مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينقراءة في كتاب

صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم

العلامة صِبْغَة الله بن محمد غَوْثِ المَدْرَاسِي

(ت 1280هـ)

 نالت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها رفعة وشأنا كبيرين عند والدها النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت من أحبّ أبنائه إليه، وكانت تكنى بـ “أم أبيها”، وكانت إذا دخلت عليه يقوم لها مبتسمًا ليستقبلها ويُجلسها مكانه أو يفرش لها رداءه لتجلس عليه. ومن شدة تكريمه صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضوان الله عليها أنه كان أول ما يبادر بعد قدومه من سفر، هو زيارتها والتسليم عليها قبل التحاقه ببيت أزواجه أمهات المؤمنين، وعمله هذا يدل على عظيم منزلتها في نفسه صلى الله عليه وسلم.

وقد حازت هذه السيدة المباركة رضوان الله عليها، جليل المناقب وجميل المكرمات التي أفاضت كتب المتقدمين والمتأخرين في سردها، والتذكير برفيع مقام هذه السيدة الجليلة، كما أن كافة أفراد الأمة الاسلامية مشرقا ومغربا كانوا وما زالوا يكنون لها المحبة الخالصة، ويرون إجلال البضعة النبوية وحبّها وحبّ ذريتها فرض عليهم.

ومن جليل خصائص هذه السيدة الجليلة أنها كانت تُشْبِهُ أباها صلى الله عليه وسلم، في خِلْقَتِهِ الجميلة ولونه الأزهر البهي، كما كانت تشبهه كذلك في عموم هَدْيِه وسَمْته، في مِشْيته وحركته وقيامه وقعوده، كما ماثلته في صدق لهجته وكمال حديثه وروعة بيانه.

وكان الصحابة الكرام يدركون مكانة السيدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها من أبيها صلى الله عليه وسلم، فتباروا أن ينالوا شرف مزيد من القرب منه عليه الصلاة والسلام، فخطبها بعض الصحابة الواحد تلو الآخر فاعتذر لهم بلطف، حتى خطبها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على تزويج ابنته فاطمة الزهراء من الإمام علي رضي الله عنهما[1].

لقد شاء الله أن تتم هذه المصاهرة الطيبة، وينجح هذا الزواج المبارك، وهو زواج شريف المقام، رفيع القدر، وبواسطته انتشرت في أطراف الأرض الذرية الشريفة، فليس لأحد نسب وصلة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، إلا من جهة أولاد السيدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها.

وهذه السيدة الجليلة هي الوحيدة من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تزوجها هاشمي، فمنذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وفاته، لم يتزوج هاشمي بهاشمية سوى علي بن أبي طالب بزواجه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد بارك الله في هذا الزواج الشريف وأكرم الزوجين بعطاياه الحسية والمعنوية، وكان من خصائصها رضي الله عنها أمران جليلان:

  • لا يعرف في قريش خاصة والعرب عامة، من كثر نسله، وانتشرت ذريته في بقاع الأرض مشرقا ومغربا مثل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • حفظ نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من جهة فاطمة رضي الله عنها، فليس لأحد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب شريف أصيل إلا من جهة ولد السيدة فاطمة الزهراء.

والمتأمل في كتب التراث الإسلامي عامة وكتب الحديث ودلائل النبوة والسير والتراجم خاصة، سيتعرف على مدى الاعتناء الكبير الذي حظيت به قصة تزويج فاطمة الزهراء رضي الله عنها، بل جعلوا من هذا الحدث السعيد تراجم لأبواب كتبهم، واستنبطوا منه أحكاما ينبغي للمرء المسلم لاهتداء بها  من ذلك:

  • تزويج فاطمة رضي الله عنها. سيرة ابن إسحاق. 246.
  • باب تزويج فاطمة. كتاب المغازي. الواقدي. 3/302.
  • باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا. سنن أبي داود. 3/464.
  • حديث تزويج فاطمة رضي الله عنها وما أبان الله فيه من دلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأحاديث الطوال. الطبراني.307.
  • باب ما جاء في تزويج فاطمة بنت رسول الله. دلائل النبوة. البيهقي. 3/160.
  • باب ما يقول للعروس ليلة البناء. عمل اليوم والليلة. ابن السني. 559.
  • باب ذكر تزويج فاطمة رضي الله عنها لعلي بن أبي طالب، وعظيم ما شرفهما الله عزوجل له في التزويج من الكرامات التي خصهما الله عزوجل. الشريعة . الآجري.15/2125.
  • باب تزويج فاطمة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وما يستحب من القصد في الصداق. إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المساند العشرة. البوصيري.4/120.
  • الباب الثاني في تزويجها بعلي وجهازها. إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب. محمد بن عبدالله القلشقندي.35 ـ43.

واستخلص العلماء من مجموع أحاديث صداق السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله رضوان الله عليها إفادات كثيرة منها:

  • استحباب تيسير الصداق.
  • إن كل شيء يتمول يصِحُّ أن يكون صداقا.
  • يجوز أن تعطى المرأة في صداقها درعًا من حديد.

كما أثار موضوع تزويج فاطمة الزهراء اهتمام العلماء المؤلفين الذي بادروا إلى تحرير الرسائل اللطيفة واعتنوا بسرد المرويات وتدوين الأخبار المسندة المتصلة بجميع أطوار زواج فاطمة بنت رسول الله، رضي الله عنها بابن عمها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ومن أهم تلك الرسائل:

  1. جزء في تزويج فاطمة بنت رسول الله. محمد بن علي زين العابدين الباقر الهاشمي (ت 113هـ). نشر بتحقيق صلاح الدين المنجد.
  2. تزويج فاطمة رضي الله عنها. لعبدالله بن محمد ابن أبي الدنيا (ت281هـ). (الفهرست. ابن النديم. ص230).
  3. جزء في تزويج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. لعلي بن أبي طالب عليهما السلام. محمد بن هارون الرُّويَاني (ت307هـ). مخطوط بالمكتبة الظاهريّة. عام تصوّف 129 (ورقة 142 ـ 144).
  4. صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. لصبغة الله بن محمد غوث المَدْرَاسِيّ (ت 1280هـ).
  5. الدُّرَّةُ البيضاء في تحقيق صداق فاطمة الزهراء. علي أكبر الكاكوروي (ت1324هـ). الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام.8/1311.
  6. قصة نكاح علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء. المؤلف غير مذكور. دار الكتب الوطنية. برلين. رقم: 2 ـ 900210 ـ1.

وتعتبر رسالة (صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم) للعلامة صبغة الله بن محمد غوث المدْراسي (ت 1280هـ)، من أفيد تلك الرسائل، وهي تمتاز على وجازتها بعرضها الدقيق لموادها، وقد ألقت الضوء على جانب مشرق من عناية أهل السنة بتراث أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين. وقد حقّق المؤلف المدراسي في رسالته، صداق السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، واستعرض جميع الأقوال المذكورة في هذا الموضوع، وهي مستندة إلى أدلة متباينة في حجيتها، ولم يفت صاحب الرسالة بيان راجح الأقوال  في المسألة بأسلوب علمي دقيق موجز، فصارت الرسالة بذلك فريدة في نوعها، نفيسة في بابها.

وفي طالعة الرسالة صرح المؤلف بسبب تأليفه هذه الرسالة المفيدة، مع عرض الأقوال المذكورة في صداقها قائلا:

(فقد سألني بعض الأصدقاء عن صداق سيدتنا فاطمة الزهراء البتول بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

فذكر بعضهم: أنه كان أربعمائة وثمانين درهما.

وبعضهم: أنه أربعمائة درهم.

وبعضهم: أربعمائة فضة)[2].

ولم يكتف المؤلف بعرض الروايات المبينة لصداق فاطمة رضي الله عنها فقط، بل كان يعلق عليها انطلاقا من القواعد الحديثية التي يظهر أنه كان له إلمام كبير بها. وفيما يلي الروايات التي علق عليها:

  • رواية ابن إسحاق في السيرة: (عن مجاهد عن علي رضي الله عنه أنه خطب فاطمة رضي الله عنها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل عند من شيء؟، قلت: لا، قال: فما فعلت الدرع التي أصبتها؟. قلت: هذا إسناد منقطع…)[3] .
  • رواية ابن سعد في الطبقات الكبرى: عن( جعفر بن محمد عن أبيه: أصدق عليُّ فاطمة رضي الله عنها درعاً من حديد، وجَرْدَ بُرْد[4]). قلت: هذا أيضا مرسل.)[5].
  • رواية النسائي في السنن: (عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عليا رضي الله عنه، قال: تزوجت فاطمة رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله، ابْنِ بِي، قال: أَعْطِهَا شيئاً، قلت: ما عندي من شيء، قال: فأين درعك الحُطَمِيَّة؟ قلت هو عندي، قال: فأعطها إياه.

واعلم أن ابن عباس لم يحضر الواقعة، وكأنه سمعه من علي رضي الله عنه، فتارة أثبت الواسطة، وتارة أرسله، ومرسل الصحابي في حكم الرفع)[6] .

  • رواية أبي داود في السنن: (عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليا رضي الله عنه لما تزوج فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى عليه وسلم، أراد أن يدخل بها، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يعطيها شيئا، فقال: يا رسول الله، ليس لي شيء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعطها درعك، فاعطاها درعه، ثم دخل بها.

رجاله ثقات، وإبهام الصحابي لا يضرُّ، لأنهم كلهم ثقات)[7]

وانطلاقا من مجموع الروايات السابقة اهتدى المؤلف إلى أن صداق فاطمة الزهراء رضي الله عنها، لم يكن سوى الدِّرْع الحُطَمِيَّة.

ثم شرع المؤلف في تفصيل القول عن هذه الدِّرْع الحُطَمِيَّة من خلال التوضيحات التالية:

  • المقصود بالدرع الحطمية من خلال كتب غريب الحديث.
  • بيع عليّ للدرع الحطمية.
  • اختلاف الروايات في ثمن الدرع الحطمية: (أربعمائة درهم ـ 12 أوقية ـ 480 درهما).
  • صحّة الروايات الدالة على أن ثمن الدرع أربعمائة وثمانون درهما.
  • طريق الجمع بين الرواية الراجحة والروايات الأخرى.
  • الروايات الدالة على أن ثمن الدرع أربعمائة درهم، وأن الثمانين شيء آخر باعه علي رضي الله عنه لتكميل المهر.
  • عرض الروايات المؤيدة لما رجحه المؤلف.

ورغم اختصار الرسالة ووجازتها فإن صاحبها أودعها جليل الفوائد الحديثية، وحسن عرض الروايات المختلفة، ودقة الملاحظة في تمحيصها، وسديد النظر في الترجيح بينها.

ومما أثرى مضمون هذه الرسالة وزاد في جودة عرض المادة العلمية فيها هو اعتماد المؤلف على جملة وافرة من مصادر السيرة ودلائل النبوة ومدونات السنة المطهرة وكتب الرجال، وفيما يلي موارد هذه الرسالة المفيدة في بابها:

  1. السير والمغازي. محمد بن إسحاق (ت 151هـ).
  2. كتاب الأموال. أبو عُبيد القاسم بن سلاّم (ت 224هـ).
  3. الطبقات الكبرى. محمد بن سعد (ت 230هـ).
  4. المسند. أحمد ابن حنبل الشيباني (ت 241هـ).
  5. السنن. أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني (ت 275هـ).
  6. السنن. أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ).
  7. المسند. أبو يعلى الموصلي (ت 307هـ).
  8. الذرية الطاهرة النبوية. محمد بن أحمد الدولابي (ت 310هـ).
  9. المراسيل. أبو محمد ابن أبي حاتم (ت 327هـ).
  10. الجرح والتعديل. أبو محمد ابن أبي حاتم (ت 327هـ).
  11. الثقات. محمد بن حبان البُستي (ت 354هـ).
  12. المستدرك على الصحيحين. أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ)
  13. دلائل النبوة. أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ)
  14. النهاية في غريب الحديث. مجد الدين ابن الأثير (ت 606هـ).
  15. الأحاديث المختارة. محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت 643هـ).
  16. ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى. محب الدين الطبري (ت694هـ).
  17. عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين. محمد ابن الجزري (ت 832هـ).
  18. الإصابة في تمييز الصحابة. أحمد ابن حجر العسقلاني (ت852هـ).
  19. جمع الجوامع. عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (911هـ).
  20. المواهب اللّدنية بالمنح المحمدية. أحمد بن محمد القسطلاني (ت923هـ).
  21. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون. علي بن برهان الدين الحلبي (ت 1044هـ).

وخلاصة القول فإن رسالة صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، للعلامة صبغة الله بن محمد غوث المدْراسي (ت 1280هـ)، اعتنت عناية كبيرة بموضوع صداق السيدة الجليلة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وأبان صاحبها عن سعة اطلاعه على المصادر الحديثية، و أظهر حسن عرضه للمواد العلمية، وإعمال نظره النقدي في تمحيص الروايات واستخلاص الرأي الراجح في مسألة موضوعه ومستنده في ذلك على صحيح السنة المطهرة.

ومما تجدر الإشارة إليه في الورقة أن هذه الرسالة العلمية المفيدة في موضوعها ظلت قابعة في مكتبة جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية زمنا مديدا إلى أن قيض الله لها من يعتني بتحقيق هذه النسخة الفريدة، والاعتناء بضبط نصها وتقديمها إلى عموم القراء للانتفاع بفوائدها. ويرجع فضل إحياء هذا الأثر العلمي المتصل بتراث أهل البيت الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين، إلى السيد عبدالله الحسيني الذي اعتنى بإخراج هذا النص في حلة علمية مقبولة.

 وقد ظهرت هذه الرسالة إلى عالم النشر بمبادرة من جمعية الآل والأصحاب، ضمن سلسلة إحياء تراث الآل والأصحاب (2). البحرين. 1431هـ/2010م. 77 صفحة. 

—————————————————————————–

 [1]  انظر الرواية في هذا الموضوع عند ابن شاهين في فضائل فاطمة. ص. 47.

[2]  صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين. ص 35.

[3]  صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين. ص 37.

[4]  جرد برد: هو الثوب الخلق .

[5]  صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين. ص. 37.

[6]  صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين. ص 42.

[7]  صداق سيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين. ص 37.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق