مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض أحوال السلف في شهر رجب: “الاعتمار فيه”

بسم الله الرحمن الرحيم:

  تقديم:  

    لقد شرع الله تعالى العمرة إلى البيت الحرام، ولم يخصص لها وقتاً معينا؛ بل جعلها مشروعة في جميع أيام السنة؛ ولكنه خص العمرة في شهر رمضان المعظم  بمزيد فضل؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لامرأة من الأنصار : “ما منعك أن تحجين معنا؟ قالت: كان لنا ناضح، فركبه أبو فلان وابنه، -لزوجها وابنها-، وترك ناضحاً ننضح عليه، قال : ” فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عمرةً في رمضان حجة “، أو نحوا مما قال ([1])،أما العمرة في غير رمضان، فالثابت  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر  جميع عمره في شهر ذي القعدة؛ إلا التي اعتمر مع حجته، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، “اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته “([2])، وأما عمرته في شهر رجب فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر فيه، وكذا لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم فيها فضل خاص؛ لكن هي من الأمور المستحبة استنادا إلى فعل بعض السلف الصالح  الذين استحبوا العمرة في هذا الشهر الفضيل، من هنا جاء هذا المقال  للتذكير ببعض آثار من اعتمر من السلف في رجب، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

بعض السلف الذين اعتمروا  في رجب:

    قال ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف: “واستحب الاعتمار في رجب عمر بن الخطاب و غيره، و كانت عائشة تفعله، و ابن عمر أيضا، و نقل ابن سيرين عن السلف أنهم كانوا يفعلونه، فإن أفضل الإنساك أن يؤتى بالحج في سفرة، و العمرة في سفرة أخرى في غير أشهر الحج “([3]).

من الصحابة الذين اعتمرو في شهر رجب: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن حاطب رضي الله عنه ، وابن عمر رضي الله عنه، روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه رضي الله عنه، قال: “اعتمرت مع عمر وعثمان في رجب “([4]) ، وروى أيضا بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما : “أنه اعتمر  عام القتال في شوال ورجب”([5])  ، وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: “كان ابن عمر يعجبه أن يعتمر في رجب، شهر  حرام بين ظهراني السنة”([6]).

ومن الصحابيات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فعن سعيد بن المسيب قال: “كانت عائشة تعتمر في آخر ذي الحجة، وتعتمر من المدينة في رجب ، تهل من ذي الحليفة “([7])، وعنه كذلك: “أن عائشة كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة، وتعتمر  في رجب من المدينة، وتهل من ذي الحليفة([8]).

ومن التابعين والتابعيات أذكر:  الأسود بن يزيد ، والقاسم بن محمد ، وجسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية رضي الله عنهم ؛ فعن محمد بن سوقة ، قال : “كان الأسود يعتمر في رجب ثم يرجع”([9])، وعن أفلح ، قال : “كان القاسم يعتمر في رجب”([10])، وعن جسرة بنت دجاجة العامرية قالت : “اعتمرت في رجب..” ([11]).

ونقل عن جماعة من الفقهاء استحباب الاعتمار في هذا الشهر الفضيل استنادا إلى فعل السلف الصالح، ابن فرحون المالكي قال: ” وفي مختصر الواضحة أفضل شهور العمرة رجب ورمضان …، وقد استمر عمل الناس اليوم على الإكثار منها في رجب، وشعبان، ورمضان، وبعد أيام من آخر الحجة “([12]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي :

1-أن العمرة مشروعة في جميع أيام السنة، ولم يخصص لها وقت معين.

2-اختصاص عمرة رمضان بمزيد فضل؛ كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم .

3- لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شهر رجب؛ وإنما اعتماره كان في شهر ذي القعدة.

4-أن العمرة في شهر رجب من الأمور المستحبة استنادا إلى فعل بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.

5-من الصحابة الذين اعتمروا في شهر رجب : عمر بن الخطاب،، وابن عمر ،وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن حاطب، وعائشة رضي الله عنهم، ومن التابعين: الأسود بن يزيد، والقاسم بن محمد، وجسرة بنت دجاجة العامرية رضي الله عنهم.

6-نقل عن جماعة من الفقهاء استحباب الاعتمار في شهر رجب؛ كابن فرحون المالكي رحمه الله.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

*****************

هوامش المقال:

([1])  أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 539)، كتاب: العمرة، باب: عمرة في رمضان، برقم: (1782)، ومسلم في صحيحه (1/573)، كتاب:  الحج، باب: فضل العمرة في رمضان، برقم: (1256) واللفظ للبخاري.

([2])  أخرجه البخاري في صحيحه (1 /537-538)، كتاب: العمرة، باب: كم اعتمر  النبي صلى الله عليه وسلم، برقم: (1775)، ومسلم في صحيحه (1/572)، كتاب: الحج، باب: بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن، برقم: (1253).

([3])  لطائف المعارف (ص: 232- 233).

([4])  أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (8 /176-177)، برقم: (13501).

([5])  أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (8/ 176-)، برقم: (13495).

([6])  فضائل شهر رجب (ص: 63).

([7])  أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (8/ 176-)، برقم: (13496).

([8])  جامع ابن وهب (ص: 87) برقم: (147).

([9])  مصنف بن أبي شيبة (8/ 176) برقم: (13497).

([10])  مصنف بن أبي شيبة (8 /176) برقم: (13500).

([11])  مسند البزار (9/ 449) برقم: (4062).

([12])  مواهب الجليل (4 /50).

****************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

البحر الزخار المعروف بمسند البزار. لأبي بكر أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار. تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله. مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة. ط1/ 1418هـ- 1992مـ.

الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه، وتصحيحه، وتحقيقه: محب الدين الخطيب، رقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة، ط1/ 1400هـ.

الجامع لابن وهب في الأحكام. لعبد الله بن وهب المصري. تحقيق: د رفعت فوزي عبد المطلب- د. علي عبد الباسط مزيد. دار الوفاء المنصورة. ط1/ 1425هـ- 2005مـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج . لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..

فضائل شهر رجب. لأبي محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال. تحقيق: أبو يوسف عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الرحمن آل محمد . دار ابن حزم بيروت لبنان. ط1/ 1416هـ- 1996مـ

لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف. لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. تحقيق: ياسين محمد السواس. دار ابن كثير بيروت. ط5/ 1420هـ- 1999مـ.

المصنف. لأبي بكر عبد الله محمد بن أبي شيبة. تحقيق: محمد عوامة.شركة دار القبلة السعودية- ومؤسسة علوم القرآن بيروت. ط1/ 1427هـ- 2006مـ.

مواهب الجليل. لشرح مختصر خليل. لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب الرعيني . ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: زكريا عميرات. دار الكتب العلمية (د.ت).

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق