عبد العزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

   يمكن القول إن أهمية “كتاب الحشائش” في مجال الأغذية والنبات والأدوية تماثل مكانة كتاب الأصول لأقليدس في ميدان الرياضيات وأهمية كتاب المجسطي لبطلميوس في مجال علم الفلك. لقد مثل كتاب الحشائش طيلة، طيلة قرون، أهم مرجع في مجال النبات لدى علماء الحضارة العربية. وقد كان فعلا هو نقطة انطلاق الدراسات العربية في هذا المجال بعد أن ترجم خلال القرن 9 الميلادي.

   عاش ديسقوريدس Discorides في القرن الأول بعد الميلاد. ويمثل كتابه تجميعا لكثير من المعطيات والمعلومات الطبية التي وردت لدى العلماء السابقين عليه، هذا فضلا عن تضمنه أيضا لمجموعة من المعلومات التي راكمها وتعرف عليها المؤلف بنفسه، حيث مكنه سفره في مناطق البحر الأبيض المتوسط من معاينة النباتات والأعشاب المنتشرة هناك، ويقال أنه قضى ما ينيف على أربعين سنة وهو يلاحظ ويدون كل ما يتعلق بالنباتات ومنافعها وخصائصها ومكوناتها …هكذا، استطاع أن يضع في كتابه هذا أوصافا وشروحا لما يقارب 600 نبتة (عشبة) … ونشير أيضا إلى أن الكتاب يتضمن رسومات توضيحية لعدة نباتات.

   يثني العديد من المؤرخين وكتاب السير والتراجم العرب على أهمية الكتاب وفضل مؤلفه، ونكتفي هنا بإيراد شهادة جمال الدين القفطي الذي يعلق في كتابه “إخبار العلماء بأخبار الحكماء” عن ديسقوريدس قائلا : “حكيم فاضل من أهل مدينة عين زربة، شامي يوناني حشائشي (أي عالم نبات). كان بعد بقرط، وفسر من كتبه كثيرا، وهو أعلم من تكلم في أصل علاج الطب، وهو العلاّمة في العقاقير المفردة”.

   تُرجم الكتاب من اليونانية إلى اللغة العربية من طرف اصطفن بن بسيل إبان الفترة العباسية، وقد راجع هذه الترجمة وصححها المترجم الشهير حنين بن إسحق. عمل المترجم على وضع المقابلات العربية للمصطلحات اليونانية، لكنه ترك تلك المصطلحات التي لم يعرف لها مقابلا عربيا كما هي. عُرف هذا الكتاب بأسماء أخرى منها كتاب “الأدوية المفردة” Materia Medica أو “كتاب الحشائش والأدوية”.

   سيُعنى الأندلسيون بهذا الكتاب كثيرا، حيث سيكتبون عنه شروحات واستدراكات، كما سيلخصون مادته العلمية. نشير كمثال على هذه الكتب إلى : “كتاب الغافقي الأندلسي” المعنون بـ”جامع الأدوية المفردة”، “كتاب الجامع في الأدوية المفردة” لابن البيطار المالقي، “تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب دسقوريدس” لابن جلجل، “كتاب الأدوية المفردة” لأمية بن أبي الصلت…