وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

الإشعاع العلمي والديني لزاوية تزروالت للشيخ سيدي أحمد بن موسى

أسست زاوية تازروالت في القرن 16م على يد مؤسسها الشيخ سيدي أحمد بن موسى، الذي ولد سنة 853 هـ/ 1449م، بقبيلة “إدوسملال” وانتقل إلى تازروالت واستقر بها وأسس بها زاويته، وقد استطاعت زاوية احمد أوموسى في ظرف وجيز، أن تستقطب عددا كبيرا من الوافدين والواردين عليها، وأصبحت محجا لعدد من المتصوفة والفقهاء، كما وفد إليها السلطان مولاي عبد الله الغالب بالله السعدي في موكب مهيب،  واتسع نفوذها ليصل إلى مناطق بعيدة…

وهو الشيخ أحمد بن موسى بن عيسى بن عمر بن أبي بكر بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن صالح بن طلحة بن أبي جمعة بن علي بن عيسى بن الفضل بن عبد الله بن جندوز بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن حسان بن إسماعيل بن جعفر بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، السملالي الجزولي، نزيل تازروالت[1]..

ينتسب الشيخ احماد أوموسى (أحمد بن موسى) حسب عدد من الروايات التاريخية إلى الأصل الإدريسي الحسني، ويعود استقرار أبناء المولى إدريس بن عبد الله في منطقة سوس إلى الفترة التي تلت سقوط الإمارة الإدريسية وتشتت الأدارسة في مختلف مناطق المغرب، بما فيها منطقة “تامدولت”، وبعد خراب هذه الأخيرة خلال القرن 14م انتقل ساكنتها، بما فيهم الأدارسة، إلى كل من إسافن، وإداوزكي، وإداوكنسوس، وإداوسكا أوفلا، ومن الذين انتقلوا من تامدولت سيدي زوزان جد الأسر الولتيتية، فاختار الإستقرار في إداورسموك بمنطقة “تافروات نايت مولود”، وفيما بعد انتقل أحد أبناءه وهو إدريس بن زوزان من تافراوت نايت مولود إلى إلماتن في إداورسموك  ارسموكة حيث ولد له موسى بن إدريس بن زوزان لينتقلا معا إلى بومروان والتي تقع في الطريق الرابط بين تزنيت وتافراوت ببلاد إداوسملال، حيث مسقط رأس الشيخ احماد أوموسى[2].

تقع هذه الزاوية في وادي تزروالت الخصيب، على الطريق الذاهبة من تزنيت إلى تفراوت بانحراف قليل، أسسها في مستهل القرن الهجري العاشر[3]..

وتازروالت هي واد خصيب في بلاد سملالة بالأطلس الصغير، تمر بالقرب منه الطريق الذاهبة من تزنيت إلى تافراوت، وحملت البسائط المتصلة بهذا الوادي كلها اسم تازروالت، وأشهرها زاوية الشيخ أحمد بن بن موسى قطب سوس[4].

تدعي الروايات الشفوية المحلية أن الشيخ أحمد أو موسى هو الذي أعطى المدروسة إسم “تزروالت”، من خلال تصريحه بأنها ” تاز” أي قريبة و “تروا” أي ملائمة، فجمعت الكلمتين الأمازيغيتين لتعطينا “تازروالت”، ويحيلنا هد الاعتقاد على الأهمية الاقتصادية التي يكتسيها المكان، فهو قريب من مكان الانطلاق، أي بومروان، وهو بموازاة  ذلك قادر على تحمل المزيد من الوافدين، وهو على هذا وذلك، قابل لتوفير ما يتطلبه الوافدون الجدد من مؤونة وموارد، لكن لفظة تزروالت لا تحتمل فقط هذا المعنى السطحي، الذي تنسبه إليها الروايات الشفوية، بل تطرح إمكانية أحرى للتأويل، فبحذفنا لتاء التأنيت التي تقترن عادة بالكلمات الأمازيغية، سنحصل على لفظ أزروال كمذكر، لتازروالت ومعناه أزرق العينين، وبذلك  تشترك تازروالت مع أسماء أخرى في الإحالة على نفس المعنى، فالمعنى الراجح لإزركين، مثلا هو لون الزرقة…. [5].

قطن في غير موطن أهله، فقد ألقى مرساته بتازروالت، وتنقل بين بعض الجبال المحيطة بها، حتى استقر في زاويته المشهورة إلى اليوم، فبقي هناك ستين سنة  في تربية العباد، والناس يردون عليه من مختلف البلاد، وقد ظهر بمظهر كبار الصوفية الأفذاذ، وكان محظوظا في مظهره مسعودا في شهرته، فقد انزوى في زاويته والقوافل تتوارد عليه، والصادر يخبر الوارد في سبل بما يراه منه من أحوال… [6].

وإذا كانت أهمية واد تازروالت قد حددت، إلى حد بعيد، بعض المعالم الأساسية لموضع الزاوية، فإن ذلك يحيل على كون اختيار الاستقرار على ضفافه لم يأت مصادفة، بل ارتبط بطيعة المناخ السائد الذي يتسم بالقارية، حيث حرارة الصيف جد مرتفعة، وضعف تساقطات المطر مع عدم انتظامها.

فالزاوية تمتد وسط مجال أخضر مكون في الأصل من بساتين الشيح وبيته ومسجده، وكذا بعض المرافق التي أعدت لاستقبال الزوار، وأضيفت إلى الزاوية بوفاة الشيخ أحمد أوموسى، مرافق جديدة، فالبعقيلي يتحدث عن إقامة قبة على ضريح الشيخ، ويشير في مجال آخر إلى وجود مقبرة تكون أصلا للمقبرة الحالية، أما المدرسة فمن بناء الشيخ أحمد أو موسى، كما يرى ذلك المختار السوسي[7]..

ولم يعرف موضع الزاوية الحالي تغييرا ملحوظا، عدا بعض الترميمات التي شهدتها الزاوية مؤخرا، التي ساهمت في إخفاء معالم تاريخية مهمة منها بالخصوص، هدم دار الشيخ بتازروالت، وإهمال القنطرة التي بنيت في عهد الحسين أوهاشم، مما أدى إلى إتلاف جزئها الأكبر، والملاحظة الثانية هي امتزاج الطبوغرافي بالخرافي مما خلق تشويها ملحوظا لآثار ذات دلالة تاريخية، ومما يثير الانتباه أكثر هو المسافة المحلية في هذا الطمس، والتشويه من خلال إخفاء بعض الدلائل التاريخية…

إجمالا يبقى موقع الزاوية متميزا، فهي تمتد في قلب تازروالت، وتفرض إشعاعها في كل الاتجاهات، مما يجعلها قبلة لكل الحجاج، الذين لم يقف انحصار الزاوية وسط الجبال، المتحدث عنها، عائقا أمام تكرار زياراتهم لها عبر مسالك جبلية عرفت منذ القديم وساهمت في انفتاحها[8].

وفي زواية سيدي أحمد بن موسى مدرسة للطلبة، يقال أنها بنيت في عهد الشيخ، غير أنه لا يعرف من أسماء أساتذتها آنذاك، إلا علماء وافدون على الزاوية  وهم كثير، أطال بعضهم المقام سنوات ملازما مجالس الشيخ أحمد بن موسى، مشتغلا في نفس الوقت بالتدريس والتأليف… [9].

ولما تطلعت نفس السلطان مولاي عبد الله الغالب بالله السعدي، إلى الشيخ يأخذه بيده، ويهديه إلى معرفة الله ويوفق على يده إلى ما يشرئب إليه من إدراك ما يدندن حوله الصوفية بعد العلامة الصوفي سيدي محمد الترغي الفاسي بتتبع مشايخ عصره الظاهرين والخاملين وهم إذ ذاك متوافرون، وبعدما زار الجميع لم يقع بصره على من يوازي سيدي أحمد بن موسى، فوضع السلطان يده في يده، ورحل بكل جيشه، وفي أبهة ملكه حتى نزل على الشيخ في تازروالت، فأضافه الشيخ ثلاثة أيام، ثم رجع إلى مستقره  بمراكش، وناهيك بالمكانة التي تكون للشيخ ارتحل إليه السلطان وقته بكل جيشه حتى زاره ، …وقد زار مراكش بعد أن أخذ عنه السلطان، فأظهر عفة هي المظنون بمثله عما في يد السلطان، فجلس للناس عامة فوقع عليه ازدخام عظيم…لم تكن تربية الشيخ لطبقة من الناس دون طبقة أخرى، بل كانت للعامة وللخاصة… [10].

وتقوم التربية عند الشيخ أحمد أوموسى على مبدأين أساسيين أولهما: المجاهدة وثانيهما الإرشاد، وإذا كان بمبدأيه هذين يصر على ضرورة تلمس الخطأ دون الإصرار عليه، فإن ذلك خول له استقطاب العديد من المذنبين، الذين وجدوا لديه الوسيلة الناجعة لردهم عن الخطأ، ومن ثمة تمكنه من محاربة إلى حد ما، نوعين من المعاصي كانا متفشيين بين مريديه وزواره، أولها “الزنا”، وثانيهما “السرقات”، أما عن الوسائل التي استخذمها لذلك فهي تختلف باختلاف المذنب، فبينما يكون عقابه جسديا صارما، مع مريديه الذين أصروا على الذنب ولم ينتهوا عنه، ويكون نصحا شفاهيا للبعض الآخر[11].

عموما تقوم التربية عند الشيخ على الإرشاد والنصح المستمر، ولا يقتصر الأمر على المريدين بل تشمل المشورة باقي الشيوخ الذين يفدون عليه، ولعل أبرز ما واظب الشيخ على حث المريدين عليه هو الاقتصاد وعدم الإفراط، ومبدأه هذا لا يقتصر على الاقتصاد في الأمور الدنيوية، بل يتعداها على أمور أحرى دينية كالحث على الإقلال من الأوراد، وعدم الإسراف في الحبة، ومن ثمة الاستفادة من أقل الأشياء وأبسطها للتقرب إلى الله[12].

وممن أخذ عن المترجم سيدي أحمد أدفال مزيل مراكش، والشبخ علي بن محمد داوود البعقيلي السوسي، والشيخ الصالح سيدي عبد الله ين السيد الحاج خالد البغقيلي، والشيخ البركة محمد بن أحمد بن إبراهيم التمنارتي المغافري، والد أبي زيد وغيرهم… [13].

وأسلم رضي الله عنه الروح ليلة الاثنين لسبع خلوان من ذي الحجة سنة 971هـ، ودفن في وسط المقبرة العامة التي لم تتكون إلا بعده، قريبة من زاويته، وعلى مشهده قبة عظيمة… [14].

[1] –   طبقات الحضيكي (1/1) تحقيق أحمد بومزكو الكبعة الأولى 2006م مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.

[2] –  الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس / د خديجة الراجي  ص 24  سلسلة الكتب الإلكترونية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية

[3] –  الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين (2/601) منشورات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر.

[4] –  معلمة الغرب (1/2031) طبعة 1989م مطابع سلا.

[5] –  الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس / د خديجة الراجي  ص 32  سلسلة الكتب الإلكترونية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية

[6] – إيليغ قديما وحديثا للمختار السوسي ص 17 طبعة 1966م المطبعة الملكية الرباط.

[7] –  الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس / د خديجة الراجي  ص 39  سلسلة الكتب الإلكترونية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية

[8] –  الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس / د خديجة الراجي  ص 39  سلسلة الكتب الإلكترونية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية

[9] –  الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين (2/601) منشورات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر.

[10] – إيليغ قديما وحديثا للمختار السوسي ص 17 طبعة 1966م المطبعة الملكية الرباط.

[11] –  الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس / د خديجة الراجي  ص 40  سلسلة الكتب الإلكترونية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية

[12] –  الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس / د خديجة الراجي  ص 40  سلسلة الكتب الإلكترونية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية

[13] –  الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (2/235) الطبعة الثالثة 1993م المطبعة الملكية الرباط.

[14] – إيليغ قديما وحديثا للمختار السوسي ص 17 طبعة 1966م المطبعة الملكية الرباط.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق