وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

أعلام وأدباء العدوتين الرباط و سلا

الحلقة الثامنة : أحمد  بن خالد الناصري السلاوي

أحمد  بن خالد الناصري السلاوي، ولد بسلا ونشأ بها، في أسرة مشهورة بالفضل  والعلم، وينتسب إلى الزاوية الناصرية بتامكروت، أقبل منذ صغره على العلم والتعلم،  وأخذ عن كبار شيوخ عصره، فحفظ القرآن الكريم و درس علم التفسير وعلوم الحديث والرياضيات والطبيعيات وكتب التاريخ والجغرافيا، وبعدها تولى عدة مناصب سامية في الوظيفة العمومية، في كثير من المدن المغربية، وترك الناصري بعد وفاته ثروة علمية كبيرة من المؤلفات، والتي يحتفظ بها حفيده أحمد الناصري في جناح خاص ببيته بالرباط، وتضم هذه الخزانة نفائس ثمينة من الكتب والمخطوطات والكناشات الأدبية …

 وهو أحمد بن خالد بن حماد بن محمد الناصري الدرعي، شهاب الدين، السلاوي مؤرخ بحاث، مولده ووفاته في مدينة سلا بالمغرب الاقصى ينتهي نسبه إلى الشيخ محمد بن ناصر الدرعي صاحب زاوية درعة، بالمغرب وهو من عرب معقل، الداخلين للمغرب في القرن الخامس للهجرة، من أسرة تنتمي إلى عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب من زوجه زينب بنت علي فهم جعفريون زينبيون اشتهر صاحب الترجمة بتاريخه الممتع النفيس السلوي دارا وقرارا ينتهي نسبه إلى الشيخ سيدي محمد بن ناصر الدرعي صاحب زاوية درعة الشهيرة بالمغرب. وهذا الشيخ هو من عرب معقل الداخلين للمغرب في القرن الخامس من فرقة منتمية إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من زوجه زينب بنت علي وفاطمة عليهم السلام، ولذلك ينتسبون جعفريين زينبيين[1].

ويعود إلى مسقط رأسه سلا سنة 1308 هـ /1890م، ليعكف على التأليف والكتابة والتدريس، لكنه لم يلبث أن تولى  الخدمة من جديد بمرسى الدار البيضاء، سنة 1893م، ليعود إلى مسقط رأسه بعد سنة إثر وفاة السلطان المولى عبد العزيز، لتفقد الأملاك المخزنية وإحصائها والبحث فيها، وأنجز ذلك على أحسن وجه [2].

كان المترجم علامة عصره، مشاركا متفننا حافظا، دراكة بعيد الغور، عالي الهمة، حسن الأخلاق، له مكارم جمة تنبئ عن شرف أصله، وكرم فضله له التاريخ الشهير المسمى بـ”الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى” وهو مطبوع [3].

 وشهرته تغني عن إطرائه، وله القيام بإنكار البدع والرد على الطرق فيما خرجوا فيه عن السنة، وذلك في تاريخه، وفي رسالة له، تعظيم المنة بنصرة السنة، ولا بدع في ذلك، فإن آل بناصر من المشهورين بنصرة السنة، والوقوف عندها وعلى ذلك أسست زاويتهم، كما أفصح بذلك اليوسي وغيره، وكان للشيخ مشاركة في الفقه، واطلاع ينبئ عن ذلك ما تكلم عليه من النوازل في التاريخ المذكور، وله إلمام بالأدب والشعر يدل على مقداره فيه شعره في التاريخ المذكور، وشرحه البديع لقصيدة ابن الونان المسمى بـ”زهر الأفنان” وهو مطبوع وله غير ذلك، ولولا اشتغاله في التوظف بخطة عدالة في الجمارك المغربية بالمراسي، لخلف أكثر من ذلك، ولما كان موظفا بفاس، كان يدرس المختصر درسا أعجب به من أدركه وصناعته في الدرس صناعة نافعة جدا، أخبرني بذلك من قرأ عليه، توفي ببلده سنة 1315 خمس عشرة وثلاثمائة وألف[4].

درس أبو العباس بمدينة سلا مسقط رأسه، إذ كانت زاهرة العلوم الإسلامية والعربية، بما توفرت عليه من علماء ومدرسين وأساتذة في مختلف العلوم والفنون[5]..

درس القرآن على شيخه الأستاذ الحاج محمد العلو، ثم على شيخه الأستاذ محمد بن الجيلاني الحمادي، فقرأ عليه مبادئ العلوم الراجعة لقراءة القرآن، أخذه عنه بحرفي ابن كثير ونافع، كما قرأ على الأستاذ محمد بن طلحة الصباحي، أثم القراءات السبع على الأستاذ عبد السلام بن طلحة، وعليه تلقى فن التجويد وحفظ المتون والأمهات، كمنظومة الشاطبي، وابن برى، وخلاصة ابن مالك، وتلخيص المفتاح، وابن السبكي، ومختصر خليل، بعد هذه المدرسة، أخذ يدرس علوم العربية على العلامة محمد بن عبد العزيز محبوبة السلاوي الذي يعد عمدته في علوم اللسان والبلاغة والأدب، كما أخذ عن غيره من علماء سلا كالقاضي ابن أبي بكر بن محمد عواد السلاوي وغيره…[6].

لم يكن ابن خالد مقتصرا في أخذه على ما كان نافقا من علوم في عهده، بل كانت همته تتوق إلى الإطلاع على سائر العلوم القديمة الإسلامية، التي لم يسبق للناس اعتناء بها فدرس، علم التفسير وعلوم الحديث والرياضيات والطبيعيات والالهيات وحده في اجتهاد ودؤوب نادرين، وطالع كتب التاريخ القديمة، وانتسخ لنفسه عددا كثيرا من المؤلفات الغريبة منها، كما طالع كتب الجغرافيا القديمة وبعض الكتب الحديثة المترجمة من اللغات الأجنبية، ورسم خرائط ورسوما عديدة بيده في وقت لم يكن أحد يهتم فيه بذلك، أو يتشوف إليه، وقد وقف المؤلف على رسم بيته وخزانته بواسطة ابنه الأديب جعفر، يمثل “بيت الابرة”، دل على مهارة الرجل في الرسم وولوعه بالتخطيط، وكان له شغف بالصحف والجرائد، كالجوائب، وثمرة الفؤاد، وتوجد بخزانته مجموعة منها[7]..

ثم بعد تكوينه الصحيح، تصدى للتدريس في شتى الفنون بفصاحة تساندها قوة حافظة، فكان حاضر الذهن حسن الإيراد.

تنقل المترجم في عدة وظائف في أنحاء المغرب، كخطة العدالة، والصائر على الأوقاف الكبرى بسلا، حتى أن الحوالة الموجودة بإدارة أحباس سلا هو الذي استخرجها، ووقع جل وثائقها، ومن أعماله الطيبة في الأوقاف، أن المدرسة المرينية المشهورة بطالعة سلا قبلة المسجد الأعظم، كانت عند توليه هذا المنصب في حالة يرثى لها، إذ تداعت إلى السقوط، وكاد يأتي عليها الخراب، ويفقدها جمالها، حتى أراد بعض ذوي السلطة أن يتخذها مربطا في هذا الظرف الحرج، قام ابن خالد لذلك وقعد، فكتب على المراجع العليا معرفا إياهم قيمة هذا الأثر المريني الخالد، نعم صادف التفاهة قبولا من الدوائر المعنية، فأجيب بأعمال المتعين في إصلاحها وترميمها، وفعلا قام بذلك، ولولاه لما بقي غير خبرها، كأختها المدرسة العنانية الواقعة بباب حسين من نفس المدينة، أدخل عليها إصلاح في العد الأخير، وصارت محكمة شرعية[8].

وبعد إنهاء مهمته سنة 1895م، انكب بمسقط رأسه على الكتابة والتأليف ومتابعة أعماله الني كان ينجزها وهو يزاول مهامه، وأعرض عن ممارسة أي عمل حكومي إلى أن وافته المنية [9].

مؤلفاته : أشهر مؤلف لأحمد بن خالد الناصري موسوعته التاريخية المتميزة: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، وبه عرف المؤرخ السلوي في كثير من الكتابات الأجنبية، وقد طبع الكتاب أربع مرات…كما تمت ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة الفرنسية، أنجزها مجموعة من المستشرقين منهم كرول وكولان وفومي وإسماعيل حامد وابن المؤلف محمد الناصري… [10].

وقد حظي المؤرخ الناصري مؤلفه الاستقصا بتقريظات كثيرة، فقد نوه به وبمؤلفه الحجوي فقال: كان المترجم علامة عصره، …به التاريخ الشهير المسمى ب الاستقصا لأحبار دول المغرب الأقصى، وهو مطبوع وشهرته تغني عن إطرائه.

وقال عنه ابن إبراهيم المراكشي: ألف التاريخ الكبير في أخبار ملوك المغرب، وسماه “الاستقصا”، ولقد أحسن في تلخيص هذا التاريخ من كتب التاريخ المعمتدة. ومن مؤلفاته المطبوعة ” زهر الأفنان من حديقة ابن الونان”، وهو شرح على أرجوزة ابن الونان المعروفة بالشمقمية وتقع في جزأين. أما المؤلفات المخطوطة فهي كثيرة تقع في حوالي ستة وعشرون مؤلفا. [11].

وتعد الخزانة الناصرية التي يحتفظ بها حفيده أحمد الناصري في جناح خاص ببيته بالرباط، منجما لمؤلفاته المخطوطة، والكناشات الأدبية ضاعت ولم يتبقى منها إلا ما يوجد بهذه الخزانة، ومؤلفات عديدة مغربية ومشرقية أكثرها مخطوطات ومطبوعات، كذلك في حكم النادرة، وأمهات الكتب في علوم مختلفة، كما أنها تضم مجلات أدبية وتاريخية نادرة، لكنها غير مفهرسة، وغير ميسر أمر الاستفادة منها للباحثين على اختلاف شرائحهم وتخصصاتهم[12]..

توفي الناصري يوم 16 جمادى الأولى 1315هـ/ 12 أكتوبر 1897م ، ودفن في بمقبرة باب معلقة بسلا.

الصورة من إنجاز أكرم صبحا

 

[1] –  الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (2/368) الطبعة الأولى 1995م دار الكتب العلمية بيروت لبنان.

[2] –  معلمة المغرب (22/7384) طبعة 1989م مطابع سلا.

[3] –  أعلام الفكر المعاصر بالغدوتين الرباط وسلا لعبد الله الجيراري (1/11)

[4] –  الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (2/369)   الطبعة الأولى 1995م دار الكتب العلمية بيروت لبنان.

[5] –  أعلام الفكر المعاصر بالغدوتين الرباط وسلا لعبد الله الجيراري (1/11)

[6] –  أعلام الفكر المعاصر بالغدوتين الرباط وسلا لعبد الله الجيراري (1/12)

[7] –  أعلام الفكر المعاصر بالغدوتين الرباط وسلا لعبد الله الجيراري (1/12)

[8] –  أعلام الفكر المعاصر بالغدوتين الرباط وسلا لعبد الله الجيراري (1/12)

[9] –  معلمة المغرب (22/7384) طبعة 1989م مطابع سلا.

[10] –  معلمة المغرب (22/7384) طبعة 1989م مطابع سلا.

[11] –  معلمة المغرب (22/7384) طبعة 1989م مطابع سلا.

[12] –  معلمة المغرب (22/7384) طبعة 1989م مطابع سلا.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق