الاستدعاءات والإجازات بين العلماء وأثرها في ربط الصلات العلمية بين المغرب والمشرق في(ق14هـ)،

تأليف: الدكتور جمال القديم.

سلسلة: دراسات وأبحات 25.

تعدّدت صيغ التواصل العلمي بين المشرق والمغرب، وكان لرحلة الحجّ أثر كبير في رسم خيوط ومعالم هذا التواصل، وفتحت البابَ أمام المغاربة للاطلاع على معالمِ ثقافة المشرق بمختلف أنواعها وجوانبها، وتحصيل قدر كبير منها، من خلال لقاء العلماء والمشايخ في مختلف البلدان التي يمرون بها في طريق ذهابهم وإيابهم، وأتاحت هذه اللقاءات العلمية أيضا للمشارقة التعرُّفَ على جوانبَ مُهمَّةٍ من الثقافة المغربية والعلوم المرتبطة بها، خصوصا، وأنّ هذه الرحلات كانت تضم كبار العلماء المتقدمين في العلوم، الضاربين فيها بقدم راسخة، المعروفين بجودة القريحة، وحسن المذاكرة.

ومن الظواهر العلمية التي ارتبطت بهذه اللقاءات، وأَخْذ هؤلاء العلماء بعضهم عن بعض، ظاهرة «الاستدعاءات والإجازات»، وهي أن يكتب الشخص الراغب في الإجازة وثيقة يطلب فيها من شيخ من الشيوخ أن يجيزه برواية ما صحّ من أسانيده ومروياته، ويسمى هذا «استدعاء»، فيرد عليه الشيخ بكتابة وثيقة جوابية تحمل إسعاف الطالب بمرغوبه، والإذن له في الرواية عنه، وقد يُشفِّع ذلك بذكر بعض أسانيده ومروياته، ويسمى ذلك «إجازة».

وإذا كانت هذه الاستدعاءات والإجازات في أصلها وبدايتها وثيقةَ الصلة بالحديث؛ وبعد أن كان العلماء يقتصرون في كتابتها على عبارات قصيرة بأساليبَ سهلة، فقد طرأ عليها فيما بعدُ تطورٌ في مضمونها وأسلوبها، بحيث أصبحت كتابتها في العصور المتأخرة تحتاج إلى ملَكة أدبية كبيرة، وقدرةٍ لغويةٍ فائقة، وتمَّ فيها توظيف أعذب الأساليب البيانية، وأبلغ الصور المجازية؛ حتى كأنه يُخَيَّلُ لقارئها أحيانا أنها مقامة أدبية وليست إجازة علمية، إضافة إلى احتوائها على كثير من الأشعار والأمثال والوصايا والحكم وغيرها.

وإلى جانب ذلك فهي وثائقُ حيَّةٌ وشواهدُ تاريخيةٌ تؤَرِّخُ لمراحِل تلك الرَّوابِطِ وَالصِّلاَتِ التي تجمع بين العلماء والثقافات التي ينتمون إليها، مما استوجب دراستها، والبحثَ عن سبل استثمارها والاستفادة منها في رَفْعِ صَرْحِ المشروع الحضاري الذي تنشده الأمة في حاضرها ومستقبلها، وهو ما قام به الباحث المُجِدّ الدكتور جمال القديم أثابه الله خيرا، في هذه الدراسة الماتعة التي أورد فيها كثيرا من نصوص الاستدعاءات والإجازات، مُعَرِّفا بها، ومُنَبِّها إلى تطور أساليب كتابتها، ومُبَيِّنا أثرها في مدِّ جسور التواصل العلمي بين المغرب والمشرق، ومُشيرا إلى طرق العلماء ووسائلهم في سبيل تحصيلها، ولم يقتصر حديثه عنها باعتبارها وسيلة للرواية فقط، بل تحدّث عنها باعتبارها حواملَ معرفية مهمة ذات قيمة علمية كبيرة، من خلال ما تحفل به من معارف متنوعة؛ أدبية وحديثية وتاريخية، وغيرها، كما تضمَّن البحث أسماء عدد من علماء المغرب والمشرق الذين أسهموا في ربط هذه الصلات العلمية من خلال إجازاتهم التي تبادلوها فيما بينهم.

وهذا الكتاب  في أصله بحث أكاديمي نال به مؤلفه درجة الدكتوراه في الآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، تحت إشراف فضيلة العلامة الدكتور عبد الله المرابط الترغي رحمه الله، والدكتورة جميلة رزقي حفظها الله.