مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةأعلام

ابن رِبّن الطبري (تـ. حوالي 236 هـ)

عبد العزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

 

هو أبو الحسن علي بن سهل رِبّن الطبري، ولد بمدينة مَرْو الموجودة بمنطقة طبرستان. كان والده فلكيا معروفا، فقد ترجم كتاب المجسطي لبطلميوس، وقد تلقى الابن جزءا مهما من تكوينه على يدي الوالد. أجاد ابن ربن عدة لغات، منها اللغة السريانية واللغة اليونانية واللغة الفارسية، كما برع في عدة مباحث علمية، كعلم الفلك والطبيعيات والرياضيات والفلسفة. ويبدو أن انفتاحه على هذه المباحث قد كان من بين الأسباب التي جعلته يَقْصُر اهتمامه على الطب النظري دون العملي، حيث لم يُعرف عنه أنه كان مزاولا لمهنة الطب أو معالجا للمرضى. لكن، لا ينبغي أن يكون هذا الأمر مدعاة للتنقيص من مكانة ابن ربّن العلمية- الطبية، إذ يكفي دلالة على أهمية تلك المكانة أمران على الأقل : أ- تأثير بعض كتبه في الأطباء اللاحقين عليه. ب- تتلمذ واحد من بين ألمع الأطباء الذين شهدهم التاريخ البشري على يديه، والمقصود هنا هو الطبيب الألمعي أبو بكر الرازي (864م- 923م).

   ترك ابن رِبّن العديد من المؤلفات، نشير من بينها إلى: كتاب تحفة الملوك، كتاب منافع الأطعمة والأشربة والعقاقير، في ترتيب الأغذية، الرد على أصناف النصارى، كتاب حفظ الصحة، لكن أهم كتبه هو كتابه المعنون بـ”فردوس الحكمة“. يمكن اعتبار هذا العمل أقدم موسوعة طبية وصلت إلينا من البدايات الأولى للتأليف الطبي داخل الحضارة العربية الإسلامية. تميز هذا الكتاب بشموليته، حيث عالج مجمل الموضوعات الطبية التي كانت معروفة آنذاك. فضلا عن ذلك، فقد تميز أيضا بانفتاحه على جل المدراس الطبية مما أضفى عليه صفة التنوع من حيث مصادره. كما لم يمنع هذا الأمر من حضور شكل معين من أشكال الرؤية النقدية، ويتجلى ذلك في نقد المؤلف لبعض الكتب الطبية السابقة عليه.

   لقد كان الهدف من تأليف هذا الكتاب هو توفير مرجع جامع للمعرفة الطبية بحيث يكون مفيدا للطلاب والأطباء معا. ولا يعني هذا أن الكتاب يحتوي على المعرفة الطبية- الصيدلية فقط، بل إنه يضم كذلك معارف أخرى تتصل بمجالات مختلفة، كعلم الفلك وعلم الحيوان وعلم النبات … اعتمد المؤلف في هذا الكتاب على مصادر تنتمي لتقاليد طبية مختلفة. لذا، فلا عجب أن نجد بين دفتي الكتاب أفكارا وتصورات ترجع لأطباء يونانيين كجالينوس وأبقراط وديوسقيريدس، أو لأطباء هنود أو لأطباء عرب كحنين ابن إسحق وابن ماسويه وابن وحشية … من ناحية أخرى، لم يخل الكتاب من بعض مظاهر التجربة الشخصية الخاصة بالمؤلف.

   خصص المؤلف، على عكس التقليد السائد لدى جل الأطباء العرب، حيزا معينا للطب الهندي. ولم يكن الجمع بين تقليدين طبيين مختلفين تماما، هما الطب اليوناني والطب الهندي، أمرا موجودا لدى معظم أطباء تلك التفرة. أما فيما يخص أهمية الكتاب من حيث تأثيره على اللاحقين، فهناك شواهد متعددة على ذلك، حيث سيأخذ عنه العديد من الأطباء والعلماء، نشير من بينهم إلى أبي بكر الرازي والكرماني والبيروني وابن البيطار والدميري …

   يعالج الكتاب مجموعة من المسائل والقضايا المتصلة بالطب. نجده في البداية يتطرق إلى بعض الأفكار والتصورات الفلسفية العامة، كحديثه عن المادة والأمزجة والنشأة والتحلل … ثم يتحدث فيما بعد عن بعض المسائل الأكثر تخصصا، كتطرقه لبعض القضايا الخاصة بالأجنة وبعلم وظائف الأعضاء، أو تطرقه لبعض القضايا الأخرى التي تتصل بعلم النفس وعلم التغذية. كما يقف على مجموعة من الأمراض متبعا في ذلك المنهج المسمى بـ”الكناشي”، أي وصف الأمراض بدءا من الرأس وصولا إلى القدمين. يتحدث كذلك عن بعض الأمور المرتبطة بالحواس، كالألوان والروائح، وعن علاقة الطعام بصحة الإنسان. كما لم يغفل عن المواد والأدوية المستعملة في العلاج، مع إشاراته إلى بعض المسائل المتعلقة بالسموم. هذا فضلا عن تطرقه للعوامل البيئية والمناخية وعلاقة ذلك بصحة الإنسان.

ذ. عبد العزيز النقر

حاصل على شهادة الماستر في الفلسفة

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق