مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويمعالم

الواجهة الأطلنتية للصحراء المغربية

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

  دعا سيدي محمد بن الحسن العلوي (محمد السادس)، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، إلى وجوب فتح الصحراء المغربية على واجهتها الأطلنتية، وربط سواحلها بموانئ إفريقيا جنوب الصحراء.

  ويظهر أن هذه الدعوة الشريفة فتح مبين، ونقلة معرفية نوعية في الفكر المغربي من صلة الصحراء المغربية بما وراءها، عبر الطريق البري التاريخي، إلى وجوب صلتها بإفريقيا جنوب الصحراء عبر موانئها الأطلنتية.

  مثل ما يظهر أن هذه الدعوة انتقال حضاري من ذاكرة وطنية إفريقية مشتركة معتمدة على سفينة الصحراء إلى مستقبل مغربي إفريقي معتمد على بابور البحر.

  ويبدو أن الدعوة الكريمة المذكورة استثمرت تجربتين سياديتين. أولاهما تجربة المولى الحسن الأول العلوي المعتمدة على تدبير المجال الصحراوي (الاهتمام بمدافعة مطامع إنجلترا في ساحل طرفاية مثلا). وثانيتهما: تجربة سيدي محمد بن عبد الله العلوي (محمد الثالث) الداعية إلى وجوب تنمية التجارة البحرية.

  مثل ما يبدو أن الدعوة المتحدث عنها ذات صلة، بشكل أو بآخر، بمنحيين مغربيين. أولهما منحى سياسي داع إلى إعادة ربط المغرب برافده الإفريقي عبر منظمة الوحدة الإفريقية. وثانيهما : منحى أكاديمي يقترح تسمية الصحراء المغربية بالصحراء الأطلنتية، بوصفه مصطلحا جامعا بين مجال الصحراء الأولى ومجال الصحراء الموريتانية المسهمين في تشكيل جزء من المغرب الكبير.         

  فيما يلي حلقات تحاول الاهتمام بالواجهة الأطلنتية للمجال الصحراوي المغربي، وصلة سواحله التاريخية بالمراسي المغربية الأطلنتية، استهدافا لربط المشروع الملكي بأصوله الوطنية.

ساحل نول لمطة الأطلنتي

-الحلقة الأولى –

  يبدو أن مدينة نول لمطة التاريخية كانت محطة رابطة بين الطريق الساحلي الصحراوي [1]، تجاه إفريقيا العميقة، وبين الطريق البري المؤدي إلى ساحل لمطة [2] أو بحرها [3]. حيث من المدينة المذكورة “إلى البحر ثلاثة أيام[4].

  ولعل الساحل نفسه شكل نهاية الملاحة التراثية المغربية الرابطة بين شمال البلاد وجنوبها [5]، ربطا بين أصيلة والساحل المشار إليه. حيث “تسير السفن من ساحل نول إلى وادي السُّوس ثلاثة أيام، ثم من وادي السُّوس إلى مرسى أمقدول، وهو مرسى مشتى مأمون، وهو ساحل وادي السُّوس، ثم إلى مرسى قوز، وهو رباطٌ يَعْمُرُهُ الصالحون وهو ساحل أغمات، ثم إلى مرسى أسفَى، ثم إلى البيضاء وهو رأسُ جبلٍ داخل في البحر، ثم إلى جزيرة فضالة، وهو ساحل بلد تَامَسْنَى بلد برغواطة، ثم إلى مرسى ماريفن. ثم إلى وادي سلَى، […]. ثم إلى وادي سبو، ثم إلى وادي سفدد، […]، ثم من وادي سفدد إلى حوض أصيلة[6]، وصولا إلى ساحل طنجة. إذ المسافة “من بَحْر الزُّقَاق إلى آخِر السّوس إلى مَدينة نُول أربعة عشر يَوْما وهي مائة وأربعون فَرسخا[7].

  ويظهر أن بعض العوامل الطبيعية حالت دون إرساء مراسي بسواحل منطقة وادي نون [8]، ورغم ذلك اندفع بعضهم من أجل بناء مرسى محلي تحقيقا لطموحات محلية أو شخصية [9] دون تملك تقنيات حديثة [10]، ودون إدراك كبير لخطورة المناورات الاستعمارية في سواحل الجنوب المغربي، والتي كانت السلطات المغربية على معرفة كاملة بها [11]، بحسب ما سنتطرق إليه في الحلقة المقبلة، بحول الله.

الإحالات:

[1] المسالك والممالك، مج.2، عبد الله البكري، تحقيق: جمال طعمة، دار الكتب العلمية، 2003 م، ص359؛ والمغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، المؤلف نفسه، مراجعة: كونت غوندون، دار الكتاب الإسلامي، د. ت، ص172؛ وكتاب نزهة المشتاق، مج.1، الشريف الإدريسي، عالم الكتب، 1989 م، ص224؛ وكتاب الاستبصار، كاتب مراكشي، نشر: سعد عبد الحميد، دار النشر المغربية، 1985 م، ص215؛ وكتاب الروض المعطار، محمد الحميري، تحقيق: إحسان عباس، دار القلم للطباعة، 1975 م، ص584؛ والصحراء من خلال بلاد تكنة، مصطفى ناعمي، مطبعة المعارف الجديدة، 2017 م، ص42، وص46؛ وواد نون خلال القرن 19، محمد الصافي، دار أبي رقراق، 2016 م، ص195، وص199، وص200؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن 19، عبد الهادي المدن، Negoce Com، 2018 م، ص121، وص186، وص188، وص204- 207، وص219؛ ومادة الدروق اللمطية، في معلمة المغرب، ج12، ص4026؛ وج26، ص277.

[2] كتاب نزهة المشتاق، مج.1، ص224؛ وكتاب الروض المعطار، ص584؛ والمسالك والممالك، مج.2، ص272؛ والمغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، ص86؛ ودار السكة نول لمطة، حنان التوزاني، في: التراث الحساني والإقلاع التنموي بالأقاليم الصحراوية، مطبعة الكتاب، 2014 م، ص159.

[3] المسالك والممالك، مج.1، ص180.

[4] كتاب نزهة المشتاق، مج.1، ص224. انظر: كتاب الروض المعطار، ص584.

[5] الصحراء من خلال بلاد تكنة، ص42. استأنس بـ: المسالك والممالك، مج.2، ص359؛ وكتاب الاستبصار، ص215؛ والروض المعطار، ص584.

[6] المسالك والممالك، مج.2، ص272.

[7] كتاب الجغرافية، محمد الزهري، تحقيق: محمد حاج صادق، المركز الإسلامي للطباعة، د. ت، ص137.

[8] الصحراء من خلال بلاد تكنة، ص42؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن 19، ص321، وص377- 378؛ وواد نون خلال القرن 19، ص164؛ وأسرة آل بيروك، محمد الشيعة، في: أسرة أهل بيروك، طوب بريس، 2016 م، ص177.

[9] الصحراء من خلال بلاد تكنة، ص161؛ والرحلات الاستكشافية الفرنسية إلى واد نون، محمد أيتجمال، Negoce Com، 2018 م، ص91؛ وواد نون خلال القرن 19، ص163، وص201، وص204- 205، وص206، وص207؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن 19، ص129، وص131- 132، وص132، وص143، وص170، وص319، وص320، وص344، وص345، وص346، وص349، وص357، وص382، وص422؛ ووادي نون من خلال وثائق دار إيليغ، أحمد بومزكو، في: واحات وادي نون بوابة الصحراء، الهلال العربية، 1999 م، ص65؛ ودور أسرة أهل بيروك في تنشيط التجارة الصحراوية، الحسين حديدي، في: أسرة أهل بيروك، ص26؛ وأسرة بيروك وحيثيات القوتين الاقتصادية والسياسية، عزة بيروك، في: المؤلف نفسه، ص60؛ وملامح من الأدوار التاريخية لأسرة أهل بيروك، محمد الصافي، في: المؤلف نفسه، ص92، وص99؛ والمخزن وسوس الأقصى، لطيفة لحسيني، في: المؤلف نفسه، ص112، وص114، وص118؛ وآل بيروك ويهود وادي نون، الحسان أنزولا، في: المؤلف نفسه، ص158- 159، وص160؛ وأسرة آل بيروك ودورها الريادي في تنمية التجارة، رشيدة بوشت، في: المؤلف نفسه، ص231؛ وأسرة آل بيروك، ص177، وص178؛ ومادة ابن بيروك، في: معلمة المغرب، ج6، ص1934، وص1935، وص1937، وص1938.

[10] التجارة في وادي نون خلال القرن 19، ص350، وص382.

[11] الرحلات الاستكشافية الفرنسية إلى واد نون، ص92؛ والمخزن وسوس، محمد حنداين، دار أبي رقراق، 2005 م، ص433؛ وواد نون خلال القرن 19، ص169- 170، وص205، وص208، وص211؛ والتجارة في وادي نون خلال القرن 19، ص320، وص327، وص328، وص337، وص340، وص341- 342، وص343، وص351، وص357، وص364، وص365، وص379- 380، وص381- 382، وص422- 423؛ ووادي نون من خلال وثائق دار إيليغ، ص65، وص66، وص67، وص69- 70، وص71- 73؛ وأسرة بيروك وحيثيات القوتين الاقتصادية والسياسية، ص59، وص63؛ وملامح من الأدوار التاريخية لأسرة أهل بيروك، ص87، وص88، وص95، وص96، وص97- 98، وص100؛ والمخزن وسوس الأقصى، ص112، وص114، وص120- 121؛ ولمحة عن التسرب الأجنبي بالسواحل الأطلسية الجنوبية، مصطفى الحمري، في: أسرة أهل بيروك، ص201- 202؛ وأسرة آل بيروك ودورها الريادي في تنمية التجارة، ص234.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق