مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: جنى الجنتين في شرف الليلتين:ليلة القدر-ليلة المولد لأبي عبد الله محمد بن أحمد ابن مرزوق (تـ: 781هـ)

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه

إن إحياء ليلة المولد النبوي الشريف، واستحضار مقامه الشريف، لازم علينا كلما هبت علينا نسمات تلك الليلة من كل عام، وإن كانت ذكراه خالدة في أي وقت وحين، وبحلول هذه المناسبة التي يطير القلب فرحا كلما ذكرها الذاكرون، أردت أن أسهم في إحياء هذه الذكرى بكتابة مقال عن مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم، ولم أجد أفضل من الكلام على كتاب من كتب أسلافنا الكرام، منهم: العالم الكبير ابن مرزوق التلمساني وكتابه الموسوم بـ: “جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر- ليلة المولد“.

هذا الكتاب ألفه العالم الكبير ابن مرزوق التلمساني،  الذي ينتمي إلى المغرب الكبير، هذا القطر الذي طالما عظَّم علماؤه ذكرى المولد النبوي الشريف، الذين ألفوا التآلىف العديدة في هذا الموضوع، كل نهج منهجه في التصنيف، فمنها المختصر، والمتوسط، والمطول.

فمن المصنفات المتوسطة هذا الكتاب الذي بين أيدينا المعنون بـ: جنى الجنتين ي شر الليلتين: لية القدر- ليلة المولد للعلامة ابن مزوق التلمساني، لما قرأته أحببت أن أشارك معي القراء الكرام في هذا المقال نظرة عامة عن هذا الكتاب من خلال قسمين: الأول: ترجمة موجزة للمؤلف، والثاني: كتاب جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القد – ليلة المولد.

القسم الأول: ترجمة موجزة للمؤلف[1]:

مؤلف هذا الكتاب هو أحد كبار العلماء التلمسانيين المرازقة الذين ينتمون إلى المغرب الكبير، تلكم العائلة الضاربة في التاريخ، التي تنحدر من القيروان، وعندما نزل بنو هلال بها، هاجرت من هناك واستقرت في تلمسان في أواخر القرن الخامس الهجري. هذا وقد تقلد المرازقة مهام سياسية في الدولة وأخرى علمية كالخطابة، ومنهم: أبو عبد الله محمد (الرابع) بن أحمد بن أبي بك ابن مرزوق العجسي التلمساني.

ولد هذا العالم في تلمسان في أوائل ذي القعدة من عام 711، وترعرع فيها، وأخذ فيها مبادئ العلوم من علمائها، ثم رافق والده إلى المشرق لأداء فريضة الحج، وفي تلك الرحلة الحجازية لقي الجم الغفير من العلماء، وأخذ عنهم، ومكث بأمر من والده في المشرق عدد سنين، من عام: 717 إلى  عام: 737،  تلك السنة التي رجع فيها إلى مسقط رأسه تلمسان، وقد تولى فيها مناصب عديدة في الدولة.

إن المسؤولية السياسية في الدولة لا تخلو من إكراهات وعقبات، وقد عانى ابن مرزوق من فترات عصيبة متقلبة في مهامه السياسية التي تقلدها، سيما وأنه عمل في بلاط ثمانية سلاطين في مراكز مدن القرار: فاس، وتلمسان، وغرناطة، وتونس، والقاهرة.

القاهرة كانت آخر محطة في حياته استقر بها، في عام: 773، إذ رحل من فاس متوجها إلى الاسكندرية ومن ثم القاهرة، حيث استقبله الملك ناصر الدين شعبان بن حسين، الذي عينه قاضيا وخطيبا ومدرسا في مساجد صلاح الدين بالقاهرة.

في القاهرة من شهر ربيع الأول النبوي عام: 781، توفي العلامة ابن مرزوق، ودفن بمقبرة المالكية بين ابن القاسم العتقي، وأشهب بن عبد العزيز تلميذا مالك رحم الله الجميع، وأسكنهم فسيح جنانه.

ترك هذا العلامة ذخائر علمية كثيرة مهمة في فنون متعددة: الفقه، والحديث، والسيرة، والفهارس، والتصوف، والتراجم والمناقب، والسياسة، والخطابة[2]:

ففي الفقه: إزالة الحاجب عن فروع ابن الحاجب، وهو شرح كتاب المختصر في الفروع لابن الحاجب، وإيضاح المراشد في أجوبة أبي راشد.

وفي الحديث: الأربعون في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والأربعون في فضل العلم، والأربعون الأحكامية، وجزء في أربعة أحاديث: (أرى أقدار الناس)، (إذا أنشأت بحية ثم تشاء مت تلك عين غديقة)، (إني لا أنسى)، (وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين وضع رجله في الغز)، والتعليق على صحيح البخاري، وتيسير المرام في شرح عمدة الأحكام، ورسالة البدر في ليلة القدر، وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق الإشبيلي.

وفي السيرة: برج الخفا في شرح الشفا، وهو شرح شفا القاضي عياض، وجنى الجنتين في فضل الليلتين: ليلة القدر-ليلة المولد.

وفي الفهارس: عجالة المستوجز المجاز في ذكر من سمع من المشايخ دون من أجاز من أئمة المغرب والشام والحجاز، ومعجم الشيوخ.

وفي التصوف: العفو والغفران ومقابلة الإساءة بالإحسان، وجزء في لباس الخرقة، ومقالة في الصبر.

وفي التراجم والمناقب: مجموع في ذكر فضائل الشيخ محمد المشدي، والمسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا الإمام أبي الحسن، والمناقب المرزوقية.

وفي السياسة: كتاب الإمامة.

وفي الخطابة: خطب مرتبة على الحروف، وخطب أخرى.

برع ابن مرزوق في التصنيف في كل الفنون عامة، سيما السيرة النبوية الشريفة خاصة، فقد أثني على كتابه: جنى الجنتين في فضل الليلتين: ليلة القدر-ليلة المولد جميل الثناء، وجمع فيه جميع العلوم.

القسم الثاني: كتاب جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر – ليلة المولد[3].

إن داعي ابن مرزوق لتأليف كتابه هذا ذكره في مقدمته، فقال: “جوابا على ما وقع بحث العلماء عنه من الأبحاث المبتدعة والأسئلة المستصعبة المخترعة أي الليلتين أعلى وأشرف، هل ليلة القدر أو ليلة مولده صلى الله عليه وسلم؟

إذ لم يتعرض له السلف، ولا نهج سبيله الخلف، وأمروا بالبحث عن مظان النص فيه واستقصاء استخراجه من مظانه، ونواحي مناحيه، فلم يقف أحد منا في جواب المسألة على نص جلي، ولا اقتدى في اختياره بمتقدم ما ألف أو عصي، وعند إنهاء الجميع لمقامهم العلي عدم وجود هذا المطلب السني، أمروا رضي الله عنهم ببسط المسألة وتقريرها، وبيان محل النزاع فيها، وتحريرها، وتمهيد موجبات شرف الليلتين وتسطيرها، وإقامة البراهين على أشرفها قدرا وإن اشتركا في الشرف وحازتا على بقية الليالي فخرا وذكرا”[4].

وقد أحال هذه المسألة الملك أبو إسحاق إبراهيم أحد سلاطين الدولة الحفصية في تونس على ابن مرزوق، كي يصنع له تأليفا يلم فيه شتات هذه المسألة ويجمع أطرافها، ويحل معضلتها، فامتثل لهذا الأمر السلطاني، وبين منهجه فيه، فقال: “سارعت لأمر العلي ممتثلا، وبادرت  بوضع هذا المجموع عجلا، وأقمت علم الله خجلا، ومن مخالفة الأمر الجزم وجلا، فجمعت من شرف الليلتين ما تراه، وأودعت هذا المجموع المختصر ما اقتضاه، فجاء ابن ليلتين مستهلا، وبالغرض المقصود ممن شرف الليلتين الكريمتين مستقلا، وأودعت فيه من الأخبار والآثار ، ومذاهب علماء  الأمصار، وغرر الفوائد، ودرر الفرائد، وتواريخ الأمم، وذكر بعض ما أثر  عن  العرب والعجم، والنكت العجيبة،والنوادر الغريبة، والطرف الأدبية، والإشارات الصوفية، والأدلة النظرية، والمباحث الجدلية “ [5].

بعد هذه المقدمة المشتملة على: سبب التأليف، ومنهجه العام فيه[6]، فقد قسم الكتاب إلى أبواب ثلاثة:

الباب الأول: فيما يختص بليلة القدر، وفيه: ستة فصول[7]:

الفصل الأول: في سبب نزولها، وأصل اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها: أورد فيه جملة من الأحاديث والآثار، كحديث: (أرى أعمار الناس) الذي رواه مالك في موطئه، وجاء بكلام الحافظ ابن عبد البر، ونقد من توهم بعدم صحية الحديث، وما جاء في كتب التفاسير، وسبب نزول: (إنا أنزلناه في ليلة القدر).

الفصل الثاني: في تسميتها: جاء بأقوال العلماء في سبب تسمية ليلة القدر، وقد حملها على الشرف.

الفصل الثالث: في فضلها: في قوله تعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر)، وهو منتهى علو قدرها، والإبهام المقتضي التعظيم، وفي قوله تعال: (خير من ألف شهر)، ففضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل، ثم جاء بالآثار الواردة في فضل ليلة القدر، كحديث: (من صلى المغرب والعشاء الآخرة في ليلة)، وفيما يقال فيها: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني).

الفصل الرابع: فيما تختص به: فيقوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها)، فسر معنى الآية، وذكر خواصها كعذوبة الماء الأجاج، وانتقاله عن حالته المعهودة فيه.

الفصل الخامس: في تعيينها: أتى بالخلاف في تعيينها، وسببه اختلاف الأحاديث الواردة في الباب.

الفصل السادس: في بقائها ودوام فضلها، واختصاص هذه بها: رد فيه على قول شاذ من العلماء، أنها رفعت، وأنها لم تقع إلا مرة واحدة، وينسب لأبي حنيفة.

الباب الثاني: فيما اختص بليلة المولد الشريف، وفيه ثلاث فصول[8]:

الفصل الأول: في تعيين ولادته صلى الله عليه وسلم: نص على إجماع العلماء على أنه ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل، واختلافهم في تعيين اليوم، والذي ذهب إليه وصححه ورجحه، هو: ليلة اثنتي عشر.

الفصل الثاني: في فضل الليلة الكريمة: فضيلة الزمان إنما تكون بحسب ما يقع فيه من الفضائل، وما يختص به من الخصائص التي منها ما يظهر سببه وما لا يظهر سببه، وأن الزمان بذاته لا يتفاضل.

الفصل الثالث: فيما اختصت به هذه الليلة الكريمة من الآيات الظاهرة المقارنة لولادته صلى الله عليه وسلم: وهو لباب الكتاب وزبدته، جمع فيه الآيات الواقعة حين ولادته صلى الله عليه وسلم.

الباب الثالث: الغرض المقصود من الجواب عن المسألة المسئول عنها، وفيه خمسة فصول[9]:

الفصل الأول: ما يتعلق بمعاني الألفاظ المحتاج إليها في تحقيق المسألة: فمواد: شرف، وفضل، وقدر، هذه الألفاظ الثلاثة تحتاج إلى معرفة موادها، ومعانيها، وموضوعها.

الفصل الثاني: أفضلية بعض الأزمان على بعض بحسب ما تختص به لا بذواتها: كتفضيل شهر رمضان على غيره، وليلة القدر على غيرها من لياليه، وأشهر الحج على غيرها من الأشهر، ويوم عرفة على غيره من أيامها، ويوم الجمعة على أيام الأسبوع، والساعة فيه على غيرها من ساعاته.

الفصل الثالث: فيما يفضل من بعض الأزمان على بعض: فضل الأزمنة يكون لما يختص به من الأعمال المقررة فيها، والمقدرة بحسبها، كشهر رمضان، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، وأشهر الحج، واختصاص بعض الأمكنة المفضلة بحمل دون عمل كاختصاص الحجر بالتقبيل.

الفصل الرابع: مقدمة في المفاضلة بين الليلتين: القدر والمولد: الأزمان تارة توصف بالفضل للمعنى الذي اختص به من العمل المقدر  فيها، وتارة توصف بالفضل للشرف المختص بها.

الفصل الخامس: وهو عمدة الفصول، ونقطة الموضوع، وجواب عن المسألة التي من أجلها ألف الكتاب، ونظرا لأن المسألة ليس فيها دليلا، فقد قدم بمقدمة أصولية في الاستدلال، ثم أتى بأدلة على أفضلية ليلة المولد على ليلة القدر، وهي إحدى وعشرين.

وختم الكتاب بخاتمة اشتملت على ثلاث فصول[10]: الفصل الأول: في الاعتذار عن التقصير، والفصل الثاني: في رؤية الإمام العزفي للمولد، وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والفصل الثالث: اشتمل على فوائد في فضل الخلافة وما خص الله به الخلفاء في الأرض من الفضل، وفي فضيلة سلاطين الدولة الحفصية، والصفات التي يجب أن يتحلى بها الحاكم.

وفي نهاية الكتاب أتى بتكميل وتذييل[11] بين فيه: اعترافه بالجميل لسلاطين الدولة الحفصية، والثناء على الكتاب، وجواب المعترضين، وتلخيص مادة الكتاب، وسبب الاستطراد.

بعد إيراد خطة كتاب جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر – ليلة المولد، ونظرة عامة عليه، يتبين للقارئ سعة علم الإمام العلامة ابن مرزوق، وأن كتابه مرجعا من المراجع التي ينبغي الرجوع إليها في مسألة أفضلية ليلة المولد النبوي الشريف على ليلة القدر المباركة، وأن علماء المغرب ذهبوا هذا المذهب في غالب أقوالهم.

***************

هوامش المقال:

[1] – تنظر ترجمته في كتابه: المناقب المرزوقية، وهو عبارة عن سيرة ذاتية صنعها المؤلف لنفسه، وتنظر أيضا ترجمته ومصادرها في مقدمة تحقيق:  ماريا خيسوس بيغيرا، وإبراهيم بن الشيخ راشد المريحي في: المسند الصحيح ص: 18_47، وجنى الجنتين ص: 15_50.

[2] – تنظر مؤلفاته في: كتبه الثلاثة المطبوعة فهي مبثوثة هناك، وملحق المناقب المرزوقية بخط أحمد بن عبد الرحمن التجاني ص: 313_315، كما ذكرها المحققان: ماريا خيسوس بيغيرا، وإبراهيم بن الشيخ راشد المريحي في مقدمة كتابيهما: المسند الصحيح ص: 43_47، وجنى الجنتين ص: 30_36.

[3] – طبع بتحقيق: إبراهيم بن الشيخ راشد المريحي، عن دار الضياء، الكويت، الطبعة الأولى: 1437 /2016.

[4] – جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القد – ليلة المولد ص: 66.

[5] – جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القد – ليلة المولد ص: 67-68.

[6] – تنظر المقدمة في كتاب: جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر – ليلة المولد من ص: 61 إلى ص: 68.

[7] – تنظر فصول الباب الأول في كتاب: جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر – ليلة المولد من ص: 69 إلى ص: 97.

[8] – تنظر فصول الباب الثاني في كتاب: جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القد – ليلة المولد من ص: 101 إلى ص: 174.

[9] – تنظر فصول الباب الثالث في كتاب: جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر – ليلة المولد من ص: 177 إلى ص: 205.

[10] – تنظر فصول الخاتمة في كتاب: جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر – ليلة المولد من ص: 209 إلى ص: 245.

[11] – تنظر في كتاب: جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر – ليلة المولد من ص: 246 إلى ص: 256.

*****************

جريدة المراجع

جنى الجنتين في شرف الليلتين: ليلة القدر-ليلة المولد لأبي عبد الله محمد بن أحمد ابن مرزوق التلمساني، تحقيق:  إبراهيم بن الشيخ راشد المريحي، دار الضياء، الكويت، الطبعة الأولى: 1437/ 2016.

المسند الصحيح في مآثر ومحاسن مولانا الإمام أبي الحسن لأبي عبد الله محمد بن أحمد ابن مرزوق التلمساني، تحقيق:  ماريا خيسوس بيغيرا، تقديم: محمد مفتاح، دار الأمان الرباط، الطبعة الأولى: 1433/ 2012.

المناقب المرزوقية لأبي عبد الله محمد بن أحمد ابن مرزوق التلمساني، تحقيق:  سلوى الزاهري، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، الطبعة الأولى: 1429 /2008.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق