مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

الفقه والحديث في عهد المرابطين والموحدين2

كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف ابن عبد البر الأندلسي (463هـ).

هو من أشهر كتب الحافظ ابن عبد البر، ومن أحسن كتب الفقه الحديث عامة، وشروح موطأ مالك خاصة، فقد قال عنه الإمام ابن حزم: “وهو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه”[42] وقال عنه الشيخ عبد الله بن الصديق رحمه الله: “إن شرح الموطأ كان دينا على المالكية، أداه عنهم الحافظ ابن عبد البر بكتاب التمهيد”، وإذا قال الشافعية في حق البيهقي: إن له منة على الإمام الشافعي، لأنه خدم كتبه، وخرج أحاديثها وأيد مذهبه، فلنا أن نقول: لابن عبد البر منة على الإمام مالك، لأنه خدم موطأه ووصل منقطعاته ومرسلاته، وأسند بلاغاته، وعين مبهماته، وعدد طرق موصولاته”[43].

وليس في كلام الرجلين مبالغة في التنويه بهذا الكتاب، فإنه أحق بمثل هذا التنويه وأهله، فقد أجاد فيه صاحبه وأفاد، وبرز وتفرد، وصيره بما أودعه فيه من غرر وفوائد مرجع المتجر، ونجعه القاصد المشمر.

إن كتاب التمهيد رغم كونه شرحا للموطأ، فإنه متعدد المواضيع، فهو في الحديث وعلومه من مصطلح وجرح وتعديل وأحوال الرجال وأخبارهم، وهو في فقه السنة وأحكامه ومذاهبه، وهو أيضا في بعض أحداث السيرة وغيرها، وشرح للغريب من الألفاظ بالاستناد إلى أقاويل أهل اللغة.

أما من الجانب الحديثي، فإن كتاب التمهيد زاخر بالنصوص التي يسوقها ابن عبد البر بالأسانيد المتصلة، سواء في مقدمة الكتاب- وهي في بعض مباحث علم مصطلح الحديث وذكر عيون من أخبار مالك بن أنس، وذكر موطئه- أو في سائر الكتاب، فإن من عادته- كما في سائر كتبه- تعزيز أقواله بالشواهد والأدلة المتنوعة، منها الأحاديث والآثار وتكثر هذه النصوص في القسم الأكبر من الكتاب المخصص لشرح الموطأ، فمن منهج ابن عبد البر قبل التصدي لفقه الحديث:

– التعريف بشيوخ مالك الذين روى عنهم أحاديث الموطأ.

– وتتبع الأحاديث المرسلة والبلاغات، ووصلها من غير طريق مالك، فقد راح يبرهن على صحة ما يتبناه من أن مراسيل مالك صحيحة، إذ تتبع ما في الموطأ من مراسيل وبلاغات، وعددها أحد وستون حديثا[44]، فوصل كل مقطوع جاء متصلا، وكل مرسل جاء مسندا من غير رواية مالك، اعتمادا على رواياته الخاصة عن شيوخه، إلا أربع بلاغات لم يجد لها إسنادا فتركها كذلك[45] وحينما ينتقل إلى شرح النص الحديثي واستدرار الأحكام الفقهية منه، فإنه يورد الأحاديث والآثار أيضا، وقد يكثر منها في الموضوع الواحد[46].

لقد ضمن كتاب التمهيد فعلا- بفضل ذلك كله- ثروة حديثية حافلة لا يستغنى عنها في الدراسات الحديثية، خصوصا حينما يتعلق الأمر ببيان التدليس مثلا[47]، أو بيان ضعف راو في السند، أو غير ذلك من أخطاء الأسانيد كالقلب، أو التصحيف، أو الانقطاع، أو بيان المبهمات[48].

– كتاب الاستذكار لابن عبد البر:

من مميزات كتاب الاستذكار كونه موسوعة حديثية ضخمة، فقد جمع فيه ما ينيف عن ستين ألف حديث. وهي مادة غزيرة ساهمت بشكل كبير في بناء الفقه الإسلامي، والإجابة عن العديد من المسائل والقضايا الي طرأت في المجتمع الإسلامي عبر حقب من الزمان.

        – الكافي في فقه أهل المدينة المالكي:

  • كتاب لطيف في حجمه، انتقاه من أشهر مصادر المذهب وأصوله، ومما يرويه عن شيوخه بالأسانيد المتصلة كعادته، عارضا أقوال الإمام مالك وأصحابه واختلافهم، مناقشا ومعللا ومرجحا بقوله: “قال أبو عمر”، أو “وهو الصحيح عندي” أو “والأول أصح” أو “وهو صحيح في النظر والاحتياط” أو “والأول أصحها وأشهرها”. وإن التزم في مقدمته الاقتصار على ما به الفتوى في المذهب المالكي.
  • هكذا وفق طريقته المعهودة في كتبه الأخرى، يورد أقوال إمام المذهب وأصحابه وأقوال غيره من الفقهاء مقارنا وشارحا للنصوص ومنبها إلى المقاصد، ثم مرجحا ترجيح العالم الناقد المتبصر الذي لا يجمد على رأي غيره: يعرضه عرض المتبني أو المقلد ثم يمضي.
  • بين ابن عبد البر في الكافي مصادره فيه والتزامه بمذهب مالك، يقول: “اعتمدت فيه على علم أهل المدينة، وسلكت فيه مسلك مذهب الإمام أبي عبد الله مالك بن انس رحمه الله، لما صح له من جمع مذاهب أسلافه، من أهل بلده، مع حسن الاختيار، وضبط الآثار، فأتيت فيه بما لا يسع جهله لمن أحب أن يسم بالعلم نفسه، واقتطعته من كتب المالكيين، ومذهب المدنيين، واقتصرت على الأصح علما، والأوثق نقلا، فعولت منها على سبعة قوانين[49]. دون ما سواها، وهي: الموطأ، والمدونة، وكتاب ابن عبد الحكم، والمبسوطة لإسماعيل القاضي، والحاوي لأبي الفرج، ومختصر أبي مصعب، وموطأ ابن وهب وفيه من كتاب ابن المواز، ومختصر الوقار، ومن العتيبة، والواضحة فقر صالحة”[50].
الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية

د. عبد العزيز فارح

رئيس مختبر الأبحاث والدراسات في التراث الإسلامي كلية الآداب بوجدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق