مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

كتاب “تشريح البدن” للطبيب منصور بن إلياس

عبد العزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

   يذهب بعض مؤرخي العلم إلى أن الحضارات القديمة عرفت بعض مظاهر عملية “التشريح”. يمكن الإشارة في هذا السياق إلى البردية المسماة بـ”بردية أدوين سميث” (التي تعود إلى تاريخ 2500 ق.م) التي تقدم معلومات تخص التشريح في الحضارة المصرية القديمة، كما نعرف أن شخصا آخر عاش خلال فترة ازدهار هذه الحضارة (الفرعونية)، يُدعى “أنوبيس ابن مينا”، قد ألف كتابا في التشريح. أما في فترة الحضارة اليونانية فيكفي الإشارة إلى أن جالينوس (201-131 ق.م) لم يؤلف فقط كتبا في التشريح، بل إنه كان هو نفسه يمارسه، حيث كان يُشرح أجسام الحيوانات ويقيس عليها جسم الإنسان …

   ستشكل أعمال جالينوس في التشريح أهم مرجع للأطباء في الحضارة العربية الإسلامية، ومرد ذلك إلى سببين : أ – السطلة العلمية التي حظي بها طب جالينوس، وأبقراط أيضا، لدى أطباء العصور الوسطى عموما؛ ب – صعوبة ممارسة الترشيح على جسم الإنسان أو الحيوان نظرا لبعض الأسباب الدينية.

   يذهب بعض الباحثين إلى أن يوحنا بن ماسويه كان من الأوائل الذين كتبوا عن التشريح داخل الحضارة العربية الإسلامية، وقد استند في تأليفه لهذا الكتاب إلى بعض الأبحاث التطبيقية، حيث إنه قام بتشريح نوع من القردة بإذن – أو أمر – من الخليفة العباسي المعتصم بأمر الله. لكن، يبدو أن ابن النفيس كان هو أول من ألف كتابا مستقلا في التشريح، وهو كتاب يشرح فيه “تشريح القانون” لابن سينا.

   كما تؤكد بعض الشواهد أن الأطباء العرب كانوا على دراية بالأهمية البالغة التي يكتسيها التشريح بالنسبة لصنعة الطب. إضافة إلى ذلك، فإن بعضهم لم يكن يسلم تماما بكل ما ورد في كتاب جالينوس عن التشريح، حيث خالفوه في مواضع معينة وصححوا بعض أخطائه، وهو ما يشي باحتمال أن يكون بعض هؤلاء قد مارس التشريح فعلا، وإلا ما كان لهم أن يأتوا ما أتوا من النقد عن مجرد افتراض أو توهم ! ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى طبيبين اثنين هما : ابن القف الكركي (1232م – 1286م) والطبيب الشهير أبو الحسن علاء الدين ابن النفيس (1210م – 1288م).

   نلفي في بعض الكتب الطبية التراثية مجموعة من الرسوم التي توضح مكونات الجسم الإنساني. ولا شك في أهمية هذه الرسوم التوضيحية نظرا لأنها تساعد كثيرا في شرح وتوضيح الأفكار التي يعرضها المؤلف في متنه الطبي. وفي هذا السياق، يحضر كتاب “تشريح البدن” للطبيب منصور بن إلياس الكشميري المولود بمدينة شيراز. كُتب هذا العمل باللغة الفارسية وأُهدي إلى أحد أمراء الدولة التيمورية يُدعى “پير محمد بن جهاكير”.

   يتوزع الكتاب على خمسة أبواب تتطرق إلى مواضيع : العظام والأعصاب والأوردة والشرايين والعضلات والأعضاء المركبة. يشير بعض الباحثين إلى أن هذا الكتاب هو أول عمل يضم رسوما توضيحية تملأ الصفحة بأكملها. وتمثل هذه الرسوم، التي يبلغ عددها خمسة، الهيكل العظمي والأعصاب والعضلات والأوردة  والشرايين. أما عن المصدر الذي استقى منه المؤلف رسومه، فإن الباحثين يؤكدون أنه لا يزال مجهولا، نافين في الوقت نفسه أن تكون من إبداع منصور بن إلياس.[1]

   نُشير إلى أن الكتاب تم تحقيقه سنة 2004 من طرف “سيد حسين رضوي برقعي” وصدر عن مطبعة جامعة طهران.

[1] – جل المعلومات الواردة هنا مستقاة من المرجعين التاليين :

– عبد العزيز اللبدي، تاريخ علم الجراحة عند العرب، دار الكرمل للنشر والتوزيع، 1992.

L’âge d’or des sciences arabes, Actes Sud/Institut du monde arabe, 2005.

Science

ذ. عبد العزيز النقر

حاصل على شهادة الماستر في الفلسفة

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق