مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

الفقه والحديث في عهد المرابطين والموحدين2

مظاهر التأثر بالمنهج الحزمي في عهد الموحدين.

استجاب عدد من العلماء- خوفا أو اقتناعا –لدعوة الموحدين إلى الاحتكام إلى القرآن والسنة ونبذ التقليد المذهبي، وكان الأثر واضحا، فقد شاع الاعتناء بالأصلين حفظا ودراسة بالشرح والتحليل، ونشأت محاولات جادة للتأصيل الفقهي، باستنباط الأحكام استنباطا مباشرا من نصوصها، وحدثت محاولات فكرية فقهية على هذا الأساس، نشط فيها النقد بين أنصار المذهب المالكي، وأنصار التيار الظاهري الحزمي الذين تنامى عددهم، أذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر، فقد مر ذكر طائفة منهم:

1- أبو الحسن علي بن محمد بن خيار البلنسي الأصل الفاسي (605هـ)[85] كان أحفظ أهل زمانه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكرهم للتاريخ والرجال والجرح والتعديل، يقوم على الكتب الستة قياما حسنا، ويتكلم على أسانيدها ومتونها… وكان أميل إلى الظاهر.

2- أبو الخطاب بن دحية الكلبي الداني الأصل السبتي (633هـ) كان من كبار المحدثين والحفاظ المتقين، أذعن له علماء الحديث بمصر وعرفوا جودة  حفظه حين امتحنوه[86].

3- أخوه أبو عمرو بن دحية كان معتنقا كأخيه أبي الخطاب المذهب الظاهري[87].

4- أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المرادي الفاسي المعروف بابن الكماد (663هـ).

 ونبغ محدثون آخرون لم يتأثروا جليا بالظاهرية كالعلامة الكبير القاضي عياض ابن موسى اليحصبي السبتي (544هـ).

 وكالإمام الحافظ الكبير أبي محمد عبد الحق الإشبيلي المعروف بابن الخراط، صاحب كتاب الأحكام الكبرى والصغرى.

 ومنهم أيضا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن طاهر الحسيني الشريف المعروف بأبي عبد الله ابن صقيل[88]، كان راوية للحديث حافظا لمتونه بصيرا بعلله عارفا برجاله، على طبقاتهم وتواريخهم… استدرك على الأحكام الكبرى لعبد الحق أحاديث كثيرة في أكثر الكتب رأى أن أبا محمد أغفلها وأنها أولى بالذكر مما أورده. توفي بإشبيلية سنة (608هـ) وقد قدم الأندلس غازيا مع النصر من بني عبد المؤمن[89].

والحافظ الناقد الكبير علي بن محمد بن عبد الملك الحميري الكتامي، الشهير بابن القطان الفاسي، ولد سنة 562هـ، وأخذ عن أبي بكر بن المواق وأبي ذر الخشني وأبي عبد الله ابن الفخار وابن خروف…

قال ابن عبد الملك: “كان معظما عند الخاصة والعامة من آل دولة عبد المؤمن حظي كثيرا عند المنصور، فابنه الناصر فالمستنصر بن الناصر، فأبي محمد عبد الواحد أخي المنصور ثم أبي زكريا المعتصم بن الناصر، حتى كان رئيس  الطلبة مصروفة إليه الخطط النبيهة مرجوعا إليه في الفتاوى. وكان قد سعد عند المنصور منهم كثيرا، فكان المنصور يؤثره على غيره من أهل قرطبة، وجرت له أخبار طريفة معه مع أنه عينه لقراءة الحديث الذي كان يقرأ بين يديه[90].

وابن القطان هو صاحب الكتاب الشهير “بيان الوهم والإبهام الواقعين في كتاب الأحكام” لعبد الحق. توفي ابن القطان سنة (628هـ).

 ومنهم أيضا الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي يحيى بن خلف بن صاف الأنصاري المراكشي، المشهور بأبي عبد الله بن المواق. روى عن ابن القطان ولازمه واختص به، وكان فقيها حافظا محدثا مقيدا ضابطا متقنا، ناقدا محققا ذاكرا أسماء الرجال وتواريخهم وأحوالهم، وله تعقب على كتاب “بيان الوهم والإيهام” لشيخه أبي الحسن بن القطان، ظهر فيه إدراكه ونبله ومعرفته بصناعة الحديث واستقلاله بعلومه، وإشرافه على علله وأطرافه وتيقظه وبراعة نقده واستدراكه[91].

ولأبي عبد الله كتاب شيوخ الدارقطني، وشرح مقدمة مسلم وشرح للموطأ في غاية النبل وحسن الوضع، ومقالات أخرى كثيرة في أغراض شتى حديثية وفقهية وتنبيهات مفيدة[92].

ازدهار التأليف في كتب الأحكام.

إن من مظاهر التأثر بدعوة الموحدين للعكوف على الكتاب والسنة لا إلى شيء سواهما، التأليف في أحاديث الأحكام، فكان كتاب “الأحكام الكبرى” لعبد الحق الإشبيلي السابق ذكره أشهر مصنف في هذا المجال[93].

وقد أثار هذا الكتاب حركة تأليف واسعة، فقد استدرك عليه القاضي أبو عبد الله ابن الصقيل (608هـ) أحاديث كثيرة، وألف الإمام أبو الحسن بن القطان كتابه الشهير ببيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام[94].

وتعقب ابن القطان تلميذه أبو عبد الله محمد بن صاف المعروف بالمواق في كتاب حافل دل على علمه وبصره بالصناعة الحديثية[95].

وشرح الإمام المزدغي الفاسي كتاب الأحكام لعبد الحق، وسمى شرحه “أنوار الأفهام في شرح الأحكام”.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية

د. عبد العزيز فارح

رئيس مختبر الأبحاث والدراسات في التراث الإسلامي كلية الآداب بوجدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق