المبحث الثاني: منظومة في إيمان المقلد، لأبي زيد عبد الرحمن الكلالي.

قبل الولوج إلى النص الذي نحن بصدد تحقيقه نمهد له بتعريف موجز يتمحور حول إيمان المقلد.

المطلب الأول: التعريف بالنص المحقق ومضمونه.

تُعد مسألة إيمان المقلد من الأمور التي كانت محل نقاش في عصر المؤلف  كما أشار إلى ذلك الدكتور محمد حجي[38]، والعلامة أبو علي اليوسي في محاضراته وهو يتحدث عن كلمة الإخلاص وتغالي فقهاء سجلماسة في فهمها وتفهيمها للعوام[39].

قال السنوسي في شرح المقدمات: “واختلف في تقليد عامة المؤمنين لعلماء أهل السنة في أصول الدين، هل يكفي ذلك أم لا؟ وكثير من المحققين قالوا: إن ذلك كاف إذا وقع منهم التصميم على الحق، لا سيما في حق من يعسر عليه فهم الأدلة “[40].

ولا غرو في ذلك فقد قال ابن جزي: “فأما التقليد، فاختلف العلماء فيه. فمذهب المتكلمين أنه لا يجوز ولا يُجزيء. وقال أكثر المحدثين أنه جائز يخلص عند الله، وهو الصحيح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنع من الناس بحصول الإيمان بأي وجه حصل، من تقليد أو نظر، ولو أوجب عليهم الاستدلال أو النظر لعَسُر الدخول في الدين على كثير من الناس، كأهل البوادي وغيرهم…”[41].

 وقد بُذلت جهود في بيان هذا الأمر في عصر المؤلف ومن جاء بعده، من بينها:

• الجيش والكمين لقتال من كفر عامة المسلمين، لأبي عبد الله محمد شقرون بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي المتوفى عام (930هـ)[42].
• الحكم بالعدل والإنصاف الرافع للخلاف في ما وقع بين علماء سجلماسة من الخلاف في تكفير من أقر بوحدانية الله وجهل بعض ما له من الأوصاف، لأبي سالم العياشي عبد الله بن محمد بن أبي بكر السجلماسي المتوفى عام (1090هـ)[43].
• رد التشديد على مسألة التقليد، لأحمد بن مبارك بن محمد أبي العباس السجلماسي البكري اللمطي المتوفى عام (1155هـ)[44].
• تقييد في إيمان المقلد، لأبي عبد الله محمد بن عمر ابن أبي محلى[45].
• تأليف في إيمان المقلد، لأبي عبد الله محمد بن التهامي الوزاني المتوفى عام (1311ه)[46]ـ
• تأليف في إيمان المقلد، لأبي عبد الله محمد فتحا بن قاسم القادري المتوفى عام (1331هـ)[47].

ومن هذه الجهود ” منظومة أبي زيد عبد الرحمن الكلالي في إيمان المقلد “[48] وهي محور بحثنا هذا .

وتحتوي هذه المنظومة على أقوال الأئمة الأعلام في إيمان المقلد، وأغلبها واردة في الرسالة الموسومة ب: “الجيش والكمين لقتال من كفر عامة المسلمين”، لأبي عبد الله محمد شقرون بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني (ت929هـ)[49]، فكأن المؤلف اعتمد على هذه الرسالة في نظمه هذا.

كما تجدر الإشارة إلى أن هذه المسألة  قد جاءت في كتب العقيدة الأشعرية تحت مبحث “النظر” أو “أول ما يجب على المكلف “.

وقد سعيت إلى ضبط نصها وإخراجها ليستفيد منها الطلبة والباحثون، والله الموفق للصواب من القول والعمل.