مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

قراءة في كتاب «الأدب السنغالي العربي» للدكتور عامر صمب – رحمه الله – (الحلقة الأولى)

 

كتابُ «الأدب السنغاليّ العربيّ» عَملٌ جليلٌ، وعِلقٌ نفيسٌ يَستحقُّ أبو عذره الثناء الخالص والتبجيل، فقد حسر فيهِ الخمار عن النبوغ السنغاليّ في الأدب المغربيّ، وأودع بين دفّتيه ما جادت به قرائح السنغاليين من كنوزٍ أدبيّة، وآثار علميّة لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ، إلى مَا في الكتاب من تراجم العُلماء، وأسماءِ مُؤلّفاتِهم التي تسشهدُ على طول باعهم، وغزارة عِلمهم وسعة اطلاعهم.
وسنعرِّف في هذهِ الحلقة الأولى بالمؤلِّف، ثم نذكر فيها دواعيَ التأليف، وأهمية الكتاب ومكانتهَ، مُؤمِّلا في الحلقاتِ اللاحقة الكلامَ عن محتوى الكتاب وموضوعاته.

 

 

كتابُ «الأدب السنغاليّ العربيّ» عَملٌ جليلٌ، وعِلقٌ نفيسٌ يَستحقُّ أبو عذره الثناء الخالص والتبجيل، فقد حسر فيهِ الخمار عن النبوغ السنغاليّ في الأدب المغربيّ، وأودع بين دفّتيه ما جادت به قرائح السنغاليين من كنوزٍ أدبيّة، وآثار علميّة لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ، إلى مَا في الكتاب من تراجم العُلماء، وأسماءِ مُؤلّفاتِهم التي تسشهدُ على طول باعهم، وغزارة عِلمهم وسعة اطلاعهم.

وسنعرِّف في هذهِ الحلقة الأولى بالمؤلِّف، ثم نذكر فيها دواعيَ التأليف، وأهمية الكتاب ومكانتهَ، مُؤمِّلا في الحلقاتِ اللاحقة الكلامَ عن محتوى الكتاب وموضوعاته.

– من هو الدكتور عامر صمب؟

هو الأستاذُ عامر بن إبراهيم، وذكر في الكتاب أنه ولد سنة 1937م في «كِبِمِيرْ»، وهي مدينة في إقليم «لوغا». وأبوه هو إبراهيم صمب، وتوفي وهُو ابنُ ستة أشهر، وأما أمه فاسمهَا خديحة، وقد عهدتْهُ بعد موتِ أبيهِ إلى عمِّه مالك بن حبيب الذي كان – كما يقول عامر- حافظا للقرآن الكريم (1).

وَيفهم من كلام الدكتور عامر أنه بعدما عُهِدَ إلى عمِّه المذكور الذي كانَ مقيمًا بقرية «بَدَرَ كِيْ» رَحل إليهِ وابتدأَ تعلُّم القرآن الكريمِ على يديهِ، لكنَّه بعد مدةٍ رَجعَ إلى مسقط رأسه، ليقرأ القرآن على الشيخ مخَرِ انجاي، وعلى شيخ موريتانيٍّ اسمهُ ولد مُتَّالِ جنك، كما اختلف إلى غيرهم من المشايخِ فأخذَ عنهم مختلف العلوم من فقه ونحو وصرف وغيرها، حتى حصَّلَ منها نصيباً غير منقوصٍ (2).

وقد التحق بعد ذلك بمدرسة فرنسيّةٍ، فقضى فيها المرحلة الابتدائية، ثمَّ بثانوية «فيدرب» بمدينة «اندر»، وفيها مكثَ سنواتِ المرحلة الإعدادية، وبعد ذلك سافر إلى فرنسا، ونزل بـ«باريس»، وقضى فيها عشر سنوات، أحرز فيها الإجازة والدكتوراه، حتى تلقَّب بالأستاذ المبرّز في الأدب العربي(3)  ، وكان عنوان أطروحته:« Essai de contribution du Sénégal à la littérature d’expression arabe»، وهي أصل كتابه هذا «الأدب السنغالي العربي».

للدكتور عامر صمب – رحمه الله – عدة مؤلفات وكتابات، ومنها:

– أطروحته التي عنوانها:« ESSAI SUR LA CONTRIBUTION DU SENEGAL A LA LITTERATURE D’EXPRESSION ARABE »، وقد طبعت سنة 1972م. وقد نالت استحسان جلة من أهل العلم والأدب.

– الأدب السنغالي العربي، أو «الهدية السنغالية من المرجان في العقود الأدبية للعربان»، وهو في الأصل ترجمةٌ لأطروحته السابقة، وعلى جزأين؛ وطبع بالجزائرِ الأولُ سنة 1398هـ/1978م، والثاني سنة 1399هـ/1979م، وسيأتي الكلام عنه مفصلا.

– ترجمة فرنسية لكتاب الشيخ الحاج موسى كمر الذي كتبه عن الشيخ عمر الفوتي، واسمه: «أشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة الحاج عمر»، وقد نشرت الترجمة الفرنسيةُ سنة 1970م، ضمن منشورات المعهد الأساسي لإفريقيا السوداء، أما النسخة العربية فقد نشره معهد الدراسات الإفريقية بالرباطِ سنة 2001م، بتحقيق: خديم محمد امباكي وأحمد شكري.

– ترجمة فرنسية لكتاب الشيخ الحاج موسى كمر الذي عنوانه:«أكثر الراغبين في الجهاد ممن يختارون الظهور وملك العباد ولا يبالون بمن هلك في جهادهم من العـباد»، وهي منشورة، وأما النسخة العربية فقد نشرها معهد الدراسات الإفريقية بالرباط سنة 2003م، بتحقيق: خديم محمد امباكي وأحمد شكري.

وإلى ذلك فله أبحاثٌ وكتب كثيرة، أحصى منها الأُستاذُ الباحثُ عثمان جَوْ نحو سبعين عُنواناً، وأغلبها مكتوبةٌ باللغة الفرنسية! ومحاولات شعرية، تطرق فيها إلى عدة موضوعات، أودع جملةً منها في كتابه هذا «الأدب السنغالي العربي»، لكنَّها لا تَرْقى به إلى طبقة الشعراء المجيدين.

وقد عملَ أستاذاً مساعداً بقسم اللغة العربية بجامعة شيخ أنت جوب من سنة 1960م، كما تولَّى رئاسة المعهد الأساسي لإفريقيا السوداء (إيفان) من سنة 1971م، إلى سنة 1986م، تمكّن خلالها من إنقاذ كثير من المخطوطات التي كانت مختبئة في الخزائن، وجمع منهَا قدراً كبيراً، ولاقى عرقَ القربة في ذلكَ، بالتطوّف في القرى والمدن، والاختلاف إلى البيوتات الدينية التي كانت كهوفاً للعلم الدين. وتوجد الآن بالمعهد الأساسيِّ مجموعةٌ تحمل اسمَه، «تحتوي من المخطوطات العربية ما لا تحتويه أية مجموعة أخرى، وهي كلها من آثار السنغاليين(4) ».

وقد حكى في كتابه بعضَ ما كان يلقاه في رحلاته للبحث عن مخطوطاتٍ، متوسّلا إليها بشعرهِ تارةٍ، وبجيبه تارةً أخرى، وأطرفُهَا زيارته للشيخ ابن العربي لهْ، وهو أخو الشاعر الفحل يونس ذي النون لي، وكان متقادماً في السنّ، شاعراً، حافظاً للشعر، فلما أرادَ الشيخُ أنْ يمدَّ الدكتور عامر بديوانه منعته زوجتُه، ويحكي لنا ذلك بقوله:«قال [أي ابن العربي] إنه كان له ديوان ووعدنا به عند مرورنا مرّةً أخرى غير أن زوجتَه منعتْه عن ذلك، لما صمَّم على أخذ الديوان من صناديقه وعلى إعطائنا إياه، وحاول الذهاب خمس مراتٍ إلى مكتبته فسَدّتْ طريقَهُ زوجتُهُ مُتعمّدةً!!  (5)».

وقد شهد بعلم الدكتور عامر وفضله المؤرخ الكبير المختار بن حامد الموريتانيُّ، صاحب كتاب «حياة موريتانيا» وكتب إليه رسالة استهلها بقوله:«حضرةَ السيد العالم الأديب الكريم عامر صمب مدير المعهد العلمي (6)»، كما أثنى عليه بأبياتٍ هي (7): [من البسيط]

يا عالمًا تجمعُ المخطوطةَ الكُتبَا =@= ضِمْنَ التَّوابيتِ وَالأشعارَ وَالخُطَبَا

لتبعثَ العلمَ من أعماق مَدفنهِ =@= وتُحييَ العُصبةَ الموتَى منَ الأُدبَا

أمَّا كفاكَ الَّذي أُوتيتَ منْ أَدبٍ =@= برَّزتَ فيهِ عَلى مُبرِّزِي النُّجَبَا

إنْ كنتَ لا بُدَّ في التَّابوتِ جامعَها =@= لنَا لنَجعلها للأعين النُّصُبَا

فاجعل مع الكتْب لي حلوَى لآكلَهَا =@= فإنني رجل لا آكل الكتُبا

وقد توفي – رحمه الله – سنة 1987م، بعدما خدمَ اللغة العربية خدمةً جليلة، جديرة بالإشادة والتنويه.

– دواعي التأليف:

يتجلَّى للنّاظر في مقدمة كتاب «الأدب السنغالي العربي» أن الدكتور عامر صمب – رحمه الله – دفعتْه إلى تأليف هذا الكتاب الجليل عدة دواعٍ، بعضُها آخذ بحجز بعض، ويمكن اختصارها فيما يأتي:

♦ خدمة التراثُ السنغاليّ العربيّ، وإنقاذه من الضياع، لأن «بعض المكتبات قد أكلتها الأرضة والفئران إن لم تصبها الحرائق بغير إرادة الناس أو تتلفها تغيرات الهواء كالمطر والنداوة والحرارة أو السرقة وهلمَّ جرا (8)». ويندرج في ذلك تدوينُ النصوص الشفوية، فهي جزء من التراث يجب الاهتمام به، ومادّة لا ينبغي الاستخفاف بها أو إقصاؤها والتغاضي عنها، ويقول في هذا:«فلا بد للتاريخ الشفهي أن يكون عند كل محقق ذي أمانةٍ كثير القيمة، وعلى المحقق أن يزور أثناء تفحصاته وبحوثه كل من هو طاعن في السنّ. واعلم – أيها الأخ الكريم – أن الشيوخ أعني الكبار في السن يعدون محفوظات حيةً لكل ما يتعلق بشؤون إفريقيا السوداء. ولله درُّ “أَحْمد هَمْبَات بَهْ” القائل: إنه كلَّما توفي شيخ من الشيوخ عندنا كأنما مكتبة أحرقت!!  (9)» ثم يقول:«ولأجل ذلك نوصي المحققين بتدوين نصوصٍ رواها الشيوخ كما فعل الأخباريون شأن الأصمعي وأبي عبيدة….  (10)».

♦ إطلاعُ العربِ وغيرهم على ما جادت به قرائح الأدباء السنغاليين، «وعلى مقدرة الأسْوَد العجيبة على استساغة كل طعام ثقافيٍّ وإعجابه بكل مصدر جمالٍ وحسنٍ (11)»، يقول الدكتور عامر – رحمه الله -:«وما من شك في أنَّ تعريف العالم العربيّ والعالم غير العربيّ بما كان للسنغال من فضل في تبني ثقافةِ العرب وإحيائها وتنميتها كما لو كانت هذه الثقافة تراثها يعتبر مفتاحَ بابٍ لتعميق البحثِ في الأدب العربي في السنغال ولبنةً عظيمةً في صرح الأخوة العربية السنغالية التي يعمل أدباؤنا في توطيدها ولا يزالون جاهدين على توثيق عراها (12)».

وإنّ المؤلف ليرمي أيضاً في ذلك إلى إقامةِ الحجةِ على من يزدرون مما كتبه السنغاليُّون، ويسلبونه الأصالةَ، فهذه الفئة الباغية قارعهم الدكتور بالبرهان، وذكر أن واحدا من أدباء العربِ استفزَّه، وقال له: إن شعر السودانيين قد زال عهدهُ! وكأنه ليس لهم أذن عروضية وإنَّ فيه تنافراً وخشونة وقلةَ رقةٍ وتهذيبٍ…، فلما أتمَّ الكلامَ أنشدَ له الدكتور عامر قول الشاعر:[من البسيط]

يا غادياً تركب الأهوال والخطرا =@= وتدخل البيد كيما تدرك الوطرا

فبلغن كل قحّ من بني زمني =@= أني توجهت أني أشعر الشعرا

قال: «فطرب مخاطَبُنا [أي المنتقِص] واهتزّ اهتزازاً، كاد يطير به في الفضاء فرحا فصاح: لله درَّ المتنبي، قال فأحسنَ وفاهَ فأتقن»، ثم قال الدكتور عامر:«فلما أبلغتُ إليه اسم قائل البيتين صار كأن صاعقةً من العجب وقعت عليه!!» وقائلها هو الشاعر السنغالي الفحل جيرن حامد آنْ التِّلِرِيّ (13).

 ♦ استنهاض همم الباحثين واستحثاثهم إلى الاهتمام بالتراث السنغاليّ، والعنايةِ بدراسة حياة الأدباء، وما خلفوه من آثار ومؤلفاتٍ، وليجبروا بأبحاثهم ودراساتهم ما في كتابه من نقصٍ، ويستدركوا ما فيه من فواتٍ، يقول الدكتور عامر صمب – رحمه الله – في ختام مقدمة كتابه:«نتمنى لو ساهمنا في تحريض بحّاثين آخرين على القيام بدراسة خاصةٍ لكل أديبٍ سنغالي ليَعْرفوا وليُعرِّفوا أدبَ بلاد «لتجور» بالعربية حق المعرفة (14)، ويقول في خاتمته:«وإن نجحنا في إثارة الباحثين لنقدنا وتصحيح نقصنا وتوسيع مباحثنا فذلك حسبنا (15)».

وإن جماع هذه الدواعي والدوافعِ المذكورة هو قول الدكتور عامر في ختام مقدمته:«وألَّفْنَا أخيرا هذا التأليف خدمةً لأمة السنغال ونفعًا لتاريخها وإفادة للعرب وثقافتهم (16)».

– أهمية الكتاب:

لا يوجدُ في المكتبة السنغالية العربيّة كتابٌ أكثر فائدةً، وأوفر نفعاً وعائدةً من كتاب «الأدب السنغالي العربي»، فهو دُرٌّ نفيس، وعلقٌ غميسٌ، وخَريدةُ قَصرٍ، وجَريدة عصرٍ، ويمكن اختصار أهميته في ما يأتي:

  ♦ أن الكتاب مصدر ثرٌّ في تراجم العلماء السنغاليين، ومرجع لا غنيةَ عنه لمن يبحث في حياتهم.

  ♦ أن الكتاب مرجع لمن يبحث في حركة التأليف عند العلماء السنعاليين؛ فهو زاخر بأسماء مَا ألَّفُوه في مختلف العلوم، من عقدٍ وفقه وتصوفٍ، ونحو، وصرف، وعروض، وغيرها، فلو قام باحثٌ بجرد أسماء الكتب الواردة في الكتاب، وتصنيفها لقدّم للدارسين خدمةً جليلةً، ولكانوا له من الشاكرين!

  ♦ أن الكتاب عقدٌ فريدٌ في موضوعه، فكأنهُ نفحُ الطّيب، من غصن الأدب السنغالي الرّطيب، فقد أجاد فيه أبو عذره وأحسن، وأبدع فيه وأتقن، وجمع بين دفتيه من أخبار الأدباء وأشعار الشعراء الشيء الكثير والكثير.

هذا، ويُوَكِّد أيضا أهميةَ الكتاب، ما لقيه من استحسان وإعجاب؛ فقد أثنى عليه العلماء، وقرظوه نثراً وشعراً، ونوَّهوا بمؤلفه، وحسبنا منهم الشيخ الجليل الحاج عباس صل – رحمه الله – الذي أشاد بالكتاب وبصاحبه، ومن جملة ما قال:«رأيت الهدية وفرحتُ بها غاية الفرح. هذا فإنني أبارك هذه المبادرة التي قام بها سيادتكم في إحياء تراثنا الفكري والأدبيّ، ومما لا شك فيه أنكم قمتم بمجهودات حثيثة في جمع هذه القصائد وهذه المنثورات التي كانت مبعثرة من هنا وهناك، وبذلك تستحقون الشكر من جميع أولئك الذين شاركوا في دفع عجلة الأدب العربي في إفريقيا وفي العالم أجمع. لأنكم حقا قد ألقيتم أضواء كاشفةً على مدى أصالة هذا الأدب في قطرنا الحبيب السنغال»، وقد ضَمَّ الشيخ المقرّظ إلى رسالتهِ قصيدةً في الثناء على المؤلف والدعاء له (17).

♦   ♦   ♦

وفي الحلقات اللاحقة سنحسر الخمار عن موضوع الكتاب ومحتوياته.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1. الأدب السنغالي العربي (1/218)

2. المصدر السابق.

3. المصدر السابق (1/219)

4. لمحة عن المخطوطات العربية السنغالية في القسم الإسلامي بالمعهد الأساسي لأفريقيا السوداء (جامعة دكار)، للباحث: مصطفى انجاي، بحث منشور في: مجلة معهد المخطوطات العربية، ع:24/1، 1978م، ص:166.

5. الأدب السنغالي العربي (1/291)

6. المصدر السابق (1/226)

7. المصدر السابق

8. المصدر السابق (1/5)

9. المصدر السابق (1/8)، وأحمد همبات بهْ أديبٌ روائيٌّ فرنسيٌّ من جمهورية «مالي»، وأصل قولته المشهورة هو:

«En Afrique, quand un vieillard meurt, c’est une bibliothèque qui brûle»

10. المصدر السابق (1/8)

11. المصدر السابق (1/7)

12. المصدر السابق (2/410)

13. المصدر السابق (1/41)

14. المصدر السابق (1/10)

15. المصدر السابق (2/410)

16. المصدر السابق (1/10)

17. المصدر السابق (2/412-413)

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق