وحدة الإحياءدراسات محكمة

محددات منهجية في الفكر الاجتهادي: دراسة في ضوابط التأصيل والتنزيل

ثمة مفاهيم أصيلة في ثقافتنا الإسلامية لها قدرة كبيرة على الاختراق الزماني والمكاني والموضوعاتي، وهي مفاهيم أساسية ينبغي أن تشكل همّا محوريا يستدعي تجديدا في النظر ويتطلب مواكبة مستمرة لحركية الواقع المتسارعة والمعقدة ولدينامية العلوم المتطورة، ومن أهم هذه المفاهيم؛ الاجتهاد، والفقه، والتجديد، والنظر، والتنزيل… فعبرها تتجلى مظاهر إعمال العقل وفقه النص وفقه الواقع، وفي ضوء ذلك يتم إخراج المنتوج الحضاري البشري الاستخلافي، الروحي والمادي، وهو منتوج مرتبط بواقعه وقابل للتسديد والتصويب والرقي لما هو أفضل وأحسن.

والمتأمل في معظم التجارب الحضارية الإسلامية يجد أن الإمكانات المميزة لمرجعيتنا المتعالية لم يتم تفعيلها بنفس القوة التي وردت بها في الوحي، وحتى الفترات القليلة التي عرفت هذا التفعيل لم تستمر بنفس الوهج والعطاء؛ إذ سرعان ما حل محل الاجتهاد والتجديد والإبداع آفات التقليد والحشو والابتداع، وقد كانت هذه الآفات سببا في تضخم الاهتمام باجتهادات تاريخية على حساب النص المؤسس لها، فنالت من القداسة مثلما نال النص نفسه أو أكثر.

وقد دلت نصوص الوحي والتجربة النبوية الأولى على وجود محددات منهجية تحكم الفكر الاجتهادي على مستوى التأصيل النظري وعلى مستوى التنزيل العملي، وسنحاول أن نبرز بعضا من هذه المحددات المنهجية، والتي يشكل الوعي بها مقدمة ضرورية لبناء عقلية اجتهادية تجديدية متفاعلة مع واقعها وفق ضوابط مرجعيتها. وسأركز على ثلاثة محددات أساسية: محدد الفصل بين الشرع والتاريخ، ومحدد التمييز بين الأصول والفروع، ومحدد وحدة النص وتعدد الفهم.

المحدد الأول: الفصل بين الشرع والتاريخ

الحديث عن السيرورة التاريخية للفكر والثقافة في التجربة الإسلامية هو في العمق حديث عن تفاعل عناصر ثلاثة بدرجات متفاوتة: الوحي والواقع والعقل. الوحي الإلهي؛ القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، باعتبارهما الأصول المؤسسة للتشريع والموجّهة للاستخلاف والعمران. والواقع المتغير “الذي تتفاوت في إدراكه وتشخيصه وتكييفه عقول الناس وتقديراتهم، بمن فيهم الفقهاء. وتبعا لذلك يتحدد الكثير من اجتهاداتهم وفتاويهم المرتبطة بالواقع والمتأثرة به”[1]، وكذا العقل الذي يتفاعل مع الوحي ويعايش الواقع فتتأسس لديه منهجية التأويل والتنزيل، وقد غلب على هذا العقل في التجربة الإسلامية الأولى العقل الفقهي، خاصة بعد عصر التابعين، بحكم تفاعله لأول مرة مع قضايا وجزئيات فقهية كثيرة. وقد “تفاوت الفقهاء في ذواتهم وقدراتهم الفكرية ومراتبهم العلمية ومسالكهم المنهجية. ولكل واحد من هذه الأمور تأثيره في اجتهاداتهم ونتائجهم. بل حتى أخلاقهم وطباعهم قد يكون لها تأثير في ذلك”[2].

يقتضي هذا المحدد ضرورة التمييز بين الوحي والتنزيل التاريخي له في واقع معين، على أساس أن الوحي نص مطلق متعالي عن الزمان والمكان عبر التجارب والسياقات المختلفة. وقد تضمن الوحي إشارات لتجارب تاريخية انقضت بفناء أصحابها، لأخذ العبر والعظات منها، ولبناء تجارب جديدة راقية ومتجاوزة لأخطاء السابقين وهفواتهم وزلاتهم، ومستنيرة بإنجازاتهم وعطاءاتهم. كما “أن معرفة الواقع والإحاطة به من المسائل الأساسية في نجاح عمل الفقيه؛ لأن الانزواء عن المجتمع والواقع وممارسة العمل الفقهي في الزوايا بعيدا عن هموم الناس لا يمكن أن يكون إلا تكرارا لآراء القدامى الذين كانوا يتعاملون مع واقعهم. صحيح أن الفقيه اليوم أصبح يحتاج إلى استشارة الخبراء وأصحاب الاختصاص في مختلف المسائل التي تعرض عليه نظرا لتعقّد الواقع، وكثرة المستجدات”[3].

ومن الأخطاء المنهجية إسقاط الواقع المعاصر على واقع السابقين، والنظر بمنظار العصر إلى عصرهم، فالتراكم المعرفي قد وفّر لنا أدوات وآليات ومفاهيم ومناهج ونظريات نستطيع من خلالها الوقوف على بعض ثغرات السابقين وهفواتهم المعرفية والمنهجية، ليس قصورا وتهاونا منهم، بل لم تسعفهم أدواتهم ومعرفتهم حينذاك من التنبّه لها وإصلاحها. ومن ثمّ يمكن القول أنهم عاشوا عصرهم بظروفه وإشكالياته، ونحن نعيش عصرنا بظروفنا وإشكالياتنا، ومن سيأتي بعد فترة من الزمن، طالت أم قصرت، سيعيشون ظروفهم وإشكالياتهم، وبالتالي فالمعاصرة هي قدرة كل جيل في أي عصر على مواجهة إشكالاته وتحدياته، اعتمادا على إمكاناته وتراكم خبراته.

من هنا تقتضي الموضوعية والإنصاف الإقرار بأن وضوح الرؤية الكلية المستوعبة لظاهرة ما لا يحصل إلا بعد تقييم التجارب السابقة والوقوف على نقاط الإصابة والخطأ، والقوة والضعف. وبالتالي فالممارسات السابقة تشكل لنا، في مجملها، تجارب اختبار لنقيس درجة قربها أو بعدها من المستوى الاجتهادي المطلوب على ضوء ما وصلت إليه المعرفة ونظمها ونظرياتها حسب الزمن الحالي؛ لأننا لا نضمن بالوسائل العلمية نوع تصرفنا في نفس الظروف والأحوال التي مرّ بها من سبقونا، وبالتالي لا مبرر لأن تستمر جملة من إشكالات سابقة رغم توفرنا على رؤى معرفية ومنهجية واضحة لحلها وتجاوزها. يقول أبو القاسم حاج حمد موضحا هذه الإشكالية “ولكن الخلاف بيننا وبينهم يكمن في أننا نوظف مناهج ورؤى مختلفة عن مناهجهم، ضمن خصائص تكوينية مفارقة لخصائصهم التكوينية، ولا نقول بأنهم عجزوا في ما نجحنا فيه من بعدهم، وإنما نقول إنهم أبدعوا ضمن خصائصهم الفكرية، فهم قد أنتجوا ضمن خصائص العقل المحض، أما نحن فننتج بقوة العقل مع محددات العلم النظرية والمعرفية، ولهذا يجب النظر لما خلفوا من إرث ثقافي من خلال تلك الخصائص الفكرية والمنهجية التي تشكل ضمنها وعينا بالسيرورة التاريخية وبالمتغيرات الاجتماعية، بدل التقليل من شأن ذلك الموروث الثقافي”[4].

فكل التجارب التاريخية الإسلامية، هي نوع من التفاعل الإيجابي مع الوحي، ولا يمكن لتجربة أن تتحول إلى أصل يحاكم إليها الأصل الأول. فالمرجعية الحاكمة تبقى للمطلق المهيمن وليس للنسبي المتغير؛ إذ لابد من أصل يحتكم إليه عند اختلاف أو تنازع التجارب، وهذا المطلق هو الوحي (المرجعية المتعالية) الذي يقع خارج حيز التجربة الإنسانية والنسبية البشرية. ولقد فطن لهذا بعض علمائنا حين قرروا في بعض مؤلفاتهم فصولا تؤصل لنسبية التجارب الإنسانية من مثل: “فصل في تغيّر الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد..”[5]. و “في موضوع الفقه بصفة عامة، وفي الفقه السياسي بصفة خاصة، لابد أن ننتبه إلى أن هناك قضايا وأفكارا ومصطلحات تناولها الفقهاء وكُتّاب السياسة الشرعية والأحكام السلطانية، وأصبحت مادة متداولة ومتوارثة في تصانيفهم، وهي في الحقيقة ليست أكثر من توصيف وتنظيم فكري ظرفي، للنظم والأعراف التي صاغتها وصنعتها الممارسة الفعلية لحركة التاريخ. ففي هذا الصنف من القضايا والأفكار يمتزج التاريخ بالشرع، أو بالأحرى يمتزج تاريخ المسلمين وتصرفات المسلمين، بالمرجعية الإسلامية والثقافة الإسلامية. وقد يكون نصيب التاريخ وتأثيره فيها أكثر من نصيب الشرع وأدلته”[6].

 وإذا كان التحدي يظهر جليا حين الجمع والمزج بين استلهام الواقع بإشكالاته وقضاياه وما يتطلبه من إصلاح وتكميل، اعتمادا على المبادئ والأدلة الشرعية وإرشاداتها في زمن محدد، يتبين لنا مدى التعقّد في العلاقة التي تجمع التاريخ والشرع اتصالا وانفصالا، وقد ناقش هذه الجدلية الدكتور الريسوني في مبحث سمّاه: “فصل المقال فيما بين الشرع والتاريخ من الاتصال والانفصال” أشار فيه إلى أن هذا الفصل “فصل ضروري حتّى لا نخلط شرعنا بتاريخنا، ولا نتّخذ التاريخ دينا لنا. {..}؛ فالفصل بين الشريعة ومكوناتها من جهة، والتاريخ ومكوناته من جهة أخرى، يريحنا ويرفع عنا الحرج في مبدأ المراجعة والغربلة لتراثنا في الفقه السياسي وغيره. ويريحنا ويرفع عنا الحرج حين نأتي إلى عديد من المقولات والمقررات في هذا الفقه فننزع عنها صفة الحجية واللزوم، أو صفة القداسة كما يقال”[7].

والخلاصة أن جملة من الاجتهادات الفقهية أو الأصولية “إنما هي معطيات معرفية منجزة في سياقات تاريخية وثقافية واجتماعية خاصة، ولا يمكن تجريدها من بصمات العصر المنبثقة فيه، مثلما لا يصح فصلها عن المشروطية الزمانية والمكانية والثقافية التي أنتجها، فهي منخرطة في تاريخ أصحابها، وليست حقائق أو جواهر مثالية متسامية على الواقع، كما أنها ليست عابرة للمحدّدات، والظروف، والمحيط الذي تبلورت في داخله، إنها مرتهنة بالفضاء الخاص وخلفيات الفقيه والأصولي الذي قالها أو دوّنها”[8]، فهذه المعرفة الفقهية “انبنت على أعراف وظروف وتقديرات مصلحية كانت وجيهة وسديدة في حينها، ولكن تلك الأسس والاعتبارات تغيرت تغيرات تامة، أو تغيرات جوهرية. ولا بأس في هذه الحالات أن نتجاوز ما ذهب إليه جمهور الفقهاء والمجتهدون المتقدمون. وحتى الإجماعات التي بُنيت على ما ذُكر، فإنها تتغير بتغير أسبابها وموجباتها الظرفية، أما أن يعمد أحدنا اليوم إلى ظن ظنه ورأي اختاره وأعجبه، يتعلق بفهم المعاني الأصلية الثابتة للنصوص، مما يتوقف قبل كل شيء على الدلالات اللغوية لعصر التنزيل، ويحتاج إلى احترام قواعد اللغة كما فهمها وبينها المتقدمون، ويتوقف على اعتبار ما فهمه آلاف من الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء عبر عدة عصور، ثم يتحدى به الإجماع والجمهور، والسابقين واللاحقين، فهذا ليس من العقل ولا من العلم في شيء”[9]، وتبقى هذه الموازنة أمرا مهما، فهي من ناحية لا تناهض حرية البحث وحرية الفكر والنقد، ولكن في نطاق من المعقولية واحترام الاعتبارات المؤسسة علميا لا عاطفيا.

والأولوية التي تفرض نفسها في محدد الفصل بين الشرع والتاريخ مراجعة مدونتنا الفقهية مع مراعاة مقتضيات واقع أصبح أكثر تعقيدا أن تهيمن عليه فتاوى فردية كانت مرتبطة بنمط عيش بسيط؛ أي أن تكون إعادة صياغة “المدونة الفقهية” مرتكزا على تجديد الصلة بجميع أنواع العلوم العقلية والشرعية والاقتصادية والاجتماعية والطبية.. وخلق جسور التواصل بين مختلف العلوم من خلال نظمها في إطار كلي شامل و”توظيف المكاسب الراهنة للعلوم في دراسة، وتحليل، ومساءلة التجليات والتعبيرات والظواهر الدينية في حياة الفرد والمجتمع، واكتشاف منابعها وحدودها وآثارها ومعطياتها”[10]. والمقصود هنا التنبيه إلى مداخل استئناف التجديد الممكنة، المتعالية عن تأثير التاريخ وتحكمه في عدد من الأبنية الشرعية المتجاوزة له. ويؤكد ذلك القرآن نفسه الذي يدعو إلى إدامة التفكير والتدبر والنظر والتعقل والاعتبار.

المحدد الثاني: التمييز بين الأصول والفروع

تشكل الأصول الثوابت والأركان والمسائل الكبرى للدين، وتشكل الفروع المتغيرات والمسائل الفقهية الجزئية في الدين. فقد تفرَّد الوحي بميزات خاصة جليلة لم تتوفر لغيره من الكتب المنزلة، وأهم هذه الميزات؛ إلهية مصدره، وأنه آخر وحي ينزل من السماء، محفوظ من التبديل والتغيير، وبه اكتملت الرسالات السماوية، وهو خطاب موجه للناس جميعا “رسم للناس عامّة قواعد الفكر والنظر إلى جانب قواعد الحياة العملية، وأن هذا القرآن قد اشتمل على تصور نهائي للكون (ميتافيزيقي)، وأنه قد وضع قواعد السلوك الإنساني (الأخلاق)، وأنه لم يترك جانبا من جوانب الفكر والعمل (أو الدين والشريعة) إلا وملأه بوضع صورة كاملة.. وأن المسلمين قد تلمسوا مادة فكرهم وعملهم من مصدرين، هما: القرآن والسنة، اللذان سارا متعاونين يرسمان للمسلم الحياة الجديدة، ويرسخانها في جميع قواعدها”[11]، فهُما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي؛ “مصدر واحد منشئ وكاشف عن العقيدة والشريعة. ومصدر واحد تأويلي وتفعيلي وتطبيقي تنفيذي مبين لكيفية اتباع الكتاب وتطبيقه، وهذه ميزة من أهم مزايا هذه الرسالة الخاتمة، وهي التي أعطتها المرونة والاتساع، والقدرة على الاستجابة لكل مستجدات الأزمنة والأمكنة والأنساق الحضارية والثقافية وحاجات الأمم؛ لأنها تعتمد على قواعد كلية، ومقاصد عليا؛ ولم تشتغل بالتفاصيل الجزئية الدقيقة إلا تلك التي هي مظنة الحيف البشري فاحتاجت إلى النص عليها؛ كالأنكحة والمواريث.. والكتاب الكريم وبيانه النبوي في السنة هما متكاملان متلازمان، فهما المصدر الوحيد لما يمكن تسميته ب “الحقيقة الفقهية”؛ ولذلك كان الحلال بيّنا والحرام بيّنا، وكانت مساحة المشتبهات محدودة جدّا”[12].

ومن تجليات التفريق بين الأصول والفروع ضرورة الرجوع المباشر إلى النبع الصافي (الوحي= قرآن وسنة) وتطهيره مما علق به من رواسب وشوائب وعوالق، “وتجاوز كل أشكال وصور الموروث الثقافي الذي حجب الرؤية والاستمداد المباشر من تلك المصادر إلا عبر وسائط وقنوات..”[13] وبناء منهجية معرفية تجعل من تلك الوسائط مصادر استئناسية للوصول إلى حقائق أكبر وأشمل وليست مصادر نهائية مقصودة لذاتها، باعتبارها جهدا بشريا وتجارب دينية مرتبطة بالزمان والمكان، لها عبرها وعظاتها وميزاتها ونقاط قوتها وضعفها، ومن ثم “لابد من نظر اجتهادي مستأنف لفهم الدين فهما يراد به معالجة الواقع، وهو نظر يلتزم ضرورة فحص التراث واستيعاب ما ورد من أفهام ثرية، ولكنه التزام استفادة واسترشاد واهتداء، وليس التزام اتباع وتقليد لأفهام السابقين على سبيل الحتم المفروض فإن ذلك لا يبرره شرع ولا ينصلح به واقع”[14] مع الإشارة إلى أن التجديد عملية بناء وترميم وليست هدم وتقويض، ومن ثم أهمية “الاسترشاد بالجيل الأول من أجل الفهم السليم للدين ومن أجل التخلص من الشوائب وأشكال الغلو التي لحقت به أو طرأت عليه”[15]. ولا ينفي هذا ضرورة مراجعة الموروث تصحيحا وتصويبا بمنهجية قائمة على الإبقاء الصالح النافع وتجاوز الضار الثقيل. فلا بدّ من تصفية ركام الشوائب والشبهات العالقة.

وأكثر ما يزيد في شرعية وضرورة هذه المراجعة كون “فقهنا وتراثنا بمعظم مفرداته وقضاياه ومؤلفاته، يرجع إلى ما بين القرنين الخامس والثامن الهجريين، وأننا الآن في القرن الخامس عشر.. مما يدعو أن تكون المراجعات المطلوبة عميقة وشاملة، ولا تستثني إلا ما كان شرعا منصوصا، صحيحا صريحا. وإذا استحضرنا أن ما يفصلنا عن ذلك الفقه ليس مجرد مدة زمنية طويلة تعدّ بمئات السنين، بل تفصلنا عنه أيضا التطورات النوعية الهائلة التي عرفتها مجتمعاتنا والعالم من حولنا، في كافة المجالات والأصعدة: السياسية والتشريعية والاجتماعية والمالية والاقتصادية والإدارية والعلمية والثقافية والصناعية والتواصلية… أفليس هذا وحده موجبا للمراجعة والتجديد والملاءمة، على نطاق واسع[16].

ومن تجليات التفريق بين الأصول والفروع أن تكون محاكاتنا للسابقين محاكاة منهجية عقلانية وليست محاكاة معلوماتية تقليدية إسقاطية، بمعنى أن ننظر في طريقة تعاملهم مع الوحي، ومنهج تنزيله على الواقع، والاعتزاز الكبير بهذا الدين وقيمه، والتحرر من الخرافة والخوف والذل. وكيف كان إقدامهم وشجاعتهم، وأحيانا مغامراتهم ومخاطراتهم في عصور القوة؟ وكيف كانت هفواتهم ونقاط ضعفهم في عصور التقليد والجمود؟ فالوقوف على المنهج الذي جعلهم يؤسسوا حضارة وعلوما، واستطاعوا من خلاله استيعاب ودمج ثقافات وعلوما أخرى، أفضل بكثير من الوقوف على ما أنتجوا من جزئيات المعارف وكثرة التفاصيل، فالنتائج والثمار تأتي نتيجة طبيعية بعد بناء الأسس والأركان. لذلك يمكن القول أن “ولاءنا لآبائنا يجب أن يكون في محاكاتهم في وقفتهم تجاه الحياة، لا في إعادة ما صنعوه حرفا بحرف”[17]؛ لأن المشكلة “لا تكمن في الحضارة، ولا في التراث، وإنما تكمن في النظام الثقافي الذي طورناه نحن في القرون الحديثة من أجل استيعاب هذه الحضارة وهذا التراث. إنها تكمن في فاعليتنا، أو بالأحرى لا فاعليتنا الثقافية والعقلية الحديثة”[18].

وللأسف فإن غياب التفريق بين الأصول والفروع منهج لم يسقط فيه فقط بعض المدافعين عن الدين، بل سقط فيه حتى الناقمون من المستشرقين والمغالون من العلمانيين الحاقدين، مما جعل هؤلاء يخلطون في أحيان كثيرة بين أصول الدين وتجارب تاريخية مرتبطة بأصحابها تشكل فهما معينا للدين. ومعلوم أن المنهج العلمي لنقد التراث يقتضي الاطلاع على معارفه والاستئناس بمقاصده، حيث أن الكثير ممن تصدّوا لنقد التراث “تكلّموا فيه بما لا يعرفون وتطاولوا على البث فيما لا يفقهون. {..} فكيف يصح إذن لمن لا يجيد لغة التراث أن يدعي لنفسه القدرة على تقويمه! فمن أين يقع على حقيقة مضامينه وعلى كنه آلياته!”[19]. وهذا الشرط العلمي لازم، ليس فقط لتقويم التراث وإنما لتقويم وتصويب كل مجال علمي أو معرفي.

من أضرب المسبقات والقبليات التي تحكم بعض الباحثين؛ تصيُّد الشاذ والغريب من الأقوال والعبارات التي نُقلت في التراث خاصة في جانبه الفقهي… والتغاضي والتغافل عن البحر المضيء من معارفه وتجاربه التي تشكل في الكثير منها منارات هادية عبر الزمان والمكان. وهذا المنهج الذي أسّسه المستشرقون الناقمون على تراث الأمة، تشرّبه، للأسف، بوعي أو بدون وعي، العديد من المثقفين والمفكرين العرب، “فما كان يجب أن يُعظّم من معان متأصلة، ذهبوا إلى تحقيره من غير تحسر، وما كان يجوز تحقيره من وسائل مقتبسة، ذهبوا إلى تعظيمه من غير تقتر”[20] و”لا يطلب الشاذ إلا من يريد الزيغ عن الحق والمروق، ولا يطلب الغريب إلا من يريد المخالفة والظهور”[21]. علما أن الوقوف على هذه المنزلقات للتصحيح والتصويب يعدّ أمرا مطلوبا في حد ذاته، أما تصيّدها للتشفي والتحقير والقياس عليها لإسقاط الكلّ في سلة واحدة، فهذا منهج متحامل بعيد عن الإنصاف والموضوعية والعلمية.

المحدد الثالث: وحدة النص وتعدد الفهم

إن النص الشرعي (قرآنا وسنة نبوية) واحد لا يتغير لكن الفهم متعدد، والدين واحد لا يتغير، لكن أشكال التدين مختلفة. لقد كان الإسلام دين جميع الأنبياء[22]، إلا أن شرائعهم مختلفة ومتعددة بتعدد طرق ومناهج التدين بهذا الدين الواحد؛ ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (المائدة: 50) فنتيجة لكل ذلك نجد مدارس التفسير المختلفة التي تتفق في تفسيرها لبعض النصوص وتختلف في أخرى نظرا لتباين مداخل البشر في الفهم، ونجد كتب السنة المتعددة، والمذاهب المختلفة التي تعددت مناهجها وطرق استنباطها. ولا ضرر أن ينحاز كل واحد إلى مدرسة معينة أو مذهب معين، فيتعلمه ويدافع عنه.. وإنما سيحصل الضرر إذا تحول الأمر إلى تعصب وتدابر وتصادم والنظر إلى الطرف أو الأطراف الأخرى بعين العداوة والحقد، وأحيانا يصل الأمر إلى حد الاقتتال كما حدث في عدد من التجارب السابقة وفي عدد من مناطق العالم الإسلامي المعاصرة.

يقتضي هذا المحدد الإيمان بقناعة راسخة أن “الاختلاف ثراء فكري، وتنوع ثقافي، وهو من سنن الحياة، غير أن الممارسات الخاطئة هي التي أفسدت جمال التنوع وألوان الطيف، والحقيقة أن المذاهب الإسلامية من حيث الفقه لا تختلف جوهريا إلى درجة الخلاف، وتبقى في دائرة الاختلاف، لكن شخصنة المذاهب جعلتها غير قادرة على الخروج من دائرة ضيقة تتلاءم مع رؤيتنا لهذا الشخص أو ذاك”[23].

كما أن الإسلام يعطي مبدئيا لكل أحد حرية إبداء ما يعتقد به من أقوال وآراء، وهذه الحرية الفكرية قد تقود أحيانا إلى الشطط والإسفاف والضلال، إلا أن الحد منها أيضا قد يقود إلى الانغلاق والمصادرة والحجر والركون، وإلى الخرافة والجهل والتعصب. لهذا فتح الإسلام مجال الرأي وحرية الفكر علما أن الفكر الذي سيصمد ويستمر له ميزات خاصة تمكنه من القدرة على البقاء والمدافعة[24]، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد: 19)؛ فالغنى العلمي لا يكون بالحجر على الفكر والتضييق عليه، وإنما بالسماح له بالامتداد والتوسع بقدر توسع الكون ستتسع المعرفة ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَæ﴾، فلماذا التضييق ما دام أن علمنا محدود ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الإسراء: 85) وما دام أن دائرة المجهول أوسع من دائرة المعلوم.

ومن الأخطاء الكبيرة وبدايات الانحراف في الفهم والاستمداد هو عندما بدأت تعمد مدارس أو فرق واتجاهات إلى محاصرة الوحي بأفهامها، مدّعية حيازة التأويل الصحيح للمقدّس، فلم تسمح له بالامتداد إلا بمقدار ما تسمح به عقولها ومداركها، فتحرم بذلك عقولا أخرى من حظها في الفهم وتصادر حقها في الرأي والاجتهاد، ومن ذلك أيضا إحاطته بقيود وضوابط اجتهادية، وحمل ألفاظه ومعانيه على تخصصات مدرسية معينة بالشكل الذي يحجب الدلالات المنفتحة والمستوعبة لتلك الألفاظ والمعاني[25]، حتى “أضحت كثير من المفاهيم والمصطلحات التي صاغت وتصوغ ثقافتنا معرفة بالتاريخ لا بالوحي. وحدودها مدرسية مذهبية تعليمية أكثر منها تشريعية كلية، حيث انحصرت الدلالات الشرعية وانتشرت الدلالات التاريخية”[26]. وفي هذا تضييق وحجر على الفهم والإبداع وحدّ للمعرفة من التطور. ونجد مثالا راقيا عند ابن رشد الحفيد (520/595ﻫ-1126/1198م) الفقيه الأصولي والفيلسوف المتكلم، الثائر على التقليد والمقلدين، يقول متحدثا عن مصادرة مفهوم “الأفقه” (اسم التفضيل من الفقه) في زمانه، يقول ابن رشد: “كما نجد متفقهة زماننا يظنون أن الأفقه هو الذي حفظ مسائل أكثر، وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخَفَّافَ هو الذي عنده خفاف كثيرة لا الذي يقدر على عملها، وبين أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه إنسان بقدم لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه، فيلجأ إلى صانع الخفاف ضرورة، وهو الذي يصنع لكل قدم خفا يوافقه، فهذا مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت”[27].

