مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

مرصد مراغة

لعب علم الفلك دورا مهما في قياس الوقت، وقد ازدهرت مقومات هذا العلم خلال العصر العباسي الأول، حيث انكب العلماء إلى دراسة حركات القمر وتحديد التقويمات بدقة، وقد وجدوا بعد المقارنة بين التقويم الميلادي والهجري أن السنة القمرية تتقدم أحد عشر يوما كل عام مقارنة بالسنة الشمسية.

 كانت التجارب العلمية المبنية على القياس والاستنباط والحاجة الإسلامية لتحديد مواعيد الصلاة واتجاه القبلة كلها أسباب أدت لتطور المراصد كمؤسسات. و على هذا الأساس يمكن القول أن الدولة الإسلامية في ذلكم الوقت شكلت بيئة مناسبة لنشأة المراصد و تطورها.

لقد كانت هناك مرتبة خاصة لعلم الفلك في العالم الإسلامي وكان هناك اهتمام بالرصد المباشر وبدقة القياسات وبالنظريات الرياضية وبزيادة حجم الآلات، ويعد المرصد الذي شيده عالم الفلك نصر الدين الطوسي[1] في غربي إيران، جنوب تبريز مرحلة من مراحل تطور العمل في المراصد، ويعد واحدًا من أهم المراصد في تاريخ الحضارة الإسلامية

أنجز هذا المرصد مراغة عام 1259، إبان حكم الإلخانيين في عهد الحاكم المغولي هولاكو خان[2]، و كان العمل الأساسي الذي تم بناءه عليه في هذا المرصد هو إعداد جداول فلكية جديدة. كما تضمنت مكتبة المرصد أزيد من 470 ألف كتاب. و كان يشتغل فيه على مدار سنوات من البحث و التقويم خيرة العلماء الفلكيين البارزين من بينهم: مؤيد الدين العرضي[3]، و يحيى ابن أبي الشكر المغربي[4]، و قطب الدين الشيرازي[5]، و غيرهم.

و في هذا المرصد قام العالم نصير الدين الطوسي بإهداء جداول فلكية حملت عنوان ” الزيج الإلخاني” و البيان المصور للنجوم الثابتة التي بقيت كلها بعد ذلك لمدة طويلة يعتمد عليها الفلكيين الذين أتوا بعده. كما تضمنت لائحة علماء المرصد عالما صينيا، ربما كان يدين بالإسلام يذكر باسم جمال الدين[6] ( Cha-Ma-Lu-Ting)) و تضمنت تواريخ سلالة يوان ( (Yuan ووصفا دقيقا لتصميمه كأداة لمراقبة السماء رُكبت على سور الصين العظيم.

المراجع المعتمدة:

الحسني، د. سليم. ألف اختراع واختراع: التراث الإسلامي في عالمنا. ايمبولس د ك، لندن. 2006.

فارس، د. محمد، موسوعة علماء العرب والمسلمين. الطبعة الأولى. دار الفارس، عمان،  1993م.

نلينو، كارول، تاريخ علم الفلك عند العرب. مكتبة الدار العربية للكتاب، بيروت. 1911م.

[1] نصير الدين محمد بن محمد بن حسن الطوسي (597 هـ/ 672 هـ )عالم فارسي فذ في مختلف المجالات، ورجل سياسة. مؤلفاته (بالعربية) في علم الفلك والرياضيات والفلسفة والفقه جد جليلة. اجتاح المغول بلاده فهرب إلى قلعة الموت والتحق بالحشاشين حيث تحول من الشيعة الإثنى عشرية إلى الإسماعيلية وفي تلك الفترة أبدع في دراساته العلمية أثناء تنقله من مدينة لأخرى تحت وطأة الغزو المغولي. بعد ذلك التحق بالمغول وانضم لجيش هولاكو وكان من مستشاريه لغزو بغداد.

[2]هولاكو خان ( 1217/1265م) كان حاكماً منغولياً، غزا معظم أراضي غرب آسيا، وأسقط الخلافة العباسية في بغداد. و هو حفيد جنكيز خان وأخو أريغ بغا وكوبلاي خان ومونكو خان. وهو أول خانات فارس.

[3] مؤيد الدين العرض (توفي سنة 664 ه/1266م) لقب بالمهندس – وقد سمي أيضا بملك المهندسين أو قدوة المهندسين أو شرف المهندسين – فهو ولا شك دليل مهنته التي برز فيها، كما تؤكد ذلك المنجزات – من عمارة وآلة – التي وصفها في كتابة “كيفية عمل آلات الرصد وكيفية استعمالها.

[4] محيي الدين، يحيى بن محمد بن أبي الشكر المغربي (توفي سنة 597-672هـ)، المعروف بالحكيم المغربي وبأبي الفتح. ينسب بعض المؤرخين أصله إلى المغرب، وآخرون إلى قرطبة بالأندلس، وقيل إنه سافر إلى المشرق العربي، واستقر فترة في مدينة حلب ليعمل في بلاط السلطان الأيوبي ناصر الثاني (634-658هـ)، وبعد غزو المغول لسوريا، سافر إلى مراغة في سنة 658هـ، ليعمل في مرصدها مع الرياضي الموسوعي نصير الدين الطوسي .

[5] قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي ( 1236-1311م)، هو عالم[1] وشاعر فارسي من القرن 13 له اسهامات بارزة في الفلك، الرياضيات، الطب، الفيزياء، نظرية الموسيقى، الفلسفة والصوفية.  من إسهاماته العلمية شرحه لظاهرة قوس قزح شرحاً علمياً وافياً هو الأول من نوعه؛ فقد بيّن أن وقوع أشعة الشمس على قطيرات الماء الصغيرة في الجو عند سقوط الأمطار يعكس الأشعة فيتمكن الإنسان من رؤيتها على شكل ألوان. كما كان يستند في دراسته إلى المشاهدة والتجربة والاستنتاج معتمداً أيضاً على البرهان الرياضي في دراساته الفيزيائية والفلكية.

[6] – الحسني، د. سليم. ألف اختراع واختراع، ص288.

Science

ذ. زيدان عبد الغني

باحث مركز ابن البنا المراكشي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق