مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

المراجعات الفقهية عند الإمام مالك نماذج تطبيقية

تبرز أهمية هذه الدراسة لاتصالها بفقه الإمام مالك، حيث تروم بيان الآراء الفقهية التي رجع عنها الإمام مالك، والتطور الذي حصل في بعض آرائه الاجتهادية تقديما وتأخيرا.

ذلك أن آراء الإمام مالك تحظى بأهمية كبرى في مجال الفتوى، وهذه الآراء المنسوبة إليه لازالت مدونة  في كتب الفقه؛ فقد لا يُنَصّ في بعض الكتب المصنفة في المذهب على أن الإمام مالك رجع عنها، وربّما وُجد العمل عليها عند أصحابه رغم رجوعه عنها، مما يتسبب في عدم استيعاب الكثير من الدارسين لآراء الإمام مالك، فلا ينزلون الخلاف في الروايات عن الإمام مالك على سياقاته وأسباب رجوعه عن بعض اجتهاداته، وقد يظن البعض أن هذه الروايات متضاربة لجهله بالمُتقدم والمتأخر من آراء الإمام مالك.

والحقيقة التي ينبغي إدراكها أن الإمام مالك كان يستأنف سؤال الاجتهاد في القضايا والنوازل مما يجعله يجدّد النظر في آرائه وأقواله واجتهاده فيستفرغ وسعه.

قال معن سمعت مالكاً يقول:” إنما إنا بشر أخطىء وأرجع وكلما أقول يكتب”[1]. قال أشهب: “ورآني أكتب جوابه في مسألة فقال لا تكتبها، فإني لا أدري أثبت عليها أم لا.”[2]

“وقيل لابن وهب: ابن القاسم يخالفك في أشياء. فقال: جاء ابن القاسم إلى مالك وقد ضعف. وكنت أنا آتي مالك وهو شاب قوي، يأخذ كتابي فيقرأ منه، وربما وجد فيه الخطأ فيأخذ خرقة بين يديه فيبلها في الماء فيمحوه، ويكتب لي الصواب”.[3]

وقد سار على هذا النهج أصحاب الإمام مالك. قال سحنون:” ما كان أحد يناظر أشهب، إلا اضطره بالحجة حتى يرجع إلى قوله”[4]. وكتب ابن القاسم إلى أسد أن اعرض كتبك على كتب سحنون، فإني رجعت عن أشيــاء ممّا رويتها [5].

وكان أبو محمد عبدالله بن فروخ الفارسي فقيه القيروان في وقته (ت176هـ)  يرى الخروج على أئمة الجور، فلما خرج إلى مصر وشيّعه الناس التفت إلى من شيّعه، فقال: اشهدوا أنّي رجعت عما كنت أقول به من الخروج على أئمة الجور، وتائب إلى الله منه[6].

لقد سلكت في هذا الموضوع منهجا يقوم على تتبع بعض المسائل التي حُكي فيها رجوع الإمام مالك مع الحرص أن يكون ذلك منقولا عن الإمام مالك منصوصا عليه من قوله أو فعله، أو يحكي رجوعَه عن اجتهاده أحدُ تلاميذه الملازمين له، أو يَنُصّ على ذلك أحد الأئمة المعتمد قولهم في مذهب مالك.

وقد اعتمدت في هذه الدراسة على إثبات القول القديم للإمام مالك، ثم أردفه بإثبات رجوع الإمام عن قوله أو رأيه في المسألة، مع توجيه قوله ما أمكن إلى ذلك سبيلا، واتخذت كتاب الطهارة نموذجا.

وللموضوع وجه أصولي لن نتعرض له في هذه الدراسة؛ لأن الغاية بيان أقوال الإمام مالك المتقدمة والمتأخرة، حتى يدرك الباحث أثر ذلك في توجيه الفقهاء لالتماس المنهج السليم لبناء فقه صحيح مسند بصحيح الأثر والنظر.

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11الصفحة التالية

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بوركتم، ولو كان هناك محاولة ترجيح في الموضوع لكان أفضل، أقصد من باب الخلاف العالي والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق