وحدة المملكة المغربية علم وعمرانتراث

من طبائع العمران البدوي بالمغرب: أربعينية الشتاء أو الليالي حياني

الليالي  حياني أو أربعينية الشتاء هي أشد أيام الشتاء برودة، وسبب تسميتها بالليالي هو طول لياليها وشدة برودتها، والتي تبدأ من يوم 25 دجنبر من كل سنة،، ومدتها 40 يوما، وهذه الظاهرة الطبيعية مرتبطة عند المغاربة ببعض الطقوس والعادات الاجتماعية والثقافية، من ذلك الاحتفاء بنصف “الليالي”، أي  بعد مرور 20 يوما منها، حيث يحل رأس السنة الفلاحية الموافق لـ13 يناير من السنة الميلادية، ويتم تحضير وجبات خاصة احتفاءا بالسنة الفلاحية، والتي تختلف من منطقة لأخرى، وكان أجدادنا لهم دراية عظيمة  بحركات الشمس والقمر والبروج والمنازل، وانعكاساتها على المناخ والطقس والبيئة والفلاحة، وهذه الخبرات والمعلومات جلها مستمدة من خلال الأمثال الشعبية والحكم، المتوارثة والمدونة في أذهانهم .

 وكما سبق الذكر، فمجموع عدد أيام الليالي 40 يوما، وقد قسمها أجدادنا قديماً إلى مسميات مختلفة وهي :

الليالي البيض : مدتها 20 يوماً يشتد فيها البرد وتكثر فيها العواصف «وتحس فيها بدخول فصل الشتاء الذي يباغتك برده في العظام وتنقسم هذه الليالي إلى:

  • الكوالح : مدتها 10 ايام وتبدأ صباح يوم 25 دجنبر، وتنتهى يوم 3 يناير.
  • الطوالح : مدتها10ايام وتبدأ من صباح يوم4 يناير، وتنتهى مساء يوم  13يناير.

الليالي السود : وقد سميت بهذا الاسم نظراً لأنها عادة ما تكون ليالي جامدة شديدة البرودة يقترب فيها الناس من مواقد النار وأجهزة التدفئة، وبالرغم من قوة الاسم إلا أن الناس تفاءلوا بها خيراً ويردد كبار السن مطلع هذه الليالي “الليالي السود ايفتح فيها كل عود”، حيث تأخذ كل المزروعات أشكالها وتبرز ورودها وزهورها خلال هذه الفترة لكي تواصل نموها بقية فصل الشتاء وتنقسم إلى :

  • الموالح : ومدتها10ايام وتبدأ صباح يوم14 يناير، وتنتهى مساء يوم 23 يناير .
  • الصوالح : ومدتها 10 ايام وتبدأ صباح يوم 24 يناير، وتنتهى مساء يوم2 فبراير .

وبذلك يكون مجموع ليالي الشتاء الباردة 40 ليلة، تليها عشر ليال يتقلب فيها الطقس فعادة تكون دافئة وعادة تكون باردة وتعرف هذه الليالي باسم ” العزازة “، ثم تتبعها ثلاث ليال شديدة البرودة تبدأ صباح يوم 12فبراير، وتنتهي مساء يوم 14 فبراير، [1]وتعرف باسم قرة العنز[2].

وفي لقاء صحفي مع الباحث محمد غازي الحجاجي صاحب كتاب “خروج السمايم نقايم، وخروج الليالي نعايم“، فقد ذكر لنا أهم المنازل في فصل الشتاء في العرف الثقافي الشاوي قائلا: تتكون منزلة الليالي من ثلاث منازل وهي :

  • سعد البلدة : وتكون شديدة البرودة وقاسية، وهناك مثل شعبي يقول: “البلدة يضرب السماء حتى للكبدة“.
  • سعد الذابح : ويرد فيها المثل الشعبي “لا كلب نابح ولا عطار رابح“.
  • سعد البولع : تكون فيها السمرة إلى أقصى درجة، ويقولون على الصبي ” توكليه مايشبع، تسخريه مايرجع، تكلميه مايسمع“، وذكر أن على كل منزلة أمثال كثيرة، وقد اكتفى بذكر هذه الأمثلة، ثم بعدها تأتي منازل أخرى وهي:
  • سعد السعود : التي تعرف بعض الدفيء، إلا أنها في بعض الأحيان تكون شديدة البرودة، لذلك هناك مثل شعبي يقول “تزنزن النحلة فالعود ولا يموت بالبرود“، يعني حذاري رغم أن الليالي الباردة قد انتهت، قد تكون مازالت هناك بضعة أيام باردة.
  • سعد الأخبية : وفي هذه المنزلة يكون فيها الجو صحوا ودافئا، لذا نقول” كتخرج كل من هي مخبية وكتفرح كل من هي مربية[3].

وبالنظر لمكانة “الليالي” في متخيل المغاربة وحياتهم، فقد نسجت بشأنها أمثال عديدة، منها :

لليالي المسعودة تنزل الشتا بالليل والنهار مفقودة “، أي أن هطول المطر ليلا يسمح للفلاح بالعمل نهارا.

– ” إيلى روات فالليالي عول على السمن بلقلالي “، ومعنى ذلك أن سقوط الأمطار بغزارة في هذه الفترة يسمح بتوفير العشب بكثافة في الحقول، وهو ما يمكن قطيع الأبقار من أكل وفير، يساهم في توفير الحليب ومشتقاته كالسمن الذي كان يوضع في القلة المصنوعة من الطين.

– ” ما تفرح بالمعيز أو الخرفان حتى يخرج الليالي وحيان “، أي أن سلامة قطيع الغنم والماعز والبقر رهين بخروج البرد القارس الذي يطبع “ألليالي”، حيث يتعين قبل ذلك العناية بالقطيع في الحظائر حتى تحل فترة الدفء[4] .

 ويضيف الباحث محمد غازي الحجاجي: أنه عندما يقترب موسم الحرث، يبدأ أهل البادية بالاستعدادات لهذا الموسم، وذلك بتجهيز البهائم وتسميرها، والمحراث وسكة المحراث …

وأما عن البذور فكان الشخص المسن أو الجد في كل عائلة هو في الغالب من يتكلف بها، فعندما يقترب وقت الحصاد، يذهب الجد إلى الحقل ويختار تلك السنابل التي تكون أطول، والتي تحتوي على أكبر عدد من الحبوب فيجمعها، ويضعها جانبا، وعندما تجف جيدا، يقوم بدرسها بعصى، وكان هناك من يتركها في سنابلها… وهذه الإجراءات عندهم مرتبطة بالمنازل، فنجد معلوماتهم وخبراتهم متوارثة ومدونة في أدهانهم، بواسطة أمثال شعبية. [5]

 وكانوا يتنبؤون بسقوط الأمطار من خلال لون السماء، وارتباطا بالمثل الشعبي القائل: “إيلا حمارت السماء مع الصباح ربط عودك ورتاح، وإيلا حمارت مع العشية سرج عودك للمشية“. أي إذا احمرت السماء مع الفجر وفي الصباح الباكر، ففي غالب الأمر ستسقط الأمطار بعد الظهر، وإذا احمرت السماء في العشية فهذا يعني أنه لن تسقط الأمطار في ذلك الأسبوع[6].

 وذكر الباحث أنه كان قديما في بداية فصل الخريف، وبالضبط في المنزلة الأولى التي تسمى الصرف، كان أجدادنا  أو شيوخ القصبة، يخرجون قصبة طويلة ويضعون في رأسها الصوف، وتبقى طوال الليل، وكل صباح وبعد صلاة الفجر، يأخذ كل واحد قطعة ويتذوقها ويشمها، ويسجل في ذهنه أشياء توارث معرفتها، وفي آخر هذه المنزلة التي تسمى الصرف، يجتمع شيوخ القصبة ويخرجون بنظرة موجزة عن الأحوال الجوية والتقلبات المناخية في تلك السنة، وهل السنة الجارية ستكون جافة أو مطرة، وكان هناك أيضا أشخاص يجلسون مع هؤلاء الشيوخ،  ويحفظون منهم  أمثال شعبية المتعلقة بالتقلبات الجوية طوال السنة وهناك من يدونونها .

وتجدر الإشارة إلى أن مزال هناك الارتباط الوثيق بهذا لموروث الشعبي في  البوادي والأرياف المغربية، وهو موروث فلكي شعبي، يتم من خلاله معرفة الأرصاد الجوية، والتقلبات المناخية خلال السنة .

[1] –  مجلة أصوات – مقال الموروث الشعبي الذي يرويه أجدادنا عن فترة الليالي- عدد ديسمبر 2021.

[2] –  قرة العنز هي ثلاث ليال شديدة البرودة تبتدأ حسب الثقافة الشعبية من صباح يوم 12 يناير من كل سنة، وتنتهي مساء يوم 14 يناير

[3] –  انظر كتاب “خروج السمايم نقايم وخروج الليالي نعايم” محمد غازي الحجاجي

[4] –  مصدر هذه الأمثال وكالة الأنباء المغربية.

[5] –  انظر كتاب “خروج السمايم نقايم وخروج الليالي نعايم” محمد غازي الحجاجي

[6] –  انظر كتاب “خروج السمايم نقايم وخروج الليالي” نعايم محمد غازي الحجاجي

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق