بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان، على نبينا المصطفى، ورسولنا المجتبى، وعلى آله أهل التقى، وأصحابه أهل الصفا، ومن تبعهم إلى يوم الدين.

وبعد:

    فإن شهر شعبان، يعد كالمقدمة لشهر رمضان المبارك، فهو الجسر والمعبر إليه؛  ولذلك فكل أعمال البر  التي يستحب للمسلم فعلها  في شهر رمضان مستحبة كذلك في هذا الشهر الكريم، ومن هذه الأعمال: “قيام الليل”؛ الذي يعد من أفضل العبادات وأجلها ، وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة على الحث عليه، والترغيب فيه؛ فقال: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا) ^([1])، وقال: (ومن الليل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا) ^([2])،ومن السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، وأيقظ أهله فصلت؛ فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل، وأيقظت زوجها؛ فصلى فإن أبى نضحت في وجهه  الماء” ^([3])، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلاّ أعطاه إياه”^([4]).  

لأجل هذه الأهمية جاء هذا المقال الذي سأذكر فيه بعض مزايا وفضائل قيام الليل عامة، ثم عن عبادة القيام في شهر شعبان، الذي يعد مفتاح عبور إلى شهر رمضان، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

 أولا: بعض مزايا وفضائل قيام الليل عامة:

إن لقيام الليل مزايا كثيرة  وفضائل عديدة أذكر خمسة منها وهي:

1-أنه سبب من أسباب دخول الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: ” أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”^([5]).

2-أنه سبب لاستجابة الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم: “إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلاّ أعطاه إياه”^([6]).

3-أن القائم الليل له منزلة عند الله تعالى فلا يستوي مع الغافل لقوله تعالى: (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) ^([7]).

4-أنه من أفضل الصلوات بعد الصلاة المكتوبة لقوله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل “ ^([8]).

5-أنه سبب من أسباب رحمة الله تعالى على عباده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ أهله، فصلت؛ فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل وأيقظت زوجها، فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء” ^([9]).

قيام الليل في شهر شعبان استعدادا للقيام في شهر رمضان

     يعد شهر شعبان الجسر إلى شهر رمضان المبارك؛ لذا لم يكن غريبا إن وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يعتبره من أفضل الشهور ، فكان يتعاهده بالصيام ؛ لأنه شهر يغفل الناس عنه، وترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما  قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”^([10]) ، قس على ذلك الأعمال المستحبة الأخرى التي كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا عليها؛ ومنها: عبادة القيام.

لا شك أن عبادة القيام تعد من أفضل العبادات التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في هذا الشهر الفضيل بعد صيام النافلة؛ لأنها عبادة  تعينه على طرد داء الغفلة من قلبه؛  الذي يصرفه عن الله تعالى، وعن أداء العبادات واستثقالها.، كما أن هذه العبادة تكون في شهر مغفول عنه كما عبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم، والشهر المغفول عنه يكون فاضلا كما قال ابن الجوزي رحمه الله قال:   “وكل وقت يغفل الناس عنه يكون فاضلا لقلة القائمين بالخدمة، وكما بين العشاءين، ونصف الليل، وأشباه ذلك”^([11])

كما أن تعويذ النفس على القيام في هذا الشهر يعد تمرينا لها وتدريبها عليه؛ حتى إذا  أقبل شهر رمضان كانت النفوس مستعدة لقيامه بقوة ونشاط، وقادرة عليه دون عنت ولا مشقة ، فيؤدي هذه العبادة على أحسن وجه وأتمه، ولا يفوِّت فضله ،خاصة وأن له الفضل الكبير في شهر رمضان، وفيه ليلة من أفضل الليالي ، من وفِّق إليها نال من خيري الدنيا والآخرة  قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه “ ^([12]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال أخلص إلى الآتي:

1-يعد شهر شعبان كالمقدمة لشهر رمضان، فهو الجسر والمعبر إليه، وكل أعمال البر التي يستحب للمسلم فعلها في شهر رمضان مستحبة كذلك في هذا الشهر الفضيل.

2-من الأعمال المستحبة فعلها في شهر شعبان: قيام الليل .

3-لقيام الليل مزايا وفضائل كثيرة ذكرت منها خمسة مزايا.

4-يعد القيام من أفضل العبادات التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في هذا الشهر الفضيل؛ لأنه يعينه على طرد الغفلة من قلبه.

5-في فضل القيام في شهر شعبان أنه وقع في الشهر المغفول عنه، وكل وقت يغفل عنه الناس يكون فاضلا والأجر فيه عظيم.

6-في قيام الليل في شهر شعبان يعد تعويدا للنفس وتمرينا لها على هذه العبادة؛ حتى إذا أقبل رمضان كانت النفوس مستعدة لقيامه بقوة ونشاط دون عنث ولا مشقة. 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

*********************

هوامش المقال:

([1]) سورة المزمل (من 1 إلى 6)

([2]) سورة الإسراء، الآية: (79).

([3]) أخرجه أحمد في مسنده (15 /395)، برقم: (9627).

([4]) أخرجه مسلم في صحيحه (1 /341)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء، برقم: (757).

([5]) أخرجه الترمذي (3/ 431)، أبواب الدعوات، باب: من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، برقم: (1854).

([6]) تقدم تخريجه.

([7]) سورة الزمر من  الآية: (9 ).

([8]) أخرجه مسلم في صحيحه (1 /520)، كتاب: الصيام، باب: فضل صوم المحرم، (برقم: 1163).

([9]) تقدم تخريجه.

([10]) أخرجه أحمد في مسنده (36/ 85-86)، برقم: (21753).

([11]) كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/253).

([12]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /28-29)، كتاب: الإيمان، باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان، برقم: (37)، ومسلم في صحيحه (1 /343)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب:  الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم: (759).

*********************

لائحة المراجع والمصادر المعتمدة:

الجامع الكبير. محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق: بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. ط1 /1996مـ.

المسند . أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون.  مؤسسة الرسالة. ط2/ 1420هـ ، 1999مـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي. دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ.

كشف المشكل من حديث الصحيحين. لعبد الرحمن ابن فرج ابن الجوزي. دار الوطن الرياض. ط1/ 1418هـ- 1997مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو