«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة الثانية)
2- منهجه في الكتاب:
أوجد الطاهر ابن عاشور لنفسه منهجا خاصا به، سار عليه في تفسيره كله وفي كل سورة على حدة من أول سورة إلى آخرها، وفيما يلي ترتيب لأبواب المنهج عنده:
1- بيان اسم السورة: أول ما يقف عنده الطاهر ابن عاشور عند تفسير كل سورة هو اسم السورة، فإن كان لها اسم واحد ذكره وبين وجه التسمية، وإن كانت من ذوات العدد نَبَّهَ إلى ذلك وعَدَّ تلك الأسماء.
2- بيان ترتيبها وعدد آياتها: هي الخطوة الثانية في المنهج عنده، ويحرص الطاهر ابن عاشور أيضا على بيان وجوه الاتفاق والاختلاف في ذلك كله.
3- بيان القول في كونها مكية أو مدنية: مع بيان وجوه الاختلاف والاتفاق أيضا والترجيح بين الآراء.
4- بيان الأغراض: أو المقاصد أو المحتويات؛ إذ لم يغادر سورة إلا بيَّن أغراضها لئلا يكون الناظر في تفسير القرآن مقصورا على بيان مفرداته ومعاني جمله.
5- بيان تحليل الألفاظ وضبط معاني المفردات: ويحلل الشيخ مفردات القرآن بدقة وتوسع يبلغ أحيانا كثيرة إلى درجة المعاجم اللغوية المعتبرة. ويقف عند التطور التاريخي للمفردة ويدعم ذلك بأدلة من الشعر العربي، ومن القرآن والسنة، مما يدل على التمكن من اللغة العربية وحفظ شواهدها وتبحره في علومها وتوقفه في الاستدلال على المعنى المراد، وصحة حمل الألفاظ على الاستعمال(5).
6- بيان التناسب: اهتم الطاهر ابن عاشور كثيرا ببيان تناسب الآيات متأثرا بما كتبه البقاعي في «نظم الدرر» وهو يشير إلى ذلك.
7- بيان النكت البلاغية والنحوية والصرفية: لعل أهم المباحث في تفسير «التحرير والتنوير» المبحث البلاغي، قال الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد: «لم يحفل تفسير من التفاسير بالبلاغة العربية، وأساليب الاستعمال كما حفل به تفسير التحرير والتنوير [...] ولا تبالغ إذا قلت: إن هذا التفسير خير تطبيق عملي لقواعد البلاغة العربية على آيات القرآن الكريم»(6)، بالإضافة إلى المبحثين النحوي والصرفي اللذين أولاهما المفسر عناية خاصة «فالكتاب حافل بأوجه الأعاريب، واختلاف النحاة، وترجيح ما يراه المؤلف صوابا، والاستدراك على بعض المفسرين، والنحاة فيما فاتهم. وقل مثل ذلك في شأن المسائل الصرفية، حيث يعنى ببنية الكلمات التي يتعرض لها، ويحرص على ردها إلى أصولها، ويتطرق إلى الأوزان والجموع وما جرى مجرى ذلك من المسائل الصرفية»(7).
8- بيان وجوه الإعجاز: فقد «اعتمد الإمام الأكبر المنهج الصحيح في تفسيره، المنهج الذي لا غنى عنه لدارس ولا لباحث ينظر في كلام الله تعالى. فنبه إلى أن تفسير التراكيب القرآنية ينبغي أن يجري على تبيين معاني الكلمات بحسب استعمال اللغة العربية، ثم بأخذ المعاني من دلالة الألفاظ والتراكيب وخواص البلاغة، وباستخلاص المعاني المستنبطة منها عن طرق دلالات المطابقة والتضمين والالتزام مما يسمح به النظم البليغ ولو تعددت المحامل والاحتمالات، وكذلك بنقل ما يؤثر عن أئمة المفسرين من السلف والخلف مما ليس مجافيا للأصول ولا للعربية، مع تجنب الاستطراد والاندفاع في أغراض شتى ليست من مفادات تراكيب القرآن»(8).
9- بيان حسن الختام: اعتاد الطاهر ابن عاشور في نهاية كل سورة التنبيه على حسن ختامها وكذلك تناسب النهاية مع المطلع.
وهو مع كل ذلك يُعْنَى باستنباط الفوائد واستخلاص العبر، مع الانفتاح على علوم أخرى كالطب والكيمياء والفلسفة والعمران وعالم الحيوان وغيرها من العلوم بما يخدم غرضه من الكتاب. «وإنك إذا تأملت تفسير العلامة الشيخ ابن عاشور ألفيت العقل الراجح، والرأي الصائب، وسعة الفكر، وقوة البيان، مع الحجة القوية والبرهان القاطع».