مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

مكتبة الزاوية الناصرية أو مكتبة تمكروت

تقديم: عبد الغني زيدان

باحث بمركز ابن البنا

مرحلة التأسيس:

تأسست هذه المكتبة خلال القرن السابع عشر في قلب الزاوية الناصرية التي ظهرت مع بداية الدولة العلوية جنوب المغرب، وينسب تأسيس هذه المكتبة إلى الشيخ العارف بالله أبي عبد الله محمد بن ناصر و إلى ولده الإمام أبي العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي المتوفى سنة 1129 هجرية، صاحب الرحلة الحجازية المطبوعة في فاس في مجلد ضخم[1]. لقد اشتهرت هاته المكتبة بكونها واحدة من أثرى مكتبات المغرب و أروعها. كانت تضم ما يقارب 4000 مخطوط، يوجد ضمنها أقدم مخطوط عربي في العالم.

مكان التأسيس:

شيدت هذه المكتبة بقرية تمكروت الواقعة في جهة درعة تافيلالت، حيث تبتعد عن جنوب مدينة زاكورة بمسافة 18 كلم. لم تكن هذه الخزانة في البداية إلا مركزا صغيرا كان يتم فيه تدريس “أوراد الشاذلية” حتى جاء العلاَّمة محمد بن ناصر سنة 1040 هجرية وقام بتعليم الطريقة الشاذلية و تدريس الطلبة العلوم الدينية و العملية.

 و هكذا أصبحت الزاوية و المكتبة مركزين للتدريس و المطالعة تجاوزت شهرتهما حدود منطقة درعة[2]، مما أهلها لتصبح عاصمة للعلم يؤُمُها الناس من عدة بلدان لطلب العلم والمعرفة وللتلمذة على يد شيوخها.

قيمة المكتبة:

إن الطموح الثقافي الذي تميز به شيوخ الزاوية الناصرية كان عاملا محفزا، مما دفع ببعض شيوخها إلى البحث عن نوادر الكتب في جميع أقطار البلدان العربية التي قاموا بزيارتها. و قد انحدرت أغلب الكتب التي ملأت جنبات هذه المكتبة من الهبات و عطايا السلاطين و أيضا بواسطة عمليات الاقتناء التي قام بها شيوخ الزاوية أثناء قيامهم برحلات خاصة، ففي رحلته إلى إسطنبول اشترى الشيخ محمد بن عبد السلام الناصري المتوفي سنة 1240ه مؤلفات عديدة منها كتاب الكمال للحافظ عبد الغني المقدسي في مجلدين، كما اقتنى الشيخ محمد بن ناصر العديد من النسخ، وقد أقدم على دفع ثمانمائة مثقال مقابل نسخة من كتاب الحلية لابن النعيم[3]. و على نفس الطريقة فعل ذلك غيره من شيوخ الزاوية أثناء رحلاتهم إلى مكة والمدينة ومصر وتونس.

وأيضا شكلت النساخة أهم مصادر إغناء هاته المكتبة نظرا لعجز الشيوخ عن شراء كل الكتب و المصنفات التي كانوا يحتاجون إليها، فإنهم كانوا يعملون على إنتساخها بأنفسهم و طبعها على نفقاتهم الخاصة، كما استفادت هذه المكتبة أيضا من أرصدة عدد من المكتبات الخاصة، نخص منها بالذكر  مكتبة أبي الحسن الدمناتي، و من المخطوطات التي كانت موقوفة على الزوايا الفرعية التابعة للزاوية الناصرية.

ما يؤسف القارئ و الباحث المجتهد حين يضطلع عن مكانة هذة المكتبة العظيمة يجد نفسه مشدوها لحالها اليوم، فبعد استقلال المغرب عن فرنسا عام 1956، اختفت مئات المخطوطات من المكتبة و لم يعرف لها مصير، و في نفس الوقت تم نقل مئات من المخطوطات إلى المكتبة الحسنية بالرباط، و بذلك فقدت مكتبة تمكروت إشعاعها الثقافي و العلمي ، وتحولت إلى مزار سياحي يؤمه السياح الأجانب لأخذ الصور العمرانية فقط.

[1] – طبعت على الحجر في فاس سنة 1902 في جزءين. انظر هامش كتاب تاريخ المكتبات الإسلامية و من ألف فيه، الشيخ عبد الحي الكتاني، ضبط و تحقيق، أحمد شوقي بنبين، عبد القادر سعود، الخزانة الحسنية، ط2 منقحة، 2005م.

[2] – تاريخ خزائن الكتب بالمغرب للدكتور شوقي بنبين، ترجمة، د مصطفى طوبي، الخزانة الحسنية، ط1، 1424ه/2003م.

[3] – المصدر نفسه، ص 139.

Science

ذ. زيدان عبد الغني

باحث مركز ابن البنا المراكشي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق