عبد العزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

نظرا لأهمية البعد المادي (الملموس) في التاريخ الثقافي لأي حضارة من الحضارات، فقد ارتأينا أن نضيف إلى الموقع الإلكتروني لمركز ابن البنا المراكشي هذه الخانة الجديدة التي تُعنى بالتركيز على إبراز بعض الجوانب الملموسة من التاريخ العلمي للحضارة العربية الإسلامية. والمقصود بهذه الجوانب هو مجمل المظاهر العمرانية التي شكلت في يوم من الأيام امتدادا للممارسات العلمية، أي تلك الجوانب المشخصة التي تجلى فيها استثمار الفكر العلمي وتطبيقاته داخل المجتمع الإسلامي في العصر الوسيط. كما يشمل هذا البعد أيضا بعض الحوامل المادية كالمخطوطات، أو بعض المنتوجات المصنعة كالآلات الفلكية أو الساعات أو المنتوجات الخزفية وأدوات التسلية. هذا بالإضافة إلى بعض المظاهر العمرانية الأخرى الكثيرة كالمكتبات والقناطر ودور العلم …

هكذا، سيكون التركيز أكبر في هذه الخانة على عرض صور معينة مع الاكتفاء بتعليق مقتضب يوضح طبيعة وأهمية موضوع تلك الصور. بناء على ذلك، لم نر داعيا لإرفاق هذا التعليق بعناوين المراجع أو المصادر التي استقينا منها تلك المعلومات الواردة فيه. لقد ارتأينا في هذا السياق أن نفتتح هذه الخانة بعرض صور لإحدى مخطوطات كتاب “تلخيص أعمال الحساب” الذي يعد من بين أهم الكتب الرياضية التي كتبت بالغرب الإسلامي، كما يكاد يجمع مؤرخو الرياضيات على أن هذا الكتاب كان أهم عمل رياضي بالمغرب الأقصى. وذلك لعدة أسباب، أهمها مدى التأثير الكبير الذي أحدثه لدى الرياضيين اللاحقين عليه. حيث سيكتب هؤلاء عدة شروح تناولت مادته الرياضية بالتوضيح المفصل، سواء من الناحية الرياضية أو اللغوية، ويصل عدد هذه الشروح إلى ما يقارب أربعة عشر شرحا.هذا فضلا عن هيمنة هذا الكتاب على مجمل البرامج التعليمية داخل المدارس والمساجد المغربية، إذ من المعروف أن الرياضيات كانت تشكل مادة مهمة داخل حلقات تدريس العلوم الشرعية أو ضمن تلك البرامج (التعليمية) بصفة عامة، ويرجع هذا الأمر إلى أهميتها الإجرائية والعملية فيما يخص بعض المتطلبات الشرعية (الدينية) كتقسيم المواريث…  كما يشهد على أهمية هذا الكتاب قول للمؤرخ ومؤسس علم العمران البشري العلامة ابن خلدون الذي يشيد بأهميته مشيرا، في الآن نفسه، إلى ما يكتنف براهينه من صعوبة، حيث يقول عنه : “ولابن البنا فيه [أي علم الحساب] تلخيص ضابط لقوانين أعماله مفيد. ثم شرحه بكتاب سماه رفع الحجاب، وهو مستغلق على المبتدئ بما فيه من البراهين الوثيقة المباني. وهو كتاب جليل القدر، أدركنا المشيخة تعظمه. وهو جدير بذلك.”

   يتناول كتاب التلخيص، بطريقة مركزة، العناصر الأساسية لعلم الحساب. إذ ينقسم الكتاب إلى جزئين : يضم الأول ثلاثة أقسام، يتطرق أولاها للأعداد الصحيحة والعمليات الأربع الأساسية المتمثلة في الجمع والضرب والقسمة و”الجبر والحط”. بينما يتطرق القسم الثاني لنفس العمليات، لكن في ارتباطها بالكسور. هذا في حين يتعلق القسم الثالث بالجذور، سواء في ارتباطها بالأعداد الصحيحة أو بالكسور. أما الجزء الثاني من الكتاب، فيخصصه ابن البنا لما يسميه “بالقوانين التي يمكن بها الوصول إلى المجهول من المعلوم المفروض”. وينقسم هذا الجزء إلى قسمين: الأول منهما متعلق بالعمل بـ”النسبة”، أما الثاني فمخصص لبعض المسائل في الجبر.

   يبدوأن تأثير هذا المتن الرياضي لم يقتصر على المغرب الأقصى فقط، حيث يمكن أن نلاحظ من خلال المناطق التي ينتمي لها شراحه مدى انتشاره، إذ ينتمي بعض هؤلاء إلى المغرب الكبير، بينما ينتمي آخرون إما إلى الأندلس أو إلى المشرق (مصر). أما فيما يخص مسألة ترجمته إلى غير العربية، فإننا لا نعرف له ترجمة إلى اللاتينية أو أي لغة أوربية محلية (كالقشتالية أو غيرها) في العصر الوسيط. هذا على عكس اللغة العبرية، إذ نعرف حاليا أن هناك ترجمة لكتاب التلخيص أنجزها ابن الأحدب. أما في الفترة المعاصرة، فيمكن الإشارة إلى الترجمة التي أنجزها الفرنسي أرستيد مار، إضافة إلى ترجمة أخرى أنجزها المرحوم محمد سويسي الذي نشرها مرفقة بتحقيق نقدي لهذا النص مع تحليل رياضي سنة 1969.

مصدر الصور : هذه الصور مأخوذة من مخطوط “تلخيص أعمال الحساب” الموجود بالمكتبة السليمانية بتركيا برقم 3150. وهي نسخة تتكون مما يقارب 226 صفحة.