 فما قيمة هذا الحِمل الثقيل من الفقه إن لم يكن أساس وجوده حل مشكلات ومستجدات الزمان؟ وماذا عساه أن ينفع إن لم نجد فيه ما نبني عليه لإزالة الإشكال وإراحة الأنام؟ فالفقه تراكم مستمر، السابق منه أساس للاحق، ولا شك أن فيه طفرات نوعية، حين لا يكون للنازلة حكم مماثل أو شبيه، عندها يمارَس الفقه في أبهى صوره وأحسن حلله، من خلال إعمال النقل والعقل وغيرها من أصول الاستدلال والاستنباط في تكامل عجيب مع مقاصد الشرع وظروف الواقع.

وهذا التنوع يغني الحقائق ويوضحها أكثر إذ أن “الحقيقة تظل بعيدة المنال ويظل لكل البشر الحق، وعليهم الواجب أن يسعوا لمعرفتها، وكل منهم سيتوصل إلى معرفة شيء غير متطابق مع الآخر، سيعرف بعضا من جوانبها، لأنه كلما درنا حول الحقيقة كلما رأيناها في صورة مختلفة، كما يقول أينشتين، لذلك يظل إرداف كل قول بـ”والله أعلم” معبرا عن انفتاح النسق ومحددا للإبستيمولوجيا الإسلامية، ومحققا لرضاء الإنسان عن نفسه وجهده، وقناعته بأنه ليس هو الأعلم وإنما هو واحد من الذين يعلمون”[28].

والمتأمل في شبكة المفاهيم المتداولة في الثقافة الإسلامية، يجد اختلافات بينة في مدلولاتها وحمولاتها، قد تصل أحيانا إلى الاختزال البخيس المخلّ، أو الشمول الفضفاض الممل، مما يستدعي حذرا شديدا في التعامل مع هذه المفاهيم. قد يحصل تطور أو تغير دلالي بفعل حركة التاريخ وتطور الحضارة والعمران، فتتم عملية التصويب والتسديد من خلال بناء تعاريف جديدة أكثر استيعابا وشمولا لدلالات لم تستوعبها التعاريف السابقة أو السائدة، فتكون للدلالات الجديدة قدرة أكبر على توجيه مسار البحث والفكر والثقافة الإسلامية.

فقد عُرّف الفقه، مثلا، بأنه “العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية”[29]، كما عُرّف بأنه “الفهم والوعي والإدراك لجملة حقائق ومعارف متعلقة بالكون وبالشرع”[30]. وجاء في تعريف الاجتهاد أنه “بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريقة الاستنباط”[31]، ومن تعريفاته أيضا أنه “بذل الجهد في العادة والعبادة”. وقيل في التجديد أنه “إحياء السنة ومحاربة البدعة وإكثار العلم”[32] (لتركيز على دائرة العلوم الشرعية المحضة)، ولكنه عُرّف أيضا أنه “النظر في آيات الآفاق والأنفس، وما يلزم فيهما من علوم مؤسسة لحضارة الأمة في هذا الاتجاه. والكل يفقه عن الله تعالى في آياته النصية والإنسانية والكونية”[33].

والتقليد “لا يعني، معرفيا، مجرد “قبول قول الغير بلا حجة” كما عرفه علماء أصول الفقه، ولا يعني مجرد “محاكاة الغير ومتابعته” كما هو في العرف السائد”[34].. ولكنه “حالة نفسية وعقلية تصيب الأمم فتجعل المصاب في حالة كسل عقلي، واسترخاء ذهني وبلادة نفسية، فهو في حالة تلق مستسلم على الدوام ينتظر من يثير له الأسئلة والإشكالات ليوجد عنده قدرا من التوتر البارد قد يدفعه إلى البحث المحدود القاصر، فإما أن يرجع إلى التراث أو الآخر”[35]، وإذا كان علم الكلام سابقا يحمل مضمون “الحجاج عن العقائد الإيمانية، بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنّة[36]، فإن علم الكلام المعاصر يعرف تجديدا مطّردا باستفادته من مختلف التطورات الحاصلة في كل العلوم، حيث طوّر آليات الاستدلال ومناهج التأويل والهرمنيوطيقا والتحليل والتفكير.

هدفي من خلال إيراد هذه التعاريف (مع منهج الاختيار المتعمّد) هو التأكيد على حقيقتين: الأولى؛ أن العديد من المفاهيم التي كانت لها دلالات كلّية مستوعبة، تم تحجيم دلالاتها لتقتصر على جوانب ضيقة أو خاصة بمجال تداولي معين، والثانية؛ أن العديد من المفاهيم كان تداولها عبر التاريخ مختزلا، حيث كان الأصل هو الدلالات الجزئية الخاصة وتم إغفال باقي الدلالات الأخرى، فتم الاستدراك بتصحيح دلالاتها المستوعبة الشاملة.

وعموما لا ينبغي أن تبقى المفاهيم جامدة وفق محددات زمنية معينة، وإنما ينبغي أن تتحرك وتساير الإيقاع الزمني المتغير، وإلا ستبقى متجاوَزة وبذلك يصيبها الوهن والنسيان والموت. والمنهج القويم في تعاملنا مع المفاهيم يقتضي الإبقاء على الدلالات المستوعبة الشمولية المنتمية إلى إطارها العام، مع إمكانية تنزيل المفهوم على مجال تداولي خاص؛ أي أن المفهوم يشتغل في دائرتين: دائرة الاشتغال العامة وهي الأصل، ثم دائرة الاشتغال الخاصة وهي الفرع، وهذه الدلالة الثانية تتغير بحسب نوعية ومنهج المجال التداولي المدروس في الحقول المعرفية المختلفة. وبالتالي نكون قد حافظنا على الدلالة الحقيقية العامة للمفهوم التي بطبيعتها ستكون منفتحة حين نودّ دراسة نموذج معرفي معين في مجال من المجالات، وهذا ما يعطي للمفاهيم خصوبة وحركية داخل المرجعيات المختلفة ومجالات التداول المتباينة.

لذلك فالنخب الفكرية بمشاربها المتعددة مطالبة بأن تظهر وعيا وفهما ونضجا أفضل اتجاه المفاهيم والقضايا الإشكالية الجدلية التي تشغل اهتمامها، فمن شأن هذا المنهج إغناء العلم والمعرفة واستئناف التجديد فيها، ومن ثم لابد من تواصل فكري وعلمي بين جميع مكونات الأمة، تواصل قائم على قيم وأخلاقيات قبول الآخر والاعتراف بوجوده حتى لا “يفقد الحوار الفكري مبررات وجوده، وتهدر فاعلية عقول أبناء الأمة، وتفقد فصائلها على مختلف المستويات إمكانات الفهم المتبادل، والحوار المشترك، وبناء قواعد التراكم المعرفي، وقدرات التقويم والنقد والتصحيح فضلا عن التحليل والتفكيك والتركيب وبذلك يصبح عالم الأفكار فارغ المعنى، فاقد المضمون وتفقد الفكرة قيمتها وأهميتها[37].

خاتمة

مجموع المحددات التي أشرنا إليها سابقا تشكل فيما بينها وحدة موضوعية متكاملة؛ فمحدد الفصل بين الشرع والتاريخ يمكننا من رؤية متجددة للشرع عبر التاريخ، ومحدد التمييز بين الأصول والفروع يبرز خصائص المرونة والعالمية والشمول التي تميز الشرع الرباني عن غيره من النّظم الوضعية، أما محدد وحدة النص وتعدد الفهم فيعطي مجالا رحبا لتفاعل العقل مع النص في ضوء الواقع المتغير المتجدد، كما يبرز تفاوت الأفهام وتلاقح الأفكار للوصول إلى أرقى الحلول وأقوم المسالك.

كما تُظهر التحليلات السابقة أن الإشكالية مركّبة، ومعقّدة، تحتاج إلى جهود لضبط مظاهرها وتجلياتها، خاصة مع وجود أطياف فسيفسائية في الساحة الفكرية والدينية منها على وجه الخصوص، مما يجعل أولية البحث عن النقاط المشتركة ضرورة ملحة، لتنميتها وتوسيعها والبناء عليها. فنحن أمام جدلية ثنائية الذات والموضوع؛ موضوع يحوم حول مقصد العبادة وتحقيق الاستخلاف، وذات ينبغي أن تكون منصفة متجردة من الحمولات المسبقة متحيزة “للحق” الذي تقتنع به دون مصادرة الآخر لأحقيته في التفكير والاقتراح لنصرة “الحق” الذي يعتقده.

ومهما كانت درجة الاختلاف، ينبغي أن يظل اختلافا سلميا مبنيا على الاحترام والتفاعل والحوار، بدل القطيعة والإقصاء والتهميش والتحقير والتنقيص. ولا شك أن هذا المنهج القويم بدأت بوادره تتسع شيئا فشيئا، والمطلوب هو تنميته والمحافظة عليه ليصل إلى تعاقد اجتماعي وفكري وثقافي يشكل ضرورة من ضرورات الحياة يتنفسه الجميع كما يتنفس الهواء، لأن كرامة الإنسان مرهونة بحريته، وعزته مرهونة بإنسانيته.

الهوامش

[1]. أحمد الريسوني، فقه الثورة، مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي، بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط ، 2012م، ص11.

[2]. المرجع نفسه، ص12.

[3]. قاسم شعيب، تحرير العقل الإسلامي، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط2، 2013، ص25-26.

[4]. أبو القاسم حاج حمد، القرآن والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية، بيروت: دار الساقي، ط1، 2011، ص26-27.

[5]. ابن القيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، شرح وتحقيق: رضوان جامع رضوان، القاهرة: مكتبة الإيمان، ط1، (1419ﻫ/1999م)، 3/3.

[6]. أحمد الريسوني، فقه الثورة، مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي، م، ص14.

[7]. المرجع نفسه، ص16-17

[8]. عبد الجبار الرفاعي، إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين، بيروت-القاهرة-تونس: دار التنوير للطباعة والنشر، ط2، 2013م، ص132.

[9]. أحمد الريسوني، الاجتهاد؛ النص، الواقع، المصلحة”، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر/لبنان، ط2، 2013م، ص24-25.

[10]. عبد الجبار الرفاعي، عبد الجبار إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين، م، س، ص131.

[11]. علي سامي النشار، “نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام”، القاهرة: دار المعارف، ط4، 1966م، ج1، ص2–3.

[12]. طه جابر العلواني، ابن رشد الحفيد، الفقيه الفيلسوف، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، ط1، 2010م، ص33.

[13]. سعيد شبار، الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر دراسة في الأسس المرجعية والمنهجية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2007م، ص183.

[14]. عبد المجيد النجار، في فقه التدين فهما وتنزيلا، كتاب الأمة: عدد 23، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1410ﻫ، ج1، ص78.

[15]. سعيد شبار، الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، م، س، ص185.

[16]. أحمد الريسوني، فقه الثورة، مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي، م، س، ص17-18.

[17]. محمود عايد الرشدان، حول النظام المعرفي في القرآن الكريم، مجلة إسلامية المعرفة، السنة الثالثة، العدد العاشر، ص12.

[18]. برهان غليون، اغتيال العقل، محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2004م، ص20.

[19]. طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2007م، ص10

[20]. المرجع نفسه، ص11.

[21]. المرجع نفسه، ص10.

[22]. الإسلام هنا بمعنى الاستسلام والخضوع والانقياد لأمر الله تعالى الخالق المصور لهذا الكون، الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. والأصل في اشتقاقها الفعل (سَلِمَ) ويأتي، استعمالها في اللغة على عدة معانٍ: الخلوص والتجرد، الإذعان والطاعة، المصالحة والأمن. والآيات الدالة على ذلك من القرآن الكريم متعددة متظافرة.

[23]. وحيد تاجا “التقارب السني–الشيعي، بين حق الاختلاف ودعوى امتلاك الحقيقة”، دمشق: دار الفكر، 2008م، ص32.

[24]. الإشكال هنا يتأسس بدرجة أولى على طريقة النظر إلى القرآن الكريم، وسبل تنزيله على الواقع، ولا أدل على ذلك أن من بين مئات التفاسير التي ظهرت عبر التاريخ الإسلامي لم يصمد بالبقاء منها والتداول إلا نماذج يسيرة، وأن نسبة كبيرة من مضمون هذه النماذج المتبقية بحاجة إلى إعادة النظر وتجديد التدبر بناء على المتغيرات الاجتماعية والتاريخية وكذا المناهج المعرفية الحديثة. وهذا النظر المتجدد مطلب للوحي نفسه، وضرورة يفرضها الواقع لضمان التفاعل والتناغم والانسجام والقدرة على مواكبة الحياة، وكذا الانفتاح على فضاءات رحبة والإصغاء لإيقاع المتغيرات الشديدة التعقيد والتنوع، وإلا ستحصل المفارقة وتغيب شروط التنزيل.

[25]. سعيد شبار، الاجتهاد والتجديد في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، م، س، ص11-12.

[26]. سعيد شبار، النخبة والأيديولوجية والحداثة في الخطاب العربي المعاصر، مركز دراسات المعرفة والحضارة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، ط2، 2012، ص7.

[27]. ابن رشد، “بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق: عبد الله العبادي، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، (1416ﻫ/1995م)، 2/163.

[28]. من تقديم لمحمد نصر عارف لكتاب “قضايا إشكالية في الفكر الإسلامي المعاصر” لمجموعة مؤلفين، كتاب جماعي، تحرير وإشراف: نصر محمد عارف، “سلسلة قضايا الفكر الإسلامي 16″، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، (1418ﻫ/1997م)، ص8.

[29]. جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي، نهاية السول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول” لناصر الدين البيضاوي، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، بيروت: دار ابن حزم، ط1، (1420ﻫ/1999م)، 1/16. ووهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق: دار الفكر، ط1، (1405ﻫ/1985م)، 1/16، ورشيد رضا، تفسير المنار، 9/349.

[30]. سعيد شبار، الاجتهاد والتجديد في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، م، س، ص185.

[31]. الشوكاني، إرشاد الفحول، ص220، وقريب منه الآمدي، الأحكام، 4/218، والبيضاوي، المنهاج، 2/222.

[32]. المناوي، فيض القدير، 2/357.

[33]. حوار مع د. سعيد شبار بموقع الرابطة المحمدية لعلماء المغرب حول “الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي” يوم 07-05- 2008، من الساعة 17:00 إلى الساعة 19:00.

[34]. طه جابر العلواني، الخصوصية والعالمية في الفكر الإسلامي المعاصر، بيرووت: دار الهادي، ط1، (1424ﻫ/2003م)، ص23.

[35]. المرجع نفسه.

[36]. عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/لبنان، (2007م/1428ﻫ)، ص467.

[37]. محمد عارف نصر، الحضارة – الثقافة – المدنية، دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، فيرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، (1415ﻫ/1994م)، ص9.

الوسوم

د. محمد علا

كلية الآداب والعلوم الإنسانية

جامعة السلطان مولاي سليمان/بني ملال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق