمان أسهل باعتبار تأخر الزمان، فإن اكتُفي بكون الحافظ يعرف شيوخه وشيوخ شيوخه أو طبقة أخرى فهو سهل لمن جعل فنه ذلك دون غيره من حفظ المتون والأسانيد، ومعرفة أنواع علوم الحديث كلها، ومعرفة الصحيح من السقيم، والمعمول به من غيره، واختلاف العلماء، واستنباط الأحكام، فهو أمر ممكن، بخلاف ما ذكر من جميع ما ذكر، فإنه يحتاج إلى فراغ وطول عمر، وانتفاء الموانع، وقد روي عن الزهري أنه قال: لا يولد الحافظ إلا في كل أربعين سنة. فإن صح كان المراد رتبة الكمال في الحفظ والإتقان، وإن وجد في زمانه من يوصف بالحفظ، وكم من حافظٍ غيرُه أحفظُ منه”([13])

و هناك من التعاريف  من حددت الحد الأدنى للحفظ ؛ فاشترطوا فيه أن يكون حافظا لمائة ألف حديث متنا وسندا؛ جاء في شرح نزهة النظر: ” الحافظ هو من أحاط علمه بمائة ألف حديث”([14])، وهو تحديد ليس بمسلَّم كما ذهب ّإليه عبد الفتاح أبو غدة قال:  في بيان نقض ما ذكره هؤلاء العلماء في شرط لقب الحافظ وغيره: هذا، ومما ينبغي التنبيه عليه أن ما ذكره هؤلاء العلماء المتأخرون في شرط لقب الحافظ، والحجة، والحاكم، ليس بلازم للوصف بهذه الألقاب ولا معروف عند المتقدمين، ولا اللغة تقتضيه، ولا مسلك المحدثين السابقين يرتضيه، بل هو منقوض مردود بشواهد الواقع الكثيرة من حال الحفاظ المتقدمين” ([15]).

وهو في المرتبة:  أعلى من “المحدث”؛ قال الذهبي: ” الدرجة الثالثة: الحافظ “([16])

رابعا: لقب أمير المؤمنين في الحديث

 لقب يطلقه المحدثون على من فاق غيره من المحدثين حفظاً، وإتقاناً، وتعمُّقاً في علم الحديث وعلله، وهو من أرفع ألقاب المحدثين العلمية، وأعلاها . وللشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي  (ت 1363هـ) أرجوزة  سماها : هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث، كما أن للعلامة عبد الفتاح أبي غدة  رسالة سماها: أمراء المؤمنين في الحديث جمع فيها من لقب  بأمير المؤمنين في الحديث.

المطلب الثاني:

بعض الموصوفين بهذه الألقاب (المسند، المحدث ، الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث)

أورد في هذا المطلب بعض الموصوفين بهذه الألقاب الأربعة، ذاكرة الاسم والنسب وتاريخ الوفاة، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد يوصف العالم  بلقبين أو أكثر من هذه الألقاب ، لذا سأقتصر  في هذه النقطة على  ذكر نموذجين اثنين في كل نوع وإن كانا موصوفين بهذه الألقاب جميعا،  أو بعضها،  وهم كالاتي:

1-بعض أسماء من وصف بالمسند:

وممن وصف بالمسند أذكر منهم:

1-المسند عبد الله بن محمد شيخ البخاري (229هـ) قال الحاكم: “سُمِّي المسندي؛ لأنه أولُ مَن جمع مُسنَد الصحابة بما وراء النهر”([17]).

2-المسند عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي  (317هـ)  قال الصفدي: “مسند الدنيا” ([18])، وقال أيضا: “”وتفرد في الدنيا بعلو السند”([19])

2- بعض أسماء من وصف بالمحدث

يعد مصطلح المحدث من أكثر الألقاب استعمالا عند المحدثين، وممن وصف بذلك أذكر منهم :

اثنان وهما:

1-المحدث إبراهيم بن المنذر الحزامي (236هـ) قال الذهبي: “المحدث الثقة”([20])

2-المحدث علي بن أحمد بن محمد ابن الحسن الاستراباذي (لم أقف على تاريخ وفاته) قال الذهبي: ” محدث سمرقند ومصنف تاريخها وتاريخ أستراباذ “([21])

3- بعض أسماء من وصف بالحافظ

ومصطلح الحافظ يعد كذلك من أكثر الألقاب استعمالا  عند المحدثين، وقد ألف الإمام الذهبي كتاب ضمَّن فيه أسماء من بلغوا مرتبة الحافظ سماه تذكرة الحفاظ؛ وممن لقب بهذا اللقب  أذكر منهم اثنان وهما:

1-الحافظ محمد بن مسلم بن تدرس المكي (128هـ) قال الذهبي: “الحافظ المكثر”([22]).

2-الإمام الحافظ يحيى بن معين (233هـ) قال الذهبي: “سيد الحفاظ”([23]).

4-بعض أسماء من وصف بأمير المؤمنين في الحديث

وممن وصف بأمير المؤمنين في الحديث  أذكر منهم اثنان وهما:

1-عبد الله بن ذكوان المدني المتوفى (130هـ)، كان سفيان بن عيينة يلقبه بهذا اللقب ([24]).

2-شعبة بن الحجاج النيسابوري المتوفى (160هـ)؛ وكان سفيان الثوري يلقبه بذلك  ([25]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

1-أن المسند ،والمحدث، والحافظ، وأمير المؤمنين في الحديث  كثيرا ما نصادفها في كتب أهل العلم وهي ألقاب علمية تطلق على علماء الحديث.

2-أن هذه الألقاب لا علاقة لها  بالجرح والتعديل، إذ لا تلازم بينهما؛ حيث كثيرا ما نجد أن الراوي وصف بلقب “محدث” أو “حافظ”؛ لكن قد يكون ضعيفا في ميزان النقد

3-أنها مراتب مشهورة بين أهل العلم؛ لكنها غير مجمع عليها بينهم.

4-أوردت في المقال نموذجين لكل لقب من هذه الألقاب.

******************************

هوامش المقال:

([1]) مثل الشاذكوني من أقران أبي زرعة، فإنه من أحفظ الناس إلا أنه ليس بثقة .  انظر ترجمته في ميزان الاعتدال (3 /291).

([2]) قواعد التحديث (ص: 109).

([3]) تدريب الراوي (1 /29).

([4]) قواعد التحديث (ص: 109).

([5]) مقدمة تذكرة الحفاظ (1 /3-4).

([6]) من كتاب: تدريب الراوي (1 /37-38).

([7]) معيد النعم ومبيد النقم (ص: 82-83).

([8]) تدريب الراوي (1 /30).

([9]) تقدم توثيقه.

([10]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2 /172).

([11])  نقلا عن تدريب الراوي (1 /37).

([12]) نقلا عن تدريب الراوي (1 /38).

([13])نقلا عن تدريب الراوي (1 /38-39).

([14]) علي القاري على شرح نزهة النظر (ص: 3).

([15]) أمراء المؤمنين في الحديث (ص: 129).

([16]) تقدم توثيقه

([17]) تهذيب التهذيب (3/ 643).

([18]) الوافي بالوفيات (17 /259).

([19])  الوافي بالوفيات (17 /259).

([20]) تذكرة الحفاظ (2 /470).

([21])  تذكرة الحفاظ (3/ 1062).

([22])  تذكرة الحفاظ (1 /126).

([23])  تذكرة الحفاظ (2/ 429).

([24]) ميزان الاعتدال (2/ 418)، وانظر كتاب: أمراء المؤمنين في الحديث (ص: 109).

([25])  تقدمة الجرح والتعديل (ص: 282)، وانظر كتاب: أمراء المؤمنين في الحديث (ص: 110).

********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

أمراء المؤمنين في الحديث. لعبد الفتاح أبي غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط1/ 1411هـ.

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. لجلال الدين السيوطي. حققه: نظر محمد الفاريابي. مكتبة الكوثر الرياض. ط2/ 1415هـ.

تذكرة الحفاظ. لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي . وضع حواشيه: زكريا عميرات. دار الكتب العلمية بيروت لبنان (د.ت).

تقدمة الجرح والتعديل. لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. دراسة وتحقيق: أبي همام محمد بن علي الصومعي البيضاني. ط2/ طبعة مقابلة على نسختين خطيتين . (د.ت)

تهذيب التهذيب. لشهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني. تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض. دار الكتب العلمية بيروت. (د-ت).

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. للخطيب البغدادي.  تحقيق: د محمود الطحان. مكتبة المعارف الرياض.  1402هـ- 1983مـ.

علي القاري على شرح نخبة الفكر في مصطلحات أهل الأثر. لعلي بن سلطان القاري. طبع دار السلطنة السنيه العثمانية 1327هـ.

قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث. لمحمد جمال الدين القاسمي. قدم له: الشيخ عبد القادر الأرنؤوط. حققه وعلق عليه: مصطفى شيخ مصطفى. مؤسسة الرسالة بيروت. ط1/ 1425هـ- 2004مـ.

معيد النعم ومبيد النقم. لتاج الدين عبد الوهاب السبكي. حققه وضبطه وعلق عليه: محمد علي النجار- أبو زيد شلبي- محمد أبو العيون. طبع بدار الكتاب العربي القاهرة. ط1/ 1367هـ- 1948مـ.

ميزان الاعتدال  في نقد الرجال. لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: علي بن محمد البجاوي. دار المعرفة بيروت (د.ت).

ميزان الاعتدال في نقد الرجال. لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي . دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض- الشيخ عادل أحمد عبد الموجود-  أشرف على تحقيقه: د/ عبد الفتاح أبو سنة. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. (د.ت).

الوافي بالوفيات. لصلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي. تحقيق واعتناء: أحمد الأرناؤوط- تركي محمد. دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان. ط 1/ 1420هـ- 2000مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق