وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

الإشعاع الديني والعلمي للزاوية العياشية

 كانت الزاوية العياشية مركزا  إشعاعيا ثقافيا وعلميا، تشد إليها الرحال من مختلف أنحاء المغرب، كما استقطبت المتعلمين من كل الآفاق، ووفرت لهم جل شروط التعليم، ومما لاشك فيه أن الزاوية العياشية من المؤسسات العلمية التي لها دور هام في التربية والتعليم، فشكلت الوعاء الاجتماعي للتعليم جنبا إلى جنب مع المدارس والمساجد، فكانت تصلى فيها الصلوات الخمس، فضلا عن الدروس التي كانت تلقى على طلاب العلم، كما كانت تقوم بوظائف أخرى، وقد أسسها الشيخ محمد بن أبي بكر العياشي أوائل القرن الحادي عشر الهجري، بإشارة من شيخه محمد بن أبي بكر الدلائي،  لكنها اشتهرت أكثر في عهد ابنه أبو سالم العياشي، بعد أن قام ببعث الزاوية العياشية أو الحمزية من جديد بناءا وتجديدا…وحمزة الذي تنتسب إليه الزاوية اليوم، هو حفيد الشيخ محمد بن أبي بكر العياشي، وقد عني عناية شديدة بهذه الزاوية وبتوسيع مرافقها والاعتناء بمكتبتها….

والشيخ محمد بن أبي بكر العياشي أستاذ صالح، أخذ عن كثير من شيوخ العلم والتصوف، وبخاصة الشيخ أحمد أدفال الدرعي، وأقام مدة غير قصيرة في الزاوية الدلاء يتتلمذ للإمامين الدلائيين أبي بكر وابنه محمد، وهذا الأخير هو الذي أشار عليه بتأسيس زاوية في آيت عياش على صورة زاوية الدلاء، يطعم فيها الطعام، وتلقن أوراد الشاذلية وتعقد حلقات التدريس.

أمضى محمد بن أبي بكر العياشي زهاء ربع قرن في زاويته يعلم الطلبة القرآن الكريم ومبادئ الدين، ويشرح لهم ولسائر المريدين كتب القوم، كمؤلفات الشيخ أحمد زروق، وأحزاب الامام أبي الحسن الشاذلي، واشتغل بالتدريس في زاويته العياشية إلى جانب الشيخ محمد بن أبي بكر وبعد وفاته أبناؤه: أحمد بن أحمد العياشي، وعبد الكريم بن محمد العياشي، وأبوسالم عبد الله بن محمد العياشي، ومحمد بن محمد ابن عبد الجبار العياشي [1].

الزاوية العياشية أو زاوية سيدي حمزة كما تسمى اليوم تقع في حدود جبل العياشي، على ضفة أحد روافد وادي زيز بعيدة عن ميدلت بنحو 60 كلم جنوبا، أسسها في النصف الأول من القرن الهجري الحادي عشر، 17م، محمد بن أبي بكر العياشي وعمرها بتلاوة القرآن وقراءة الأحزاب الشاذلية وتدريس مبادئ العلوم، أخذ ذلك عنه ولده أبو سالم وعده في فهرسته أول شيوخه قائلا: “رباني فأحسن تربيتي، وغذاني بنفائس علومه فأحسن تغذيتي، ولما استقر أبو سالم العياشي في زاوية أبيه، بعد ان اغترب طويلا في طلب العلم في بلاد درعة وفاس وفي المشرق، أخذ جانب العلم يتغلب على التصوف في هذه الزاوية، وغصت رحابها بصنوف الطلبة من مبتدئين ومحصلين، وتخرج بعضهم فيها وبدأ يشتغل بالتدريس، مثل أحمد الهشتوكي، الذي فصل في فهرسته قرى العجلان الكتب التي كانت تدرس في الزاوية العياشية [2].

تصوير الدكتور جمال بامي

وجاء في الفهرس الوصفي للزاوية العياشية: “تقع زاوية سيدي حمزة جنوب ميدلت من إقليم تافيلالت، وتبعد عنها ب 60 كلم، تمتد  35كلم من هذه المسافة في الطريق الرابطة بين ميدلت ومركز قصر السوق، وبينما ينحرف باقي الطريق في منعرجات ومنحدرات، تفضي إلى بسيط صغير مكتنف بين جبل العياشي وبعض هضاب أخرى، وفي هذا البسيط توجد قرية صغيرة، مبنية على الشكل القديم لمباني الإقليم، وهي التي صارت تعرف بزاوية سيدي حمزة، بعدما كانت تعرف بالزاوية العياشية، بزاوية أبس سالم، وزاوية سيدي محمد بن أبي بكر، وهذا الأخير هو مؤسس الزاوية والجد الأعلى لكثير من سكانها، وقد سلف لهذه الزاوية ماض علمي مشرق، شع في الربع الأخير من القرن الحادي عشر الهجري، وامتد نحو قرن من الزمن” [3] .

وقد أسسها محمد بن أبي بكر العياشي عام 1044هـ، بإشارة من شيخه محمد بن أبي بكر الدلائي، وهو الذي أذن له في إطعام الطعام بالزاوية، وكان محمد بن أبي بكر يعطي الأوراد للناس، ويقصدونه من القبائل البعيدة، ونحن وإن لم تعثر على ما يبين لنا هذه الأوراد التي كانت تلقن في زاوية آيت عياش، فإننا لا نشك في أنها قريبة مما يتلقاه المريدون في زاوية الدلاء، فشيوخ أبي بكر العياشي كلهم شاذليون، وأكثر إقامته كانت في الزاوية الدلائية،… ولما آلت الزاوية العياشية إلى أبي سالم العياشي، أخذ يشتغل فيها بتدريس العلم، وسار على نهج والده في الاتصال بالدلائيين، …ولم تنقطع صلة العياشيين بالدلائيين حتى بعد تخريب زاوية الدلاء، إذ نجد حمزة بن أبي سالم العياشي يأخذ العلم في فاس عن محمد المسناوي الدلائي، ويؤلف كتابا في ترجمته، وإلى حمزة هذا تنتسب الزاوية العياشية لأن عنايته بها كانت بالغة، فعمل على تنشيط الحركة العلمية فيها، وبذل كل ثروته في اقتناء الكتب واستنساخها… [4] .

ولا تزال بقايا من هذا العصر الذهبي تلمع في بقعة مدفونة وسط زاوية سيدي حمزة، وتقع على مقربة من دار أبي سالم العياشي، وترفع عنها قليلا في مرتقى صعب، يؤدي إلى حجرة صغيرة توجد بها ست خزائن خشبية مختلفة الأحجام، ومملوءة بالكتب التي تتكون منها مكتبة الزاوية الحمزية، أو بأدق تعبير بقايا هذه المكتبة التي تقتصب هذه الرسالة الحديث عنها، لتتوسع فيها… ” [5] .

تصوير الدكتور جمال بامي

 واشتغل بالتدريس هنالك أيضا من الأسرة العياشية عبد الكريم العياشي، أخذ عنه أخوه أبو سالم، واستجاز له في رحلته الحجازية الثانية عام 1064هـ/1654م، علماء المدينة معبرا عنه بأخيه الأكبر ومعلمه الأبر، ومحمد بن محمد بن عبد الجبار العياشي من أنبه تلاميذ أبي سالم وأشهر العلماء العياشيين بعده، تتلمذ له حتى أعلام فاس في الحديث والنحو والبلاغة وغيرها، واستجازوه في ذلك كله، وهو الذي كتب عام 1071هـ/1661م، إلى خاله أبي سالم، وكان يومئذ بالمشرق، يصف له المسغبة العامة بالمغرب وآثارها المهولة في ضواحي الزاوية العياشية، وفي قرية الدلاء التي فيها قبور أولئك الملوك، فكانت هذه الرسالة النص المعاصر الوحيد – فيما نعلم- الذي تحدث عن الزاوية الدلائية القديمة وإهمالها بعد قيام مدينة محمد الحاج الدلائي[6].

تصوير الدكتور جمال بامي

ومن أبرز شيوخ هذه الزاوية العالم الكبير أبو سالم العياشي، صاحب الرحلة الشعيرة، فقد كان شخصية استوعبت واقع عصرها السياسي والاجتماعي والفكري، فهو – أولا – من شيوخ الزاوية العياشية التي استهمت – بجانب الزوايا الأخرى – في الإشعاع العلمي والوعي التاريخي بالبادية المغربية، وهو ثانيا – رحالة شهير حبر علماء المشرق الإسلامي وواقعهم في رحلاته الحجازية.

وهو – ثالثا – مشارك في العلم والتصوف والأدب بالقدر الذي تبدعه طاقت تمرست بألوان من التحصيل في العلوم الشرعية والأدبية، وشكلت – رغم تعددها – رؤية استجابت لطبيعة الفكر المغربي. [7]

تصوير الدكتور جمال بامي

أما عن مكونات المكتبة الحمزية، فإن المكونات الأولى لهذه المكتبة يصعد تاريخها إلى أيام الشيخ سيدي محمد ابن أبي بكر العياشي الآنف الذكر، فقد أوقف هو وأخوه سيدي عبد الجبار بن أبي بكر المتوفى سنة 1082هـ، جميع كتبهما على بينهما الذكور، وسجلا هذا الوقف في وثيقة كتبت على الصفحة الأولى من مخطوط بالمكتبة يحمل رقم 517. [8]

ويظهر أنه كان يوجد بالزاوية بعض أفراد يقومون بتسفير الكتب، فإنه لا تزال بها بقايا من أجهزة التسفير موضوعة بالمكتبة.

وكانت لهم عناية بتتميم الناقص من كتبها، بكتابة الصفحات أو الأجزاء المفقودة، وتقدم بعض المخطوطات المكتبة أمثلة لهذا، منها المخطوط الذي يحمل رقم 399، وهو نسخة صحيح البخاري عشارية الأجزاء، ضاع منها الجزآن التاسع والعاشر، فجددت كتابتهما مع التصريح بأنهما كتبا بالزاوية العياشية، برسم سيدي عبد الوهاب بن عبد الله، بن محمد بن عبد الله، بن حمزة بن أبي سالم العياشي، القائم بأمر الزاوية آنذاك [9].

وكان محط عنايتهم وهو المحافظة على ثروة المكتبة، فقد كان للقائمين بأمر الزاوية اهتمام بالمحافظة على كتبها من الضياع، وولوع بتعاهدها واعتناء بصيانتها من الحشرات والأمطار، وبهذا استطاعت أن توفر لحد الآن على مجموعة لا بأس بها من النوادر والذخائر نظيفة سليمة في الجملة [10].

[1] – الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين (2/508) منشورات دار المغرب والترجمة والنشر.

[2] – جولات تاريخية لمحمد حجي ص358 الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنثر دار الغرب الإسلامي.

[3] – الفهرس الوصفي لمخطوطات خزانة الزاوية الحمزية العياشية بإقليم الرشيدية ج1 ص 8 منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المملكة المغربية.

[4] – الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي ص 64 طبعة 1964م، المطبعة الوطنية بالرباط.

[5] – الفهرس الوصفي لمخطوطات خزانة الزاوية الحمزية العياشية بإقليم الرشيدية ج1 ص 8 منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المملكة المغربية.

[6] – جولات تاريخية لمحمد حجي ص358 الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنثر دار الغرب الإسلامي.

[7] – دعوة الحق – شخصيات الزاوية العياشية- عدد 248 مايو 1985.

[8] – الفهرس الوصفي لمخطوطات خزانة الزاوية الحمزية العياشية بإقليم الرشيدية ج1 ص 12 منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المملكة المغربية.

[9] – الفهرس الوصفي لمخطوطات خزانة الزاوية الحمزية العياشية بإقليم الرشيدية ج1 ص 12 منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المملكة المغربية.

[10] – الفهرس الوصفي لمخطوطات خزانة الزاوية الحمزية العياشية بإقليم الرشيدية ج1 ص 13 منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المملكة المغربية.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق