مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينقراءة في كتاب

ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى

للعلامة محب الدين أحمد بن عبدالله الطبري (ت 694هـ)

تبوأ أهل البيت النبوي مكانة متميزة في نفوس الصحابة والتابعين، وأدرك هذا البيت الشريف درجة رفيعة في الأوساط الاجتماعية التي أقاموا فيها على امتداد رقعة البلاد الاسلامية، وما ذاك التقدير والاحتفاء الذي نالوه إلا لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، واتصالهم بنسبه، وللأدوار الكثيرة التي اضطلعوا بها في صدر الإسلام، حيث نصروا رسول الله صلى الله عليه في أحلك مراحل دعوة الإسلام، وعزروه في أشد الأزمات التي لقيها عليه الصلاة والسلام في نشر رسالته، فحفظ لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأوصى بهم أمته خيرا في  مجموعة كثيرة من أحاديثه.

واستلهاما من معاني الآيات القرآنية، واقتباسا من الأحاديث النبوية الدالة على وجوب محبة أهل البيت الأطهار، وتوقيرهم، والاعتناء بأمرهم، بادر العلماء إلى التذكير بحقوقهم، وحثوا الناس على الالتزام بما أوصى النبي عليه الصلاة والسلام في  شأنهم.

ولعلماء الإسلام على مر الأزمنة وتوالي القرون اهتمام كبير بموضوع أهل البيت الأطهار، وأفردوا لهم مؤلفات جامعة  ورسائل لطيفة أنبأت عن  جليل التقدير وجميل البرور بهم، مذكرين بمناقبهم العلية وفضائلهم الرفيعة، وما ذلك إلا عربون المحبة الصادقة والاحترام التام والتقدير الشامل الذي يحمله أعلام الأمة لآل بيت النبي الأطهار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ومن أهم المصنفات التي خصصت أهل البيت الكرام بالتعريف بأعيانهم والتنويه بفضائل أصولهم وفروعهم، والإشادة بمناقب عامة أفرادهم وخاصتهم، وهي كثيرة جدا، ويكفي في هذا المقام ـ على سبيل المثال لا الحصرـ التذكير ببعضها:

  1. الذرية الطاهرة النبوية. محمد بن أحمد الدولابي (ت 310هـ).
  2. الأنباء المستطابة في مناقب الصحابة والقرابة. هبة الله بن عبدالله ابن سيد الكل، (ت697 هـ).
  3. فضل أهل البيت وحقوقهم. أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 728هـ).
  4. معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم. أحمد بن علي المقريزي (ت 845هـ)
  5. البدور الزواهر فيما للمختار وعترته من المفاخر. محمد بن محمد ابن فهد المكي (ت 871 هـ).
  6. استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم، وذوي الشرف. محمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت 902هـ).
  7. نهاية الأفضال في تشريف الآل (أربعون حديثا). محمد بن محمد الصديقي البكري (952 هـ)
  8. الصفوة بمناقب آل بيت النبوة. محمد عبدالرؤوف المناوي (ت1031ﻫ).
  9. الروض النضير فيما يتعلّق بآل بيت البشير النذير. أحمد بن أحمد بن محمّد السجاعي المصري (ت 1197هـ).
  10. إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين. محمّد بن علي الصبّان الشافعي (ت 1206هـ).
  11. در السحابة في مناقب القرابة والصحابة. محمد بن علي الشوكاني (ت 1250هـ).

ولعل من أفيد الكتب في موضوع آل البيت الأطهار رضوان الله عليهم، وأشمل في استيعاب أطوار حياتهم وعرض جليل مناقبهم وسمو فضائلهم، كتاب: ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للعلامة محب الدين أحمد بن عبدالله الطبري (ت 694هـ).

وهذا الكتاب حافل بالإفادات الغزيرة حول كل ما يتصل بعشيرة النبي عليه الصلاة والسلام مع بيان أفضلية قريش وبني عبدالمطلب وبني هاشم على سائر البطون العربية، كما أنه يزخر بالمعلومات الكثيرة عن أهل بيته الأقربين، من الأبناء والأحفاد، مع التركيز على أصحاب الكساء الخمسة، وفيه أيضا بيانات مستفيضة عن قرابته صلى الله عليه وسلم  من العمات الأعمام وأبناء الأعمام.

وتعريفا بدواعي اشتغاله بتأليف هذا الكتاب، وبيانا لأقسام محتوياته يقول محب الدين الطبري في طالعة كتابه:

 (…..لا جرم سنح بالخاطر تدوين ما ورد في مناقبهم، وتعريف ما روي في شريف قدرهم وعلو مراتبهم، وتتبع ما نقل في عظيم فخرهم الفاخر، وجمع ما ظفرت به من عميم فضلهم الباهر، ولِمَ لا وهم هالة قمر الكون وطفاوة شمس البرية، وأغصان دوحة الشرف، وفروع أصل الأنوار النبوية، وأعاد الله علينا من معلوم سني بركتهم……وقد وسمته: (ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى) من كتب ذوات أعداد على وجه الاختصار وحذف الإسناد، عازيا كل حديث إلى كتابه تفصّيًا  من عهدة الارتياب وتسهيلا على طلابه…ورتبته قسمين:

قسم يتضمن ما جاء فيهم على وجه العموم والإجمال، وقسم يتضمن ذلك على وجه التخصيص وتفصيل الأحوال)[1].

ويشتمل القسم الأول على تسعة أبواب تضمنت ما يلي : فضل قرابة رسول الله، فضل قريش، فضل بني هاشم، مناقب بني عبدالمطلب، فضل أهل البيت، بيان أن فاطمة وعلي والحسن والحسين هم المشار إليهم في آية التطهير، ذكر سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله، ذكر الحسن والحسين ابني علي.

وأما القسم الآخر وهو في ذكر مناقب القرابة على وجه التفصيل، ويتألف من أبواب (وفي كلِّ باب عدة فصول)، هذه أهم أبوابه: ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مناقب أعمام النبي، مناقب أولاد الأعمام، ذكر عمات النبي عليه الصلاة والسلام.

وختم الكتاب ببعض الفصول المشتملة على ذكر جدات النبي عليه السلام، وذكر أمه وأمهاتها، وذكر أمهاته من الرضاعة، وإخوته من الرضاعة، وذكر حاضنته أم أيمن.

وجل مواد الكتاب مبنية أساسا على نصوص حديثية معزوة إلى مصادر مختلفة، أو مأخوذة من كتب الأنساب، ومعرفة الصحابة، والسير والمغازي المعروفة،  وفي أحيان كثيرة نقل محب الدين الطبري عددا كبيرا من الأحاديث غير مشتهرة، اقتبسها من بعض الأجزاء الحديثية غير معروفة، وأصحابها ممن لا تعرف عنهم كثرة الرواية، أو ممن يروي الموضوعات بلا احتياط، من قبيل ما نقله عن: ابن السرى، الملا في سيرته، علي بن موسى الرضا، والغساني في معجمه، أبي روق الهِزاني، وابن المثنى في معجمه، وابن الحضرمي، وابن الجراح، وابن الضحاك، وأبي مسلم البصري، وأبي سعيد النقاش[2].

ولم يكتف المؤلف بعرض النصوص الحديثية فقط؛ بل كان يتعقبها في أحيان كثيرة ببعض الشروحات التي تجلي معاني بعض الكلمات، وهي لا تخلو من فائدة.

وكمثال على ذلك، فبعد إيراد الحديث الوارد في فضل فاطمة رضي الله عنها، الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: (إنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها)، علق محب الدين الطبري بالشرح قائلا: ( البَضْعَة: القطعة، وبضعْتُ الشيء قطعته، ومن البِضْعة والبضع: قطعة من العدد، والبضاعة: قطعة من المال. وقوله: (يريبني ما رابها) لعله من الريبة: الشك، أي يوهمني ما يوهمها، ويشككني ما يشكِّكُها. البَضْعَة: القطعة من اللحم، وجمعها: بَضْع)[3] .

ويا ليت المؤلف تعقب كذلك الأحاديث والأخبار بالنقد والتمحيص، وبيان صحيح الأخبار من ضعيفها، أو التنبيه على المرويات الموضوعة التي شحنت بها كتب السير والأخبارعند المتأخرين.

والجدير بالذكر أن كتاب (ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى) على جلالة موضوعه وسعة إحاطة صاحبه بالأخبار المتصلة بأهل البيت الكرام رضوان الله عليهم أجمعين المبثوثة في مصادر عديدة جدا، فإنه شحنه مع الأسف بنصوص وآثار وأخبار لم يراع انتقاء صحيح الخبر فيها، لذلك نجد في كتابه من الأحاديث: الضعيف، والموضوع، والواهي، (ولو أن المؤلف اقتصر في النقل على المصادر الموثوقة لأفاد واستفاد، ولكفى المشتغل بكتابه من بعده مؤونة البحث الطويل المرهق)[4].

لقد كان صاحب كتاب (ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى) مثار انتقاد من قبل المتقدمين والمتأخرين في تساهله في إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة والواهية، وممن أشار إلى ذلك الحافظ محمد بن عبدالرحمن السَّخَاويُّ (ت 902هـ) في مقدِّمة كتابه (استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم، وذوي الشرف)، وَوَصَفَ المؤلف بالتَّسامح والتَّساهل في إيراد الأحاديث، وعزز كلامه بقول شيخه الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) في حقِّ المحبِّ الطَّبريِّ: «إنه كثير الوهم في عزوه للحديث ونقله»[5].

وهذا التساهل من قبل محب الدين الطبري في إدراج المرويات والأخبار المختلفة دون إعمال نظره فيها، سبق أن لاحظه الحافظُ تقيُّ الدِّين الفاسيُّ المكيُّ (ت 832هـ) في ترجمته لصاحب (ذخائر العقبى) قائلا:

 »وله تواليف حسنة في فنون من العلم؛ إلا أنه وقع له في بعض كتبه الحديثية شيء لا يستحسن، وهو أنه ضمّنها أحاديث ضعيفة وموضوعة في فضائل الأعمال، وفضائل الصَّحابة، من غير تنبيهٍ على ذلك، ولا ذَكَرَ إسنادها ليُعْلم منه حالها. وغاية ما صنع أن يقول: أخرجه فلان، ويُسمِّي الطَّبرانيَّ مثلاً أو غيره من مؤلِّفي الكتب التي أخرج منها الحديث المشار إليه. وكان من حقِّه أن يخرِّج الحديثَ بسنده في الكتاب الذي أخرجه منه، ليسلمَ بذلك من الانتقاد»[6].

وإن الأحاديث الموضوعة ـ وهي كثيرة ـ شانت كتاب (ذخائر العقبى)، وقد سبق أن عرضها على محك النقد الحديثي الدكتور خالد بن أحمد الصمي بابطين، ولأهمية ما سطره في الجانب أورد بعض نظراته النقدية حول تلك الأحاديث:

  1. (- حديث أنس رضي الله عنه قال: كنت عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فرأى عليًّا مقبلاً فقال: «يا أنس! قلت: لبيك. قال: هذا المقبل حجَّتي على أُمَّتي يوم القيامة». (ص373) وعزاه للنَّقَّاش.

وهو حديث موضوع، آفته مطر بن أبي مطر.

 – راجع: «الموضوعات» (2/161 – رقم 171)، و«اللآلىء المصنوعة» (1/366)، و«تنزيه الشريعة» (1/360)، و«الفوائد المجموعة» (ص373)).

  1. (- ذكر المحبُّ عدة أحاديث موضوعة جاءت في مقتل الحسين رضي الله عنه وما تبع ذلك، منها:

( أ ) عن أبي محمد الهلالي – وعزاه لمنصور بن عمَّار، والملاء – قال:

» شَرِكَ منا رجلان في دم الحسين بن علي – رضي الله عنهما -، فأمَّا أحدهما فابتُلي بالعطش، فكان لو شرب راويةً ما روي. قال: وأمَّا الآخر فابتُلي بطول ذَكَرِهِ، فكان إذا ركب الفرس يلويه على عنقه كأنه جبل!». (ص247﴾.

وعدَّ المحبُّ هذا الخبر من الكرامات والآيات التي ظهرت لمقتل الحسين!

(ب) عن نضرة الأزدية قالت: «لمَّا قُتل الحسين بن علي أمطرت السَّماء دماً! فأصبحنا وجِبابُنا وجرارُنا مملؤة دماً!». (ص248).

(ج) عن جعفر بن سليمان قال: حدَّثتني خالتي أُمُّ سالمٍ قالت: لمَّا قُتل الحسين مُطرنا مطراً كالدَّم على البيوت والجُدُرِ! قالت: وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة! (ص249) وعزاه لابن بنت منيع.

قلتُ: أكثر هذه الرِّوايات والأخبار من وضع الرَّافضة ومبالغاتهم، كما صرَّح به الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/203) إذ يقول: » ولقد بالغ الشِّيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذباً فاحشاً، من كون الشَّمس كسفت يومئذ حتى بدت النُّجوم، وما رُفع يومئذ حجرٌ إلا وُجِدَ تحته دم، وأنَّ أرجاء السَّماء احمرّت، وأنَّ الشَّمس كانت تطلع وشعاعها كالدَّم، وصارت السَّماء كأنها عَلَقة، وأنَّ الكواكب ضرب بعضها بعضاً. وأمطرت السَّماء دماً أحمر، وأنَّ الحُمْرة لم تكن في السَّماء قبل يومئذ، ونحو ذلك» … إلى أنْ قال – رحمه الله..» إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصحّ منها شيء») .[7]

وخلاصة القول فإن كتاب (ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى) للعلامة محب الدين أحمد بن عبدالله الطبري (ت 694هـ)، يعد بحق من أهم الكتب المؤلفة في مناقب أهل البيت الأطهار رضوان الله أجمعين، فهو غزير الأخبار المتصلة بأحوالهم وجليل فضائلهم، زاخر بالروايات والآثار الدالة على رفعة شأنهم، وسمو مقامهم. وقد أفاد من هذا الكتاب إفادة كبيرة الحافظ السَّخَاويُّ في كتابه: «استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم، وذوي الشرف »، كما أفاد منه العلامة محمد عبدالرؤوف بن علي المناوي(ت 1031هـ) في كتابه (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل)، وغيرهما ممن ألفوا في فضائل أهل البيت.

ومن حسن حظ هذا الكتاب أنه لقي اهتماما كبيرا من قبل الوراقين الذين أقبلوا على نسخه وإذاعته على نطاق واسع بين طلاب المعرفة على اختلاف مراتبهم. وتحتفظ خزائن العالم في مشارق الأرض ومغاربها ـ اليوم ـ بنسخ كثيرة جدا منه[8]، كما أن الكتاب حظي بـ: الاعتناء، والتحقيق، والدراسة، والترجمة إلى اللغة الفرنسية، من قبل الدارسين العرب والعجم خلال العصر الحديث. وقد تسنى ظهوره في عالم المطبوعات بنشرات عديدة:

  • اعتنى بنشره: حسام الدين المقدسي. مكتبة القدسي. القاهرة. 1356هـ/1937م. 271 صفحة
  • تحقيق أكرم البوشي، مراجعة محمود الأرناؤوط، مكتبة الصحابة، جدة، مكتبة التابعين، القاهرة، 1995م. 532 صفحة.
  • تحقيق وترجمة: فريدريك باودين. المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية. القاهرة. ط1. 2004م. (جزآن). 738 + 751 صفحة.
  • اعتنى بنشره: محمد أمين ضناوي. دار الكتب العلمية. بيروت. 1427هـ/ 2006م. 302 صفحة.

—————————————————————————

[1]  ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى. ص 25 ـ 26.

[2]  تقديم كتاب (استجلاب ارتقاء الغرف). خالد بن أحمد الصمي. 201.

[3]  ذخائر العقبى. ص 80.

[4]  تقديم تحقيق ذخائر العقبى. محمود الأرناؤوط. ص:  أ.

[5]  استجلاب ارتقاء الغرف. ص 224.

[6]  العقد الثَّمين في تاريخ البلد الأمين.  3/ 38. 

[7]  دراسات في أهل البيت. خالد بن أحمد الصمي بابطين 137.

[8]  انظر تفاصيل النسخ الخطية  من هذا الكتاب في: أهل البيت في المكتبة العربية. عبدالعزيز الطباطبائي. ص175 ـ 178.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق