مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

مدرسة ابن يوسف العلمية

عبد الغني زيدان

مركز ابن البنا المراكشي

مقدمة :

  تصنف مدرسة بن يوسف[1] العلمية من أعرق المؤسسات التعليمية في المغرب الأقصى، أسسها السلطان المريني سنة 747ه/1346م بمدينة مراكش – المدينة الزاهرة بالعلم و الثقافة  في ذلك العصر.

  إن المدرسة اليوسفية عبارة عن تحفة معمارية عكست الرقي الذي وصلت إليه العمارة المغربية خاصة في عهد الدولة المرينية، وهو ما أشار إليه ابن المؤقت المراكشي في كتابه السعادة الأبدية حين قال : “المدرسة المرينية المشهورة باليوسفية. وهذه المدرسة في غاية الكمال ونهاية الحسن والجمال، عجيبة البنيان، بديعة الإتقان، تسر الناظر، وينشرح بها الخاطر.” [2]

  لقد أضحت هذه المنشأة العلمية من بين أجمل و أعظم مدارس السلطان المريني، حتى أن الرحالة ابن بطوطة وصفها بالمدرسة العجيبة التي تميزت بحسن الوضع و إتقان الصنعة [3]، و عند زيارته لها وصفها الوزير و الأديب الغرناطي لسان الدين بن الخطيب بالمدرسة العظمى، ففي ذلك العصر  لم تكن هناك مدرسة تضاهي هذه المنشأة العلمية التي بلغ إشعاعها المعرفي و الثقافي الأقطار المجاورة.

  يمكن القول قبل التطرق إلى الأهمية التي حظيت بها هذه المدرسة و إلى العوامل المساهمة في تطويرها، أن مدرسة بن يوسف لعبت دورًا هامًا في تاريخ التعليم بالمغرب، وكانت لها مكانة خاصة في قلوب المغاربة باعتبارها صرخا علميًا و إرثا ثقافيا ورمزًا للحضارة المغربية.

أهمية مدرسة بن يوسف في تاريخ التعليم بالمغرب:

  استطاع المرينيون أن يحافظوا على التراث الإسلامي ، و النهوض بالحركة العلمية و ذلك بإنشاء المؤسسات التعليمية و المكتبات و خزائن الكتب و رعاية أهل العلم و المعرفة. وكان الدافع الأساس من وراء هذا العمل هو ملئ الفراغ الديني الذي تركه الموحدون بعد انهيار دولتهم فأنشئوا مدارس عديدة كمدرسة ابن يوسف بمراكش و مدرسة فاس و مدرسة الحلفاويين[4] أو الصفارين  إلى غير ذلك من المدارس التي لعبت دورا كبيرا للنهوض بالحركة العلمية و الثقافية بالمغرب.

  إن أهمية بناء المدارس عند المرينيين غدت مسألة مصيرية بالنسبة لدولتهم الفتية، فمن المعروف أن بني مرين لم يكونوا أصحاب طريقة دينية أو اتجاه جديد في العقيدة لتبرير موقفهم للاستيلاء على الحكم، فقد جربوا سياستهم مع المتصوفة محاولين استغلال نفوذهم لاستقطاب عدد كبير منهم، لكنهم لم يفلحوا في ذلك، مما دفعهم إلى بناء المدارس و التركيز على تدريس المذهب السني مع احتضان فقهاء المالكية الى جانبهم قصد كسب النفوذ المعنوي و الروحي[5].  من هنا كان الهدف الأول من إنشاء هذه المنشأة التعليمية هو إقراء القرآن الذي يشمل الطلبة الذين يتابعون دراستهم في علوم القرآن و الهدف الثاني هو تدريس العلم حيث تتكفل المدرسة بإيوائهم و الإنفاق عليهم شريطة دراسة علوم المذهب المالكي.

العوامل التي ساهمت في تأسيس و تطوير مدرسة ابن يوسف:

  معروف في كتب التاريخ و الدول أن السلاطين المرينيون اهتموا بالعلم و العمران بشكل كبير و دعموا تأسيس العديد من المؤسسات التعليمية، و مدرسة ابن يوسف من أهم المؤسسات التي حظيت بهذا الاهتمام الخاص من طرف السلطان المريني، فقد خصص العديد من الأموال لبناءها و تجهيزها و عين لها نخبة من العلماء و الفقهاء للتدريس فيها.

  بعد هذا الاهتمام السلطاني الخاص تميزت مدرسة ابن يوسف بجودة التعليم، حيث ضمت مكتبة غنية بالكتب في مختلف العلوم، فكان يُدرس فيها مختلف العلوم الدينية و الدنيوية. مما ساعد الطلاب على البحث و التعمق في دراستهم.

أيضا اجتذبت المدرسة طلاباً من جميع أنحاء المغرب و العالم الإسلامي قصد التحصيل العلمي و المعرفي، و أصبح العديد من خريجيها علماء و فقهاء مشهورين.

   لقد تميزت مدرسة ابن يوسف بجمال عمارتها، حيث تم استخدام أجود أنواع الزخرفة و النقوش في بنائها فساعد جمال عمارة المدرسة على جذب الطلاب و خلق بيئة تعليمية مريحة أسهم من خلالها الطلاب في نشر العلم و المعرفة في مختلف أنحاء المغرب و العالم الإسلامي.

تأثير مدرسة ابن يوسف على الحركة العلمية و الثقافية في المغرب:

  ساعدت مجموعة من العوامل من خلق بيئة فكرية و ثقافية داخل أسوار هذه المدرسة العتيدة، منها أولا، جذب كبار العلماء من مختلف أنحاء المغرب الإسلامي و الأندلس، مما أدى إلى تكوين نخبة علمية متميزة ساهمت في نشر العلم و المعرفة. ثانيا، قدمت المدرسة مناهج دراسية غنية و متنوعة شملت مختلف العلوم الدينية و الدنيوية مثل الفقه، و اللغة العربية، و الفلسفة، و الفلك، و الرياضيات. ثالثا، وفرت المدرسة بيئة علمية مثالية للطلاب من أجل التحصيل العلمي، و ذلك من خلال مكتبتها الغنية بالكتب و المخطوطات، و قاعاتها الدراسية المجهزة و نظامها التعليمي المنتظم.

  كل هذه العوامل الثلاث بالإضافة إلى عوامل أخرى مركبة، كان لها أثر بالغ في نشر العلم و المعرفة من طرف طلبة و خريجي هذه المدرسة بين مختلف المؤسسات العلمية الأخرى. زيادة على هذا نجد أن بعض سلاطين الدولة المرينية في تلكم الفترة كانوا على دراية متينة بالمستوى الثقافي[6] الرائج في مختلف المدارس العلمية التي أقدموا على بناءها، فكانوا يعقدون المجالس العلمية للمذاكرة و المناظر بين مختلف العلماء و الفقهاء البارزين. فبفضل هذه المبارزات الفكرية سواء داخل حجرات الدرس بهذه المؤسسة أو بداخل بلاط السلطان المريني ذاع صيت هذه المدرسة بعلومها و ثقافتها و بعلمائها و فقهائها خارج أرجاء هذه الدولة الفتية.

كيف حافظت مدرسة ابن يوسف على مكانتها العلمية عبر العصور:

  ساعد نظام الوقف بشكل كبير على ضمان استمرار عمل المدرسة و استقرارها، و قد حرصت كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب بتوفير احتياجات مالية كبيرة  مثل: رواتب الأساتذة، توفير الطعام و السكن للطلاب و أيضا شراء الكتب و الأدوات المدرسية للطلبة.

  ففي عهد الدول السعدية التي سطع نجمها بعد أفول عهد الدولة المرينية، قام السلطان السعدي عبد الله الغالب سنة 972 ه/1565م بتجديد هذه المؤسسة العلمية، لكن الغريب في الأمر أن التجديد الذي خضعت له هذه المؤسسة من طرف هذا السلطان أدى إلى إزالة أي أثر يشير إلى مؤسسها الحقيقي، بحيث ثم تغيير النقوش و الزخارف و الكتابات التي تمدح بانيها السلطان أبو الحسن المريني و تعويضها بكتابات و نقوش تمجد السلطان الجديد[7].

  آزر التطور و التحديث الذي عرفته هذه المدرسة عبر العصور على بقاءها و استمرارها، لقد تم ترميم معالمها التاريخية و تم إعادة تأهيلها بشكل أفضل، ففتحت أبوابها للطلاب من مختلف أنحاء العالم، مما ساهم في تبادل المعرفة و الثقافات و ساعد دور الخريجين على إبقاء اسم المدرسة حاضرا في مختلف المجالات الثقافية و العلمية. فبفضل هذه العوامل حافظت مدرسة ابن يوسف على مكانتها العلمية عبر العصور، وواصلت دورها في نشر العلم والمعرفة وإثراء الحضارة الإنسانية.

خاتمة:

  تُعد مدرسة ابن يوسف من أهم النماذج الفريدة للمدرسة الإسلامية و مثالا حيا على دور العلم في إثراء الحضارة الإنسانية. حيث أسهمت بشكل كبير في نشر العلم و المعرفة في المغرب الإسلامي، و أخرجت العديد من العلماء و المفكرين الذين أسهموا في إثراء الحضارة الإنسانية، و بفضل هذه المقومات التي اكتسبتها و العوامل التي ساندتها أصبحت هذه المدرسة العملاقة رمزا للثقافة العربية و الإسلامية.

 

[1] – بعض الدارسين و الباحثين وقعوا في الخلط بين مدرسة ابن يوسف و جامع ابن يوسف التي كانت بجوار هذه المدرسة. لكن الأصل هو: أن مدرسة ابن يوسف أسسها السلطان أبي الحسن المريني، هذا ما أقره كبار العلماء و المؤرخين و على رأسهم الرحالة الكبير ابن بطوطة في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار. أما جامع ابن يوسف فقد أسسه الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين سنة 514ه/1120م.

[2]– “السعادة الأدبية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية“، ابن المؤقت المراكشي،  ص 10.

[3]تحفة النظار في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار، ابن بطوطة، ص 686.

[4] – توجد هذه المدرسة بحومة الصفارين الحالية غير الصفارين القديمة المسماة بالتناكين أو الطرافين والشرابليين بناها السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني بمدينة فاس .

[5] –  المدارس المرينية و دورها الفكري بالمغرب، كلية الآداب و العلوم الإنسانية، فاس، 1988-1989.

[6] – ورقات عن حضارة المرينيين، محمد المنوني، ص 234.

[7] – العفاقي رشيد وأيت أومغار سمير، تاريخ مدرسة ابن يوسف بمراكش، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، مراكش، ط1، 2016 ص 35.

ذ. زيدان عبد الغني

باحث مركز ابن البنا المراكشي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق