مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةقراءة في كتاب

كلمة عن كتاب: ذكرى أبي عمرو الداني ـ 444هــ بمناسبة مرور ألف سنة على وفاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة الأولى: فن الذكريات من تسلية إلى منهج

حديث الذكريات فن من الفنون الجميلة التي تتسلى بها الأنفس، وتعتبر بها العقول، ولذلك يجمل وقعه ويعظم أثره إذا تعلق بآيات بينات، وظواهر قائمات ذات النفع الأعم لمن شاهدها أو قرأ عنها،  وقد وسم الله كتابه  بالذكرى، وأنزل فيه من دلائل وشواهد وآيات تُعد لتاليها ذكرى؛ فهو كتاب الذكريات (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) وفي ربط الذكرى بآليتي القلب والسمع إشارة إلى أن الذكرى لمتذكرها منهج في الحياة يقوم مقام المنهج العقلي الذي يقاس فيه الغائب بالشاهد (لمن كان له قلب) ومنهج حسي واقعي ملموس لمن (ألقى السمع وهو شهيد)، فتترسخ بواسطة المنهجين الحقائقُ ملموسة ببراهينها، وتدفع الناظر المتذكر إلى الانتفاع والسير بمقتضياتها. وأغلب ما تكون الذكريات تاريخا يُقرأ تتناثر أحداثه وتساق حكاياته وشخصياته، ولكنه متى أخذ بمنهج القرآن في القراءة والتذكر صار من جملة الفنون الحِكمية البالغة الأثر، وعد في باطنه –كما قال ابن خلدون-: ” أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق”. [المقدمة]

والذكرى التي أقيمت اليوم لا تند عن هذا السنن القرآني؛ لأنها تبتغي الاعتبار بتاريخ علمي عريق لشخصية علمية تستحق أن تناط بها هذه الكلمة (الذكرى) وما كل السير العلمية تستحق مثل هذا الوصف؛ فإن شخصية أبي عمرو حباها الله من سمات العظمة ما هو من قبيل آياته الوجودية، وفي كل آية له ذكرى للذاكرين، ومن يمنع أن تكون السير آيات متى احتجنت من دواعي التأمل والتفكر في عظمة الله وقدرته التي هي تجلِّ من تجليات إعجازه.

الكلمة الثانية:  في التراث الإسلامي الذكرى النافعة

وإنما تكتسي هذه الذكرى هذه المكانة؛ لأنها من صميم البحث في كنوز التراث الإسلامي الزاخر بوفرة معارفه، تنوء بحملها عقول الخلف لاستقصاء نفائس دررها، والإحاطة بمكنون أسرارها. ولم يزل الدارسون وأهل العلم بمختلف ميولاتهم المعرفيةِ، ينهلون من ذخائر هذا التراث؛ طلبا للرقي بالفكر المعاصر والازدهار الحضاري للأمة، وتجديد العقل على بيِّنات من أصوله الراشدة، ولا سيما تلك التي تمتح من علوم التيسير القرآني، التي تُعَد الموجِّه الأساس لمقاييس علوم التسخير الكوني.

فهذا التراث – ولاسيما التراث القرائي بجميع فروعه المعرفية- يمثل بحق إرثا حضاريا للأمة، وسمتَها الخاصة التي ميزتها عن بقية الأمم؛ وهو متى اتُّخِذ متنه ذكرى تقام في كل وقت، مصدرٌ حق لكل تجديد ترنو إليه الأمة، وسبيل النهضة الواقعية المستمرة؛ وسوف يتجاوز به كونُه إرثا ما ضيا عتيقا إلى كونه مصدرَ الحياة الفكرية والعلمية، ومن هاهنا لا ينبغي التردد في تنظيم مثل هذه الاحتفاءات التي تَشرع للناس أبوابَ النهل من هذا الإرث العظيم، مفتوحا لكل من يريد الإفادة من معينه والنهضة الفكرية في ضوئه= ومحاولة التقريب لما عسُر مدركه ودق منهجه عن طريق إعادة القراءة والتوصيف والشرح والتعليل.

و”إن هذا التراث الضخم الذي آل إلينا من أسلافنا صانعي الثقافة الإسلامية العربية، جدير بأن نقف أمامه وقفة الإكبار والإجلال، ثم نسمو برؤوسنا في اعتزاز وشعور صادق بالفخر والغبطة والكبرياء” [تحقيق النصوص: عبد السلام هارون. ص: 5]

وإن الذين آمنوا بقيمة هذا التراث – والقرآني بالخصوص- لم يزالوا على وعي مسدد في كثير من أطاريحهم ومشاربهم الفكرية، منتهجين لأنفسهم طريقا في التفكير وسطا، تحدوهم بركة أربابه التي مُنحوها من صلتهم الدائمة بالقرآن وعلومه، أما الذين ناؤوا عن هذا المنهل الصفي، فتتجاذبهم أطراف الضياع ومساوئ التفكك الفكري والمنهجي، أن راموا التجديد في غفل عن منطلقاته التراثية التي بذلت فيها جهود غالية وشيدت فيها مناهج التفكير القويمة، فلم تطب لهم سبل التفكير حين اعتقدوا أن التفوق المعرفي والمنهجي إنما هو في سبيل الحداثة الفارغة عن دعائم الإرث الأصيل، الذي نبعت أعينه الصافيات من وحي منزل من رب السماوات.

الكلمة الثالثة:  تخليد ذكرى أبي عمرو الداني

وذكرى أبي عمرو التي تقام اليوم بتنظيم من مركز عتيد مركز أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة، هي درس جليل ودعوة إصلاحية نافعة إلى العودة إلى التراث القرآني لاكتناه أصول البناء المعرفي الحقة منه، والرؤى الفكرية المسددة التي أقام قناطرَ العبور إليها الحافظُ خلال مسيرة علمية طافت به في مختلف فنون المعارف ذات الصلة بالقرآن، فكان له من الله هذه المكرمات التي لم تزل عبر العصور تتلى آياتها وتُشاهد تجلياتها، ويصح بحق أن يقال فيه كما قيل عن أبي الطيب: “إنه ملأ الدنيا وشغل الناس”.

ولعل موسوعيته العلمية وكثرة إنتاجه العلمي وتحقيقاته في مجال القرآن وعلومه، واحدةٌ من الأسباب التي بوأته هذه المكانة، ورفعت من ذكره في كتب السير والتراجم، وبرَّزته على أقرانه من أهل العلم بالقرآن وعلومه، والكثرةُ والموسوعيةُ قلما تجتمع مع التحقيق والتحرير، إلا أن الجهابذة الناقدين من العلماء لما سبروا إرث هذا العالم ووسموه بالمحقق والحافظ والإمام لم يعد مجالٌ للشك في هذه المكانة التي هي مدعاة إلى الفخر، ومدعاة إلى الذكرى والانتفاع بها:

وسبل الانتفاع بذكرى أبي عمرو وغيرها من أعلام تراثنا تتعدد، وما يحقق البغية منها كلها إنما هو قراءة تراثهم، وإعادة قراءته؛ تحقيقا ونشرا وجمعا وترتيبا وتأصيلا وتقويما ونحو ذلك؛ ذلك أن هذه القراءة لتراث أبي عمرو عامة، بكونه الشاهد المشهود في علم القراءت، وكونه العلم البارز في ميدانه، حتى ندر أن يذكر بفن سواه، يصحح النظرة إلى هذا الفن (علم القرءات) من جهة، وإلى تقويم جهود أبي عمرو  الداني فيه من جهة أخرى:

أما النظرة لعلم القراءات التي ينبغي مراجعتها: فحاصلها أن الاشتغال بالحرف القرآني من جهة النطق به وأحوال رسمه وضبطه، ووجوه نقله وروايته، مَروم المنتدبين لخدمة القراءات وعلومها، ومنتجع النقلة الرواة من أربابها، حتى كادوا لوصرفوا إلى مباني الحروف القرآنية ومعانيها، وارتضوا الارتماء في أحضانها على أنها من تمام طِلبتهم، ومسعى وجهتهم عُد ذلك نوءا عن الحياض التي عُنوا بتشذيبها، والبابةِ التي أمَّوها لا تبتغي لهم تجاوزَها، كان ذلك وهَما لم يزل مهيمنا على تاريخ علم القراءات وغيرها من العلوم، أنها محصورة مرسومة في حمى لا تتعداه، ولها حد في البحث والدراسة لا تضم إليها سواه، وهو نظر لو روجع ببينات من قواعد العلوم ومنشأها، لأدرك أنها فصول متكاملة آخذٌ بعضها ببعض، لا تُرى وسائلُها مفصولةً عن غاياتها، ولا أصولها معزولة عن فروعها، والقاصر في بعضها لن ينجو من وهن الرأي في الأخرى، وإن تعلقت جميعها بنص ككتاب الله المنظوم، فليعلم أن الغفلة عن أسبابها الموصولة، وملاحظةِ أعراقها المتشابكة، وبتَّ مايرى له نسب عن خِلاّنه، عدول عن التنقيح إلى وهن التعميم، فيما شأنه التكامل بين الرواية والنظر، والاجتهاد والأثر؛ فإن النص القرآني كما رواه النقلة الأثبات بمعالم النقل الصحيح، لاحظوا في النقل ما تجلوه مباني المعاني، وما تحيله الرواية من أحكام الشريعة وما تصقله اللغة من دلالات[1]، فلم يزل الجمع بين النقل والمعنى منذ الجمع الأول للقرآن إبان التنزل؛ إلى جموع تالية رسمية واختيارية، حتى عقدت الدواوين الجامعة لأمهات علوم القرآن في جانبي إتقان التلاوة  وتطلب المعنى، وعَدّ الحروف واختلاف مدلولاتها على نحو ما أديت إلينا به كتب المعاني والتفسير، والذين ذهبوا بفضل الشهرة في ذلك لا يحصون كأبي علي الفارسي، والإمام الطبري وابن جني والفراء والداني ومكي بن أبي طالب، وجماعة. وهو صنيعٌ مِن أولئك الجِلّة يحق أن يصقل ما طرأ على هذا العلم من آثار التقليد، حتى كاد يجتثُّه من رُباه، ويؤكد أن العودة بالبحث إلى تلك المنابع، في تأريخ المعارف القرآنية يجلي كثيرا من الحقائق التي كانت متوارثة حتى استحالت إلى أجزاء متنائية..

ولعل قراءة تراثِ أبي عمرو الداني وإبراز نبوغه العلمي والاحتفاء بجهوده في خدمة القرآن وبعض علومه، من بين ما ورثه في الأمة من دواوين الرواية، وكتب الدراية، لمما يجعل الوصل بين العلمين من آكد النظر المتفقه في كتاب الله عز وجل، وتلك هي النظر الثانية التي ينبغي تقويمها، وهي أن أباعمرو الداني رحمه الله قد يفهم عن بعض من ترجَمه أن جهوده خالصة لعلوم الأحرف القرائية دون غيرها من أسباب الدراية، وأن الرواية متمحضة للجمع دون التحرير النظري، من ذلك قول  ابن خلدون: ” فظهر لعهده أبو عمرو الداني و بلغ الغاية فيها (علم القراءات) و وقفت عليه معرفتها. و انتهت إلى روايته أسانيدها و تعددت تآليفه فيها و عول الناس عليها وعدلوا عن غيرها”” [المقدمة: 3/933]  والحق أن الإمام اتسعت جهوده لتقع على فنون شتى من علوم القراءات وغيرها من علوم الشريعة، وهو ما يدل عليه شهادة بعض محرري التراجم، وواقع مؤلفاته: جاء في إحدى تراجمه:  “وكان أحد الأئمة في علم القرآن، ورواياته، وتفسيره ومعانيه، وطرقه وإعرابه، وجمَع في معنى ذلك كله تواليف حسأنا مفيدة يكثر تعدادها، ويطول إيرادها. وله معرفة بالحديث وطرقه وأسماء رجاله ونقلته. وكان حسَن الخط جيد الضبط، من أهل الحفظ والعلم والذكاء والفهم، متفننا بالعلوم، جامعا لها معتنيا بها” [الصلة: لابن بشكوال 1/386] وقال عنه آخر: “وسمع الحديث من جماعة وبرز فيه وفي أسماء رجاله، وفي القراءات علما وعملا، وفي الفقه والتفسير وسائر أنواع العلوم” [غاية النهاية 1/504].

أما تآليفه التي قيل: إنها بلغت ما يزيد عن مئة وعشرين مؤلفا، فهي الشاهد على هذه التعدد المعرفي لدى الإمام، – وهي خير ما يعرف بالشخص التعريفَ المفيد الحجة في تقويم شخصيته- وبالنظر فيها من خلال ما جمعه د. عبد الهادي حميتو حفظه الله في كتابه: “معجم مؤلفات أبي عمرو الداني” وغيره، وجدت فنونها التي ألمت بها على هذا النحو:

  • فن القراءات: من الأحرف، والرسم والضبط، والوقف، والتجويد، والعد، والشاذ، وغيرها، وكتبه في هذا المجال مشتهرة ذائعة.
  • فن التراجم: من ذلك كتابه: تاريخ طبقات القراء والمقرئين.
  • علوم القرآن: منها: -علم التفسير، له كتاب: “تفسير كبير- علم المكي والمدني: له “التنزيل ومعرفة المكي والمدني”- غريب القرآن: ويشمل الوجوه والنظائر : “له: رسالة في الفرق بين الضاد والظاء” – جمع القرآن: معنى قول ابن مسعود: “جمع القرآن أربعة في عهده×”
  • فن الرقائق: كتاب الأدعية بالآثار- السنن الواردة في الفتن-
  • فن الحديث: الأربعة الأحاديث التي تتفرع منها السنن- المرتقى شرح المنتقى لابن الجارود.
  • فن العقيدة: الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات. وغيرها- أصول السنة بالآثار.
  • علوم الحديث: جزء في علم الحديث في بيان المتصل والمرسل والموقوف والمنقطع- كتاب: معرفة طرق الحديث.
  • وكلامه في الفقهيات طافحة بها كتبه.
  • فن الأدب: الثقلاء، وفيه التعريض ببعض خصومه.

هذه نماذج من كتبه في مختلف مجالات المعرفة، ونماذج أخرى يرجع إليها في الفهرست المذكور.

الكلمة الرابعة: قراءة في الكتاب التذكاري

يروم هذا الكتاب التذكاري الإعلام بما للحافظ أبي عمرو الداني رحمة الله عليه من جهود علمية في مختلف مجالات المعرفة، التي حملتها كتبه المذكورة  من خلال ما قدمه الباحثون في هذا السفر؛ من أبحاث ودراسات كاشفة عن مناحي الإبداع والفرادة للحافظ الداني، ضُم بعضها لبعض على نسق متضافر، حق لها أن تستقل بكتب خاصة، لولا أن التجزيء لا يُسفر عن منزلة الإمام التي توخى المشروع الكشف عنها. ولذلك ارتأى المشرفون على هذا العمل أن تنتظم أبحاثه على معاقد المجالات المعرفية التي برَّز فيها الحافظ، سواء تلك التي تمحضت لعلوم القراءات؛ من التجويد والرسم والضبط والوقف والتوجيه وتحرير الأوجه، وبيان الشاذ وما تواتر وما عليه العمل بين أرباب القراءة ونظير ذلك، أو تلك المعارف التي تعنى بالتفسير والإعراب والمعاني والغريب والمتشابه اللفظي، أو المعارف الشرعية الأخرى كالتوحيد وعلم الرجال والفقه ونحو ذلك.

وعدد البحوث التي ضمها هذا السفر تسعة بحوث، قدَّمت جهود الداني في المجالات المعرفية الآتية –ووددنا لو توسعت البحوث إلى كل مجالات تفرده-:

  • مجال علم الأسانيد القرائية: وهو بحث د. محمد البخاري.
  • مجال الضبط: وهو بحث د حسن حميتو
  • فن القراءات من جهة الجمع: وهو بحث الأستاذ مهدي مذعن، ود.أسامة سليم
  • فن شاذ القراءات: بحث د. سمير بلعشية
  • فن التفسير: بحث د. الطيب شطاب.
  • فن الترتيل من جملة علوم القرآن: د. محمد نافع
  • فن النحو: بحث د. عادل فائز
  • وبحثان لإبراز عبقرية الدانية وإرثه في علوم القرآن. الأول للدكتور مصطفى بوهلال والثاني للباحث هشام يوبي.

وفيما يلي عرض مختصر لمضامين تلك الأبحاث:

البحث الأول جاء بعنوان: “ملامح من فقه الحافظ أبي عمرو الداني في عرض الأسانيد القرائية” قدم من خلاله الدكتور محمد البخاري نظرة فاحصة عن منهج الإمام الداني في عرض الأسانيد القرائية، مركزا على اهتمام الحافظ بالقراءة المشتهرة ورسم معالمها، وطرق نقل القراءة وروايتها من السماع والعرض، وأهم ما يميز تناوله النقدي للأسانيد؛ من درء آفة الشذوذ عنها وجريانها خلاف العمل المتبع سنةً قرائية، عارضا نموذجا إسناديا من إيجاز البيان لم بسبق نشره. فجاءت دراسة وافية عن منهج الإمام وطريقته في الإسناد القرائي الذي هو أعظم خلة في فن القراءات.

البحث الثاني: بعنوان: “جهود الحافظ أبي عمرو الداني في الضبط القرائي” تناول فيه الباحث الدكتور حسن حميتو جهودا حثيثة للحافظ في مجال الضبط الذي ورث فيه تراثا غنيا كشف أهم محطاته الباحث، بعد وقفة عن نشأة هذا الفن ومساره إلى حدود المئة الخامسة، مبرزا المدرسة الدانية في هذا المجال، من خلال مشيختها وما خلف الإمام من كتب فيه، ما نشر منه والذي لم يزل في طريق النشر، ولم يفته أن يوقفنا على القيمة العلمية لهذه المؤلفات وإشعاعها العلمي والعناية بها من لدن التالين للحافظ. فجاءت دراسته محفزة الناظر على الغوص في تتبع هذه المصادر الخاصة بهذا الفن الدقيق.

البحث الثالث بعنوان: الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني عبقري من الأندلس. وهو بحث قدم فيه الدكتور مصطفى بوهلال جوانب من عبقرية الداني ممثلة في دقة منهجه في القراءة واختيار ضوابطها في مختلف حالات الإقراء، وتميزه بالعناية بالقراءة النافعية، وتحريرات غوامض الخلاف، وتنوع طرق الأخذ، والتأكيد على سنية القراءة في مواضع من كتبه، وإعمال قواعد الرواية في نقد الروايات معللا وموجها…وغيرها من مناطات التفرد.

البحث الرابع: معالم صنعة جمع القراءات عند الإمام أبي عمرو الداني، للباحثين: د. أسامة سليم والمهدي مذعن، وهو عمل يعد من لطائف البحوث القرائية، وتعد الثمرة من رسم أصولها وقواعدها، وقد بين فيها الباحثان مذهب المتقدمين في التلقي القرائي، من الإفراد إلى الجمع الأول، فجمع الجمع، كاشفين عن مسارات الجمع القرائي في المائة الخامسة، وارتباطه بعصر الداني وتنصيص الأئمة على ذلك وإقرائه به، وما للداني من شرط في ذلك بحيث أبانا عن كراهته لجمع القراءات في مصحف واحد، وأقواله الدالة على ذلك. وهي دراسة كشفت عن فقه القراءة لدى الإمام وشدة تحريه.

البحث الخامس: النفاذ إلى مؤلف أبي عمرو الداني في الشواذ: وهو بحث علمي قيم تتبع فيه الباحث سمير بلعشية نصوصا  لكتاب الداني الذي لم يزل مفقودا، وهو: “المحتوي على الشاذ من القراءات” وقد أجال الباحث النظر في موارد هذا الكتاب من مصادر علمية، وخص بالدراسة كتاب المحرر الوجيز لابن عطية، فقدم ترجمة للداني وبعض كتب التراجم التي ذكرت هذا الكتاب ونسبته إليه، ومعنى الشاذ المقصود من الكتاب ولدى العلماء عامة، ولم يفته أن يتناول موقف الداني من قراءة أبي جعفر ويعقوب، وختم بحثه بنقول من الكتاب المذكور من خلال المحرر معلقا على مواضع منها، فجاءت دراسة ممهدة لعمل جليل يضيف للبحث العلمي القرائي الشيء الكثير إذا لم يعثر على الكتاب.

البحث السادس: عناية الحافظ أبي عمرو الداني بتفسير ألفاظ القرآن الكريم. من إنجاز د. الطيب شطاب. تنول البحث -بعد مقدمة عن صلة علوم القراءات بعلوم تعنى بالدلالة القرآنية إفرادا وتركيبا كان من أهمها: علم التفسير-  في محاور ثلاث: توقف الأول عن مظاهر اهتمام الداني بعلم التفسير المتجلية في تأليفه الخاص فيه ورسائل منسبوة في دلالة آيات مشكلة، وتعدد مروياته التفسيرية في كتبه، وتصنيفه في علوم التفسير المختلفة؛ كعلم الوقف والمكي والمدني، واحتفائه بالإعراب والغريب ونحوها. وفي المحور الثاني أبين عن  منهج أبي عمرو الداني في تفسير ألفاظ القرآن الكريم من خلاله رسالته في الضاد والظاء، ومروياته في كتاب المكتفى،  فتراه يعتمد قواعد تعد أصولا لاقتناص المعنى والدلالة، وأهمهما: الأوب بالمفردة إلى المعهود العربي، وبحث اشتقاقاتها، واستقراء مقاماتها في القرآن، والاستعانة بوجوه القراءات في اختيار المعنى، وترجيح الوقوف بالدلالة أو الدلالة بالوقف. وهكذا عد بهذا النهج المتنوع في الاحتفاء بالمفردة القرآنية من جهة مدلولها نموذجا من علماء القراءات الجامعين بين المباني والمعاني في اشتغالهم بمرسوم التنزيل، ولا أدل على ذلك من تراثه المتنوع في ذلك. وتتبع البحث في المحور الثالث نماذج من الألفاظ المفسرة من كتابي المكتفى ورسالة الظاء والضاد. وهو بحث قد يكون فاتحة للبحوث التفسيرية في التراث القرائي.

البحث السابع: أصول قضايا علوم القرآن عند الإمام الداني قضية الترتيل أنموذجا. وهي دراسة تناول من خلالها الدكتور محمد نافع قضايا من علوم القرآن بثها الداني في كتبه، ولكثرة ما وقف عليه الباحث منها اقتصر على معقد من معاقد علوم القرآن وهو المتعلق بترتيله، بعد إشارات إلى بقية المعاقد، وهي: علوم التنزيل، والتأويل، والتدوين، والتأويل. ففي قضية الترتيل نبه على بعض المهمات التي ألم بها الداني وهي: نزول القرآن على سبعة أحرف وما قيل فيها، ومنهج تلقي القراءات، ومفهوم الاختيار، ومنهج النقد القرائي، ومناقب القراء، ومراتب القراءة، ثم بسط القول في قضية السبعة الأحرف ورأي الداني فيها، كما تطرق لمفهوم التحرير عنده، بانيا إياه على نظر شمولي لكتبه، مفندا دعاوى على الداني لم تبن على أساس متين.  وهي دراسة أخرى تستحق أن توسع دائرتها لكل معاقد هذا العلم .

البحث الثامن: الدرس النحوي عند أبي عمرو الداني. بناه الباحث الدكتور عادل فائز على ما تقدم التنويه إليه من انفتاح الداني على كل المجالات المعرفية التي يعد بعض منها من أصول علم القراءات وبناها، وهو علم النحو، وقد رسم الباحث خطى عمله هذا ببيان تضلع الداني في علم النحو، والوقوف على مصادره ومنابعه، واستبيان وجوه توظيفه، ومكامن الجدة في توجيه قضاياه ومسائله انطلاقا من مؤلفاته، كل ذلك بسط أمره في محاور ثلاث: الأول: مصادر الداني النحوية. الثاني: النحو الوظيفي عند أبي عمرو: أشكاله وتجلياته. الثالث: التوجيه الصرفي لظواهر الرسم لدى أبي عمرو.

والبحث التاسع: بعنوان:

An Introduction to the Scientific Legacy of Qur’anic Scholars in the Islamic West : The Case of Abū ʿAmr ʿUthmān b. Saʿīd al-Dānī
(371-444 H), by Hicham youbi, Phd researcher at Cadi Ayyad University.

مقدمة للإرث العلمي لعلماء القرآن بالغرب اللإسلامي: الداني أنموذجا

تناول الباحث هشام يوبي في هذا البحث التعريف بالإمام الداني وحياته العلمية وما قدمه من إنتاج علمي في علم القراءات معرفا به، من خلال بيان موضوع كل كتاب. وهو بذلك شرفة للقارئ الأجنبي ليطلع على هذا الذخائر بالغرب الإسلامي من خلال تراث أبي عمرو القرآني خاصة.

والله الموفق والهادي لا إله إلا هو

[1] – وهم الحملة الذين حازوا كل فضيلة الذين قال فيهم ابن مجاهد: “فمن حملة القرآن: المعرب العالم بوجوه الإعراب والقراءات العارف باللغات ومعاني الكلمات البصير بعيب القراءات المنتقد للآثار، فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين “[السبعة: 45]

د.الطيب شطاب

  • باحث متعاون بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق