وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

اللقى الأثرية بمنطقة الدار البيضاء وضواحيها

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

الحلقة الثانية

استأنفت الأبحاث الأثرية، ابتداء من عام 1991 م، بمغارة الدببة، أملا في العثور على لقى أثرية توازي ما اكتشفه بيبيرسون. واستخرجت منها- فيما بعد- أدوات حجرية [16] دالة على الأشولي الأخير acheuléen contemporain [17].

وفي السنة نفسها تمت حفريات مستعجلة بمقالع أولاد حميدا 1 (مقالع طوما 3). وتم العثور، بمغارة وحيد القرن منها، فيما بعد، على لقى حجرية (أدوات مضروبة من الجانبين). ويبدو أنها آثار بشرية تعود إلى 600 ألف سنة تقريبا، بشكل يوافق الفترة الأشولية المغربية [18].

ومن الطريف أنه تم تحديد التاريخ المذكور استنادا إلى تقنية علمية  (RPE) (Résonance Paramagnétique Electronique)  أجريت على حامل أسنان وحيد القرن الذي اكتُشِف كثير من بقايا عظامه بالمغارة المسماة باسمه. فدل ذلك، بحسب المكتشفين، على مهارة الإنسان المحلي القديم في اصطياد الوحيش المذكور. لكن لم يتم التوصل إلى دليل يثبت اكتشافه للنار [19]، مثله في ذلك مثل إنسان سيدي عبد الرحمن، بحسب ما أشرنا إليه في الحلقة الأولى من هذا المقال.

وفي سنة 1993 م رجع البحث الأثري إلى مقالع طوما 1 ليتم العثور على لقى عائدة إلى العصر الأشولي القديم [20]. وتم العثور، في مغارة من هذه المقالع، سنتي 1994- 1995 م، على لقى بشرية (بقايا أسنان) يبدو أنها تعود إلى الإنسان المنتصب القامة [21].

مثل ما تم العثور، بالمغارة نفسها، على “أدوات حجرية ذات جوانب حادة  قاطعة ورؤوس مدببة كان الإنسان البدائي يستعملها في تقطيع فرائسه أو تهيئ الأغصان والأخشاب للصيد” أو للدفاع عن نفسه [22]. وهي أدوات حجرية مؤرخة بـ 400 ألف سنة قبل الحاضر[23]، وأدوات أخرى مؤرخة بـ 700 ألف سنة قبل الحاضر[24]، عائدة كلها إلى الفترة الأشولية [25].

وذهب بعضهم إلى أن الفؤوس الحجرية المكتشفة بمقالع طوما تعود إلى 900 ألف سنة قبل الحاضر، وتشبه ما تم العثور عليه في الطريق الرابطة ما بين تيسنت وطاطا [26]، بشكل دال على صلة ثقافية وحضارية رابطة بين وسط المغرب وجنوبه، ورابطة بين وسطه وشماله الغربي [27].

وبالرغم من دلالة بقايا عظام حيوانات (فرس النهر- الفيل- الحمار الوحشي- الغزال)، مكتشفة قرب الأدوات المذكورة، على كون إنسان مقالع طوما 1 صيادا، فإنه لم يستدل على اكتشافه للنار [28]، مثله في ذلك مثل الإنسان الذي كان يعيش بمغارة القواقع (إنسان سيدي عبد الرحمن)، ومثل الإنسان الذي كان يعيش في مغارة وحيد القرن.

ولعل هذا الإنسان الأخير غير الإنسان القديم الذي كان يعيش بمغارة، بموضع مقالع طوما 3، الشهيرة بأولاد حميدة 1، بحسب اللقى البشرية، وبحسب الصناعة الحجرية التي تم اكتشافها هناك[29] أو بحسب ما تم اكتشافه في مغارة السنوريات، بمقلع أولاد حميدة 2[30].

وغير بعيد عن مقالع طوما 1 و3، تم العثور، بمقلع الحلاوي، بمنطقة سيدي الخدير، على مقر صناعة حجرية دالة على العصر الأشولي الأعلى[31].

   يتبع                            

الإحالات:

[16] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص46، وص47؛ و Casablanca des origines, p. 29- 30; Atlas préhistorique du Maroc I, p. 199, 206- 208.

[17]    Casablanca des origines, p. 30.

[18] الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص46، وص49. استأنس بـ: الدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص17؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، عبد العزيز بنعبد الله، مطبعة المعارف الجديدة، 2000 م، ص261؛ و Casablanca des origines, p. 23, 27, 29, 30, 31; Atlaspréhistorique du Maroc I, p. 199, 201. قابل بـ : Casablanca des origines, p. 31.

[19] الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص45، وص49.

[20] يقدر بما بين 1 و1.4 مليون سنة. عد إلى: المرجع نفسه، ص46.

[21] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص47؛ وبصمات برغواطية، ص46؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص262؛ وتاريخ المغرب: تحيين وتركيب، ص39؛ و  Casablanca des origines, p. 23, 24, 27, 29, 30, 31, 32; Atlas préhistorique du Maroc I, p. 220- 222.

[22] الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص49. راجع: الدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية منذ ألف عام “أنفا عبر العصور”، ص262؛ و Casablanca des origines, p. 23, 27, 28, 29, 30, 31, 32.

[23] “تستعمل عبارة “قبل الحاضر” (Before present/ B.P) في الدراسات الأركيولوجية لتحديد الأزمنة بالإحالة على سنة 1950 م، وهذه السنة توافق تاريخ المحاولات الأولى لاستعمال الكاربون 14 في عملية تحديد التواريخ“. راجع: تاريخ المغرب تحيين وتركيب، ص35، الهامش رقم 1.

[24] راجع: بصمات برغواطية، ص46؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص262؛ والحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص48؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص18، وص19.

[25] Casablanca des origines, p. 27, 28; Atlas préhistorique du Maroc I, p. 222.

[26] بلاد باني في عصور ما قبل التاريخ، محمد بوعجاجة وآخران، في: طاطا وبلاد باني التاريخ والإنسان والمجال، طباعة ونشر سوس، 2017 م، ص18.

[27]    Casablanca des origines, p. 33.

[28] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص45، وص49؛ وبصمات برغواطية، ص46؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص17، وص18؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص262؛ و Casablanca des origines, p. 29.

[29]   Casablanca des origines, p. 23, 24, 27, 29, 30, 31, 32.

[30] Ibid, p. 29.

[31] Ibid, p. 25, 31.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق