مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويدراسات عامة

الواجهة الأطلنتية للصحراء المغربية مقاومة الملوك العلويين للمناورات الاستعمارية في السواحل الصحراوية المغربية

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

الحلقة الثانية

  دأبت الأطماع الاستعمارية تتربص بسواحل المجال الصحراوي المغربي، ابتداء من القرن 16 م، من أجل تأسيس مراسي محلية لقيت مقاومة شديدة [12].

  وتابع الملوك العلويون الدفاع عن المجال الساحلي، بالجنوب المغربي عامة، والسواحل الصحراوية الوطنية خاصة، خلال فترات مختلفة، وبأساليب متباينة تبعا للظروف الداخلية [13].

  وفي هذا السياق، شكل مرسى السويرة عملا سياديا لعرقلة الاهتمام التجاري الأوروبي بسواحل واد نون[14]، وخلق دينامية تجارية أنعشت مدينة كلميم [15]، مثل ما أنعشت الطريق الصحراوي الساحلي[16]. وظل ثغر السويرة أحد مواقع مراقبة التحركات الأوروبية في سواحل الجنوب المغربي [17].

  وبالرغم من استفادة إسبانيا من معاهدة ضمت في بنودها مسألة الصيد البحري في الشواطئ الجنوبية، فإن سيدي محمد بن عبد الله العلوي ما فتئ يرفض رجاء الملك الإسباني بفتح مرفأ تجاري جنوب سواحل واد نون[18].

  ولما بلغ المولى الحسن بن محمد العلوي (الحسن الأول) أن “بعض تجار  النجليز قد تسور على مرسى بتلك السواحل يسمى طرفاية ووصل يده في البيع  والشراء ببعض القبائل الذين هناك وأراد أن يبني المحل المذكور، فنهض السلطان  أيده الله لحسم مادة هذا الفساد[19].

  وحين وصل أمير المؤمنين المذكور إلى “صحراء كليميم” وجّه من هناك “كتيبة من جيشه إلى مرسى طرفاية فغيروا ما كان أحدثه أولئك التجار من النجليز بها، وطمسوا أعلامه وفر من كان بها من النصارى إلى بابوراتهم التي كانت على ذلك الساحل [20]، وأمر أيده الله ببناء مرسى آساكا واتخاذها محلاًّ للوسق والوضع هناك، ورتب الحامية والعسات بتلك السواحل من آكادير إلى كليميم، وكتب بذلك كله إلى ولاة المغرب [21].

  وأعطى المولى الحسن الأول للسيد دحمان بن بيروك “السلاح للمدافعة على تلك السواحل من (أساكا) إلى (الداخلة) وكل حرس هذه السواحل كانت تحت يده. إلاَّ في (أساكا) فإنما له نصف حراسته[22]. وكلفت السلطات المغربية أسرة آل بودميعة بمراقبة تحركات السفن الأوربية قرب سواحل واد نون [23].

  ومن أجل تحقيق تنمية تجارية جهوية، بإشراف مغربي سيادي، بدأ التفكير في خلق مشروع مرسى وطني، بمنطقة آساكا، بتراب قبيلة صبويا [24]، بحسب ما ألمحت إليه رسالة حسنية مولوية خاطب فيها القائد دحمان بن بيروك، قائلا: “فقد كلفنا خديمنا الأنجد القائد أحمد العبوبي ومن معه بالتوجه لتلكم السواحل والتطوف بها (…) والتأمل في المحال الصالحة منها للمرسى (…) وعليه فنأمرك أن تتوجه معه وتقف حتى ينفذ ذلك ثم ارجع للصويرة مع المعنيين منها حتى تكمل الغرض الذي أنت بصدده […] والسلام[25].

  وحين اختير موقع المرسى “وسط قبائل الأعراب والبربر وأهل الصحراء وأهل سوس وسائر الوفود من كل سحيق عامر أو غامر[26]، أرسل المولى الحسن الأول “سرية من أعيان الجيش معتبرة، ومعهم من الفقهاء والمهندسين من يعتد بهم في رسم تلك المرسى وتخطيطها على نهج القواعد المقررة، والأعمال المحررة[27].

  وبالرغم من تعيين لجنة للتأكد من صلاحية موقع مرسى أساكا، خلص تقريرها إلى أن هذه المرسى “لا تصلح لترسية المراكب والبابورات إلا في خمس عشر يوما من أيام السنة[28]. فتم تعيين لجنة أخرى للبحث عن موقع آخر في: البيضة- ببهيد السهبة الحرشة- الشبيكة- اخنفير- كويدير الرجيلة- الطرفاية- تفروت، دون طائل نتيجة صعوبات تقنية ومادية [29].

  وإذ عرقلت بعض الصعوبات إنشاء مرسى وطني بسواحل أساكا، ساعدت السلطات العليا سيدي ماء العينين في بناء قصبة السمارة، عبر  بعض المراسي المغربية الأطلنتية، بحسب ما سنتحدث عنه  في الحلقة المقبلة، بحول الله .

الإحالات:

[12] واد نون خلال القرن 19، ص163- 165، وص197، وص198، وص202- 203، وص211؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص128- 129، وص156، وص326- 347، وص381- 382، وص385، بتحفظ؛ والأبعاد التاريخية لاقتصاد أكادير في القرن التاسع عشر، عمر أفا، في: مدينة أكَادير الكبرى: المحور التاريخي، مطبعة النجاح الجديدة، 1990 م، ص244- 246.

[13] واد نون خلال القرن 19، ص203؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص351- 352، وص364- 365، وص367- 368.

[14] واد نون خلال القرن 19، ص197، وص205؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص337، وص351، وص352، وص354، وص358، بتصرف؛ والأبعاد التاريخية لاقتصاد أكادير في القرن التاسع عشر، ص233- 234.

[15] واد نون خلال القرن 19، ص197، وص200، وص202، وص203، وص211، بتصرف؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص145، بتصرف، وص204- 205، وص397.

[16] واد نون خلال القرن 19، ص195، وص199، وص200؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن 19، ص121، وص186، وص188، وص204- 207، وص219، وص356- 357. انظر: الحلقة الأولى من مقالنا هذا، ومقالنا “مدينة نول لمطة”، بموقع الرابطة المحمدية للعلماء.

[17] واد نون خلال القرن 19، ص154.

[18]  نفسه، ص203؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص373.

[19] كتاب الاستقصا، ج9، أحمد الناصري، تحقيق: جعفر الناصري- محمد الناصري، دار الكتاب، 1997 م، ص180. راجع: مواقف بريطانية من مغرب القرن 19، محمد أبو طالب، في: الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن 19، مطبعة النجاح الجديدة، 1986 م، ص305؛ وكورتيس وشركة سوس، خالد بن الصغير، في: مدينة تزنيت وباديتها، مطبعة المعارف الجديدة، 1996 م، ص75، وص82.

[20] ظل النزاع السياسي قائما بين المغرب وإنجلترا إلى أن انتهى الأمر بالصلح. انظر: الاستقصا، ج9، ص182؛ والمراسي المغربية في مطلع القرن 20،  هنري ديي، ترجمة: حسن أميلي- عادل يعقوب، دار أبي رقراق، 2014 م، ص73- 74.

[21]  كتاب الاستقصا، ج9، ص181- 182. راجع: مواقف بريطانية من مغرب القرن التاسع عشر، ص305؛ وواد نون خلال القرن 19، ص267، وص268؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص371- 372.

[22] المعسول، ج19، المختار السوسي، مطبعة فضالة، 1960 م، ص279. راجع: واد نون خلال القرن 19، ص169- 170، وص209، وص210، وص264- 267؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص134، وص380، وص412- 413، وص413. وقابل بـ: واد نون خلال القرن 19، ص205.

[23]  واد نون خلال القرن 19، ص205، وص206، وص207.

[24] انظر: كتاب الاستقصا، ج9، ص175- 177، وص181. وراجع: واد نون خلال القرن 19، ص205، وص209، وص210، وص264- 265، وص268؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص369، وص375- 378، وص423؛ ومواقف بريطانية من مغرب القرن التاسع عشر، ص305؛ وكورتيس وشركة سوس وشمال إفريقيا، ص82، وص83، وص84.

[25] واد نون خلال القرن 19، ص264- 265.

[26] التجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص377.

[27] كتاب الاستقصا، ج9، ص177. راجع: التجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص377- 378.

[28] التجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص377. راجع: المراسي المغربية في مطلع القرن العشرين، ص75.

[29] التجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر، ص378 والهامش رقم 1.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق