الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة

تحقيق د. المهدي عبد الجواد

بيت الحكمة – تونس

تقديم : عبد العزيز النقر
مركز ابن البنا المراكشي

سبق أن شرعنا، في مركز ابن البنا المراكشي، في العمل على إعادة نشر بعض الأعمال العلمية المميزة التي أنجزها باحثون متخصصون في تاريخ العلوم العربية. وتنبع هذه المبادرة من اقتناعنا بأهمية تعريف عموم القراء بطبيعة تلك الأعمال وأهميتها، ولا ريب في أن أمرا كهذا لن يتأتى للمرء إلا بتوفر تلك المواد العلمية بين يديه. وذلك كي يتسنى له أن يلج، بشكل مباشر، عالم المواضيع التي تطرقها تلك الأعمال ويتعرف على المقاربات التي تنهجها والإشكالات التي تعالجها …

يتعلق الأمر هذه المرة بتحقيق للأرجوزة الشهيرة التي كتبها الرياضي المغاربي ابن الياسمين (601 هـ/1204). وقد أنجز تحقيق هذا القصيدة، المكتوبة على وزن الرجز، مؤرخ الرياضيات التونسي د. المهدي عبد الجواد. وكما أشار المحقق في التقديم، فإن هذا ليس هو التحقيق الوحيد للأرجوزة، حيث سبق أن حققها الأساتذة جلال شوقي ومحمد سويسي والتهامي زمولي.^[1] إضافة إلى ذلك، نشير إلى وجود تحقيق آخر أنجزه الباحثان إبراهيم بحيات ولبنى العماري.^[2]

لا شك في أن تعدد هذه التحقيقات أمر مفيد للغاية، إذ طالما أن هناك نسخا خطية متعددة، وبما أن الحديث أيضا عن نص مطابق تماما لنص المؤلف أمر عزيز المنال، فإننا نعتقد أن وجود تحقيقات متعددة – لأي نص تراثي كيفما كان – لا يمكن أن يشين تلك الأعمال المحققة بقدر ما يزينها. وذلك نظرا لأن هذا التعدد لا يعبر إلا عن مسعى حثيث إلى الاقتراب، أكبر قدر ممكن، من النص “الأصل”. ناهيك عما تعكسه هذه المسألة من طابع إيجابي يتجلى في تنوع رؤى الباحثين واختلاف زوايا مقاربتهم لمادة دراستهم. وهذا لا ينفي، بطبيعة الحال، إمكانية تقاطع تلك الرؤى وتداخلها فيما بينها.

تكتسي هذه الأرجوزة مكانة خاصة في تاريخ الرياضيات العربية، سواء من حيث شكلُها أو من حيث مضمونها. فبالنسبة لشكلها، يمكن القول إجمالا إنها تعبر عن ظاهرة فريدة شهدتها الحضارة العربية الإسلامية، وهي صياغة مجموعة من القضايا العلمية في قوالب أدبية – شعرية. ولم تكن هذه الصيغة (أو الشكل) محصورة فقط عند ابن الياسمين، بل إنها كانت موجودة لدى رياضيين آخرين كابن غازي المكناسي أو لدى فلكيين كأبي الحسن علي الدادسي أو أطباء كالشيخ الرئيس ابن سينا …

أما بخصوص موضوعها، فتنبع أهميته من أمور عدة. منها تأثير هذه الأرجوزة على الرياضيين اللاحقين، حيث إن صداها لم يقتصر على الغرب الإسلامي فقط (إذ سيشرحها بعض الرياضيين المغاربيين كالقلصادي وابن قنفذ القسنطيني)، بل إن هذا الصدى تردد حتى في المشرق الإسلامي خلال القرن الخامس عشر الميلادي، وذلك عندما عكف الرياضي ابن الهائم المصري على شرحها في كتابه المسمى “شرح الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة”.^[3]

أما في ما يتعلق بكاتب الأرجوزة، فهو محمد عبد الله بن محمد بن حجاج الأدريني المولود بمدينة فاس خلال القرن الثاني عشر الميلادي. درس الفقه والتوثيق والرياضيات، وتشير بعض كتب السيَر والأعلام إلى أنه تلقى تكوينه العلمي بالأندلس (إشبيلية). لم يكن بارعا في العلم الرياضي فحسب، بل إن كتب التراجم تؤكد أنه كان أديبا بليغا بارعا في النثر والشعر معا، حتى أن ابن سعيد الأندلسي سيذكره، في كتابه “الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة”، ضمن الأربعة وعشرين شاعرا الذين عاشوا خلال القرن السابع الهجري.^[4]

في ختام هذا التقديم المقتضب، نتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان للأستاذ د. المهدي عبد الجواد على سماحه بنشر تحقيقه لهذه الأرجوزة على موقع ابن البنا المراكشي. كما نشير أيضا إلى أن نشر هذا العمل سيَعقُبه نشر أعمال أخرى للأستاذ المهدي عبد الجواد ولغيره من الباحثين.

الهوامش :

^[1] – يُنظر : التقديم الموجز الذي صدّر به المحقق هذا النص.

^[2] – نُشر ضمن : نصوص مغربية محققة في تاريخ العلوم (الرياضيات والفلك والطب والنبات والأغذية)، تنسيق وتقديم : د. إبراهيم الهرام ود. الخياطي الريفاعي، دار بصمة لصناعة الكتب، الطبعة الأولى، 2022.

^[3] – ابن الهائم المصري، شرح الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة، تحقيق وترجمة د. المهدي عبد الجواد، منشورات الجمعية التونسية للعلوم الرياضية. 2005.

^[4] – بخصوص هذه المعطيات، يُنظر :

Mahdi Abdeljaouad, Mathématiques et culture : l’exemple du Maghrébin Ibn al-Yāsamīn (m. 1204), in Actes du colloque Printemps de Cirta : Eclosions mathématiques et philosophiques, Constantine, 2009.

                                                       المقالة :  الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة