وحدة المملكة المغربية علم وعمرانفنون وعمرانغير مصنف

زاوية أحنصال : مفخرة الأطلس الكبير الأوسط

تعرف الزاوية الحنصالية داخل وخارج المغرب من خلال كتاب إرنست كلنير الشهير “صلحاء الأطلس“، لكن التعريف بها وبتاريخها وعمرانها على نطاق واسع لم يتحقق إلى اليوم؛ وهو ما جعلني أفرد هذه الحلقة من “فنون وعمران” لهذه الزاوية المباركة الموجودة في قلب جبال الأطلس الكبير الأوسط والتي ستنشأ عنها فروع وامتدادات في المدن والقرى المغربية.   

اشتق اسم الزاوية من كنية مؤسسها الأول: أحنصال، دادَّا سعيد (سعيد الكبير) الذي عاش خلال القرن السابع الهجري، مريد سيدي أبي محمد صالح الماجري (ت 631 هـ)، دفين أسفي، بحسب الرواية الشفهية التي تحدثنا عن قدوم دادّا سعيد إلى موضع تَاغْيَا نَايَتْ تَاكَلاَّ، على ضفة واد سيسمى “أسيف نُوحْنْصَالْ”. وسيواكب قدوم  دادا اسعيد نزوح قبائل أيت عطا الصنهاجية إلى المنطقة المجاورة للزاوية، وبعد تحالفه معها ستصبح من خدام الزاوية والمترددين عليها[1].

منظر عام لزاوية أحنصال

الزاوية الحنصالية الأم  بالقرية التي تحمل اسم زاوية أحنصال بإقليم آزيلال

ضريح دادا اسعيد أحنصال الكبير المؤسس الأول للزاوية و تلميذ أبي محمد صالح الماجري

وادي أحنصال  الذي يحمل اسم الزاوية

بعد حوالي أربعة قرون من قدوم سيدي اسعيد الكبير إلى زاوية أحنصال اشتهر أمر سيدي سعيد احنصال ثان في غضون القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي  الذي درس القرآن الكريم على فقيه من تِسْلِيتْ، بدير جبل غنين، جنوبي مدينة بني ملال، ثم انتقل، طلبا للعلم، إلى مدينة القصر الكبير التي كانت تابعة آنذاك للزاوية الدلائية، وما زال، بالمدينة المذكورة، مسجد يدعى مسجد سيدي علي الحنصالي[2].

وبعد ذلك انتقل سيدي سعيد احنصال إلى مدينة فاس ليدرس سبع سنوات على ثلة من مشاهير العلماء، ورحل إلى زاوية أخنوش[3]، بتافيلالت، حيث سيقيم بها سبع سنوات أخرى. ثم ذهب للحج، وخلال رجوعه التحق بجامع الأزهر، بمصر، وتلقن المنظومة الدمياطية من الشيخ عيسى الجنيدي الدمياطي، والتي ستكون وردا رئيسا في طريقة إحنصالن. وزار ضريح أبي العباس المرسي، بالإسكندرية[4].  وبعد رجوعه إلى المغرب أخذ عن الشيخ محمد ابن ناصر الدرعي وغيره من الشيوخ[5]. ثم أخذ سيدي سعيد احنصال، صاحب الزاوية بأيت عطا، عن الشيخ علي بن عبد الرحمان الدرعي، دفين قرب قرية تانوغا بتادلا، بمدشر تَمُجُّتْ أو تَمُدْجُوتْ البعيد عن بني ملال بحوالي 30 كلم جهة الشمال الشرقي في الجبل[6].  وقد أذن سيدي علي بن عبد الرحمن الدرعي لتلميذه سيدي سعيد أحنصال بإنشاء زاوية خاصة به سيؤسسها بأغْبَالُو- نَايْتْ- مْضْريفْ، على بعد 8 كلم غربي ووزَغْتْ، حيث من الراجح أنه سيدفن هناك بعد وفاته[7].

وكما تحققت علاقة وطيدة بين الحنصاليين والناصريين وانطلاقا من تتلمذ سيدي سعيد أحنصال على الشيخ سيدي علي بن عبد الرحمن الدرعي، تلميذ الدلائيين، ستتشكل علاقة ثقافية بين الزاوية الحنصالية والزاوية الدلائية؛  وستتأكد خلال وثيقة اتفاق بين قبائل جبلية، صادرة عن زاوية سيدي بويعقوب، بأسولْ، تحت إشراف علماء دلائيين الحسن اليوسي و محمد المرابط الدلائي وأحمد المجاطي، وتحرير عالمين حنصاليين، يوسف أحنصال و إسماعيل احنصال [8].

وقد يغلب على الظن أن زاوية جبلية تقع في منطقة نائية بالأطلس الكبير الأوسط ستكتفي بإشعاع محلي يقتصر على نشر العلم والصلاح و إطعام الطعام وحل النزاعات المحلية وهذا خير كثير، لكن حقيقة الأمر أن الزاوية الحنصالية عرفت انتشارا وإشعاعا علميا وتربويا وثقافيا بلغ جل الحواضر العلمية المغربية. 

وتذكر المصادر أن زوايا حنصالية تابعة  لزاوية سيدي اسعيد الحنصالي، أسست بمراكش ورباط الفتح، ومكناسة الزيتون، وتطوان بحي أحفير، والتسول وفاس[9]، بزنقة الجياد من حومة البليدة، والتي كانت زاوية لأصحاب سيدي رضوان الجنوي،  كما ظهرت زوايا حنصالية أخرى بطنجة والقصر الكبير..

الزاوية الحنصالية برباط الفتح، نموذج لإشعاع الزاوية في الحواضر الكبرى 

والحال أن الزاوية الحنصالية بتاريخها وعمرانها وأصالتها وإسهامها الحاسم في نشر العلم والصلاح في  الأطلس الكبير الأوسط وتادلا وامتداد نفوذها العلمي والتربوي إلى حواضر وقرى المملكة يؤكد أن الإشعاع العلمي والثقافي للبادية المغربية لا يقل أهمية عن مثيله في الحواضر، ولعله يكون أحيانا أقوى وأكثر تأثيرا إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف الصعبة التي تحيط بزوايا الجبال النائية وصعوبة المناخ وقلة التواصل، وهو ما يبرز أيضا أن ازدهار العلم والعرفان والعمران بالمملكة المغربية تحقق بتفاعل جدلي بين الحواضر والقرى والجبال بفضل من الله وهي المسألة التي ينبغي استحضارها بكل وعي حين التفكير في المسألة الثقافية والتنموية ببلادنا…

 

[1]– مادة: زاوية أحنصال، أحمد عمالك، ضمن: معلمة المغرب، الجزء الأول، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، سلا، مطابع سلا، 1410 هـ- 1989 م، ص183- 184.

[2]– مادة: زاوية أحنصال، ص184.

[3]– لعلها زاوية الشيخ أبي عبد الله من أولاد محمد. راجع (ي): مادة: أحنصال، سعيد، محمد الأخضر، ضمن: معلمة المغرب، الجزء الأول، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، سلا، مطابع سلا، 1410 هـ- 1989 م، ص188.

[4]– مادة: زاوية أحنصال، ص184.

[5]– مادة: زاوية أحنصال، ص184.

[6]– مباحث الأنوار في أخبار بعض الأخيار، أحمد الولاّلي، دراسة وتحقيق: عبد العزيز بوعصّاب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة: رسائل وأطروحات رقم 46، بدعم من برنامج التعاون بين الكلية ومؤسسة كونرادأدناور، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ط. الأولى، 1999 م، ص279 والهامش رقم 439.

[7]– مادة: زاوية أحنصال، ص184.

[8]– مادة: زاوية أحنصال، ص184.

[9]– الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج9، ص211.

د. جمال بامي

  • رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ومركز علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق