وحدة الإحياءدراسات وأبحاثمفاهيم

العملية الاجتهادية وأصول الفقه الحضاري.. دراسة في سياقات المدخل المقاصدي

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن جملة الاستعمالات المختلفة لكلمة السياق ومشتقاتها، وما يقوم مقامها في معاجم اللغة وفي كتب التفسير وعلومه فإنه من الضروري التوقف عند استعمال هذه الكلمة مضافة إلى ذي الحياة من الماشية بشكل خاص كما استعملت مضافة إلى أمور معنوية كالروح والكلام ونحوهما، كما أن كلمة ساق تثير في الذهن معنى لحوق شيئا لشيء آخر واتصاله به واقتفائه أثره، كما تثير معنى الارتباط والتسلسل والانتظام في سلك واحد بحيث لا يرى الأمر إلا في سياقه مراعيا لسباقه مدققا في لحاقه.

ويعبر بألفاظ مرادفة للسياق، مثل لفظ المقام، والمقتضى، ومقتضى الحال، ولفظ التأليف، ولفظ النظم، وكلها تؤدي معنى السياق الذى قررناه فيما يتعلق بالنص والنظم القرآني.

وقد عرف للسياق أبعاد وامتدادات (سياق آية وسياق النص وسياق السورة والسياق القرآني) فهذه دوائر متداخلة متكافلة حول إيضاح المعنى ولذا فمن واجب المفسر أن لا يغفل عن هذا الارتباط وهذه الأبعاد وعليه أن يعلم أن بتر السياق الخاص عن سائر السياقات من شأنه أن يؤدي إلى الميل عن سنن الصواب في التفسير1.

ويطرح هذا الأمر جملة من الأسئلة من مثل ما المراد بالسياق في دراسات الأصوليين قديماً وحديثاً؟ وهل تمثلت مفردات “نظرية السياق” الحديثة في منهاج الأصوليين؟

ما هي الأسباب التي من أجلها يأتي إعمال السياق؟ وما مدى الاحتياج إليه: هل يكون دور السياق في المعنى دور المؤسِّس له أو دور المؤكد المرشد؟ وما الإرشادات التي يحوزها السياق بين طرفيه؟

ما المسالك والطرق التي تستكشف بها القرائن السياقية المقالية، اللفظية منها والمعنوية؟ وما المستويات التي يتمثل فيها امتداد السياق المقالي؟ وكيف يمكن التقاط دلالة السياق في النظم القرآني الذي نزل نزولاً متفرقاً ورتب على غير ترتيب النزول؟

ما المسالك والطرق التي تستكشف بها القرائن السياقية المقامية؟ وما المستويات التي يتمثل فيها امتداد السياق المقامي؟ وكيف يتوازن الأصولي بين مراعاة مقام الخطاب وعمومه لجميع الأزمان والأماكن والمكلفين؟

وهو ما يعنى دراسة المقصود بالسياق في دراسات الأصوليين قديماً وحديثاً، ويدرس كذلك الأسباب التي من أجلها يأتي أعمال السياق، ومدى الاحتياج إليه ودوره في المعنى، والمسالك التي تستكشف بها القرائن السياقية المقالية، اللفظية منها والمعنوية، وكيف يمكن التقاط دلالة السياق القرآني… إلى غير ذلك من الأمور التي تندرج في دائرة تفسير النصوص القرآنية والدينية وغيرها2.

وقد كان علماؤنا القدامى مدرِكين لأهمية السياق في تحديد المعنى وواعين بدوره الحاسم في توجيه دلالات العلامات اللغوية ولا سيما في نص القرآن الكريم؛ فقد صرح ابن قيّم الجوزية (توفي 751ﻫ) أن السياق “يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة… وهذه من أكبر القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته”.

ومن قبلِ ابنِ القيم بقرون كان الأصوليون والمفسرون قد تنبهوا مبكرا إلى ذلك؛ فالإمام الشافعي ذكر مصطلح “السياق” في “رسالته” وتنبه إلى دوره في تحديد دلالات الألفاظ القرآنية وتفصيل مجملها وتخصيص عامّها، ولعله هو أول من استعمله-من علمائنا القدامى-استعمالا اصطلاحيا مدققا، وقد أحسن الشافعي استثمار هذه الأداة ولا سيما في التفريق بين نمطين نصيين هامين تعبر عنهما الثنائية الدلالية: العام والخاص، وهي من الثنائيات التي جعلوا معرفتها من أجلِّ علوم القرآن كما صرّح الزركشي3.

أولا: السياق في العملية الاجتهادية 

يمكن أن نشير إلى جملة من الدوائر السياقية التي تؤثر في عمليات التوظيف والتشغيل والتفعيل، ومن أهم تلك الدوائر السياقية: السياق النصي والسياق الجزئي والسياق الكلي والسياق الواقعي والسياق المنهاجي، وأخيرا السياق الحضاري. جملة من السياقات تؤصل عمليات التوظيف لها ضمن العملية الاجتهادية وأصول الفقه الحضاري4. هذه السياقات تنتظم ضمن مربع عمليات غاية في الأهمية (العملية الاجتهادية، أصول الفقه الحضاري، المقاصد الكلية، السياق).

من الأهمية بمكان حينما نعالج فكرة السياق وآثارها في رؤية الأحكام الشرعية أن نؤكد أن فكرة السياق لابد وأن تكون واحدة من أهم الشروط للقيام بالعمل الاجتهادي، ومن هنا فإننا قد نتوقف عند ما يمكن تسميته بسياقات المدخل المقاصدي بما هو ينظم بين مفردات تشكل مداخل متكاملة حتى تكتمل فكرة السياق وتشكل سياقات متساندة توضح عناصر متعددة ينضاف إليها سياقات أخرى تشكلها منظومة سياقات أصول الفقه الحضاري، فتسهم هذه السياقات جميعا في إبراز عناصر ثلاثة تشكل مثلث الاهتمام الذى يحرك فكرة السياقات ويضمنها بعمل متواصل ومتراكم. هذا المثلث يهتم بعمليات ثلاث: الأولى هي عملية التأصيل، والثانية: تتمثل في عملية التفعيل، أما الثالثة  فتهتم بعملية التشغيل.

وغاية الأمر أن الوصل بين هذه العمليات الثلاث إنما يتأتى من اتساع فكرة السياق فتجعل من هذه العمليات سياقات متساندة تؤدي إلى بعضها بعضا، وتؤسس معمارا يؤسس عناصر وعي ومقاصد سعي.

وفي هذا المقام فإن المدخل المقاصدي يشير من خلال ثمانية مكوناته إلى سياقات ثمانية:

الأول؛ يتعلق بسياق المجال، والثاني؛ يهتم بسياق الأولوية، والثالث؛ يتوفر على سياق الحفظ، والرابع؛ يؤكد على سياق الموازين، والخامس؛ يركز على سياق المناط، والسادس؛ يتعلق بسياق الواقع والوسط، والسابع؛ يتعلق بسياق المآل، أما الثامن والأخير؛ فيفعل سياق الوسائل.

ثمانية محكمة تجعل من هذه السياقات بدورها عمليات متكاملة ترى فيها الشريعة في سياق واحد وعلى صعيد واحد كالجملة الواحدة تؤصل معاني الفقه وتوصل إلى مناط الفاعلية5.

وهي بهذا إنما تستكنه من خلال الأصل والوصل6 بين الشريعة باعتبارها حكمة في بنائها المعرفي وعدلا في نسقها القيمي، ورحمة في أنساق سلوكها ومصلحة تؤكد على أنساق المقاصد والغايات7.

ومن هنا فإن القول بأن الحال أن العمل على تطبيق الأحكام الإسلامية في الواقع يحتاج إلى منهج آخر مختلف، يكون مبنيا على فقه تطبيقي ليست غايته بسط حقائق الدين للإقناع وإنما غايته تسهيل الطريق لتلك الحقائق لكي تصبح جارية في حياة الناس.

ومن الجدير بالذكر أن هذا القول يحمل الإشارة إلى مفهوم للسياق تتسع مضامينه بحيث تشتمل على سياق الفهم وسياق التطبيق. ومن هنا فإن هذا المعنى السياقي هو الذي يحيلنا إلى ضرورة أن يبدأ هذا الفقه من مرحلة الفهم، حيث ينبني بمقتضاه فهم الدين عقيدة وشريعة على أنه حقائق، ليست غايتها في ذاتها، وإنما غايتها في سيرورتها واقعا سلوكيا.

أما السياق الثاني فإنما يتم بذلك الفقه في صياغة الأحكام الإسلامية صياغة تناسب معطيات الواقع المشخص الذى يعيشه المسلمون في ظرفهم الزمني والمكاني.

أما السياق الثالث فإنما يتم بعد ذلك بالإنجاز الفعلي لتلك الصياغة في شعاب الحياة المختلفة وهو أمر يتطلب فقها منهاجيا يجعل فكرة السياق فكرة متسعة تتعلق بأصول في الفهم الابتدائي ضمن سياقات الفهم، والفهم المتعلق بالواقع في إطار سياقات الواقع، والقدرة على توقيع الأحكام في الواقع تفعيلا وتشغيلا بما يمكن تسميته فقه التنزيل. هذه السياقات الثلاث المترابطة تؤصل هذا الناظم المنهاجي يقوم على قاعدة من فكرة السياق كتعبير عن فقه منهجي ممتد ناضج وواع قادر على تحقيق عملية الوصل بين الأصل والعصر، ولتوقيع الدين بحسب هذه المراحل في مجالات السياقات المختلفة التي تتعلق بالعملية الاجتهادية وأصول الفقه الحضاري في إطار سياقات فقه النظر وفقه الواقع وفقه التنزيل8.

هذه السياقات المتعددة التي تتعلق بالنظم بين النظر والواقع والتنزيل إنما يجد الترجمة الحقيقية له في إطار ثمانية المقاصد التى تمثل توليدا من التفاعل بين هذه السياقات، وبإمعان النظر في هذه السباعية المقاصدية السياقية فإنها حاضرة في كافة سياقات الفقه المتنوع والمتصل الرابط والناظم بين النظر والواقع والتنزيل. وفي هذا المقام يبدو لنا أن البحث في فقه النظر ضمن سياقاته المنهاجية إنما يفترض التعامل مع أصول منهاجية الاجتهاد وأصول العملية الاجتهادية للتعامل مع هذه الأمور التي تتعلق بالاجتهاد المعاشي المقاصدي، إن صح التعبير، فهو اجتهاد غير منبت الصلة بأصول التفكير بالمجال والحال والمآل والحفظ والموازين والأولويات، وهي كلها أمور يمكن أن نراها ضمن القواعد الكلية لفهم النص ضمن سياقاته الكلية التي تجعل من النص حقيقة حياتية قابلة للتفعيل والتشغيل في حياة الناس ومعاشهم.

الأمر كذلك فيما يتعلق بفقه الواقع الذي ليس عملية محدودة تكون برصد وقائع هنا أو هناك وليس بالبحث في الحوادث الحادثة، والوقائع الواقعة والنازلات النازلة، ولكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، وما أسماه ابن القيم وبحق فقه الأحوال الكلية. هذا الفقه الذي يعطي الواجب حقه من الواقع ويعطي الواقع حقه من الواجب هذه الرؤية التفاعلية هي المقصودة بفقه الواقع في إطار سياقات منتظمة ومنظومات سننية قاضية. ومن هنا يبدو لنا أن لفقه الواقع علوما عدة يجب أن نتوقف عليها وعندها للتأكيد على ذلك المعنى الشامل الذى يصل الواقع بالأصل؛ فإذا كان فقه النظر يصل الأصل بالواقع فإن فقه الواقع يصل الواقع بالأصل، وفي النهاية فإن هذا التواصل بين الفقهين يعبر عن حقيقة أساسية أن من فقد الأصول فقد فقد الوصول.

 فقه الواقع بهذه المعاني لابد وأن يتعلق بالسياقات المقاصدية التي سبقت الإشارة إليها فيؤكد على واقع المجالات وسياقاتها، وكذلك الواقع المتعلق بالأولويات والواقع المتعلق بالوسط والمحيط والواقع المتعلق بإقامة الموازين القسط في واقع الحياة لتحقيق معنى “القيام بالقسط”، وكذلك فإن هذا الواقع يتعلق بالحالة الإمكانية والظرفية المتعلقة بمناطات الحفظ وسياقاته، وكذلك يتعلق الأمر بالمآلات التي تتعلق بالواقع واستشراف ما سيقع في إطار علوم تدبرية للمستقبل ضمن فقه سياقات المآل والاستقبال، وفي النهاية يبدو لنا الواقع متجليا في عملية الوصل بين الواقع بحادثاته والأصل ببناءاته من خلال الآليات والأساليب والأدوات بما يؤصل التفكير بالمسائل في سياق فقه الوسائل.

فقه التنزيل فقه عمراني يؤسس رؤى استراتيجية ممتدة ويقدم الخطط والبرامج القادرة على إحداث عمليات تتعلق بالفاعلية والتأثير والتمكين9.

ومن هنا فإن رؤية الفقه التنزيلي ضمن سياقات ثمانية المقاصد إنما تحرك هذه المعاني التي نحن بصددها ومن هنا ربما نصل بين الفقه التنزيلي وتلك المفردات المقاصدية فالتنزيل تنزيل مجال وتنزيل حال وتنزيل مآل وتنزيل أوزان وتنزيل أولويات وتنزيل حفظ بمقومات وآليات وتنزيل واقع يربط بين عناصر ذلك الواقع والشريعة والفاعلية. كذلك فإن الأمر يحتاج إلى التفكير بتنزيل الوسائل ضمن قاعدة “الأحسن” ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾، ﴿ادفع بالتي هي أحسن﴾ الأمر هنا يتعلق بعملية الإحسان الحضاري.

والإحسان الحضاري قابلية فاعلية وآلية وعملية هو بهذا الاعتبار لياقة ومناسبة ونجاعة وفاعلية. إن من مقتضيات عملية التنزيل هو ذلك الأمر الذي يتعلق بعمليات الإبداع والابتكار لوسائل وآليات قادرة على ترجمة هذا التفكير الأحسني ضمن فقه ممتد لعمليات الإحسان الحضاري الذي يليق بالإنسان المسلم وعمرانه بحكمة الشريعة وعدلها ورحمتها ومصالحها.

ثانيا: من أصول الفقه الحضاري.. مدخل المقاصد مقدمة لصياغة السياق

إن الحصيلة النهائية التي يمكن أن نتوقف عندها من ذلك الربط بين الاجتهاد والسياق والمقاصد، إنما يكمن في اعتبار مدخل المقاصد أداة منهاجية يمكن أن نضيف من خلالها فكرة السياق بامتداداتها وتنوعاتها حتى يكون الاجتهاد بصيرا وواعيا في صياغاته وفي تطبيقاته10.

سنحاول في كل ذلك نقل النموذج إلى لغة وسيطة مفهومة وقادرة على التواصل بحقل العلوم السياسية، كما استقرت مفرداته، ولكن من غير الوقوف عند حدودها أو اجترار معانيها وتطبيقاتها.

إن استئناف فاعلية المعاني في حركتنا المعرفية والبحثية لا يتأتى إلا من خلال صياغتها بما يحقق هذه الفاعلية النظرية المعرفية، ضمن فعل التأسيس (الرؤية العقدية الدافعة، أصول الشرعة الرافعة، قيم التأسيس وقيم الأساس الحاكمة، ومجال الأمة الجامعة، وعناصر الحضارة الفاعلة، وسُنن الكون والنفس والمجتمع والتاريخ القاضية، ومجالات ورتب المقاصد الكلية العامة الحافظة والحاضنة)، كل ذلك يزكي “أصول الفقه الحضاري” التي تتصل بعض المستويات فيه بفقه بناء المعيار وتأسيسه وصياغاته، كرؤى قابلة للتفعيل والتشغيل ضمن سياقات متنوعة، وأهمها المجال المعرفي والعلمي والفكري والثقافي والحضاري، فإن المستويات والفئات الأخرى تُعنى بفهم الواقع وإمكان مقايسته على المعيار ورده الرد الجميل إليه، وملاحظة الانحراف المعياري وتقويمه مهما دقَّ أو جلَّ، بمنهج علمي سديد منضبط يتفهم عناصر الظاهرة الاجتماعية والإنسانية في خصوصيتها، والظاهرة السياسية والدولية كمجال بحثي يستحق الاهتمام.

إنها عناصر شديدة الأهمية تتحقق من خلال تأسيس “علم أصول الفقه الحضاري” كمنظومة جامعة لعناصر، ومفِّعلة لها في البحث، وما يولِّده ذلك من إمكانات مفاهيمية ومنهجية وتحليلية وتفسيرية وتقويمية.

غاية الأمر في هذا المقام أن نتعرف على مكانة المدخل المقاصدي من البنية المعرفية الإسلامية العامة، ودورة في تلك البنية، وهو واحد من أهم المداخل الجامعة والتي تجعل من تكامل العلوم وتكاملها عملية أساسية، كما تقوم بأدوار أخرى ضمن قيام الباحثين بعمليات التوظيف والتفعيل لهذا النموذج في سياق المجالات المعرفية المختلفة.

مقاصد الشريعة الكلية وعملية الاجتهاد

لا يمتري أحد في أن كل شريعة شرعت للناس ترمي بأحكامها إلى مقاصد مرادة لمشرعها الحكيم سبحانه وتعالى، في إطار الضرورات الاجتهادية بمفهومها الواسع والتعامل العميق مع أصول الفقه الحضاري؛ هذا الاستثمار لا يمكن أن يتم إلا بواصلة بين الصبغة والصيغة والصياغة؛ صبغة الله التي تشكل تأصيل الرؤية الكلية الكونية وتأسيس الرؤية الفطرية لتشكيل أصول الحياة العمرانية ﴿صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة﴾.

من هذه الصبغة (صبغة الله) تنبع الصيغة الكلية العامة، وهي الصيغة المقاصدية (نموذجا ومدخلا)، التي تتطلب وعي الاستجابة وسعيها.

الصبغة تعبير عن كمالات الرؤية التوحيدية الفطرية الاستخلافية العمرانية التي تتسم بكمالها صحة وصلاحية وفعالية، وتتسم بتمامها كتمام الكلمة الصادرة عنها صدقية في الأداء وعدل في مقامها، و”تمت كلمة ربك صدقا وعدلا”.

أما الصيغة المقاصدية التي تتسم بكليتها وشمولها وعموميتها فإن تقدم عناصر النموذج الارشادي والمدخل لمقايسة الظواهر وتأسيس معايير (الوصف) لها والحكم (والتقويم) عليها.

والصياغة الاجتهادية والبحثية نوع من الجهد المطلوب، وربما المفروض لتوقيع هذه الصيغ على الواقع وإفرازاته والظواهر ومكنوناتها، والقضايا وإشكالياتها، عملية التوقيع والتنزيل تلك هي الواصلة بين الصيغة والصياغة عبر الواقع ومتطلباته وآلياته. هاهو ابن القيم في مقولة ذهبية يحدد لأصول الارتباط ويعبر عما نحن فيه من ارتباط المدخل المقاصدي بفقه الواقع، هده المقولة الذهبية يجب تحويلها إلى سياقات بحثية ومنهجية في إطار التعامل مع جملة الظواهر الإنسانية والاجتماعية والحضارية11.

يقول بن القيم: “.. فهنا نوعان من الفقه.. لا بد منها:

فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب، والمحق والمبطل، ثم يطابق بين هذا وذاك، فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع12.

إن ما يطالبنا به ابن القيم ليس باليسير، وما يرتبط به من توجيهات وعمليات ومسافات بحثية ليس بالقليل:

– الفقه في أحكام الحوادث الكلية، وهو أمر أرشدنا إلى إمكانية تسميته بالفقه الحضاري، وما يرتبط به من أصول الفقه الحضاري ومتطلباته.

– الفقه من نفس الواقع وأحوال الناس، وهو أمر يتعلق بفقه الواقع والظواهر الاجتماعية والإنسانية التي تعمل فيه وتستحق الدراسة والتحليل والتقويم.

– الفقه الذي يشكل عناصر العقلية الكاشفة والعقلية الناقدة، والعقلية الفارقة، والانطلاق بها إلى العقلية الإيجابية البانية.

– إعطاء الواقع حكمه وحقه من الواجب تقويما وتغييرا أو تأثيرا.

– إعطاء الواجب حقه من الواقع، اعتبارا وفقها ولوازم، بحيث لا يجعل الواجب مخالفا للواقع.

إنه الفقه الذي يتفاعل فيه الفقه الحكمي بعناصر التربية والترقية، والتخلية والتحلية، والواقع والواجب من سياق لا ينفلت فيه الواقع من الواجب، ولا يهمل الواجب فيه الواقع.

إذا ما ربطنا هذا كله بما نحن فيه وجب علينا أن نتعرف كيف أهملنا تراثنا حينما لم نصله بالواقع ولم نفعله في سياقاته، ولم نوظفه في مساراتنا البحثية أو المنهجية، فضلا عن طرائقنا السلوكية والتربوية والتدبيرية.

وخلاصة الأمر أن الفقيه محتاج إلى معرفة مقاصد الشريعة، وأن ذلك من اللوازم للمجتهد حتى ينضبط اجتهاده ويستوفي فيه بذلك غاية الوسع، فمن المعلوم أنه ليس كل مكلف بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة، لأن معرفة مقاصد الشريعة نوع دقيق من أنواع العلم، فحق العامي أن يتلقى الشريعة بدون معرفة المقصد؛ لأنه لا يحسن ضبطه ولا تنزيله، ثم يتوسع الناس في تعريفهم للمقاصد بمقدار ازدياد حظهم من العلوم الشرعية لئلا يضعوا ما يلقفون من المقاصد في غير مواضعه وحق العالم فهم المقاصد، والعلماء في ذلك متفاوتون على قدر القرائح والفهوم13.

كما أن معرفة مقاصد الشريعة وتحرِّيها مقدمة لازمة لعملية الاجتهاد، ولا يصح لمجتهد أن يقوم بها دون ذلك؛ لأنها تعينه على تمام فقه الحكم والواقعة والتنزيل جميعًا، كما أنها تحقق المقصود الكلي في ربط حركة الاجتهاد بالمقصود الأساسي وهو التوحيد، وتحقيق مطلق العبودية لله، وبالجملة تحقيق ما يمكن أن نسميه حفظ الأمة، وكيانها وهويتها من خلال حفظ الكليات الخمس من (دين ونفس ونسل، وعقل، ومال)، التي تشكل أعمدة الأمة ومجالات حركاتها، وذلك بفهم الرتب، والتدرج فيما بينها من ضروريات وحاجيات وتحسينيات، وفي إطار ربط ذلك بمجموعة من القيم الإسلامية الأساسية، وهو ما يحقق الربط بين هذه العناصر جميعًا لتحقيق مقتضى الأمانة للإنسان واستخلافه بحراسة الدين وسياسة الدنيا به، وهو أمر يضفي على الاجتهاد أهميته، ودوره ووظيفته في حفظ الأمة بلوغًا لمرضاة الله بالتزام شرعته ونهجه.

كذلك فإن الفقه المقاصدي غير منبت الصلة بالحضارة وعناصرها. والأمة تحدد مسيرة الاستخلاف والفعل الحضاري الذي يتغيا المقاصد؛ إنها مجال فعله وتفعيله؛ أمة قاصدة وحضارة عامرة.

المصلحة هي القاسم المشترك الذي تلتقي عنده مقاصد الشارع ومقاصد المكلف.. وأساس ربط الفكر بالواقع، كما أن كل ذلك يسهم في تأصيل المدخل القيمي كمدخل منهجي في رؤية مجمل الحياة الحضارية وما يعتمل بها من أفعال وعلاقات وقدرات ومجالات، ذلك أن الفكر المقاصدي يبصر في المقام الخاص بما دق وجل “.. ويحمل فيه على الوسط الأعدل، ويأخذ بالمختلفين على طريق مستقيم من الاستصعاد والاستنزال ليخرجوا عن طرفي التشديد والانحلال”.

والمقاصد ضمن هذا التفكير المقاصدي تأصيل الأصول، والمصلحة المعتبرة هي الرباط لفكرة المقاصد كلها بعروة وثقى لا انفصام لها.

وهذه الرؤية التي تعرف منها الشاطبي على مستوياتها المعرفية تضع منهجًا يوضح من خلاله ماهية المصلحة المقصودة شرعًا، ومقصد الشارع ومقصد الإنسان إذ لا تعارض بين مصلحة الإنسان وبين النص، والعدل والأصح هو رد “المصلحة” إلى “المقاصد”. هذا الرد المنهجي الجميل والضابط يرتب نظمًا معرفيًا يشيع في كل منظومة الأدلة بما في ذلك الكتاب والسنة والقياس والإجماع إلى آخر الأصول التي يقرها كل مذهب، لأن المقاصد هي الأصل (الناظم المعرفي)، وباقي الأدلة فروع لها.

هذا كله يتعلق ب-“العملية الاجتهادية وسياقات أصول الفقه الحضاري”؛ إذ يعتبر المدخل المقاصدي نموذجا فى هذا المقام يمكنه صياغة مدلولات السياق ضمن أصول الفقه الحضاري، في سياق بيان جملة الكليات التأسيسية لإقامة عناصر العمارة الحضارية والفاعليات الحضارية، ومحاولة الربط بين اعتبار السياق كعملية أساسية ضمن العملية الاجتهادية في سياق الربط بين الفقه الجزئي والفقه الكلي، وفقه المقاصد العامة وفقه مقاصد المكلف. هذا الربط بين الكلي والجزئي، والأصل الذي يحرك أحد معانيه في الوصل والصلة وصلٌ بين الجزئي واندراجه في الكلي، ووصل بين الكلي والكلي، ووصل بين الجزئي والجزئي، ووصل بين كل هذه الصنوف والأنماط والواقع المعاش في إطار التهيئة والاستعداد لتحريك هذا الأمر ضمن عمليات فقه الواقع وفقه التنزيل ضمن مسار حضاري ممتد ينهض من خلال تفاعل الأفعال الجزئية بما تقتضية من أحكام جزئية فتكون فعلا قابلا للتراكم من الناحية الحضارية، قادرا على التأثير في عملية النهوض الحضاري.

ثالثا: صياغة مقاصدية للسياق الحضاري

وهو ما يعنى ضمن ما يعنى ضرورة الربط بين نظريات المقاصد وأصول التعامل السياقي في إطار ثمانية المقاصد التى تشير إلى اعتبار انواع متعددة ومتنوعة من السياق:

1. سياق المجال14

وهو سياق يتحرك ضمن مجموعة من المجالات تعد أعمدة الحضارة وأصول صلاح الدنيا؛ بما تحرك ضمن هذه المجالات كسياقات كلية يمكن أن تؤسس للبناء الحضاري في مكوناته والمركب الحضاري في تكويناته.

ومن هنا فإن السياق ينصرف إلى السياق المجالي الذي يحرك تلك الأحكام المختلفة التي تتعلق بمثل هذه الكليات المجالية؛ فتنتظم جملة الأحكام التي ترتبط بالمجال الديني بما يؤكد تلك السياقات ضمن عملية بناء لهذا المجال بما يحقق أساسا وأصلا يبتنى عليه ويؤصل معنى كيف لا يمكن تأسيس حضارة إلا على قاعدة من الفقه المجالي الديني، ويترافق مع هذا السياق والسياق المجالي المتعلق بالنفس والنسل والعقل والمال بما يشكل سياقا عمرانيا لا يمكن بأي حال من الأحوال بلوغ أو تحقيق في التطبيق بلوغا إلى المقاصد الكلية إلا بتحقيق نظم الأحكام بتلك الدوائر المجالية؛ بحيث تؤصل وتمثل سياقا كليا تنتظم فيه الأحكام الشرعية الجزئية ضمن سياقات كلية عامة فتؤصل معاني ارتباط بناء وهندسة العمارة الفقهية مثلما يرتبط المبنى باللبنة.

ومن هنا فإنه وجب علينا أن ننظر إلى هذه الأبنية المجالية من زاويتين: الأولى؛ المبنى الفقهي المتعلق بعمارة الأحكام الشرعية الجزئية وإسهامها في بناء الفرد والأمة والحضارة. الثانية؛ فإنها تفترض ضرورة وصل هذه الأحكام الجزئية من جهة بكلياتها الأساسية والتأسيسية (المقاصد الكلية العامة)، ووصل كل من هذا وذاك بالواقع المعاش وقضايا الأمة في إطار رؤية كلية جزئية في آن واحد لا تفقد الكلي الحضاري، ولا تغفل الفعل الجزئي بما تحققه هذا وذاك ضمن اندراج مكين وبصير وهو أمر يجعلنا نتحدث عن:

1. البناء الديني المجالي وأصوله السياقية.

2. البناء النفسي المجالي والسياقات المتعلقة به.

3. البناء البشري (النسل) السياقي وتعلقه بسياقات التنمية البشرية.

4. السياقات المتعلقة بالبناء المجالي الفعلي ضمن سياق حضاري ممتد في إطار يجمع بين البناء المعرفي والإعلامي والتعليمي والتربوي والفكري والثقافي.

5. البناء المالي (المادي) الذي يتعلق بأصول البنية التحتية المتعلق بالعملية العمرانية في إطار يتعلق بسياقات الامكانات والقدرات والأليات والأبنية والمؤسسات.

خماسية مجالية تحرك وتتحرك ضمن عملية نظم كبيرة تفضي إلى نوع من فقه يتعلق بعمليات الهندسة الحضارية وكلياتها الأساسية المتعلقة بسياقات أصول الفقه الحضاري. وهو أمر قد يجعل العملية الاجتهادية عملية بصيرة ورشيدة ومستمرة بحيث تلحظ ذلك الارتباط الملكية بين عناصرها.

2. سياق الأولويات15   

إن مراعاة سياق المجال ضمن معمار هذه البنية المقاصدية التي يمكن أن تسهم في بناء مفهوم السياق كمفهوم ممتد؛ إذ لابد وأن تراعي عناصر الأولوية بما تؤصل معاني التمايز في دائرة الأحكام الجزئية التي ترتبط بثلاث دوائر أساسية تشكل دوائر أولوية تحرك في ذهن الفقيه سياقات تتعلق بذلك التفكير الأولوي، وأنه في بنية منظومة الأحكام الجزئية وعلاقاتها بفقه السياقات الكلية، ووصل كل من هذا وذاك بسياقات الواقع والوقائع، واندراج كل ذلك ضمن بنية كلية حضارية للنهوض الحضاري؛ وهو أمر يتعلق بـ:

1. السياقات المتعلقة بأولويات الضروري، ذلك أن سياقات الضرورة بحكم قواعدها الكلية التي تحكمها يمكن أن تستدعي ومن أقرب طريق الأحكام الجزئية التي تتعلق بمجال الضرورة، فضلا عن الأحوال الكلية التى تتعلق بفقه الضرورة.

2. الدائرة التي تتعلق بالحاجات والسياقات المتعلقة بها؛ سواء تعلق الأمر بالسياق الحكمي الفقهي وما يفترضه ذلك من استدعاء العمليات الاجتهادية وعلى رأسها الأدلة التي تستند إليها، أو فقه الواقع والتنزيل المتعلق بدائرة “الحاجي الحضاري” ضمن عملية الوصل لدائرتي الحكم الفقهي من جانب والأحكام المتعلقة بالواقع من جانب آخر، والعملية الواصلة التي تفترض توقيع الأحكام على ذلك الواقع ضمن عمليات التنزيل هذه العمليات جميعا لا تنفك عن حال الاجتهاد الفقهي، وكذا الاجتهاد المتعلق بأصول الفقه الحضاري المتعلق بقدرات وفاعليات النهوض الحضاري والسياقات المختلفة المتعلقة به وبامتداداته المختلفة.

3. دائرة السياق التحسيني الذي يؤكد على دائرة ثالثة تتعلق بسياقات حكمية فقهية وسياقات حضارية كلية، وهو يحرك ذلك الاجتهاد ضمن عمليات متوالية في تحقيق أصول لا يمكن إغفالها تتعلق بمتوالية الإحسان الحضاري.

إن النموذج المقاصدي يعتبر وبحق أحد أهم محاضن علم الأولويات، معتمدا عليه في سياق تكوين الرؤية المقاصدية التي قامت على أساس من التوصيف والتصنيف والترتيب، بحيث ارتبطت هذه الحلقات الثلاث في نسق توظيف عام يقوم على تفعيل وتشغيل هذه الوحدات بما يستصحب فقه الأولويات عند كل عملية إذا ما أريد التسكين أو التقويم، يبرز ذلك في التحديد المجالي وفقا لقواعد ترتيب، وطبيعة الأفعال وتوصيفها وفقا لقواعد المراتب التي تنتمي إلى دائرة الضروري فالحاجي فالتحسيني.

وعلى هذا فإن النموذج المقاصدي وباعتبار إمكانياته وفعالياته وقدراته، قادر على العطاء ضمن مجالات متجددة، خاصة إذا ما ربطنا بين ذلك النموذج وتأسيس “علم للأولويات” يفترض أن يتعامل مع القضايا المختلفة على مستويات عديدة، فيتعامل به على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأسر والجماعات والشعوب والأمم، فإذا ما استطعنا أن ندخل في ثقافة الفرد في “إدراك الأولويات” بالنسبة له، ومنهجية تحديدها فذلك قد يعود على الفرد بانتظام حياته ما دام حيا..”.

ومع تفحص النظر في هذه الإشكالية التي تبدو واضحة عند تحريك “نسق الأوليات” نظريا، في إطار ارتباطه بالواقع، بما يشمله من عناصر متعددة ومتشابكة فإنه يمكن ملاحظة “أولوية وزن” وأولية “تصاعد وترتيب”، و”أولوية وقت” من حيث الحدوث، و”أولوية مقدمات”، وأولية “وسائل وأدوات” لبلوغ المقصود، وأولوية تدريج في إطار عمليات المواءمة والمناسبة.

3. سياق الحفظ16 

أما الأمر الثالث فإنه يتعلق بسياق الحفظ بما يتضمنه من سياقات تتعلق بحفظ المجالات الخمسة وحفظ الأولويات الثلاث وحفظ السياقات التي تتعلق بالأحكام بكل مجال من تلك المجالات، وكل عملية من العمليات وكل الحادثات التي تشكل الواقع المحيط بكثير مما يحدث في حياة الفرد والأمة على حد سواء.

هذا الحفظ الكلي إنما يجب أن يمثل أصول كلية لابد وأن تكون حاضرة في ذهن وإدراك وتصور المجتهد؛ سواء اجتهد ضمن سياقات الأحكام الجزئية وعمليات حفظها ما تعلق منها بإطار المفاسد أو المصالح ضمن هذه السياقات التي يشكل فيها سياق الحفظ الخيط الناظم للحفاظ على هذه المجالات الحضارية للأحكام الجزئية والأحكام الحضارية الكلية (سياقات الحفظ السلبي والإيجابي) (سياقات حفظ الوعي والعلم والممارسة والفعل، والحماية والرعاية وسياقات مراعاته في حق الغير) (سياقات حفظ الابتداء، وحفظ البقاء، وحفظ الأداء، وحفظ البناء، وحفظ الارتقاء، والنماء وفي بعض الأمور ما يتعلق بحفظ الانتهاء).

الحفظ هنا ليس مجرد الحفظ على المستوى الحركي أو الممارسة ولكن هو حفظ يتمتع بتداخل جملة العناصر المختلفة، بحيث تتضافر جميعا لتمثل جوهر عملية الحفظ في كلياتها وشمولها وكامل رعايتها، هده العناصر تتمثل في:

1. الحفظ بالعلم والوعي المتعلق به: الحفظ هنا حالة متغيرة ومتبدلة ومتجددة في الوسائل والأدوات والأساليب والآليات، ثابتة المقاصد والغايات وفق عناصر الأسباب وتكافلها، وشروط تحريكها وتفاعلها.

2. الحفظ بالممارسة بمقتضى العلم: إن عناصر الربط بين العلم النافع والعمل الصالح، ليعبر عن حركة حياتية مستمرة قائمة على التواؤم والتفاعل، إن العلم بلا عمل ليس إلا عطالة حضارية، بكيفية بشقشقة الكلام لا عمق الأفعال الحضارية، وإن العمل بلا علم يسبقه، هو حركة محفوفة بالمخاطر، وغالبا بكل عناصر الضرر الحضاري؛ لأن العمل وفق هذه القواعد غير مأمون يقوم على عناصر التقليد القاتل، أو العمل الأجوف، أو من يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أو هؤلاء الذين غرتهم الأماني.. وغير ذلك كل تلك العناصر تحقق فاعليات العلم وفاعليات الحركة في آن واحد.

3. الحفظ بالحماية والدفاع: إن العلم كمقدمة، وجوهر الوعي الإنساني بفاعليات الحضارية، لابد أن يقترن بالعمل كمدرسة دائمة تقوم على التدريب، بحيث تصب في عناصر الوعي الذاتي والحركي في مداولة مستمرة لا تعرف الكلل، ﴿خلق الاِنسان في كبد﴾، ﴿يأيها الاِنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه..﴾، حفظ العلم وحفظ العمل لا يعني بحال أن تعرف وتعي وتمارس وتفعل، فإن عناصر الابتلاء الحضاري والتي تؤكد حدة الوعي وصلاحية العمل إنما تأتى من عناصر تحيط بالبيئة الحضارية تجعل من المعادلات الحضارية حالة من حالات الكدح الحضاري المتواصل حتى يلاقي المقصد النهائي ويحقق الغاية الكبرى. الابتلاء والفتنة اختبارات لابد من أن تقترن بالإيمان… حلقات غاية في الأهمية تربط عناصر الكدح الحضاري بمعنى أكثر اتساعا للممارسة والعمل والفعل حينما تكون البيئة مواتية أو مناسبة للفعل والنشاط الحضاري؛ إنها عملية تتطلب تدخلا إنسانيا وإرادة بشرية تجعل الوعي والعلم من خلاله حركة بشرية فاعلة تعي الموانع وتتعرف على القدرات الدافعة. عملية جهادية واجتهادية لا تنفك عن وعي الإنسان وعمله، مما يتصور معه أنه من الضروري للعمل البنائي أو أي حركة إيجابية، من وجود الدوافع والروافع، والانتصار على العوائق والموانع؛ إنها حركة واعية تتطلب فقها ووعيا وعملا صالحا، يختلف في أشكاله وفقا لسنة التدافع الأبدي بين من يهتك عناصر الحفظ ومقتضى العمارة ومقصود التوحيد، وبين من يحافظ عليها ويحميها ويدافع عنها،  في إطار تهيئة الوسط لأقصى درجات الفاعلية في العملية التي تخص تشييد البنيان الحضاري وتعميق جذوره في الأرض، حتى يؤدي ثماره الحضارية كل حين.

الحفظ هنا مستوى ثالث غاية في الأهمية يشير إلى وعي مخصوص وعمل مخصوص، يصب في النهاية في دائرة دفع الضرر؛ ربما الأمن في الفعل أو الخارج عنه ولأنه مؤثر عليه، “حفظ الدفاع والحماية”.

والحفظ أيضا يكون بمراعاة حق الغير، الحفظ هنا ليس عملية أنانية أو استثنائية، بل هو عملية عمرانية استخلافية، تجعل جزءا لا يتجزأ من نسقها المعرفي وبنيتها الفكرية ومقصدها في الفعل والحركة “الغير” و “الآخر” والذي قد يتصور البعض أن عناصر الحفظ تنصرف إلى الذات أو الذرة الفردية، من دون أن ينصرف ذلك إلى الغير والآخر في جملة العلاقات الحضارية المتنوعة والممتدة.

والوعي بالكيانية الجماعية عملية في غاية الأهمية لعناصر الفعل والفاعلية الحضارية: ﴿من قتل نفسا بغير نفس اَو فساد في الاَرض فكأنما قتل الناس جميعا..﴾.. إنها عناصر العمارة في حق النفس والغير بما يحقق ضرورة الحفظ في نطاق مراعاة حق الغير وحق الآخر.

واجبات أربع تعبر عن مقتضى الحفظ بكل آلياته وقدراته وإمكاناته، هذا الحفظ لا يمكن أن يحدث ضمن هده المجالات المختلفة إلا في ظل عملية اجتهادية متعددة الجوانب متفاعلة المستويات.

إذن كان ما سبق هو إطار فهم المنهج المقاصدي:

ـ في المجالات الحضارية: (الدين، النفس، النسل، العقل، المال).

ـ وفي مستوياتها: الفكر، والنظم، والحركة.

ـ وفي مقصودها: دفع الضرر وجلب المنفعة.

ـ وفي تفاعلات عوالمها: عالم الأفكار والأشخاص والنظم والرموز والأشياء والأحداث..

ـ وفي أطر الحفظ المضافة إلى تلك المجالات الحضارية لتشير إلى جملة من الرؤى والمواقف والأفعال ما بين هده المستويات جميعا: حفظ الوعي والعلم، حفظ الفعل والممارسة، حفظ الدفاع والحماية، حفظ المراعاة لحق الغير والآخر.

والحفظ يتنوع حينما يرتبط بالأداء؛ فهناك حفظ ابتداء وكينونة، وكذلك حفظ بناء (وسائل و مؤسسات)، وحفظ بقاء واستمرار بما يضمن الاستمرار في إطار حفظ النماء وحفظ الارتقاء، ويحيط بذلك جميعه حفظ الأداء الذي يتعرف على ضرورات مستويات الحفظ المختلفة.

4. سياق الموازين17 

كما أن على المجتهد أن يراعي ضمن العمليات الاجتهادية التي تقوم عليها السياقات التي تتعلق بالموازين، سواء تلك الموازين التي ترتبط بالمصالح والموازين التي تتعلق بالمفاسد (أو الموازين المتعلقة بالمنفعة والضرر). هذه السياقات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغفلها المجتهد في إطار إصدار اجتهاده وحكمه عن تلك الموازين بما تشكله من منظومات المصلحة ومنظومات الضرر.

هذه الموازين التي يمكن رؤيتها ضمن ذلك الجدول المقترح وإمكاناته في التطبيق لما يتعلق بالفتاوى المختلفة سواء تعلق الأمر بفتاوى الأفراد والأعيان أو تلك الفتاوى الغالبة والأعم التى تتعلق بالأمة وتحدياتها الحضارية المختلفة.

إن هذه الموازين التي تتعلق بالمصالح والمفاسد اقترانا ومقارنة، إنما يعبر عن مدخل منهاجي تعتبر تلك السياقات التي تتعلق بالمفاسد والمصالح والوقوف على الشروط التي من خلالها يمكن تكييف الفعل جزئيا كان أم حضاريا كليا.

ميزان المصالح وحقائق السياق

حينما نتحدث ضمن هذا السياق عند الإشارة إلى خصائص الشرعة، نقول إن المصلحة والمصالح فكرة بنيانية ضمن نسق الشريعة، لأن البعض تحدث عن فكرة المصلحة باستحياء شديد، ظنا منهم أن هذه الفكرة مما يسوغ به قاعدة ليست من النظام المعرفي الإسلامي، وهي أن “الغاية تبرر الوسيلة”، وواقع الأمر أن هذا التفكير قد تكون له دوافعه كما أن له مبرراته، والتي تتراوح بين سوء استخدام مفهوم المصالح، وبين سوء الحركة والعمل وفقا لمبدأ المصلحة، وهي أمور لاشك ضيعت المفهوم نظرا وتطبيقا ضمن سياقات الأنانية وغطرسة ومعادلات القوة.

إلا أن المصلحة ليست فقط سمة بنيانية في نسق الشريعة، ولكنها فكرة مضبوطة لا يطاولها الغموض الذي تتسم به الفكرة الوضعية في المصلحة (المصالح الفردية– الصالح العام– المصلحة الكلية للأمة)، فهذه الأفكار على أهميتها لم تول الاهتمام الكافي في التأصيل والوضوح والضبط، وأهم عناصر ضبطها يتأتى من ضرورة ربط فكرة المصلحة بأصول فكرة الإصلاح من جانب، وبينها وبين فكرة الصلاحية من جانب ثان، والأمران يحققان أصول الاعتبار المنضبط لحقيقة المصلحة؛ فتحقق الإصلاح من ناحية وتفعل في النظر والتطبيق فكرة صلاحية الشرعية في الزمان والمكان والإنسان على اختلافهم جميعا.

ومن هنا فإذا قلنا إن الشاطبي قد استطاع أن يؤلف بين عناصر المقاصد مشيرا إلى إمكانات تنظيرية ومنهجية عالية القيمة والدقة والوضوح والانضباط والتنظيم، فإن جهد العز بن عبد السلام ضمن كتابه القيم “قواعد الأحكام في مصالح الأنام” فضلا عن جملة من التنويعات لابن تيمية وابن القيم والغزالي والجويني والآمدي وغيرهم إنما يشير ومن غير مبالغة إلى إمكانات تأصيل “المصلحة” كبناء منهج قابل للتطبيق والتفعيل ضمن عمليات بحثية، وفي مختلف المجالات المعرفية.

إن فكرة المصلحة في تعانقها الحيوي وتفاعلها الجوهري مع فكرة المقاصد (مدخل التفكير المقاصدي)، إنما تحققان فاعليات تأصيلية وتنظيرية ومنهجية وبحثية شديدة القيمة، إذا ما أخذ الموضوع محمل الجد والجدية.

وهي في التحليل الأخير تشكل مفهوم منظومة “المصلحة والإصلاح والصلاحية”، والمصلحة والمقاصد كمنظومتين حاكمتين لأفكار مثل العرف العادة– الاستحسان– الضرورة، وفي سياق المجالات المعرفية المتواصلة والمتساندة؛ القانون– السياسية– الاقتصاد– الاجتماع…

وخلاصة الأمر أنه يلزم للاعتداد بالمصلحة رجحان وقوعها مقصدا كليا من خلال وسيلة من الوسائل الثلاث لإحرازها (الضروريات والحاجيات والتحسينيات)، ثم تندرج بعد ذلك درجة شمولها وسعة فائدتها، فعلى ضوء هذا الترتيب تصنف عند التعارض ويرجح البعض منها على الآخر.

ويبين الجدول التالي سلم المصالح والمفاسد وفق الرؤية الإسلامية:

ويشير الجدول السابق إلى ميزان المصالح والمفاسد، والإمكانيات المنهاجية لمقياس التصاعد في سلم المصالح، حيث يتضمن من خلال تحديد مقاصد الشرعية وبيان وسائلها وتدرجها، والتمييز بين توابعها من أصلي ومكمل لها، وتتبع أثرها ومآلها من حيث شمولها (شامل/جزئي)، ومن حيث عمومها (الجماعة-الفرد)، ومن حيث آثارها الحالة الناجزة، وآثارها المؤجلة التي مكن بلوغها فيما بعد. كل ذلك يمكن أن يوصلنا إلى (480) حالة قياسية، بحيث يمكن إدراك جزئيات الواقع والحادثات المتجددة وفق الوصف الشرعي السليم والمقارنة والترجيح فيما بينها في حالة التعارض، بحيث يمكن الخروج بنتائج أكثر انضباطا، بفضل ضبط مفهوم المصلحة وكذلك المفسدة وماصدقاتهما، وضبط ميزان المصالح والمفاسد على أساس من قواعد مقررة ومنضبطة بدورها يمكن على أساسها الترجيح.

بل يمكن إذا اعتبرنا أن جلب المصلحة ودرء المفاسد يقترنان بمجالات ثلاث (العقيدة والفكر– والنظم والوسائل– والحركة والممارسة) وفق ترتيب معين فيما بينها، أن يطور هذا المقياس بحيث يتضمن (1440) حالة قياسية تعكس إمكانات هذا المقياس في تحقيق عملية الضبط بعيدا عن الأهواء والرغبات.

فضلا عن ذلك فإن مراجعة نظرية الضرر فى هذا المقام مما يكمل الرؤية لسياقات الموازين.

غاية الأمر أن للضرر قواعد كلية تحكم التعامل معه بحيث تشكل هذه القواعد سياقا منهجيا منضبطا فى إطار منظومي من مثل:  لا ضرر ولا ضرار، الضرر يزال، الضرر لا يزال بالضرر، ارتكاب أخف الضررين.

5. سياق المناط18 

وهو أمر يتعلق بسياقات المناط التي تكون رؤية مجردة للتعامل مع الواقع وتحديد مناطاته (تخريجا وتحقيقا وتنقيحا) وغير ذلك من أمور تتعلق بالبحث في المناطات وأصول اعتبارها ومراعاتها بما يصل بين المقاصد الكلية العامة للشريعة من جانب ومقاصد المكلف من جانب أخر بما يحدث الاندراج الصائب، والربط بين تصورات منهاجية تتعلق بمناهج النظر والتناول والتعامل مع ذلك الواقع. المناطات بما تشكله من فكرة ناظمة للانتقال من الكلي إلى الجزئي وعمليات التسكين والاندراج، إنما تشكل ذلك الناظم بن الكلي والجزئي بين الحكم الشرعي الجزئي وأصول الفقه الحضاري.

هذا الأمر سوف يؤدى إلى الكشف عن المسائل التي تتعلق بالغفلة عن المناط، ذلك أن الغفلة عن المناط والتعامل معه يمكن أن يؤدى إلي إشكالات خطيرة، وهو ما يوقعنا إما في المشقة وإما في الفساد.. وهذان أمران من الضروري التوقف عندهما لأن ذلك في حقيقة الأمر تضييع لأصل الشريعة في مراعاة المصالح واعتبار المقاصد.

ثلاثية الحكم والمناط والمنهج

ونظرية الشاطبي في المناطات هي تمديد لما استقر في أصول الفقه بعامة فيما يتعلق بالنظرية الأكبر؛ ألا وهي نظرية “الحكم الشرعي” الذي تدور حوله الجهود الفقهية وهو قبلتها ومرامها. وهذه النظرية تفترض ثلاثة مستويات لتحقيق “الحكم الشرعي الجزئي” من الإثبات إلى التعيين إلى التطبيق أو التنزيل، توازيها ثلاثة خطوات منهجية تتعلق بالمناط. وهذه المستويات الثلاث وهذه الخطوات المناطية –ضمن نظرية الحكم-تستتبع ثلاثة عمليات منهجية أساسية؛ هي: النظر، والتناول، والتعامل، ولكل من هذه العمليات وتلك المستويات سياقاتها التي ينبغي الوعي بها واعتبارها.

6. سياقات الواقع بين ضرورات فقه الواقع وعناصر وصفه والتعامل معه19 

حينما نتحدث عن الواقع فإننا نتحدث بشكل مباشر عن فكرة السياق الواقعي. الواقع حينما يحيط بالواقعة. والواقعة حينما لا يمكن رؤيتها إلا في سياقات الواقع كل ذلك ضمن إطار يجعل من ترجمة المناطات باعتبارها تسكين الواقعة ضمن الكلي الذي يحكمها، إنما يرتبط لزوما بعد ذلك بالقدرات والإمكانات لوصف ذلك الواقع والتعامل معه وفق أصول كلية تتعلق بعناصر ذلك الواقع (السياق النوعي، السياق الإنساني، السياق المكاني، السياق الزماني)، فضلا عن السياقات البينية التي تربط بين هذه السياقات جميعا لتؤسس رؤية مكتملة إلى الواقع لابد وأن تؤثر بدورها على رؤية الأحكام الجزئية ضمن سياقات الواقعية، وكذلك الأحكام الكلية ضمن سياقاتها الحضارية.

وضمن سياق فقه الواقع فإن الأمر-وكما أشرنا آنفا إلى تعريف الواقع وشموله-هذه الامتدادات الزمنية والمكانية الإنسانية، والمستويات المختلفة الفردية والجماعية بكل تكويناتها الحضارية، والداخل والخارج بفعل التداخل الشديد بحكم عناصر ثورة الاتصال وثورة المعلومات، كل ذلك يجعل من الضروري التعرف على عمليات مهمة في فقه الواقع:

ـ فقه الحال: الذي يحرك عناصر التعامل مع الواقع المعاش لاعتبارات تفرضها عناصر الزمان والمكان؛ إذ إن سيولة المشاكل الدولية، وتأثيرها على أنحاء المعمورة لا يمكن أن يتحقق الدور الفاعل بصددها إلا من خلال فقه الحال، ولا يؤخر البيان فيه عن وقت الحاجة، كما يعتبر من فروض الوقت التي يجب جعلها ضمن قمة سلم الأولويات البحثية كمقدمات لوعي المواقف ووعي الوسائل والآليات.

ـ فقه المجال: باعتباره الوسط المتشابك في إطار تصور التفاعل بين الداخل والخارج وتفاعل دوائر الواقع المختلفة.

ـ فقه المآل: فإن اعتبار المآل من المقصودات الشرعية والتي تحك التفكير والتدبر والتخطيط لعناصر الفعل الحضاري، والواقع هنا ليس تعاملا عفويا، بل هو جملة من الأفعال الحضارية يترتب عليها آثارا ونتائج، وفقه المآل هو أولى خطوات التفكير المستقبلي ويحرك عناصر التدبر في التعرف على عواقب الأمور وعاقبتها.

7. سياق المآلات20

إن دراسة المناطات المتعلقة بالحكم الجزئي من ناحية والمتعلقة بالواقع من ناحية أخرى، والسياق الذي يتعلق بفقه الواقع وصفا وتحريكا إنما يتعلق بعناصر غاية في الأهمية ترتبط بما يمكن تسميته بالسياقات المآلية؛ سياق المآل يعني ضمن ما يعني البحث في النتائج والأثار المترتبة على الفعل كذلك المستشرفة لجملة من الأفعال يصار إليها بالقصد لبناء موقف مستقبلي يدخل في سياقات علوم التدبير.

إن السياقات المآلية هي التي تجعل من المجتهد حاضرا ليس فقط بعد تقرير الحكم الشرعي الجزئي أو الكلي ولكن يجعل من ذلك مقدمات أساسية يترتب عليها تفكير مآلي خشية أن يتبع المكلف في الحرج أو في المفسدة، وغاية هذا السياق المآلي أن يظل حاضرا ضمن اعتبارات المجتهد في نظره الاجتهادي ضمن عملية اجتهادية مستمرة وممتدة تفضي بالضرورة إلى البحث في الأمور التي تتعلق بامكانات عمليات التنزيل والتأثير والتدبير والتغيير والتمكين. كما أنها تشير على المجتهد إلى ضرورة تأسيس علوم مستقبلية تشكل ركنا أساسيا وأصلا مكينا ضمن أصول الفقه الحضاري وتفعيل الفقه السنني.

عمليات لا يمكننا إغفالها ضمن استمرارية الاجتهاد في سياقات اعتبار المآل ضمن سياقات الحكم الشرعي الجزئي وسياقات الفقه الحضاري.

8. سياق الوسائل21 

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكتمل النظرية السياقية وفق مدخل المقاصد إلا بذلك الارتباط الحميمي بين المقاصد والوسائل.

الوسائل بما هي وبما تشكله من سياق (الآليات، والأدوات، والإجراءات، والمؤسسات؛ كل هذه الأمور تقع في دائرة الاهتمام الوسائلي الذي يجب أن يكون بارزا في عقلية المجتهد واعتباره ومراعاته. إن الأحكام الجزئية والكلية إنما ترتبط بأصول المقاصد العامة والواصلة بين تلك الأحكام والمقاصد؛ فضلا عن تفعيلها وتشغيلها.. لا يكون إلا في سياق إعمال الوسائل والقواعد المتعلقة بها لتمكين تلك الأحكام جزئية كانت أم كلية في إطار سياقات الواقع الجزئي أو سياقات الفقه الحضاري.

لا يمكن تصور العلاقة بين المقاصد والوسائل إلا عبر فقه السياق، ذلك أن فقه الوسائل يرتبط من ناحية بالمقاصد المعتبرة التي تعد من مقدمات الواجب، والتي لا يتم الواجب إلا بها، كما أن فقه الوسائل فرع مهم على فقه الواقع بكليته وشموله. وإذا كان فقه المقاصد قد أهمل في التأليف والتوظيف، فإن فقه الوسائل الذي ارتبط بها غفل عنه على أهميته. ذلك أن هذا الفقه مما يحتاج إلى مزيد من بذل جهد واجتهاد يتحرك صوب فهم المقاصد وحسب ربطها بوسائلها في إطار واقع يتناسب مع الوسيلة، تكون فيه أكثر فعالية.

والنظر الأصولي والاجتهاد الفقهي المتعلق بالصياغات الوسائلية لا يتعلق بمباحث الآلات والأدوات، بل من حيث مباشرة المكلف لهذه الوسائل، واستخدامه لها. وهي بهذا النظر راجعة إلى أفعال المكلفين وحكم الشارع فيها. ومن هنا وجب تناول مقاصد الوسائل ذاتها، كما أن المقاصد والوسائل قد تدخلها الاعتبارية والنسبية؛ بمعنى أن الشيء قد يكون من المقاصد باعتبار، ومن الوسائل باعتبار آخر. وتتجلى أهمية الوسائل من وجوه أهمها:

ـ الارتباط الشرعي والكوني بين المقاصد والوسائل، فمن سنة الله تعالى أن المقاصد لا تحصل إلا بالوسائل، والغايات لا تتحقق إلا بأسباب، فلما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها… كما يؤكد ابن القيم، وقد استقر هذا الترابط بينهما من الفطر السليمة والعقول المستقيمة وقام عليه أمر الدنيا، حتى عدت الرغبة في حصول الشيء دون مباشرة وسائله ضربا من العبث فلم يشرع للعباد.. ترك الأسباب. بل أمرهم بمباشرتها، وملاحظة الوسائل، والانسجام مع السنة الإلهية في ارتباط المقاصد بالوسائل، والنتائج بالمقدمات.

ـ حاجة الناس العامة إلى الوسائل: ذلك أن الله تعالى خلق الإنسان وركب فيه معنيين يدفعانه إلى ملاحظة المقاصد، ومباشرة الوسائل، وهما الإرادة والعمل، فالإنسان يتقلب بين العمل والإرادة، فيريد الشيء ويقصده، ثم يعمل ويسعى في طلبه، وذلك بمباشرة الوسائل الموصلة إليه. ومن المهم النظر في الوسائل وفي نتائجها وآثارها، ومن حيث كونها طريقا إلى المصالح أو المفاسد. ويرتبط بذلك النظر في مآلات الأفعال وباليقين منها الوسائل “فالمجتهد نائب عن الشرع في الحكم على أفعال المكلفين، وقد تقدم أن الشارع قاصد للمسببات من الأسباب، وإذا ثبت ذلك لم يكن للمجتهد بد من اعتباره المسبب وهو مآل السبب….”، والنظر في مآلات الأفعال على ما يقول الشاطبي: “مجال للمجتهد، صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق، محمود الغب (العاقبة)، جار على مقاصد الشريعة….”22.

فكان فقه الوسائل والموازنة بينها وبين المقاصد، من الأمور المهم الواجب التصدي لها، وهي ضمن قضايا كثيرة ترتبط بالأمة وبلوغ مقاصدها، ذلك أن الجهل بها يؤدي إلى تطرق الخلل ووقوع الاضطراب. وواقع الخلل والفساد ينشأ من جهة مقاصد الناس وغاياتهم أو من جهة أعمالهم التي يتوسلون بها بلوغا لمقاصدها. يقول ابن القيم: “… فإن فساد القصد يتعلق بالغايات والوسائل، فمن طلب غاية منقطعة مضمحلة فانية، وتوسل إليها بأنواع الوسائل الموصلة إليها كان كلا نوعي مقصده فاسداً.. وكذلك من طلب الغاية العليا والمطلب الأسمى، ولكن لم يتوسل إليه بالوسيلة الموصلة له وإليه، بل توسل إليها بوسيلة ظنها موصلة إليه، وهي من أعظم القواطع عنه، فحاله أيضا كحال هذا وكلاهما فاسد القصد، لا شفاء من هذا المرض إلا بدواء (إياك نعبد وإياك نستعين)”23.

والواقع أن ضعف الإدراك لقواعد الوسائل وأحكامها –لدى بعض الأمة– أدى إلى خلل كبير، وخلف أثاراً سيئة في حياة الأمة.

خاتمة وفاتحة

غاية الأمر في هذا الموضوع أننا في حاجة إلى مجتهد من نوع مختلف، مجتهد قادر على إحداث فقه عميق بالنظر الجزئي، وفقه دقيق بالنظر الحضاري، وفقه منظم يتعلق بالنظر المنهاجي ينتظم فيه عناصر الفعل الجزئي بالفعل الحضاري بكليات في أصول الفقه الحضاري الذي يؤصل نماذج معرفية تصوغ عقل المجتهد بما يتناسب مع ذلك المعمار الناظم، وتعقد المشكلات وتركيبها وتوافقها على بعضها البعض.

إن هذا الأمر يرتبط بفقه يتعلق بالتحديات التي تتعلق بالأفراد والتحديات التي تتعلق بالأمم والحضارات، وهو في هذا الأمر يصل بين هذا وذاك ضمن عمليات تربوية وثقافية وتعليمية وتدريبية متكافلة ومتفاعلة.

هذا يشكل منهج نظر وتناول وتعامل تتصل مضامينه كما تتواصل مع مراميه ومقاصده.

وكأننا بذلك يمكن أن نخرج من أسر السياق الأصغر إلى السياق الأكبر ضمن منظومة سياقية تحاول أن تحرك هذه الكليات لتتواصل مع بعضها البعض كذلك لتتناغم تلك الجزئيات في اندراجها الجميل والرصين ضمن هذه الكليات.

هذه المسألة إنما تشكل ليس فقط أهمية إضافية لمعالجة فكرة السياق الأكبر على النحو الممتد والمنفتح والمنتظم والمتواصل، ولكن أيضا نعطي لفكرة السياق حجية أعلى وأجل تجعل من المجتهد والاجتهاد عملية عميقة تجمع بين المنظور الاجتهادي الفقهي والمنظور الحضاي الكلي.

هذا الجمع إنما يشكل إطارا منهاجيا يجب أن يتحول إلى سياقات تعليمية وتدريبية وتربوية، تشكل المصداقية والأهمية والتعاضدية والتكاملية ما بين الأطر المنهجية التي يمكن أن تشكل بدورها أصلا فعالا فى العملية الاجتهادية؛ سواء كانت ضمن الأحكام الجزئية أو الأحكام الحضارية الكلية. ومن أهمها:

ـ السياق الافتراضي المتعلق بالأمثال (حديث السفينة)24.

ـ السياق السنني المتعلق بحركة التاريخ وتحريك الفعل الحضاري المتراكم والمستقبلي25.

ـ سياقات مفاهيمية كلية،وضرورة البحث فى المفاهيم الحضارية الكلية26.

ـ السياقات المتعلقة بتحليل الخطاب والنص الحضارى الحافز لنهوض الأمة27.

   هذه كلها عمليات منهاجية إذا ما وضعها المجتهد نصب عينيه جعلت من فكرة السياق إطارا رحبا وأفقا منفتحا يمارس فيه المجتهد كافة إمكاناته ومختلف فاعلياته.

هذا هو الذي يجعلنا  نعتبر هذه الخاتمة ليست إلا مجرد فاتحة لعمليات بحثية ومنهجية ممتدة ضمن مشروع بحثي متراكم.

الهوامش


1.  انظر معاجم اللغة مادة سوق (لسان العرب، المعجم الوسيط).

2. عبد الوهاب أبو صفية الحارثي، دلالة السياق: منهج مأمون لدراسة القرآن الكريم، (عمان: المؤلف، 1989).

3. المرجع السابق، ص: 89 وما بعدها. قارن: فان دايك، النص والسياق: استقصاء البحث في الخطاب الدلالي والتداولي، ترجمة: عبد القادر قنيني، (بيروت: أفريقيا الشرق، 2000).

4. انظر في أصول الفقه الحضاري وتعلقه بتأصيل المنظور الحضاري: د. علي جمعة، سيف الدين عبد الفتاح في أصول الفقه الحضاري، ورقة مقدمة لخطة بحثية، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1994.

انظر أيضا: د. علي جمعة محمد، علم أصول الفقه وعلاقته بالفلسفة الإسلامية، القاهرة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة أبحاث علمية (9)، 1996، ص: 32، وما بعدها.

كذلك انظر في علوم الأمة وعلوم العمران في: إسماعيل راجي الفاروقي، صياغة العلوم الاجتماعية صياغة إسلامية، مجلة المسلم المعاصر، العدد 20، أكتوبر-ديسمبر 1979، ص: 35، ص: 25-41.

5. تراكمت في الآونة الأخيرة اهتمامات متنوعة بالمقاصد الكلية العامة للشريعة سواء في فهمها أو التفصيل أو التوظيف انظر هذه الجهود في الدليل الإرشادي إلى مقاصد الشريعة (كتب-رسائل-أبحاث)، صنعه وقدم له: أ.د. محمد كمال الدين إمام، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي-مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، 2007، انظر أيضا: د. سيف الدين عبد الفتاح، دراسة الظاهرة السياسية من منظور إسلامي (النموذج المقاصدي: حالة بحثية)؛ بحث مقدم إلى الندوة المصرية-الفرنسية التاسعة: “العلوم السياسية والاجتماعية: الآفاق والتوقعات”، (القاهرة: 19-21 فبراير 2000)، وكذلك انظر د. سيف الدين عبد الفتاح، المدخل المقاصدي وفقه الواقع، في بحوث ومناقشات الندوة الدولية الافتتاحية لمركز الأمير عبد المحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية بعنوان (نحو فقه سديد لواقع أمتنا المعاصر)، الشارقة، أكتوبر 2002م/شعبان 1423ﻫ. بالإضافة إلى-عبد المجيد النجار، المقتضيات المنهجية لتطبيق الشريعة في الواقع الإسلامي الراهن، حركة الشباب الإسلامي بماليزيا، الطبعة الأولى 1992، ص: 23 وما بعدها، انظر عمل الشاطبي في تصنيف المقاصد: أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت: دار المعرفة مصر المكتبة التجارية الكبرى، د. ت ج1 ص: 30 وما بعدها الجزء الثاني الخاص بالمقاصد.

6. انظر في معنى كلمة الأصل ورجوعها إلى أصل “الوصل” في: الشيخ سعد بن ناصر الشتري، التفريق بين الفروع والأصول، الرياض: دار المسلم، 1417ﻫ ص: 26 وقد قال الطوفي أن الوصل من معاني الأصل.

7. ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3، ص: 1، وقد صدر الإمام ابن القيم الفصل النفيس المسمى “في تغير الفتوى واختلافها…”…فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد: وهى عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها…”.

8. انظر في أصول الفقه الحضاري وتعلقه بتأصيل المنظور الحضاري: د. علي جمعة، سيف الدين عبد الفتاح في أصول الفقه الحضاري، مرجع سابق.

9. عبد المجيد النجار، في فقه التدين، (قطر: رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، سلسلة كتاب الأمة، الطبعة الأولى، الجزء الأول، سبتمبر 1989). وكذلك انظر عبد المجيد النجار، في فقه التدين، (قطر: رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، سلسلة كتاب الأمة، الطبعة الأولى، الجزء الثاني، ديسمبر 1989).

10. أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، مرجع سابق، ص: 30 وما بعدها، وكذلك انظر محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تونس: الشركة التونسية للتوزيع، 1978، ص: 6-7.

11. سيف الدين عبد الفتاح، حول المنهاجية الإسلامية: مقدمات وتطبيقات في د. نادية مصطفى، سيف الدين عبد الفتاح (إعداد وإشراف)، دورة المنهاجية الإسلامية في العلوم الاجتماعية حقل العلوم  السياسية نموذجا، سلسلة المنهجية الإسلامية (18)، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2000.

12. مقولة ابن القيم “والحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ودلائل الحال ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية كجزئيات وكليات الأحكام، أضاع حقوقاً كثيرة على أصحابها وحكم بما يعلم الناس بطلانه ولا يشكون فيه اعتاداً منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وسائر أحواله، فهنا نوعان من الفقه لا بد للحاكم منهما فقه في أحكام الحوادث الكلية وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفاً للواقع.ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالاتها وأنها لغاية مصالح العباد، في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يفصل بين الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، وعرف أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها، ووضعها مواضعها، وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة، فإن السياسة نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر بعين الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها”.

انظر هذا النص النفيس في: ابن القيم، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق: د. محمد جميل غازي، مكتبة الإيمان، 1985، مقدمة ابن القيم.

13. الطاهر بن عاشور، مرجع سابق، ص: 7 وما بعدها، ص: 15-18.

14. يوسف حامد العالم، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، واشنطن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1991.

15. انظر في التفكير بقضية الأولويات تلك المقدمة الضافية: د. طه جابر العلواني (المقدمة) في: محمد الوكيلي، فقه الأولويات: دراسة في الضوابط، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، 1996، ص (ر) المقدمة. وكذلك انظر الدراسة الضافية ذاتها والتى كانت في الأصل رسالة للدكتوراه.

16. انظر د. سيف الدين عبد الفتاح، المدخل المقاصدي وفقه الواقع، في بحوث ومناقشات الندوة الدولية الافتتاحية لمركز الأمير عبد المحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية بعنوان (نحو فقه سديد لواقع أمتنا المعاصر)، مرجع سابق.

17. انظر مصطفى أحمد الزرقا، الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة الإسلامية وأصول فقهها: دراسة مقارنة، دمشق: دار القلم 1988، ص35 وما بعدها، وكذلك انظر محمد سعيد رمضان البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية بيروت: مؤسسة الرسالة ط4، 1982، ص: 279. وانظر أيضا د. سيف الدين عبد الفتاح التجديد السياسي والخبرة الإسلامية: نظرة في الواقع العربي المعاصر، رسالة دكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 1988، ص: 289.

18. عبد المجيد النجار، المقتضيات المنهجية لتطبيق الشريعة في الواقع الإسلامي الراهن، مرجع سابق، ص: 23 وما بعدها.

19. عبد المجيد النجار، في فقه التدين، الجزء الأول، الجزء الثاني مرجع سابق، ص: 119 وما بعدها.  يوسف القرضاوي، بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية-دراسة في فقه مقاصد الشريعة: بحث ضمن ندوة مقاصد الشريعة عند المذاهب الإسلامية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 20-24 محرم 1426ﻫ/1-4 مارس 2005،-العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1991.

20. سيف الدين عبد الفتاح، مدخل القيم إطار مرجعي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996 (ضمن مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، 2).-عبد المجيد النجار، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ( بيروت: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 2006).

قارن كذلك: عبد الحميد العلمي، قواعد التنظير المآلي عند الشاطبي، الموافقات: مجلة دورية، أكاديمية الخروبة-الجزائر،المعهد الوطني العالمي لأصول الدين، العدد الثاني، يونيو 1993، ص: 307 ومابعدها.

21. انظر في ارتباط المقاصد بالوسائل: مصطفى بن كرامة الله مخدوم، قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية: دراسة أصولية فى ضوء المقاصد الشرعية، الرياض، دار أشبيليا للنشر والتوزيع، 1999. وأصل هذا الكتاب رسالة علمية للدكتوراه، ص: 25 وما بعدها.

22. المرجع السابق، ص: 102-105، وانظر: الشاطبي، الموافقات، ص: 4/194-196.

23. الإمام ابن القيم، مدارج السالكين..، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، 1403، ج1/63-65.

24. سيف الدين عبد الفتاح، الثقافة الدينية والبنيان القيمي بين مدخل المقاصد الكلية والمدخل السفني “رؤية  إسلامية” في هاني عياد (تحرير) البنيان القيمي والشخصية المصرية، (القاهرة: الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية، منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الانجلية للخدمات الاجتماعية، 2006)، د. سيف الدين عبد الفتاح، مدخل لفهم “فتاوى الأمة”، حولية أمتي في العالم، العدد الخامس، الجزء الأول، (القاهرة: مركز الحضارة والدراسات السياسية، 1424ﻫ/ 2003م)، ص: 535-594، وكذلك انظر د. سيف الدين عبد الفتاح، مقاصد ومعايير التنمية: رؤية  تأصيلية من المنظور المقاصدي: ورقة أولية، قدمت في مؤتمر “الأمة وأزمة الثقافة والتنمية”-كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ديسمبر 2004.

25. انظر محمد الصادق عرجون، سنن الله في المجتمع من خلال القرآن، الرياض: الدار السعودية للنشر، 1984،  ص: 31، وكذلك انظر عبد الكريم زيدان، السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1993، مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، شبكة العلاقات الاجتماعية، ترجمة: عبد الصبور شاهين، سوريا: دار الفكر، بيروت: دار الفكر المعاصر، 1962، جودت سعيد، حتى يغيروا ما بأنفسهم، دمشق: دار الثقافة للجميع ط3، 1975، عمر أحمد عمر، السنن الإلهية في النفس البشرية، دمشق: دار حسان، 1992.

26. فهمي محمد علوان، القيم الضرورية ومقاصد التشريع الإسلامي، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 1989. انظر بصفة خاصة الفصل الخامس (أساس القيم في فكرة المقاصد ص: 91-113، انظر علي جمعة محمد، سيف الدين عبد الفتاح (إشراف) بناء المفاهيم: دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، تقديم (طه جابر العلواني، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1998.

27. فهمي محمد علوان، المرجع السابق، انظر سيف الدين عبد الفتاح وآخرين، نحو فقه سديد لواقع أمتنا المعاصر (بحوث ومناقشات الندوة الدولية الافتتاحية (الشارقة 20-21  شعبان 1423/26-27 أكتوبر 2002)، (الشارقة: مركز الأمير عبد المحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، 2003).

Science

د. سيف الدين عبد الفتاح

أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية/جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق