وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

 بعض مظاهر التسامح والتعايش بين المسلمين والمسيحيين في رحلة ابن جبير

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

الحلقة الثالثة

تحدث محمد ابن جبير، بشكل ضمني، عن حقوق الأقلية الإسلامية بجزيرة صقلية، ولم ينس الإشارة إلى حقوق المسلمين الأجانب المارين بالجزيرة نفسها أو العابرين لها.

حقوق المسلمين الأجانب بجزيرة صقلية:

أشار ابن جبير ضمنيا إلى حقوق عملية خولت للمسلمين الأجانب المارين بجزيرة صقلية أو العابرين لها. ومن بين هذه الحقوق: حق السلامة البدنية. حيث مثّل حضور العاهل الصقلي لنجدة مركب الحجاج المسلمين والمسيحيين القادم من عكا مانعا من انتهاب “جميع ما في المركب انتهابا، وربما كان يُستعبد جميع من فيه من المسلمين، لأن العادة جرت لهم بذلك“[36].

وعلاوة على حق السلامة البدنية، أشار ابن جبير ضمنيا إلى حق ثانٍ هو حق سلامة المِلك الشخصي. فخلال انصراف الرحالة ورفقه من قصر العاهل الصقلي بادرهم أحد حراسه قائلا: “تحفظوا بما عندكم يا حجاج من العمال الممكسين لئلا يقع عليكم. وظن أن عندنا تجارة تقتضي التمكيس. فاستجاب له أحد النصارى، فقال: ما أعجب أمرك، يدخلون حرم الملك، ويخافون من شيء، ما كنت أود لهم إلا آلافا من الرباعيات، انهضوا بسلام لا خوف عليكم. فقضينا عجبا مما شاهدناه وسمعناه“[37].

وبالإضافة إلى حق سلامة المِلك الشخصي، أشار ابن جبير ضمنيا إلى حق ثالث هو حق المساعدة الاجتماعية. فحين هب الملك الصقلي إلى نجدة المركب المذكور “أبصر فقراء من المسلمين يتطلعون من المركب وليس لهم شيء يؤدونه نزولهم لأن أصحاب الزوارق أغلوا على الناس في تخليصهم، فسأل عنهم، فأعلم بقصتهم، فأمر لهم بمئة رباعي من سكته ينزلون بها“[38].

وإلى جانب حق المساعدة الاجتماعية، أشار ابن جبير ضمنيا إلى حق رابع هو حق حرية التنقل. حيث قال محمد ابن جبير، بتحفظ، عن سفره داخل جزيرة صقلية: “وسرنا في طريق كأنها السوق عمارة وكثرة صادر ووارد، وطوائف النصارى يتلقوننا فيبادرون بالسلام علينا ويؤنسوننا“[39].

وبذلك، قدمت لنا رحلة محمد ابن جبير درسا حضاريا عن وجوب تأسيس ثقافة التسامح والتعايش بين بني البشر بالرغم من الحروب والصراعات المختلفة. وما التسامح والتعايش إلا بعض من أخلاق الأرض التي نعيش عليها، وبفضلها نحيا.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[36] رحلة ابن جبير، ص249- 250. راجع: حول نقل البحرية المسيحية لحجاج الغرب الإسلامي، ص91- 92.

[37] رحلة ابن جبير، ص256.

[38] رحلة ابن جبير، ص249. راجع: حول نقل البحرية المسيحية لحجاج الغرب الإسلامي، ص91.

[39] رحلة ابن جبير، ص254.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق