مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

مرصد الشماسية أو المرصد المأموني

 عبد الغني زيدان

مركز بن البنا المراكشي

يعتبر هذا المرصد أول مرصد فلكي تم بناءه في العالم بأمر من الخليفة العباسي المأمون[1] بن هارون الرشيد سنة 214 ه / 829 م، و قد ألحقه ّتحت إدارة بيت الحكمة[2]  و تحت إشراف العالمين الفلكيين سند بن علي[3] و أحمد المروزي الشهير بحبش الحاسب[4]، و قد أنشأت في نفس الوقت مؤسسات مماثلة تابعة لهذا المرصد مخصصة للبحث الفلكي حددت مهمتها الأساسية في وضع جداول فلكية ساعدت في حساب مواقع الكواكب، و أطوار القمر و الخسوف و الكسوف،  و توفير المعلومات اللازمة للتقاويم.

بسبب هذا الاهتمام بعلم الفلك من طرف الخليفة المأمون وجهوده الكبيرة و المساهمة في بناء العديد من المراصد يقول القاضي و الفقيه و المؤرخ صاعد بن أحمد الأندلسي في هذا الصدد:

 “لما تولى المأمون الخلافة رغبت نفسه الفاضلة في إدراك الحكمة، ووقف علماء وقته على كتاب المجسطي (لبطليموس)، وفهموا صورة آلات الرصد الموصوفة فيه، ثم جمع المأمون علماء عصره من أقطار مملكته، وأمرهم أن يصنعوا مثل تلك الأدوات، وأن يقيسوا بها الكواكب ويتعرفوا بها أحوالها كما صنع بطليموس، ففعلوا ذلك وتولوا الرصد بمدينة الشماسية من بلاد دمشق من أرض الشام، سنة أربع عشرة ومائتين (214هـ)، فوقفوا على زمن سنة الشمس، ومقدار ميلها وخروج مركزها، وعرفوا مع ذلك بعض أحوال باقي الكواكب من السيارة والثابتة، فقيدوا ما انتهوا إليه، وسموه بالمرصد المأموني”[5].

قام العلماء الفلكيون في مرصد الشماسية برصد الشمس و القمر و الكواكب و بعض النجوم الثابتة، و قد أثبتوا نتائج أعمالهم التي أنتجوها في كتاب “الزيج المأموني الممتحن” الذي ينسب تأليفه إلى العالمين البارزين يحيى بن أبي منصور المشهور بابن عراق و حبش الحاسب المروزي.

و كان ممن عملوا في هذا المرصد أبناء موسى بن شاكر، وكبار المنجمين في ذلك العصر  سند بن علي اليهودي الذي كان مسؤلًا عن الأرصاد في المرصد صاحب العديد من  الكتب العلمية منها: المنفصلات والمتوسطات، والحساب الهندي، والجمع والتفريق، والجبر والمقابلة، والعالم الكبير جعفر بن محمد البلخي[6]، وعمر بن الفرخان الطبري[7] أحد رؤساء الترجمة والمحققين بعلم حركات النجوم وأحكامها.

[1]  – المأمون هو الخليفة العباسي السابع، واسمه بالكامل: أبو العباس عبد الله المأمون ابن الرشيد، ولد عام 786 في بغداد، وتوفي عام 833 في طرسوس بقيليقية، حكم في الفترة (813-833). عرف بمحاولاته إنهاء النزاعات الطائفية في الإسلام وفرض عقيدة إسلامية عقلانية و شجع على طلب العلم و المعرفة.

[2] – بيت الحكمة واحدا من أبرز المراكز والمؤسسات البحثية والثقافية على مستوى العالم العربي والإسلامي زمن الخلفاء العباسيين الذين حكموا بغداد بين 750 و1258 للميلاد.

[3] – أبو الطيب سند بن علي المنجم، عالم فلكي ورياضي اشتهر في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي. ولد سند لأسرة يهودية تدين بالديانة الموسوية، ولكنه اعتنق الإسلام في عهد الخليفة المأمون.

[4] – اشتهر باسم حبش الحاسب, فلكي إسلامي اشتهر في القرن التاسع عشر, في عهد المأمون, وكان يعمل بالرصد الفلكي وهو واحد من العلماء المعمرين حيث تجاوز عمره مائة سنة, وضع ثلاثة أزياج في حركات الكواكب أولها (الزيج المؤلف على مذهب السند هند) , وفي هذا الزيج اختلافات عما في زيج الفزاري وزيج الخوارزمي, وأما الثاني: فهو: (الزيج الممتحن) وهو أشهر أعماله وجلب له التقدير والشهرة , فقد أشار إليه البيروني في كتاب الآثار الباقية , وهو السبب في تلقيب أحمد الحاسب بلقب الحكيم حبش, ووصف هذال الزيج بالزيج المعروف, أما الثالث فهو المعروف (بالشاه, أو الزيج الصغير ) وله أيضا (الزيج المأموني) وكتاب: (عمل الاسطرلاب) وكتاب (الأبعاد والأجرام) وقد اعتمد حبش كثيرا على زيج قديم من أصل هندي يعرف باسمه الفارسي: (زيك اشترو آيار) , ويعرف عند العرب بزيج الشاه.

[5] – طبقات الأمم، صاعد الأندلسي، ص 50.

[6]أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي (787886)، والذي كان يعرف باسم ألبوماسر، هو فلكي ورياضياتي فارسي ولد في بلخ والتي تقع حالياً في أفغانستان. توفي في واسط سنة 272هـ.

[7]بو حفص عمر بن الفرخان الطبرى توفي في حدود سنة 200 هـ/815م أو قبل ذلك) فلكي منجم ومعماري وأحد رؤساء التراجمة عاش في بغداد. في عام 800، ترجم ابن الفرخان الطبري النسخة الفهلوية من كتاب “Pentateuch” لدوروثيوس الصيدي إلى العربية، والتي اعتمد المنجمون الغربيون على ترجمتها اللاتينية. اعتبره ابن أبي أصيبعة مع حنين بن إسحق وثابت بن قرة والكندي حذّاق الترجمة من المسلمين.

Science

ذ. زيدان عبد الغني

باحث مركز ابن البنا المراكشي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق