مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامةأعلام

الحلة السيراء فيمن حل بمراكش من القراء (من كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي ت703ه‍) -43- محمدُ بنِ عليّ بن أبي بكر بن عيسى بن حَّماد، أبو عبد الله(1)  

محمدُ بنِ عليّ بن أبي بكر بن عيسى بن حَّماد، ابنُ حماد الصُّنْهاجيُّ القَلْعيُّ، قلعةَ بني حَّماد، حَمْزيُّ الأصل، استَوطَنَ مَرّاكُشَ بأخَرةٍ، أبو عبد الله، ابن كلانونَ وابنُ حمادو.

تعلَّمَ القرآنَ العظيم عندَ القاسم بن النُّعمان بن الناصِر بن عَلا الناس ابن حمّادٍ الصنْهاجيّ، وكان يتعيَّشُ بعدَ انقراضِ دولتِهم بتعليم كتابِ الله جَلّ جلالُه(2).

ورَوى عن أبي جعفر بن محمد بن عَيّاش بمُرْسِيَةَ، وآباءِ الحَسَن: ابن شُكر بن عُمرَ وابنَي المحمّدَيْن: ابن عبد الملِك ابن القَطّان وابن عثمانَ التَّميميِّ القَلْعيّ المُعمَّر، وأبي الحُسَين ابن زَرْقونَ بإشبيلِيَةَ، وأبي ذَرّ ابن أبي رُكَب، وآباءِ عبد الله: ابن أبي بكر بن عبد الله الحَمْزيّ وابن عبد الله بن محمد المَعافِريّ ابن الخَرّاط، وابن عبد الحقِّ التِّلِمْسَانيّ، وابن عليّ ابن مَخْلوفٍ بالجزائر، وأبي العبّاس بن مبشّر بن سُرور مَوْلى الحمّاديِّينَ، وأبوَيْ محمد: عبدِ الحقّ ابن الخَرّاط ببِجَايةَ وغَلْبون بمُرْسِيَة.

رَوى عنه أبو بكرٍ محمدُ بن غَلْبون، وأبو الحُسَين بن عبد الله بن عبد الرّحمن السِّجِلْماسيُّ مُستوطِنُ أَزْمُور، وأبو عبد الله بنُ عليّ بن هشام شيخُنا، وأبو العبّاس ابن فَرتُون، وأبوا محمد: ابن عبد الرّحمن ابن بُرطُلّه، وابن موسى الرُّكَيْبيُّ.

وكان أديبًا، بارعَ النّظم والنّثر، نَزِهَ النَّفْس، حَسَنَ الخُلُق، ذا حظّ صَالح من الفقه وأصُولِه، متحقِّقًا بالنّحو، متقدِّمًا في حفظِ اللّغاتِ والآداب، ضابطًا كُتبه، محافظًا عليها، جيِّدَ الخَطّ، كتَبَ الكثيرَ وأتقَنَ تقييدَه، ولم يزَل النَّاسُ يتنافسونَ فيما يوجَدُ بخطِّه أو بمعاناتِه، ويعتمدونَه، وصنَّف في اللّغاتِ والتاريخ والآدابِ وما جَرى مجرى ذلك مصنَّفاتٍ، منها: «الإعلام بفوائدِ الأحكام» لعبد الحقّ، و«شرْحُ قصيدةِ عُمرَ بن أبي ربيعةَ: أمِن آلِ نُعْم»، و«شرحُ: مقصورةِ ابن دُرَيْد»، و«الدُّبَاجة في أخبارِ صُنْهاجة»، وهذا الكتابُ غيرُ «النُّبَذ المحتاجة في أخبارِ صنْهاجةَ بإفريقيّةَ وبِجَاية». وديوانُ نَظْمِه ونَثرِه حافل، وقد وقَفْتُ عليه ومنه جزءٌ سمّاه «عُجالةَ المودعِّ، وعُلالةَ المشيِّع»، وكلُّه أو جُلُّه صَدَرَ عنه أيامَ كونِه بمُرْسِيّةَ، أفاد به بعضُ أصحابِه، وسَمّط قصائدَ وقِطَعًا لجماعةٍ من الشّعراء ظهَرتْ فيها إجادتُه، وعَكَفَ عامَّة عُمرِه على استفادةِ العلم وإفادتِه.

واستُقضيَ بالجزيرة الخَضْراء وبسَلا سنةَ ثِنتَيْ عشْرةَ وست مئة، وبأَزْمُور كما استُقضيَ بمُرْسِيَةَ، فحُمدت فيها كلِّها سِيَرهُ، وشُكرت أحوالُه، وعُرِف بالعدل وتمشيةِ الحقّ والجَزالةِ والطّهارة.

ومن نَظْمِه -وكتَبَ به من مُرْسِيَةَ إلى أبي عبد الله بن عبد الحق التّلِمْسانيِّ شاكرًا له على إجازةٍ بعَثَ بها إليه-:

يَا أيُّها النَّدْبُ السَّرِيُّ الأمجدُ … والعالِمُ الحَبْرُ الفقيهُ الأوحدُ

يَا أيُّها البحرُ المحيطُ مَعارفًا … لا تنتهي، وفوائدًا لا تنفَدُ

وصلتْ إجازتُك المُجيزةُ سيّدي … نحوَ الذي أنحو إليه وأقصِدُ

إنّ الدِّرايةَ والروايةَ منتهَى … أملي الذي أسعَى إليه وأحفدُ

لازلتَ لي متفضِّلًا فأجَزْتَني … بفوائدٍ يفنَى الزمانُ وتَخلُدُ

فجزاك عنّا اللهُ خيرَ جزائهِ … فجزاءُ مثلِك عندَنا لا يوجدُ

ووَدِدتُ لو أنّي لديك، وأين مِن … ظمآنَ في البِيدِ البَلاقِع موردُ

ولقد لقِيتُك لُقيَةً لكنّها … كانت كما أغفَى وهَبَّ مسهّدُ

لم تشفِ لي كمَدًا وأنّى يُشتفَى … بزيارةِ الطّيفِ المسهّدِ مُكمَدُ

فإن استمرّت بي الحياةُ لقيتُكمْ … حتمًا، وإلا فالمعادُ الموعدُ

لا زِلتُمُ في عِزّةٍ وسعادةٍ … ما لاحَ في جُنح الدُّجُنّةِ فرقَدُ

توفِّي بمَرّاكُشَ بعدَ خَدَر أصابَه سنةَ تسع وعشرينَ وست مئة.

 

  • الذيل والتكملة 5/ 215-217.
  • جعلت المترجم من القراء لما ورد في هذه الفقرة من كونه تعلم القرآن عند القاسم ابن علا الناس، وأنه كان يعلم كتاب الله.

 

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق