مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من أحداث محرم: سرية محمد بن مسلمة إلى بني القرطاء

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.  

تقديم:  

    يعد شهر محرم الشهر  الأول في التقويم الهجري، وهو من الأشهر الحرم التي جاء التنويه بها في كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم؛ حيث قال سبحانه: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن   أنفسكم) ([1])، وعن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:  قال: “الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضَر، الذي بين جمادى وشعبان”([2])، وهذا الشهر كغيره من الشهور وقعت فيه عدة أحداث من السيرة النبوية، ومن تلكم الأحداث: “سرية محمد بن مسلمة إلى بني القرطاء، فمن هو الصحابي الجليل محمد بن مسلمة قائد السرية؟ وما هي أبرز وأهم أحداثها ؟ وما هي الفوائد والعظات المستفادة منها؟ وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

التعريف الموجز بقائد السرية: محمد بن مسلمة:

هو: محمد بن مسلمة  بن سلمة بن خالد بن عدي  بن حارثة بن الحارث الأنصاري الحارثي بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس -حليف لبني عبد الأشهل-، يكنى: أبا عبد الرحمن، وأبا عبد الله، قال ابن حجر: “ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة في قول الواقدي وهو ممن سمي في الجاهلية محمدا “([3]).

شهد بدراً، والمشاهد كلها، يعد من فضلاء الصحابة. وهو أحد الذين قتلوا كعب بن الأشرف، واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته.

مات بالمدينة ولم يستوطن غيرها، وذلك  في شهر صفر سنة ثلاث وأربعين. وقيل: سنة ست وأربعين. وقيل: سنة سبع وأربعين، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير على المدينة([4]).

ملخص أحداث السرية:

إن الروايات التي جاءت في الصحيحين ليس فيها تحديد لتاريخ وقوع هذه السرية، ولا عدد المشاركين فيها، وما ذكر وه : قصة أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه مختصرا ومطولا؛  وذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله  ، هذا في رواية مختصرة([5])، وفي رواية أخرى مطولة زيادة عما هنا ([6])    -سيأتي ذكرها- ؛ و حددها بعض أهل المغازي والسير  بشهر محرم في السنة الخامسة للهجرة،قال ابن سعد : ” لعشر  ليال خلون منه على رأس تسع وخمسين شهرًا من مُهاجر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم([7]). وقد قادها الصحابي الجليل محمد بن مسلمة([8]) في ثلاثين راكبا من أصحابه رضي الله عنهم إلى القرطاء بنجد وهم بطن بكر بن كلاب ، وأمره أن  يشن الغارة عليهم، فسار الليل، وكمن النهار، وأغار عليهم، فقتل نفرا منهم وهرب سائرهم، واستاق نعما وشاء ولم يعرض للظعن وانحدروا إلى المدينة فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به،… غاب محمد بن مسلمة وأصحابه تسع عشرة ليلة، وقدموا المدينة لليلة بقيت من المحرم([9])، قال ابن سعد: “وفي هذه الغزوة لم يعرض المسلمون للظعن (أي: النساء)، وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين الغازين الغنيمة بعد تخميسها فعدلوا الجزور  (واحدة من الإبل بعشرة من الغنم)، وقد استغرقت هذه الحملة من الوقت تسع عشرة ليلة”([10]).

وفي طريق عودتهم أسروا ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة، فقدموا به المدينة، فربطوه بسارية من سواري المسجد،فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندك يا ثمامة، فقال عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ماشئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ،وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد فقال: ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر ،فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم”([11]). 

الفوائد والعظات المستفادة من هذه السرية:

من الفوائد والدروس المستفادة من هذه السرية الآتي:

1-جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة من غير  إنذار لتأذيبهم، وهذا فيه دليل على قوة شوكة المسلمين.

2-جواز ربط الأسير وحبسه، وجواز إدخاله المسجد وإن كان كافرا([12])

3-جواز المنّ على الأسير([13]).

4-تأليف القلوب إلى الإسلام وملاطفة من يرجى إسلامه([14])؛  لأن عفو النبي صلى الله عليه وسلم وحلمه بثمامة حول بغض هذا الأخير إلى محبة صادقة.

5-المبادرة إلى الإسلام وتأخير الاغتسال([15]).

6-استحباب الاغتسال بعد الدخول في دين الإسلام إذا لم يجنب، خلافا لمن كان عليه جنابة في شركه([16]).

7-يشرع للكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم أن يستمر في عمل ذلك الخير([17]).

8-الإسلام يغير سلوك المؤمن حين يضع المسلم قدراته تحت إمرة الإسلام والمسلمين، كما فعل ثمامة حين عزم على منع إرسال القمح لأهل مكة إلا بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم([18]).

الخاتمة:

من خلال ما تقدم خلصت إلى الآتي:

1-وقعت في شهر محرم كغيره من الشهور عدة أحداث من السيرة، ومن هذه الأحداث سرية محمد بن مسلمة إلى بني القرطاء.

2-يعد محمد بن مسلمة من الصحابة الفضلاء الذين شهدوا بدرا والمشاهد كلها وهو قائد هذه السرية.

3-حدد بعض أهل السير والمغازي تاريخ وقوع هذه السرية في السنة5هـ

4-عدة هذه السرية: ثلاثون راكبا من الصحابة رضي الله عنهم.

5-الإغارة على بني القرطاء، وقتل نفر منهم، واستاقوا نعما.

6-عدم التعرض في هذه السرية للظعن؛ وهن: النساء .

7-مدة غياب محمد بن مسلمة وأصحابه: تسعة عشر ليلة.

8-تقسيم الرسول صلى الله عليه وسلم للغنيمة بين الغازين بعد تخميسها.

9-في طريق العودة تم أسر ثُمامة بن أثال الحنفي وهو سيد أهل اليمامة.

10-ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لثمامة بعتقه من الأسر ،دفع هذا الأخير إلى إعلان إسلامه.

11-مبادرة ثمامة إلى الاغتسال بعد إسلامه.

12-إعراض ثمامة بعد إسلامه عن إرسال القمح لأهل مكة إلا بعد إذن الرسول صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

***********************

هوامش المقال:

([1]) سورة التوبة الآية (36).

([2])  أخرجه البخاري في صحيحه (2 /419)، كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرضين، برقم: (3197)، ومسلم في صحيحه (2/799)، كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال برقم:  (1679).

([3])  الإصابة في معرفة الصحابة (ص: 1370).

([4])  الاستيعاب (2/ 216).

([5])  أخرجه البخاري في صحيحه في عدة مواطن، (1 /165-166)، كتاب: الصلاة، باب: الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد، برقم: (462)، وفي كتاب: الصلاة، باب دخول المشرك المسجد (1/ 168) برقم:  (469)، وفي كتاب: الخصومات، باب:  التوثق ممن تخشى معرته (2/ 182)، برقم: (2422)،  وفي نفس الكتاب، باب: الربط والحبس في الحرم  (2/ 182) برقم: (2423)

([6])  أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 168) كتاب: المغازي، باب: وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، برقم: (4372)، ومسلم في صحيحه (2 /844-845) ، كتاب:  الجهاد والسير، باب: ربط الأسير وجواز المن عليه برقم: (1764).

([7])  الطبقات الكبرى (2/ 78).

([8])  وانفرد سيف بن عمر في الفتوح بأن أمير السرية هو: العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما . انظر:  إرشاد الساري شرح صحيح البخاري (4/ 238).

([9])  عيون الأثر(2/ 118).

([10])  الطبقات الكبرى (2/ 78).

([11])  أخرجه البخاري في صحيحه (3 /168) كتاب: المغازي، باب: وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، برقم: (4372)، واللفظ له ومسلم في صحيحه (2/ 844-845) ، كتاب:  الجهاد والسير، باب: ربط الأسير وجواز المن عليه برقم: (1764).

([12])  مسلم بشرح النووي (6 /331-332)

([13])  مسلم بشرح النووي (6/ 332).

([14])  مسلم بشرح النووي (6/ 333).

([15])  مسلم بشرح النووي (6/ 332).

([16])  مسلم بشرح النووي (6 /332).

([17])  السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (ص: 626).

([18])  السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (ص: 626).

*************************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

إرشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني. وبهامشه: متن صحيح مسلم وشرح الإمام النووي معا. المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر. ط7 / 1323هـ

الاستيعاب في أسماء الأصحاب. لأبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي. دار الفكر بيروت لبنان. 1426هـ- 1427هـ/ 2006مـ.

الإصابة في تمييز الصحابة. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. المكتبة العصرية صيدا بيروت. ط1/ 1433هـ- 2012مـ

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه، وتصحيحه ، وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ..

السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث. لعلي محمد الصلابي. دار ابن الجوزي مصر. ط1/ 1428هـ- 2007مـ.

صحيح مسلم بشرح النووي (ج6). حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة. ط4/ 1422هـ- 2001مـ

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..

الطبقات الكبرى. لمحمد بن سعد الزهري. دار صادر  بيروت. (د.ت).

عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. لأبي الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري. حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د محمد العيد الخطراوي- محيي الدين مستو. مكتبة دار التراث المدينة المنورة- دار ابن كثير بيروت. 1982مـ

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق