مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكتراث

تقريب نظم ابن عاشر شذرات من شرح العلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم جسوس على توحيد ابن عاشر(1)

 

“أول واجب على من كلفا ****** ممكنا من نظر أن يعرفا”

“الله والرسل بالصفات ******مما عليها نصب الآيات”

فأخبر أن أول ما يجب على المكلف – وهو كما يأتي البالغ العاقل حالة كونه مُمَكَّنا من النظر- معرفةُ الله تعالى ومعرفة رسله عليهم الصلاة والسلام بالصفات التي نصب الله تعالى عليها الآيات؛ أي أقام عليها البراهين والأدلة؛ إذ الجهل بالصفة جهل بالموصوف، وقد قال في الإحياء: “إن من اعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف الحق وخلاف ما هو عليه إما برأيه ونظره الذي عليه يعول، وإما بالتقليد، ربما ينكشف له حال الموت بطلان ما اعتقده جهلا، ويتطرق له أن كل ما اعتقده لا أصل له، فيكون ذلك سببا في شكه عند خروج روحه ويختم له بسوء الخاتمة. وهذا هو المراد بقوله تعالى: ﴿وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون﴾[1]، وبقوله: ﴿هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا﴾[2] الآية”. أنظر عبارته في كتاب الخوف.

قال في لطائف المنن: “وما أكرم الله في الدنيا والآخرة كرامة بمثل الإيمان بالله والمعرفة بربوبيته؛ لأن كل خير من خيور الدنيا والآخرة فإنما هو فرع الإيمان بالله من أحوال ومقامات، وأوراد وواردات، وكلِّ نور وعلم وفتح ونفوذ إلى غيب، وسماعِ مخاطبة من جريان كرامة، وما تضمنته الجنة من حور وقصور وأنهار و[ثمار]، أو كان به فيها من رضى عن  الله ورضى من الله ورؤية الله، فكلُّ ذلك إنما هو نتائج الإيمان ووجود آثاره، وإمداد أنواره، جعلنا الله تعالى وإياك من المؤمنين بربوبيته الإيمان الذي رضيه لخاصة عباده، وبسطنا وإياك للتسليم له في مراده”. انتهـى. وفي الإحياء أيضا: “مقصود الشرائع كلها سياقة الخلق إلى جوار الله تعالى وسعادة لقائه، وأنه لا وصول لهم إلى ذلك إلا بمعرفة الله ومعرفة صفاته ورسله وكتبه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [3]؛ أي ليكونوا عبيدا، ولا يكون العبد عبدا ما لم يعرف ربه بالربوبية ونفسه بالعبودية، فلابد أن يعرف نفسه وربه، فهذا هو المقصود الأقصى ببعثته الأنبياء”. انتهـى.

واعلم أن معرفة الله تعالى وإن كانت لا تدرك بسمع ولا بصر ولا ضرورة ولا إلهام ولا خبر فإنها تدرك بالنظر في أفعاله، وكل ما في الوجود من الأفعال على قسمين لا ثالث لهما؛ قسم يُدرك بالمعالجة والتعليم، وهي صنعة الآدميين كالخياطة والكتابة وكل ما يدرك بسب معتاد، وقسم لا يدرك بشيء من ذلك مثل تصوير البشر من الماء، وكما أن الكتابة ونحوها من الصنائع لا يصح وجودها من غير فاعل، فكذلك أيضا الأفعال التي لا تدرك بالمعالجة كتصوير البشر من الماء ونحوه، وإذا علم أن الصنعة لا تقوم بذاتها، وأنه يستحيل في العقل أن الماء الذي يتصور منه الإنسان يتصور من نفسه يدا ورجلا وسمعا وبصرا وكلاما وعقلا مع تساوي أجزاء ذلك الماء من غير صانع، عُلم أن الصانع موجود لا شك في وجوده، وأن تصوير البشر من الماء لا يُدرَك بمعالجة ولا تعليم، وأن الخلائق عاجزون عن ذلك، وإذا عجز عن ذلك الحيوانُ العاقل ولم يكن له في وجود نفسه كسب مع أنه الذي تتأتى منه الحيلة، فغير العاقل أعجز. وإذا عجز الحيوان عاقلا كان أو غير عاقل فالجماد أعجز؛ لأنه بمزلة الميت، وإذا عجز الخلائق كلهم أن يَرُدّوا أصبعا لمحله بعد زواله منه فهم على نشأة التصوير أعجز.

الهوامش:


[1] – سورة الزمر، الآية: 47.

[2] – سورة، الكهف، الآية: 103.

[3] – سورة الذاريات، الآية: 56.

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق