وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

أمهات ملوك المغرب رائدات في العمل الديني – الحلقة التاسعة- الأميرة للا فاطمة، الأم الرمزية للمولى اليزيد العلوي

الدكتور مصطفى مختار

باحث في مركز علم وعمران

كانت الأميرة للا فاطمة بنت الأمير المولى سليمان بن إسماعيل العلوي زوجة أمير المؤمنين سيدي محمد بن عبد الله العلوي[1]، وأم الأمراء المولى علي والمولى المأمون والمولى هشام والمولى عبد السلام، وأمّا رمزية لأميريْ المؤمنين المولى اليزيد والمولى سليمان العلويين، وجدة رمزية لأمراء مؤمنين آخرين. وقد مثلت، بحسب صلتها بمؤسسة إمارة المؤمنين، ريادة في العمل الديني خلال أوجه مختلفة:

الرحلة في طلب التبرك بأضرحة بعض صلحاء المغرب:

أخبر أكثر من مصدر أن الأميرة للا فاطمة العلوية قدمت عام 1179 هـ “من مراكش إلى فاس بقصد الزيارة، فركبت ذات ليلة إلى ضريح المولى إدريس رضي الله عنه، وضريح الشيخ أبي الحسن علي بن حرزهم، وضريح الشيخ أبي عبد الله التاودي، فطافت عليهم وتبركت بتربهم وذبحت أكثر من مائة ثور، وأخرجت صدقات كثيرة، ثم خرجت بعد ذلك إلى مدينة صفرو فزارت ضريح سيدي أبي سرغين، وضريح سيدي أبي علي، وذبحت وتصدقت وعادت إلى فاس، ثم ذهبت إلى زيارة الشيخ عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه […] ووافاها قواد الثغور بضريح الشيخ عبد السلام في مواكبهم وخيلهم ورجلهم، وذلك عن أمر من السلطان رحمه الله“[2].

التخلق بأخلاق الإحسان:

ذكر أكثر من مصدر أن للا فاطمة العلوية خلال زيارتها لبعض أضرحة مدينة فاس “أخرجت صدقات كثيرة“. ولما قضت أرب زيارة ضريح سيدي عبد السلام بن مشيش “فرقت الأموال على الأشراف من أهل جبل العلم، وغمرت الناس بالعطايا“[3].           

إقامة الأعراس احتفالا بالزواج على سنة الله ورسوله:

أخبر الضعيف الرباطي أنه خلال يوم الأحد 3 رجب عام 1180 هـ “قدمت الشريفة فاطمة بنت سليمان إلى فاس الجديد بقصد أن تصنع الوليمة لبنتيها وولديها وصنع لها أهل فاس طعام الضيافة ثلاثة أيام […] وفي يوم الثلاثاء الثالث عشر أمر القائد محمد الصفار أهل فاس أن يذهبوا لفاس الجديد لحضور الوليمة المذكورة، فذهبوا خاصة وعامة أشراف وعلماء وتجار وغيرهم وقعدوا بالبطحاء الموالية لباب البجات الموالية لقنطرة غدير الحمص من ناحية الخميس ومكثوا إلى المغرب وأطعموا الطعام وانصرفوا، وفي يوم الخميس بعده فعلوا كذلك وانصرفوا.

في هذه الليلة وقع بناء الأزواج بأزواجهن، وفي يوم الخميس الثاني والعشرين  ذهبت الشريفة المذكورة متوجهة إلى مكناسة ومنها إلى مراكش بعد أن فرغت من  الوليمة المذكورة وحضرها قبائل المغرب وأتوا إليها بالهدايا“[4].

الاهتمام بإقرار السلم بين الدول، وتحرير الأسرى في سبيل الله:

قال العلامة عبد الهادي التازي عن الأميرة للا فاطمة العلوية: “كانت هذه الأميرة تراسل أميرات أوربا وتهاديهن تخدم بذلك مصلحة العلاقات بين زوجها وبين البلاطات الأخرى الأمر الذي يدخل ضمن مهمة الزوجة المثالية.

وبين أيدينا رسالة عنها إلى العظيمة لويزة دي أسطرياس.. تسأل عن حالها وتخبرها بأنها بعثت لها هدايا مغربية منها إسورة ذهبية ثم تتحدث إليها عن الأسرى الذي كانوا يقيمون بالمغرب وتطلب إليها أن تتوسط لتحرير الأسيرات المغربيات الموجودات بإسبانيا..

وقد حررت الرسالة في مكناس ثاني عشر من رمضان من عام خمسة وثمانين ومائة وألف…“[5]. حيث شكل ذلك عملا دينيا بامتياز مكملا لأعمال زوجها أمير المؤمنين سيدي محمد بن عبد الله العلوي في إقرار السلم والتعاون بين الدول، وتحرير الأسرى[6].

جزى الله خيرا هذه الأميرة العلوية. حيث كانت امرأة مغربية فضلى وأما للمغاربة، ورائدة من رواد العمل الديني الحق صلاحا وإحسانا ورحمة وبحثا عن السلم والتعاون بين الأمم.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[1] انظر: تاريخ الضعيف الرباطي، ج1، ص318، وص341، وص352، وص413؛ وكتاب الاستقصا، ج8، الدولة العلوية، القسم الثاني، ص25، وص71؛ والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج10، العباس السملالي، تحقيق: عبد الوهاب ابن منصور، الرباط، المطبعة الملكية، 1403 هـ- 1983 م، ص16؛ وإتحاف أعلام الناس، ج3، ص357. وراجع: المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص228.

[2] انظر: كتاب الاستقصا، ج8، ص25- 26؛ والإعلام بمن حل مراكش، ج10، ص16؛ وتاريخ الضعيف، ج1، ص318- 319.

[3] انظر: كتاب الاستقصا، ج8، ص25، وص26؛ والإعلام بمن حل مراكش، ج10، ص16.

[4] تاريخ الضعيف، ج1، ص319.

[5] المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص228.

[6] إتحاف أعلام الناس، ج3، ص215 وما بعدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق