مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات وأبحاثدراسات عامة

وسائل تزكية النفوس وتطهيرها من آفات القلوب…(4)

الوسيلة الثالثة: ذكر الله تعالى

   اعتبر علماء التربية الصوفية الذكر شرطاً أساسياً في طهارة القلوب، ووسيلة من وسائل تزكيتها، ومقاماً من مقامات السير والسلوك الى حضرة الله تعالى، ينقل المريد من حال اليقظة إلى حال الشهود، ومن براثن الغفلة إلى حالة الحضور، ويقوي الأحوال ويعززها، ويخرج القلوب من الظلمات إلى النور، وبه تستجلب جملة من الفضائل والمكارم والمنح العظمى، وكل ذلك لا يتم إلاّ بدوام  ذكر الله سبحانه وتعالى والذي قال جلت قدرته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُومِنِينَ رَحِيماً) [سورة الآحزاب، الآية: 42].

   واشترط علماء التربية الصوفية أخذ هذا الذكر أو الورد عن شيخ عارف بالله واصل وموصل إلى حضرة الله الذي تحققت فيه شروط الولاية، باعتباره الخبير بعيوب النفس، وما على المريد إلا أن يتوجه إلى حضرة الله بكل همته وعزيمته ويواظب على الذكر سواء الذكر الفردي أو الجماعي لكي يتحقق بمقامات أولياء الله الصادقين ليدخل في صف من قال فيهم الله جلت قدرته: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة يونس، الاية: 62-64] ويتحقق بقوله: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [سورة الشعراء، الآية: 88].

   فالذكر هو منبع ومصدر طمأنينة القلوب وجلاء الهوم والأحزان، مصداقاً لقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد، الآية: 28]. فلا شيء أحب إلى الذاكرين من الخلوة بحبيبهم، يذكرون محبوبهم في السّراء والضّراء، وفي كل وقت وحين، لأنّهم وجدوا الرّاحة والحلاوة في ذكر الله تعالى، قال مالك بن دينار: (ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل) [1].

   ولما حضي ذكر الله تعالى بهذه المنزلة والمكانة الرفيعة، فمن الأهمية بمكان أن نبيّن في هذا الإطار مشروعية الذكر في الكتاب والسنة، مع ذكر حقيقته وأنواعه ودوره في السلوك الى حضرة الله تعالى.

مشروعية الذكر في الكتاب

  وقد ورد  في أهمية الذكر وبيان مدى تأثيره في القلوب جملة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، فمن الآيات القرآنية ورد قوله تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد، الآية: 28]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [سورة الأحزاب، الآية: 41]، وقيل في تفسير هذه الآية: (أي في أغلب الأوقات، ويشمل مختلف أنواع التقديس والتمجيد والتهليل والتحميد (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أول النهار وآخره، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات، لكونهما مشهودين بملائكة الليل والنهار) [2]، وورد قوله تعالى في وصف عباده الذاكرين الخاشعين: (وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [سورة الأنبياء، الآية: 90]، وعن الحسن أنه قال: في تفسير هذه الآية: يدعوننا، قال: (خوف دائم في القلب)[3].

    وقال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)  [سورة، الزمر الآية: 23]، يقول الامام الحارث بن أسد المحاسبي في تفسير هذه الآية: (بأنّ الله تبارك الله وتعالى قد نعتهم بأن تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل فهذه صفة الذين آمنوا، وكيف حزنهم ورجائهم إذا سمعوا ذكر النار والوعيد اقشعروا، ثم تلين جلودهم إذا سمعوا ذكر الجنة [4]. وقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون) [سورة البقرة، الآية: 152]. وقوله جلت قدرته: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [سورة الآحزاب، الآية: 35]. وقوله تقدست أسماؤه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون) [سورة الأنفال، الآية: 45]. وقال جلت قدرته: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون) [سورة آل عمران، الآية: 135]. [سورة الأحزاب، الآية: 35]. وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) [سورة الرعد، الآية: 28]. وقال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً) [الشعراء، الآية: 227]. وقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [سورة النور، الآية: 36]. وقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران، الآية: 190-191]. وقال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) [سورة طه، الآية: 130]. وقال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) [سورة ق، الآية 39، 40]. وقال تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) [سورة النور، الآية: 37]. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [سورة المنافقون، الآية: 9].

النّهي عن ترك الذكر والانجراف نحو ملذات الدنيا ونعيمها الزائل

   حذر الله سبحانه وتعالى من ترك ذكره والغفلة عنه، والانجراف نحو ملذات الدنيا ونعيمها الزائل، ومن ذلك قوله تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [سورة المجادلة، الآية: 19]، تدل هذه الآية على أنّ الغافلين عن ذكر الله قد اشتغلوا بالدنيا وتركوا الآخرة، وبالتالي استحوذ عليهم الشيطان وران على قلوبهم وعقولهم، وقد وصفهم الله عز وجل بحزب الشيطان. وتوعد الله سبحانه حزب الشيطان بالخسران، لأنّهم نسو ذكر خالقهم وشعلتهم الدنيا الفانية.

   ومنه قوله تعالى: (وَاذكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالاَصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) [سورة الاَعراف، الآية: 205]، وضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً بحال الملائكة الذين لا يفترون عن التسبيح  قصد الترغيب في مُشابهتهم والاقتداء بهم، فقال جلت قدرته: (إِنَّ الَذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) [سورة الاَعراف، الآية: 206]. قال ابن كثير: في تفسير هذه الآية: (المراد الحضُّ على كثرة الذكر مِن العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا مِن الغافلين، ولهذا مَدحَ الملائكةَ الذين يُسبِّحون الليل والنهار لا يفترون، وإنّما ذَكَرَهُم ليُقتدى بهم)[5]. وقال العلامة ابن عاشور: (والمعنى: الحثُّ على تكرار ذِكر الله في مختلف الأحوال؛ لأنّ المسلمين مأمورون بالاقتداء بأهل الكمال من الملإ الأعلى)[6]. وقوله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [سورة البقرة، الآية: 74]، ويقول الإمام أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني، في تفسير هذه الآية: (قست قلوبكم أي يبست وصلبت، وقلب قاس أي: صلب يابس جاف عن ذكر الله غير قابل له) [7].

   وقد وصف الله سبحانه وتعالى المنافقين بأنّهم لا يذكرون الله إلّا قليلاً ومن ذلك قوله جلت قدرته: (وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [سورة النساء، الآية: 142]. قال كَعب رضي الله عنه: (مَن أكثرَ ذِكر الله بَرِئَ من النّفاق)[8]. وقد وصف الله سبحانه وتعالى الغفلين عن ذكر الله بالخسران ومن ذلك قوله تعالى: في سورة المنافقون بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [سورة المنافقون، الآية: 9]. وقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [سورة طه: 124-126].

  وفي الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم –قال: (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه ترة، ومن قَام مقاماً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعًا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة) [9]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من قومٍ يقومونَ عن مَجلسٍ، لا يذكرونَ اللَّهَ فيهِ، إلَّا قاموا عن مِثلِ جيفةِ حمارٍ وَكانَ لَهُم حَسرةً) [10].

مشروعية الذكر في السنة

   وورد في السنة النبوية مجموعة من الأحاديث التي تحت على ذكر الله تعالى وتبين أثر ذلك في تزكية النفوس، فعن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فقال له رجل من جلسائه، كيف يكتب له ألف حسنة؟ قال: يسبح ألف تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويمحى عنه ألف خطيئة)[11]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات)[12]. وعن معاذ رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخذ بيده، وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)[13]. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: علمني كلاما أقوله. قال: (قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني، وارزقني) [14]. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ) [15]، وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنّهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) [16]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة: (ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله عز وجل)[17]، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا عَمِلَ آدَمِيُّ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ..) [18]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان، فقال: سيروا هذا جمدان، سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)[19]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم ما يقول عبادي: قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقولون: هل رأوني، قال: فيقولون: لا والله يا رب ما رأوك، قال: فيقول: فكيف لو رأوني، قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً، قال: فيقول: فما يسألوني، قال: فيقولون: يسألونك الجنة، قال: فيقول: وله رأوها، قال: يقولون: لا، والله يا رب ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو رأوها، قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون، قال: يقولون: يتعوذون من النار، قال: فيقول: وهل رأوها، قال: يقولون: لا، والله ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو رأوها، قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) [20]. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) [21].

   وقد بيّن الرسول الكريم في هذه الأحاديث بأنّ ذكر الله يزيل عن القلب ظلمة الغفلة ويمحو عنه الذنوب والمعاصي والخطايا، وعليه، فإن ذكر الله تبارك وتعالى يليّن القلوب القاسية، ويرقق النّفوس السقيمة التي غلبت عليها الشهوات النفسية، وهو بذلك يحدث أثراً عميقاً في سلوكيات الإنسان، لذلك يقول: الإمام الجليل محمد علوي المالكي الحسني: (ومن أعظم أبواب الفرج الواسعة وأقرب الطرقات النافعة ذكر الله سبحانه وتعالى، فهو صقال القلوب ومفتاح باب النفحات، وسبيل توجه التجليات على القلوب، إذ الذكر مفتاح السرور والفرج، كما أنّ الغفلة مفتاح الحزن والكدر) [22].

معنى الذكر وحقيقته:

   لا ريب أنّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد وجلائها يكون بالذكر الكثير، فالذكر يطهر القلب من كل الآفات ويعمل على تصفية النفس من كافة الأكدار، وصدأ القلوب يكون بالغفلة واقتراف الذنوب والمعاصي التي تُحي السواد والظلمة في القلوب وبالتالي، وفي بيان حقيقة الذكر يقول ابن القيم رحمه الله: (بأنّ الذكر هو منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم، الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.

إذا مرضنا تداوينا بذِكركم      فنترك الـذِّكر أحيانًا فننتكس

 به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكُربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلمهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقبلون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون، يدع القلب الحزين ضاحكًا مسرورًا، ويوصل الذَّاكر إلى المذكور، بل يدع الذَّاكر مذكورًا، وفي كل جارحةٍ من الجوارح عبودية مؤقتة، والذِّكر عبودية القلب واللِّسان وهي غير مؤقتة، بل هم مأمورون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حالٍ: قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها، فكذلك القلوب بور وخراب وهو عمارتها وأساسها، وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقًا، ازداد المذكور محبة إلى لقائه واشتياقًا، وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه، نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضًا من كل شيء، به يزول الوقر عن الأسماع، والبُكم عن الألْسُن، وتنقشع الظلمة عن الأبصار، زين الله به ألسنة الذَّاكرين، كما زين بالنور أبصار الناظرين، فاللِّسان الغافل: كالعين العمياء! والأذن الصماء! واليد الشلاء!) [23].

   وحقيقة الذكر عند ابن عطاء الله السكندري: (هو التخلص من الغفلة والنسيان، بدوام حضور القلب مع الحق، وقيل: ترديد اسم الله بالقلب واللسان، أو ترديد صفة من صفاته، أو حكم من أحكامه، أو فعل من أفعاله، أو غير ذلك مما يُتقرّب به إلى الله تعالى)[24]، وقيل بأنّ الذكر هو: (تنبيه القلب والتيقظ له، وأطلق على اللسان لدلالته على ذلك، ولما كثر إطلاقه عليه، صار هو السّابق إلى الفهم) [25]. وقيل بأن الذكر: (استغراق الذاكر في شهود المذكور، ثم استهلاكه في وجود المذكور، حتى لا يبقى منك أثر يذكر، فيقال قد كان مرةً فلان) [26].

أنواع الذكر

    قال الامام ابن عجيبة: (واعلم أنّ الذكر ثلاثة أنواع: ذكر اللسان فقط وهو ذكر الغافلين، وذكر اللسان والقلب وهو ذكر السائرين، وذكر القلب فقط، وهو ذكر الواصلين، والذكر هو أفضل الأعمال كما تقتضيه الأحاديث النبوية والآيات القرآنية، وهو أقرب الطرق الموصلة إلى الله تعالى، إذا كان بشيخ كامل، واعلم أنّ الذكر على أنواع كثيرة من تهليل وتكبير وتسبيح وحَمْدَلَةٍ وحَسْبَلَةٍ وحوقلة وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكلِّ خاصيةٌ وثمرة) [27]. وقال الامام النووي: (منه ما يكون بالقلب، ومنه ما يكون باللسان. والأفضل منه أي، من الذكر، ما كان بالقلب واللسان جميعاً) [28].

    وعن سبب تفضيل ذكر القلب على ذكر اللسان، يقول الإمام ابن القيّم: (فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب والّلسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأنّ ذكر القلب يُثْمِرُ المعرفة، ويهيِّج المحبة، ويُثِيرُ الحياء، ويَبْعَثُ على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويَرْدَع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذِكْرُ اللسان وحده لا يوجب شيئًا من ذلك الإثمار، وإن أثمر شيئًا منها فثمرتُه ضعيفة) [29].

    كما نبّه علماء التربية الباطنية على أهمية ذكر القلب واللسان باعتبار أن ذكر اللسان لوحده لا يفي بالمطلوب في طهارة القلوب والحضور مع الله سبحانه وتعالى، وصنفوه بأنّه أقل درجة من ذكر القلب واللسان، وذكروا أنّه وإن كان أقل درجة إلا أنّه يحقق جملة من المقاصد، ومنها على سبيل المثال:
تعويد الّلسان على الذكر، ومن ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن بُسر أنَّ رجلاً قال: (يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به؟ قال: لا يزال لسانُك رطباً من ذكر الله)[30].

   وفضلا عن ذلك فيه اشتغال الّلسان بذكر الله سبحانه وتعالى وترك الغيبة والنميمة وكثرة اللغو في ما لا فائدة منه لذا قيل: (نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل) [31]، كما أنّ ذكر الله سبحانه وتعالى: يساعد المؤمن ويقويه على التّخلص من وسواس الشيطان ويبعده عن الغفلة: قال ابن عباس: في قوله تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) [سورة النّاس، الآية:4]، الشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس) [32].

   قال الغزالي رحمه الله في الإحياء: (الاستغفار بالّلسان أيضاً حسنة؛ إذ حركة الّلسان بها عن غفلة خير من حركة اللسان في تلك السّاعة بغيبة مسلم أو فضول كلام، بل هو خير من السكوت عنه، فيظهر فضله بالإضافة إلى السكوت عنه وإنما يكون نقصاناً بالإضافة إلى عمل القلبو (…) وتعود الجوارح للخير حتى يصير لها ذلك كالطبع يدفع جملة من المعاصي)[33].

وظيفة الذكر في تصفية القلوب وأهميته في السير إلى حضرة الله تعالى:

  تحدث علماء التربية الصوفية في أغلب مؤلفاتهم عن الوظيفة الجوهرية التي يحققها الذكر في قلوب الذاكرين، فهو دواء للقلوب العليلة التي سيطرت عليها شهوات الدنيا، والمواظبة عليه يولد في قلوب الذاكرين القوة الروحية، التي تجعل الذاكر في اتصال مع حضرة الله تعالى، فالذاكرون الله كثيراً والذاكرات أقرب النّاس إلى طاعة الله، وأسرعهم إلى الإنابة، وأبعدهم عن الغفلة والمعصية والشيطان، وبالتالي فالذكر سواء الفردي أو الجماعي كلهم وسائل تطهر القلوب، لأنّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد وجلائها ذكر الله تعالى، قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: (لكل شيء جِلاء، وإنّ جلاء القلوب ذكر الله عز وجل). [34]، وقال ابن قيم الجوزية: (ولا ريب في أنّ القلب يصدأ كما يصدأ النّحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنّه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا تُرك صدأ، فإذا ذكر جلاه، وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة، والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار، والذكر. فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكما على قلبه، وصدؤه بحسب غفلته، وإذا صدأ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه؛ فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم فلم تظهر فيه صور الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسودّ، وركبه الرّان فسد تصوره وإدراكه فلا يقبل حقا، ولا ينكر باطلا، وهذا أعظم عقوبات القلب. وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى، فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره) [35].

   كما أنّ الاكثار من ذكر الله يجعل الذاكر في بعد كبير عن الغفلة عن الله ويتحقق لديه الحضور القلبي، وبالتالي فإن حياة الذاكرين مرتبطة بالإكثار من ذكر الله، ويروى عن الشبلي أنّه كان ينشد في مجلسه:

     ذكرتـــــك لا أنّــــــــي نسِيتُـــكَ لــــمحةً         وأيسَرُ ما في الذكرِ ذكرُ لــساني

     وكِدتُ بلا وَجدٍ أموتُ من الهوى        وهـــــــام عـــــــليَّ القــــلبُ بالخـــــــفقانِ

    فلما أراني الوجــــدُ أنَّكَ حاضـــري        شَهِــــــدتُكَ موجـــــوداً بكـــــــل مـــكانِ

           فخاطبتُ موجـــوداً بــــــــغير تــــكلم        ولاحظــت مـــــعلوماً بغيــــــرِ عيانِ [36].

منزلة الذاكرين عند الله سبحانه وتعالى وما أعد لهم من نعم فضلى

  وقد بين الله تبارك وتعالى ما أعده للذاكرين، وهيأه لهم من النّعيم المقيم في جنات عرضها السموات والأرض. فيها ما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فقال عز وجل: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [سورة الأحزاب، الآية: 35]. وشرف الله سبحانه وتعالى مجالس الذاكرين بحضور الملائكة ونزول السكينة والرحمة والطمأنينة التي تعم كل الذاكرين فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيداً وَتَحْمِيداً، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحاً، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصاً، وَأَشَدَّ لَهَا طَلباً، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) [37].

   ونخلص إلى أنّ الصوفية رضوان الله عليهم جعلوا الذكر بجميع صيغه من أهم وسائل طهارة القلوب وتزكيتها بأنوار الحضرة الربانية، وبالتالي أصبح الذكر ديدانهم وشغلهم الشاغل، لم يغفلوا عنه لمحة، لأنهم تيقنوا أنه مصدر الطمأنية والراحة الباطنية ومنبعاً للأنوار الربانية. ولم يكن الذكر عندهم من أجل التعبد واكتساب الأجر بقدر ما كان هدفهم من ذكر الله هو ترقية سيرهم الى الله سبحانه وتعالى ولتصفية قلوبهم من آفات النفوس، وكل ذلك من خلال الاقتداء بمعلم البشرية المصطفى صلى الله عليه وسلم.

—————————–

  1. شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: د عبد العلي عبد الحميد حامد، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، صاحب الدار السلفية ببومباي – الهند، الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، الطبعة: الأولى، 1423 هـ – 2003م. محبة الله عز وجل، الفصل الثاني في ذكر أثار وأخبار وردت في ذكر الله عز وجل، ج: 2، ص: 181. رقم الحديث: 692.
  2. التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، لوهبة الزحيلي، الناشر: دار الفكر (دمشق – سورية)، دار الفكر المعاصر (بيروت – لبنان).الطبعة: الأولى،1411 هـ-1991م. تعظيم الله تعالى وإجلاله بالأذكار والتسابيح الكثيرة البلاغة، ج: 22، ص: 40.
  3. تفسير الحسن البصري، جمع وتوثيق ودراسة الدكتور محمد عبد الرحيم (ط/ت)، دار الحديث القاهرة، ج: 2، ص: 135.
  4. العقل وفهم القرآن، للحارث بن أسد المحاسبي تحقيق حسن القوتلي الطبعة 1402هـ/1982م دار الكندي. ص: 279.
  5. تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، المحقق: محمد حسين شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون – بيروت، الطبعة: الأولى – 1419هـ. [سورة الأعراف: الآيات 205 إلى 206]، ج: 3، ص: 488.
  6. التحرير والتنوير، تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجي، لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، الناشر: الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر: 984هـ. [سورة الأعراف: آية 206]، ج: 9، ص: 243.
  7. غريب القرآن المسمى بنزهة القلوب، لمحمد بن عُزير السجستاني، أبو بكر العُزيري، المحقق: محمد أديب عبد الواحد جمران، الناشر: دار قتيبة – سوريا، الطبعة: الأولى، 1416 هـ – 1995م، باب القاف ص: 372.
  8. شعب الإيمان، للبيهقي، محبة الله عز وجل، فصل في إدامة ذكر الله عز وجل، ج: 2، ص: 98 رقم الحديث: 572.
  9. شعب الإيمان للبيهقي، محبة الله عز وجل، فصل في إدامة ذكر الله عز وجل، ج: 2، ص: 77 رقم الحديث: 541.
  10. مصابيح السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، محمد سليم إبراهيم سمارة، جمال حمدي الذهبي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1407 هـ – 1987م. كتاب الدعوات، باب ذكر الله عز وجل والتقرب إليه، ج: 2، ص: 150.
  11. مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ – 2001م. مسند باقي العشرة المبشرين بالجنة، مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ج: 3، ص: 163. رقم الحديث: 1613.
  12. مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ج: 19، ص: 437 رقم الحديث: 12452.
  13. سنن أبي داود، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – محمد كامل قره بللي، الناشر: دار الرسالة العالمية، الطبعة: الأولى، 1430 هـ – 2009م. ج: 1، ص: 561 رقم الحديث: 1522.
  14. جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأقوم سَنَن، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، تحقيق: د عبد الملك بن عبد الله الدهيش، الناشر: دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان، مكة المكرمة، الطبعة: الثانية، 1419هـ – 1998م. سعد بن أبى وقاص، مصعب بن سعد بن أبى وقاص: أبو زرارة عن أبيه، ج: 3، ص: 388.
  15. صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب: فضل ذكر الله، ج: 5، ص: 353 رقم الحديث: 6044.
  16. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، ج: 4، ص: 2074 رقم الحديث: 2700.
  17. الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب، للإمام ابن قيم الجوزية، تحقيق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد، راجعه: حاتم بن عارف الشريف – يحيي بن عبد الله الثمالي، الناشر: دار ابن حزم، بيروت، الطبعة: الخامسة، 1440 هـ – 2019م. مقدمة المصنف، مثل الذكر، ج: 1، ص: 83.
  18. المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، المحقق: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد – أبو الفضل عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الناشر: دار الحرمين – القاهرة، عام النشر: 1415ه – 1995م. باب الألف، باب من اسمه إبراهيم، ج: 3، ص: 5، رقم الحديث: 2296.
  19. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، ج: 4، ص: 2062 رقم الحديث: 2676.
  20. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، للمتقي الهندي، تحقيق: بكري حياني – صفوة السقا، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الطبعة الخامسة، 1401هـ-1981م. ج: 1، ص: 413، رقم الحديث: 1747.
  21. صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: (ويحذركم الله نفسه) [سورة آل عمران، الآية: 28]. ج: 6، ص: 2694. رقم الحديث: 6970.
  22. فيض القدير شرح الجامع الصغير، لزين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى – مصر، الطبعة: الأولى، 1356هـ. حرف الميم، ج: 5، ص: 526. رقم الحديث: 8192.
  23. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة، 1416 هـ – 1996م. درجات الأنس، فصل الدرجة الثالثة أنس اضمحلال في شهود الحضرة، ج: 2، ص: 395.
  24. مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح، لابن عطاء الله السكندري، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د.ط، ص: 7.
  25. البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي، تحقيق: صدقي محمد جميل الناشر: دار الفكر – بيروت الطبعة: 1420 هـ ج: 2، ص: 49.
  26. البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي، [سورة البقرة: الآيات 142 إلى 157] ج: 2، ص: 49.
  27. البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، الناشر: الدكتور حسن عباس زكي – القاهرة، الطبعة: 1419هـ. [سورة البقرة: الآيات 151 إلى 165] ج: 1، ص: 184.
  28. حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبة في الليل والنهار، المعروف بـ: الأذكار النواوية، أبو زكريا، يحيى بن شرف النواوي، بعناية: بَسّام عبد الوهّاب الجابي، الناشر: الجفان والجابي للطباعة والنشر – دار ابن حزم للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1425 هـ- 2004م. باب أذكار اليوم والليلة، فصل في كيفية الذكر، ص: 39.
  29. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، أبو الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني المباركفوري، الناشر: إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء – الجامعة السلفية – بنارس الهند، الطبعة: الثالثة – 1404 هـ، 1984م. باب ذكر الله عز وجل والتقرب إليه. ج: 7، ص: 377.
  30. سنن الترمذي، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2) ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3) وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5) الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، الطبعة: الثانية، 1495 هـ – 1975 م. أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في فضل الذكر، ج: 5، ص: 388 رقم الحديث: 3375.
  31. مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله، وساعده: ابنه محمد وفقه الله، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – المدينة المنورة – السعودية، عام النشر: 1425 هـ- 2004م. الجزء: القدر ما يبتلى به من الذنوب وإن كان خلقا لله فهو عقوبة على عدم فعل ما أمر به ج: 8، ص: 223.
  32. تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر – د عبد السند حسن يمامة، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1422 هـ – 2001م. سورة الناس، الخناس الذي يخنس مرة ويوسوس أخرى، وإنما يخنس فيما ذكر عند ذكر العبد ربهج: 24، ص: 754.
  33. إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، الناشر: دار المعرفة – بيروت (ط/ت) الركن الثالث في تمام التوبة وشروطها ودوامها إلى آخر العمر، بيان ما ينبغي أن يبادر إليه التائب إن جرى عليه ذنب إما عن قصد وشهوة غالبة أو عن إلمام بحكم الاتفاق، ج، 4، ص: 48.
  34. شعب الإيمان، أبو بكر البيهقي، محبة الله عز وجل فصل في إدامة ذكر الله عز وجل، ج، 2، ص: 63، رقم الحديث: 520.
  35. الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب، للإمام ابن قيم الجوزية، مقدمة المصنف، صدأ القلب بالغفلة والذنب، ج: 1، ص: 92.
  36. الرسالة القشيرية، لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري، تحقيق: الإمام الدكتور عبد الحليم محمود، الدكتور محمود بن الشريف، الناشر: دار المعارف، القاهرة (ط/ت). باب الرضا، ج: 6، ص: 376.

37. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل مجالس الذكر، ج: 4، ص: 2069. رقم الحديث: 2689.

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق